التقرير العلمي
مقدمة
تشهد المنطقة العربية تحولات استراتيجية كبيرة على
المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وتتعرض منذ
سنوات لحالة من عدم الاستقرار والاضطراب، إذ أضحت مسرحاً لصراعات وحروب
كثيرة، الأمر الذي أودى بها إلى كتلة من الفوضى انعكست بآثارها السلبية
على الحياة بصفة عامة،
وعلى حالة الأمن والاستقرار بصفة
خاصة، وفي خضم تلك الحالة المضطربة وقعت المنطقة العربية تحت تهديد
مشاريع عديدة يسعى كل منها لتمكين نفوذه وفرض سيطرته وتحقيق أجندته.
ولذلك عقد مركز دراسات الشرق الأوسط بالتعاون مع مجلة
المجتمع الكويتية مؤتمراً بعنوان (مشاريع التغيير في المنطقة
العربية ومستقبلها)
في العاصمة الأردنية عمان
في
19-21/10/2009م، واستمر مدة ثلاثة أيام عُقدت خلالها
اثنتا عشرة جلسة قُدم فيها خمسة وعشرون بحثاً علمياً.
وسعى المؤتمر إلى تحقيق الأهداف التالية:
1.
بناء رؤية إستراتيجية عربية موحدة إزاء حركة وتحولات
مشاريع التغيير
الداخلية
والخارجية الجارية في المنطقة العربية حتى العام 2015م، وملامح
الإستراتيجية اللازمة للتعامل معها.
2.
بناء تصور مشترك لمشروع عربي- إسلامي للنهضة والتطور في
المنطقة العربية لتوحيد جهود أبناء الأمة وعلى الأخص بين التيارين
القومي العربي والإسلامي العربي
3.
تقديم تصورات علمية عن
السيناريوهات
المحتملة لطبيعة الصراع والتوافق بين هذه المشاريع في المنطقة العربية
حتى العام 2015م.
وقد دعي إلى المؤتمر نخبة من المفكرين والمثقفين العرب
ذوي الاتجاهات والأطياف السياسية المختلفة، مستشرفين الصورة العامة
لملامح التغيير في المنطقة، والظروف الموضوعية لتطور أو انكماش
المشاريع المؤثرة التي يمكن لها أن تؤثر على صياغة شكل المنطقة.
أما عن الإطار الجغرافي للمؤتمر فهو يتعلق بمشروعات
التغيير في المنطقة العربية فقط، آخذاً بالاعتبار البعد الإسلامي
الحضاري للعالم الإسلامي على صعيد العمق الاستراتيجي والمحيط الحيوي
للمنطقة العربية، ومن الناحية الزمنية يعالج المؤتمر التفاعل بين هذه
المشاريع في الفترة من بداية تسعينيات القرن العشرين- أي نهاية الحرب
الباردة- مع التركيز على ما بعد عام 2000م إلى السنوات
القادمة
حتى 2015م، بهدف وضع السيناريوهات الممكنة لوضع المنطقة وتركيبتها.
ناقش
المؤتمر خمسة مشاريع مؤثرة في المنطقة العربية، صنفت على أنها مشاريع
رئيسية، ولها تأثير مباشر، وهي المشروع الأمريكي والمشروع الصهيوني
والمشروع الإيراني والمشروع العربي القومي
والمشروع
الإسلامي، وأخرى فرعية صنفت بأنها ذات تأثير منخفض على المنطقة، وهي
المشاريع: الأوروبي والتركي والهندي والصيني.
أولاً:
المشروع الأمريكي
في المنطقة العربية ومستقبله
قدمت في هذا المشروع أربع أوراق علمية، هي (التعريف
بالمشروع: مكوناته، أدواته، أهدافه، مصادر قوته)، و(التجربة العملية
للمشروع، نجاحاتها وإخفاقاتها، والإشكاليات الكبرى التي عانت منها)،
و(رؤية الولايات المتحدة لدورها الدولي والمستقبلي والتطورات التي أثرت
عليها خلال العشرين عاما الماضية)، و(سيناريوهات المشروع حتى العام
2015م محدداتها وشروطها وفرص نجاحها).
ذهب الباحثون في مناقشة هذا المشروع على أنه الأبرز ذو
المصالح المتشعبة في المنطقة، فأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية باتت
جاهزة لأن تكون الوجه البديل للإمبراطوريات الأوروبية المتهالكة،
خصوصاً في ظل حالات التراجع في العالم العربي، والاختلاط بين المصالح
الأمريكية ومصالح النظم العربية، فكان هدفها السيطرة المطلقة على
مخزونات الطاقة، باعتبار أن النفط في منطقتنا يقدر بثلثي احتياطي النفط
العالمي، وأن أمريكا بمفردها تستهلك ربع الإنتاج العالمي من النفط،
والسعي لاحتواء النفوذ السوفييتي من خلال الحرب الباردة، والحيلولة دون
بروز منافس دولي، وضمان ولاء وتبعية النظام الرسمي العربي وحمايته من
أي تهديد لبقائه، وحماية الكيان الصهيوني.
ورأى الباحثون أن المشروع الأمريكي نجح في السيطرة على
النفط في المنطقة، وجر العراق إلى حرب استنزاف مع إيران، وجعل مصر في
صف التحالف الأمريكي في وجه روسيا وتحييدها عن الصراع العربي-
الإسرائيلي، وتبدّى نجاح المشروع أيضاً في حصار غزة وانقسام الصف
الفلسطيني وضرب المقاومة بأيدي فلسطينية ودفع الموقف الرسمي الفلسطيني
للتماهي مع الموقف الإسرائيلي، ومحاولات صرف النظم العربية عن مخاطر
إسرائيل، وتحويل الأنظار إلى إيران باعتبارها خطرا على العرب، وتسويقها
لمصطلح "الإرهاب الدولي" الذي يوصف به اليوم كل من يقف ضد أمريكا.
ولكن المشروع -وبالذات مع مجيء إدارة
جورج بوش الابن- قد بدأ وضعه فبتدهور وبتراجع؛ فالعراق وأفغانستان
تحولتا إلى جحيم على القوات الأمريكية، إضافةً إلى فشله والمشروع
الصهيوني في القضاء على المقاومة في لبنان وغزة، انتقالاً إلى تنامي
الاتجاه الدولي نحو تجريم إسرائيل والمطالبة بمحاكمة مشروعها الإجرامي
كما حدث مؤخراً في تقرير غولدستون، وأيضا هزيمة السياسة الأمريكية في
مجال الانتشار النووي؛ حيث فشلت في منع كوريا الشمالية من تحقيق
أهدافها، وأُرْغمت واشنطن على سحب الدرع الصاروخية أمام موسكو، مما
وضعها في موقف حرج، وأخيراً ما أحدثته الأزمة المالية العالمية من
تداعيات خطيرة على القدرات الأمريكية والمصداقية في سياستها ونظمامها
وفكرها الرأسمالي.
أما عن حقبة أوباما فيعتقد الباحثون بأن اللوبي
الصهيوني قد دعمه لرغبة اللوبي بالسيطرة على البيت الأبيض كما كان أيام
كلنتون، ويعتقدون أن نهج أوباما لا يختلف كثيراً عن سلفه من زيادة عدد
القوات الأمريكية في أفغانستان، واستمرار حصار روسيا، مع الاحتواء
المبكر للصين، وموافقته الضمنية على شن حرب على غزة، إضافةً إلى محاولة
أوباما حصر العملية السلمية في تجميد الاستيطان وإعطاءه الضوء الأخضر
للعدو لاستكمال اعتداءاته على الفلسطينيين العزل في ظل عجزه عن إلزام
العدو بأي شيء.
أما الخلاصة التي توصل إليها الباحثون فتأتي بأن
الامبراطورية الأمريكية وصلت إلى مفترق طرق شديد الوعورة على مستوى
مسيرتها كقوة عظمى، وأن القرار الأمريكي تراجع في هذا العقد عن تحقيق
مهمته الإستراتيجية بالانفراد بالقطبية العالمية.
ثانياً:
المشروع الصهيوني في المنطقة العربية ومستقبله
تناول المؤتمر هذا المشروع بأربع أوراق (التعريف
بالمشروع، مكوناته وأدواته وأهدافه، ومصادر قوته)، و(التجربة العملية
للمشروع، نجاحاتها وإخفاقاتها، والإشكاليات الكبرى التي عانت منها)،
و(نقاط الالتقاء ونقاط التعارض والاحتكاك بين المشروع والمشاريع
الأخرى)، و(سيناريوهات مستقبل إسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة
العربية حتى العام 2015م)، وخلص الباحثون إلى أن أداء الدولة العبرية
كان يتسم بوجود نمطين من عناصر التطور: أحدهما يقوم على الثوابت التي
رسمت اتجاهات تطور القدرات الإسرائيلية الشاملة، والثاني يقوم على
المتغيرات التي تعاملت معها المؤسسة الحاكمة طبقاً لتوجهات أيديولوجية
وسياسية وعملية، ولدى متابعة تفصيلات التجربة العملية للمشروع الصهيوني
في تجلياتها الراهنة "خلال السنوات العشر الأخيرة"، تبرز ثلاثة محاور
رئيسة لأداء المشروع الصهيوني:
أولها:
جملة من النجاحات التي حققها المشروع ، تتمثل أساساً بالحفاظ على وجود
إسرائيل وضمان أمنها القومي، وبناء قاعدتها البشرية، والارتقاء بقدرتها
العسكرية والاقتصادية،
وإبداعها في التخطيط الاستراتيجي لأهدافها واستخدامها التكتيكات
الملائمة، وعملها في إطار منظم في جمعيات خيرية ومنظمات، وتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية
العالمية، كما يتضح أنها غدت إحدى الدول الرائدة في مجالات التقدم
العلمي والتكنولوجيا الراقية والصناعات العسكرية.
ثانيها:
جملة من الإخفاقات التي عانى منها المشروع ، وتتمثل أساساً بتضاؤل
الأيديولوجيا وتآكل منظومة القيم الصهيونية التقليدية، واستمرار انحسار
مكانة "الموشافات والكيبوتسات"، والتحول إلى الخصخصة، وتراجع معدلات
الهجرة وازدياد ظاهرة النزوح، واضطراب مؤسسات الحكم والأداء القيادي، ومشكلات
بنيوية وارتباك في جهاز التعليم، واستفحال
ظاهرة الفساد السياسي والعام والجريمة، وتفاقم المشكلات والتوترات
الاجتماعية، وصدمة الانتفاضة الفلسطينية، والعجز عن حسم الصراع مع
الفلسطينيين، وفك الارتباط عن قطاع غزة والإخفاق بالقضاء على المقاومة
وعلى رأسها حركة حماس، والإخفاق في الحرب على لبنان، وفتور التطبيع مع
مصر والأردن.
ثالثها:
جملة من
الإشكاليات
التي واجهت ولا تزال تعترض المشروع، وتتمثل أساساً بمعطيات الجغرافيا
السياسية والموارد، وتأثيرات الهجرة الروسية على المجتمع الإسرائيلي،
ومسألة هوية الدولة وخصائصها، وتقديس الجيش، ومسألة العسكرة والتنشئة
العنفية وانعكاساتها، والعلاقات المدنية- العسكرية، وقدرة الجيل
الإسرائيلي الحالي على متابعة المشروع الصهيوني، وتوجهات حل الموضوع
الفلسطيني، والمسار الاستراتيجي للصراع العربي- الإسرائيلي، والتحديات
الخارجية الرئيسة الراهنة، والعلاقات مع المحيط العربي، ومتغيرات
الأوضاع والعلاقات دولياً وإقليمياً، وأخيراً التصورات المستقبلية
اليهودية لمستقبل الدولة، وعلى هذا يتبين أن نقاط الضعف والاشكاليات
التي يعاني منها الكيان الصهيوني أكثر بكثير من نقاط القوة التي يتمتع
بها.
وناقش الباحثون نقاط الالتقاء والتعارض والاحتكاك بين
المشروع الصهيوني والمشاريع الأخرى, إذ إن المشروع الصهيوني يتقاطع
تماماً مع المشروع الأمريكي في المنطقة العربية، أما ما يتعلق بالمشروع
الصهيوني الإيراني؛ فإن التعارض القائم بين المشروعين لا يقتصر على
طموح إيران امتلاكها السلاح النووي، بل يتعدى وجودها كقوة إقليمية
فاعلة بالقرب من آبار النفط، ودعمها لحركات المقاومة في المنطقة.
أما فيما يخص نقاط الالتقاء في المشروع الصهيوني التركي
فتبينت بوجود الحاجة التركية للكيان الصهيوني كمصدر لبعض المعدات
العسكرية المهمة؛ لرصد حركة المقاتلين الأكراد، إضافة إلى اضطلاع تركيا
بدور الوسيط بين إسرائيل وسوريا، وحاجة تركيا إلى اللوبي اليهودي في
أمريكا لمنع تمرير قانون في الكونجرس يعترف بـ "الإبادة الأرمنية"، وعن
علاقة المشروع الصهيوني بالمشاريع الأوروبي والهندي والصيني، فبين
الباحثون أنها علاقة تحالف وثيقة تقوم على مصالح متبادلة من حيث
العلاقات العسكرية والاقتصادية والأمنية، وأنها علاقة استراتيجية تقوم
على وحدة الهدف لهذه المشاريع، وأخيراً عن علاقة المشروع الصهيوني
بالمشروعين القومي العربي والاسلامي فبين المؤتمر أنها علاقة عداء
وصراع مستمرين وليس هناك أي نقاط للالتقاء بينها، فتقدم المشروع
الصهيوني سيكون على حساب هذه المشاريع وتراجعه سيكون تقدماً لهذه
المشاريع.
قدمت الأوراق سيناريوهات مختلفة لهذا المشروع، وهي
أولاً: أن الكيان يخطط لمشروع فرض نظام جديد في الشرق الأوسط يشمل
لبنان وسوريا والعراق بعد أن تمت تسويات مع مصر والأردن وموافقة
سعودية، ثانياً: حل القضية الفلسطينية بالتوصل إلى دولة فلسطينية
منزوعة السلاح، وثالثاً: إلقاء مسألة اللاجئين على عاتق الدول العربية
لإيجاد حل لها، أي على حساب الدول العربية وليس على حساب الكيان الذي
لا ولن يعترف بالنكبة، وبالتالي لن يعترف بقضية اللاجئين.
ثالثاً:
المشروع الإيراني في المنطقة العربية ومستقبله
رأى الباحثون في أوراقهم- (التعريف بالمشروع، مكوناته،
أدواته، أهدافه، مصادر قوته)، و(التجربة
العملية للمشروع، نجاحاتها وإخفاقاتها، والإشكاليات الكبرى التي عانت
منها)، و(أنماط
تحالفاته وعلاقاته الإقليمية والدولية ودورها في خدمة المشروع أو
تعويقه)، و(نقاط الالتقاء والتعارض والاحتكاك بين هذا المشروع
والمشاريع الأخرى)، و(التحديات والفرص وسيناريوهات المشروع حتى العام
2015، محدداتها وشروطها وفرص نجاحها)- رأوا
أن المشروع الإقليمي لإيران يرتبط بجملة أهداف وطموحات،
يتعلق بعضها بضرورات الأمن القومي، وبعضها بجانب عقدي مذهبي، وبتطلعات
نحو تكريس الهيمنة على ما ترى إيران أنه الحلقة الأضعف في جوارها
الإقليمي المضطرب في سبيل تحسين موقفها التفاوضي مع الغرب، والحصول على
أقصى قدر من المكاسب التي من بينها الاعتراف بالسيادة الإقليمية لطهران
على المنطقة.
وقد كانت المنطقة العربية هي البيئة الأفضل لتمرير
المشروع الإيراني، بسبب ضعف دولها وصراعاتها وفرص اختراقها المتاحة،
وكذلك بسبب قضية فلسطين التي مثلت وما زالت حجر الزاوية لإنجاز المشروع
وتسويق أفكاره باتجاه كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج، حيث استثمرت
طهران القيمة الرمزية لهذه القضية عربيا وإسلاميا لتضع فيها ثقلها
السياسي والدعائي، ولتقدم نفسها بوصفها المدافع الوحيد عنها، ويُقدر
الباحثون بأن المشروع الإيراني يمضي بقوة وثبات، ولكنه يواجه مشكلات
ومصاعب، تتمثل بشكل خاص في الوضع الاقتصادي المتراجع الذي يتزايد بسبب
العقوبات الدولية وسواها، والانقسام الداخلي الذي ظهر جليا في
الاحتجاجات الأخيرة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي ما زالت محتدمة
ومرشحة للتطور وتهديد أبرز مرتكزات النظام المتمثلة بالسطوة التي تعطي
رؤوس النظام في إيران سلطات مطلقة ظلت تميزه خلال ثلاثين عاما حتى مع
وجود الانتخابات.
أما فيما يتعلق بشأن التحديات والفرص وسيناريوهات
المشروع حتى العام 2015م، فخلص الباحثون بأن الحرب على العراق وضعت
حداً لتمدد هذا المشروع، وفي المقابل فإن من نقاط قوتها أنها عادت أقوى
من ذي قبل اثر تخلصها من نظام صدام حسين الذي كان في وجهها، وتخلصها
كذلك من نظام طالبان، كما أنها تملك العديد من أوراق القوة في العراق
وأفغانستان ولبنان وفلسطين، في الوقت ذاته فإن عوامل الضعف في المشروع
الإيراني تتمثل في البعد المذهبي في الثقافة الإيرانية الشيعية لما
يمثله من قلق للشارع العربي، إضافةً إلى قلق دول الجوار من الطموحات
الإيرانية مما يجعل الدول العربية تعزز من تحالفاتها مع أمريكا على
حساب إيران ومشروعها، وعدم تقديمها نماذج جذب ثقافية ترفيهية يمكن أن
تجذب جماهير الشارع العربي، ومن الملاحظ أن فرص المشروع الإيراني في
صعود مستمر نتيجة لتردي حالة الأنظمة العربية ومأزق المشروع الأمريكي،
وازدياد ثقافة المقاومة في المنطقة، مما يؤهل إيران لاستخدام أوراق
قوتها في الوقت الذي تشاء كما ظهر ذلك جلياً في الأحداث التي دارت بين
الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي التي تمولها إيران.
رابعاً:
المشاريع الأخرى:
التركي والأوروبي والصيني والهندي
عرض المؤتمر هذه المشاريع بورقتين تناولت الأولى:
المشروعين التركي والأوروبي، والثانية: المشروعين الصيني والهندي.
بالنسبة لتركيا هناك عدة عوامل تجعل من الدور التركي
دوراً فاعلا في المنطقة، فتركيا تمتلك رؤية استراتيجية لسياسة خارجية
تقوم على استغلال الموقع الجيوبولتيكي، وعلى العلاقات التاريخية
التركية مع دول الجوار من أجل تحقيق المصالح التركية السياسية
والاقتصادية والعسكرية في المنطقة من خلال تصفير
المشكلات "Zero Problems"
في
علاقاتها مع دول الجوار، وبناء علاقات إيجابية مع جميع دول المنطقة من
آسيا إلى أوروبا، والعالم العربي إلى أفريقيا، إضافة إلى عامل عدم
انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها تلتفت للمنطقة، وهذا
يظهر جلياً في حجم التبادل التجاري بين دول الخليج العربي وتركيا الذي
تضاعف أربع مرات خلال السنوات السبع الأخيرة، أي في عهد حزب العدالة
والتنمية الحاكم، ليصل التبادل التجاري إلى 9 مليارات دولار، وهذا يفسر
قيام تركيا بتوسيع علاقاتها مع دول الخليج في توقيع اتفاقية الشراكة
الخليجية- التركية، وموقف تركيا الأخير من حرب غزة.
أما المشروع الأوروبي فرأى الباحث أنه خطير على
المنطقة؛ فأوروبا هي التي هندست النظام الإقليمي العربي منذ نشأته، وهي
وراء تفكيك المنطقة ونشوء الدولة القطرية الحالية، وهي التي أجهضت حلم
الوحدة العربية بعد الحرب العالمية الأولى إثر اتفاقية سايكس- بيكو
1916م بين فرنسا وبريطانيا، كما أن أوروبا كانت خلف المشروع الصهيوني،
فوعد بلفور 1917م الذي أصدرته بريطانيا هو مشروع أوروبي قامت بريطانيا
على تنفيذه بانتدابها على فلسطين، أما حاليا فإن المشروع الحالي لا
يختلف عن المشروع القديم المرتبط بسايكس- بيكو 1916م، إلا أن الوسائل
جديدة وبثوب جديد، فلا زال يطمح للسيطرة على خيرات المنطقة وضد أي
تحالف فيها، كما أن الاتحاد الأوروبي رغم شعار الديمقراطية عمل ضد وصول
الحركات الإسلامية إلى السلطة حتى عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة
كما حدث في الجزائر وفلسطين، وأخيرا يرى الباحث أن المشروع الأوروبي
للمنطقة امتداد للمشروع الاستعماري في بداية القرن العشرين، وله مشروع
متطور مع الظروف الإقليمية والدولية والتطور داخل المنطقة العربية من
أجل استمرارية هندسة القرن العشرين من التمزيق والتفتت وهيمنة الكيان
الصهيوني، كما أنه يشكل خطورة على المنطقة العربية عكس المشروع التركي
أو الرؤية التركية لسياسة أحمد داود أوغلو التي تلتقي مع المصالح
العربية ويعيد ذكرى الوحدة الإسلامية والعربية عندما كانت تتبنى
الرابطة العقدية، ويذكر أن أوروبا غير مرتاحة للولايات المتحدة لأنها
حلت مكانها في المنطقة العربية خاصة في المصالح البترولية أو التعامل
التجاري والوجود العسكري.
وبالنسبة للصين والهند فليس ثمة مشروع يذكر لدى أي
منهما، وإن اهتمام كل من الصين أو الهند في المنطقة العربية قائم على
تطوير علاقاتهما مع المنطقة لتأكيد وحماية مصالحهما في الحصول على
النفط والغاز، والعمالة، والأسواق، ورؤوس الأموال، فضلاً عن المساندة
في المحافل الدولية لقضاياهما، وليس من المستبعد أن يكون لكل من الصين
أو الهند مطامع لتغيير في الشرق الأوسط في المستقبل، وإن الشرق الأوسط
وبخاصة المنطقة العربية تمثل فراغاً سياسياً، وقيادياً، وعسكرياً،
وتخلفاً في التنمية البشرية.
ويرى الباحث أن على المنطقة العربية إذا أرادت ألا تكون
موضوعاً في السياسة الدولية، وهدفاً لمشروعات التغيير من القوى الدولية
أو الإقليمية، أن تعيد النظر في أوضاعها السياسية، والاستراتيجية،
والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها.
خامساً: المشروع الإسلامي
ومستقبله
في هذا المحور تناول المؤتمر أربعة عناوين: (التعريف
بالمشروع: مكوناته، أدواته، أهدافه، هويته، ومصادر قوته)، و(التجربة
العملية للمشروع، النجاحات والإخفاقات والإشكالات والمآزق الكبرى)،
و(أنماط تحالفاته وعلاقاته الإقليمية والدولية، ودورها في خدمة المشروع
أو تعويقه)، و(التحديات والفرص سيناريوهات شكل المنطقة العربية في ظل
تفاعل المشروع مع المشاريع الأخرى حتى العام 2015م).
يدرس الباحثون هذا المشروع ومستقبله منطلقين من تحوله
إلى ظاهرة عالمية تنتمي إليها كمدرسةٍ واتجاهٍ أعدادٌ ضخمة من المنظمات
والجمعيات والنقابات والأحزاب والمؤسسات، ويمكن أن يعرف على أنه
المشروع الذي يدعو إلى النهضة الشاملة التي تبدأ بمقاومة الاحتلال
وإخراجه من بلاد المسلمين، والانطلاق في عملية إصلاحية شاملة تهتم
بجميع مناحي الحياة، متطرقين إلى مكونات المشروع، وعلى رأسها:
أولاً:
فكرة مناهضة الخواء الروحي والمادي الطاغية على مختلف مناحي الحياة.
ثانياً:
القادة والرموز والناطقون باسم المشروع مثل محمد بن عبدالوهاب وحسن
البنا وغيرهم الكثير.
ثالثاً:
منظمات ومؤسسات ذات وجود قانوني تحمل الطابع الإسلامي في مختلف
المجالات الاجتماعية والخيرية والاقتصادية والمالية والإعلامية.
رابعاً:
الجمهور الذي يعد من أبرز نقاط قوة هذا المشروع.
خامساً:
تاريخه العريق المليء بالتفاعلات والأحداث التي عرفت التحديات والمصاعب
والوقوف في وجهها والتغلب عليها.
يعتقد الباحثون أن هوية المشروع ومبررات وجوده تنطلق من
حاجة الأمة وشعوبها إلى الحياة بعدل وحرية في ظل دينها الحنيف ونظامه
الشامل، وأمام شعورهم بالظلم في ظل الاحتلال والهيمنة الغربية وتفوق
الكيان الصهيوني، إضافة إلى فساد الحكام والأنظمة العربية ورفضهم توفير
الحرية والديمقراطية وعجزهم عن تحقيق التنمية والرفاه الشاملين.
وتتلخص رسالة المشروع بتحرير الأمة من كل القيود
الاستعمارية
الأجنبية والسياسية الحالية التي تعيق نهضتها الحضارية
الشاملة والعمل على تحقيق وحدتها وإعادة تشكيلها وفق الشريعة
الإسلامية.
وأهدافه
هي مقاومة الاحتلال حيثما كان في الأمة الإسلامية، وبذل الجهد لتوفير
الحريات في المجتمعات الإسلامية ومقاومة الظلم، وتحقيق مشروع الوحدة
العربية والإسلامية، والعمل على تأهيل الأمة لتكون قوة دولية كبرى
قادرة على حماية نفسها ورعاياها.
أما أدوات المشروع فهي الدعوة والتربية
الإسلامية المنطلق والأساس باعتبار أن أصل المشروع الإسلامي كله دعوة
وأول من بناه هم الدعاة إلى الله، والنضال السياسي الذي هو أكبر
الأدوات التي يستعملها أصحاب المشروع الإسلامي، حتى صار لدى بعض
الحركات الإسلامية اختصاصا لهم، والعمل الخيري والاجتماعي كالشبكات
الواسعة والممتدة والمتنوعة في مختلف مجالات العمل التطوعي لا سيما
الخيري والإغاثي منه، لتمكين المشروع، والعمل الإعلامي والفني حيث عرف
المشروع طفرة كبيرة من الاهتمام والتخطيط ومحاولات التأسيس لمختلف
الوسائل الإعلامية، والنشاط المالي والاقتصادي، والجهاد والمقاومة
المسلحة، حيث إن المشروع منذ تأسيسه وحيثما وجد يعطي الأولوية لمواجهة
الاحتلال، وقد شارك دعاتُه في كل الثورات والانتفاضات ضد الغزو
الخارجي.
أما مصادر القوة في المشروع الإسلامي فأبرزها:
الدعم الرباني والنصرة الإلهية، والقوة المعنوية التي يتمتع بها
أفراده، والدعم المادي والمعنوي الذي يستفيده من مختلف الشرائح
المتعاطفة معه، وضعف المشاريع المنافسة له من داخل العالم العربي
والإسلامي، والحساسية المفرطة لدى المجتمعات العربية والإسلامية من
المشاريع الأجنبية المحاربة له، وتراجع المشروع الصهيوني والمشاريع
الغربية المساندة له، وقدرة المنظمات والمؤسسات والحركات الإسلامية على
الثبات في وجه المصاعب والتحديات، وتنوع التجارب وتراكم الخبرة.
وفي التجربة العملية للمشروع من حيث نجاحاته واخفاقاته
والاشكاليات والمآزق التي يتعرض لها، استعرض الباحثون التجربة على
النحو التالي:
أولاً:
نجاحات المشروع الإسلامي
للتغيير
في الاستجابة للتحديات التي تفرضها البيئة الاقليمية والدولية أكبر من
نجاحاته في الاستجابة للتحديات النابعة من ذاته وبنيته التنظيمية
والفكرية، وتلك التي تفرضها البيئة الداخلية؛ فالمشروع الإسلامي الذي
واجه بقدر كبير من الفاعلية تحديات وهيمنة وعدوان المشاريع الأمريكية
والصهيونية والأوروبية، هو ذاته لم يفلح ولو بقدر أقل في التعامل مع
تحدياته الداخلية، من قبيل الأزمة القيادية أو التنظيمية أو بلورة
مشروعه
الحضاري
والسياسي، أو التحديات التي تفرضها على الأنظمة الحاكمة في المنطقة
العربية.
ويلاحظ بأن المشروع الإسلامي للتغيير لم يخرج في تعامله
الناجح عن المعادلة التقليدية التي عرفتها مجتمعاتنا تاريخيا، أيهما
ينبغي التصدي له بداية، وهل على نفس الدرجة "استبداد الداخل"، أو
"هيمنة الخارج".
ثانياً:
تعد نجاحات المشروع الإسلامي للتغيير من قبيل النجاحات على المدى
القصير والمتوسط، أما على المدى
الاستراتيجي
طويل الأمد فإن المشروع لم يحقق اختراقا فعليا أو نقلة نوعية في
استجاباته على مجمل التحديات التي تواجهه عمليا، خاصة في ظل هيمنة
المشروع الأميركي الصهيوني.
ثالثاً:
إن اخفاقاته على مستوى الخطاب السياسي ارتبطت بتراجع عملية التجديد
الفكري والفقهي.
رابعاً:
إن استجابات المشروع الإسلامي للتغيير في التعاون والتحالف مع المشاريع
الأخرى داخل المنطقة العربية والإسلامية كالمشروع القومي العربي
والوطني ما تزال في بداياتها وهي دون المستوى المطلوب والمأمول، فضلا
عن أن المشروع القومي العربي هو ذاته أيضا لم يتقدم عمليا باتجاه
التحالف مع المشروع الإسلامي.
ومن
ثم يتعرض الباحثون إلى أنماط تحالفات المشروع وعلاقاته الاقليمية
والدولية
مبينين
فاعلية وقدرات الحركات الحاملة لمشروع التغيير والإصلاح الإسلامي والتي
تتوقف على محددات، أهمها:
أولاً- علاقة أنظمة الحكم القائمة بالقوى السياسية
الإسلامية
وتنحصر
إستراتيجيات
الأنظمة السياسية في كيفية التعامل مع الإسلاميين في أربع:
أ- إستراتيجية الإدماج التدريجي داخل النظام السياسي.
ب- إستراتيجية التضييق والمحاصرة والتحجيم، وتستعمل ضد
التيارات التي اندمجت فحصدت نتائج سياسية جيدة.
ج-
إستراتيجية التجاهل واللامبالاة للقوى الإسلامية التي
لا تحظى بتجذر جماهيري واسع، وتبقى ذات طابع نخبوي أو قريب من ذلك.
د-
إستراتيجية الردع والزجر، وتنتهج ضد التيارات التي
تنطلق من العمل العنيف الخارج عن إطار القانون ضد السلطة وأجهزتها وضد
المجتمع.
ثانياً – علاقات النظم السياسية مع الغرب
يلاحظ أن المشروع الإسلامي يتعرض لمزيد من الضغوط في
ضوء علاقات النظم
السياسية
مع الغرب، التي قد تصل في مستويات معينة إلى التماهي بالتنسيق في
مواجهة المشروع الإسلامي الذي صوّرته وسائل الإعلام الغربية والصهيونية
على أنه التحدي الأخطر أمام بقاء الحكام في مناصبهم، وتعددت سياسات
النظم الحاكمة في التالي:
-
الضغوطات السياسية عبر نهج سياسة التهميش والتجاهل.
-
الضغوطات القضائية بفتح ملفات خاصة بهذه القوى السياسية
والاجتماعية لدى المحاكم المدنية أو العسكرية.
-
الضغوطات القانونية برفض الاعتراف القانوني بوجود هذه
التيارات أو الجمعيات كتنظيمات مدنية أو أحزاب سياسية، برغم وجودها
الفعلي كقوى اجتماعية وسياسية، واعتماد سياسة المراوغة والصرامة
الإدارية.
-
الضغوطات المادية والردعية من خلال ضرب القوة المادية
والاجتماعية للتيارات والحركات.
-
الضغوطات الاستفزازية بالتضييق على الأنشطة والبرامج
المزمع عقدها، والتشدد في التعامل معها؟
-
الضغوطات الإعلامية عبر عدم استدعاء هذه التيارات
والقوى التي تمثلها للأنشطة الإعلامية التي تنظمها السلطة، ومنعها من
الحضور في وسائل الإعلام، للتعبير عن مواقفها وإظهارها بمثابة الفئة
المعزولة والمحدودة التأثير.
وأخيراً يؤكد الباحثون
أن من مدعمات هذا المشروع اجتماع غالبية الأمة العربية
عليه، وثقة الجماهير في منهج الإسلام شعور الأمة بخطر المشاريع الأخرى،
وأن المستقبل لهذا المشروع مع انكفاء المشاريع الأخرى في المنطقة،
ولكنه يحتاج إلى وقت غير قصير حتى يصبح مشروعا حاكماً في الوطن العربي.
سادساً: المشروع العربي القومي ومستقبله
طرح المؤتمر في هذا المحور أربعة عناوين: (التعريف
بالمشروع، مكوناته، أدواته، أهدافه، هويته، ومصادر قوته)، و(التجربة
العملية للمشروع، النجاحات والإخفاقات والإشكالات والمآزق الكبرى
للمشروع) ، و(أنماط تحالفاته وعلاقاته الإقليمية والدولية، والتيارات
الحاملة له، ودورها في خدمة المشروع أو تعويقه)، و(التحديات والفرص
وسيناريوهات المستقبل أمام المشروع ومحدداتها ومتطلباتها).
تناول الباحثون بدايات المشروع العربي كمشروع سياسي منذ
نهايات القرن التاسع عشر، كرد على سياسة التتريك التي مارسها
العثمانيون، وأول من بدأ هذا المشروع هم نخبة الأمة العربية من مثقفين
وأثرياء، وعرّف الباحثون المشروع على أنه مشروع فكري سياسي يسعى إلى
توحيد الأقطار العربية في وطن عربي واحد كبير، وإلى توحيد الشعوب في
أمة عربية واحدة، تعيش في ذلك الوطن وتقيم دولتها عليه ضمن حدوده
الجغرافية.
أما مكوِّن المشروع فهو مكوِّن وحيد هو وحدة الأمة
العربية فقط، وأنه لا يرتبط بواقع مشكلات المجتمعات والشعوب، وهذا مما
يحسب على المشروع، إضافةً إلى إشكالية ترسخ الواقع القطري، بمصالحه
النفعية وثقافاته المتعارضة أحياناً مع الثقافة القومية، وإشكالية
الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة الذي سيحارب بكل طريقة وبكل أداة
داخلية وخارجية أية محاولة لتوحيد العرب، وإشكالية ضعف وتمزق المجتمع
المدني العربي.
واستعرض الباحثون أنماط تحالفات هذا المشروع وقسموها
إلى تحالف نظري بين البلاد التي تكون أهدافها مشتركة أو قريبة
من بعض دون تحالف واحد يجمعهم، وتحالف واقعي، أي إنه حين يتحرر
قطر عربي من الاستعمار فسوف يتوجه بالتأكيد نحو الوحدة مع الأقطار
العربية التي سبقته في التحرر، وتحالف واختلاف كتآلف المعارضة الذي
يجمع البعثيين والناصريين، وكاختلاف كما بين حزب الله والتيار الوطني
الحر في لبنان.
وقد أشار الباحثون
في استعراضهم لمحددات هذا المشروع إلى الأمور الخمسة الآتية:
الأمر الأول هو الحكام والمحكومين وتحدثوا في إطارها عن الطبقات
الحاكمة والجماهير العربية، والأمر الثاني هو الإرادة السياسة
العربية، أما الثالث فهو المرجعية الشرعية، والرابع فهو المرجعية
الوضعية، والخامس الدين والدولة.
أما فيما يتعلق بسيناريوهات المستقبل حتى 2015م فقد رسم
الباحثون ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول:
تدهور الوضع القائم، حيث توقعوا ضمن هذا السيناريو عدة أمور، كالتسوية
في ظل التجزئة، أو غياب مشروع نهضة معاصر، أو الحرب الباردة العربية
الجديدة.
السيناريو الثاني:
الدفعة القوية، حيث توقعوا خلاله عقدا عربيا جديدا، وأبرز سماته هو رد
اغتراب العروبة، ونظام تأسيس أمن قومي عربي، وتدعيم البنية الأساسية
للنظام العربي.
السيناريو الثالث:
الإقلاع، وهو الحديث عن المعركة القومية العربية، وحقائق النظام
العالمي الجديد ومآزقه.
وخلص الباحثون إلى أن تجسيد المشروع يحتاج إلى توليد
نخبة ملتزمة بالنهضة.
سابعا: مستقبل المنطقة العربية
في ظل هذه المشاريع في العام 2015م
قدم في هذا الإطار بحثان، حاول الباحثان فيهما استقراء
مستقبل المنطقة العربية ورسم صورة عامة المعالم لمشاريع التغيير، إلا
أن هذا الاستشراف من الصعوبة بمكان نتيجة حالة "كراهية الذات" التي
تسود الوضع العربي إثر حالة التيه الحضاري منذ أن احتلت الأرض المقدسة
حسب وصف الباحثين.
ويحدد الباحثان دراستهم في المحاور الآتية:
أولاً:
السياق التاريخي للتغيير في المنطقة العربية "خصوصية الزمان" ويحدد
بانتقال الحالة العربية من مؤثر دولي أساسي إلى متأثر غائب لا تقدير
له، ومن مركزية النخبة إلى تشتت الجماهير والقوى المجتمعة، ومن
المشاريع الاقتصادية السياسية إلى المشاريع الثقافية الاجتماعية.
ثانياً:
الظروف الموضوعية لتطور هذه المشاريع ويلامس فيها أن عملية الحكم في
العالم العربي انتقلت من مجال السياسة إلى مجال الإدارة، والإحباط
العام وكراهية الذات، وضعف المناعة الحضارية، وعدم القدرة على المنافسة
في عالم الرموز الحضارية، وعمليات الفرز الحضاري العكسي.
ثالثاً:الظروف
الذاتية للمشاريع المتنافسة، وتدرس خلالها الشروط الذاتية لتلك
المشاريع، بالكلام عن تصادم المشاريع الخارجية مع منظومة القيم العامة
المشتركة للأمة العربية، وعدم قدرة المشاريع الوافدة على تقديم البديل
المناسب للواقع العربي، وانتهازية ونفعية المشاريع الوافدة، وفقدانها
الشرعية في ذاتها لافتقادها الشرعية الأخلاقية.
رابعاً:
منطلقات التعامل مع المشاريع الوافدة، وتعرض من خلالها نقاط ما يمكن
تصوره كمنطلقات للتعامل مع المشاريع الوافدة،وهي الحفاظ على الوجود هو
المصلحة العليا المطلقة، وتحديد الأمن القومي العربي من منطلق شامل
وعام يتضمن الأمن الاستراتيجي والسياسي وكذلك الأمن الاقتصادي
والاجتماعي والثقافي، والوصول إلى تحديد للمصالح العليا للأمة مع
الاعتراف بوجود مصالح جزئية وفرعية
وخاصة لكل دولة ومجتمع على حدة، والتفرقة الدقيقة بين
المشترك الإنساني وبين الخصوصيات الحضارية.
خامساً:
محددات مشروع عربي إسلامي يستطيع مواجهة المشاريع الوافدة ويدرس من
خلالها الملاحظات التي يمكن أن تؤطر التفكير في هذا المجال، وهي: أن
تكون نقطة الانطلاق في ما وراء الأيدلوجيا وما قبلها، والانطلاق من
القيم الجامعة، والإقرار بحقيقة التعدد الإنساني والتنوع في الطاقات
والقدرات والاختيارات، والانفتاح على العالم من موقع القدرة والقوة
والعزة والتمسك بالهوية والذات الحضارية، وإدراك خصوصيات الزمان وحدود
الحركة فيه.
ورأى الباحثان أن التغيير وبرغم أنه عملية ديناميكية
متحركة باستمرار، إلا أنه ينبغي أن يخلق قدرا من الاستقرار النسبي
"بيئة مستقرة"، عبر الحفاظ على الطابع المؤسسي الشرعي القائم بالرضا
والقبول، وأن يرى القيمون على التغيير أن هناك نقصاً دائماً، وأن عليهم
الالتزام بمعالجته وتحسينه مهما واجهوا من من مصاعب جمة على امتداد
الزمن.
ويطالب الباحثان أن يكون مشروع التغيير ذاتياً، نابعاً
من الذات، منبثقاً من التجربة المحلية التي يختلط فيها الابداع
بالمعاناة، والتراث بالمعاصرة، والهوية الوطنية القومية بالانفتاح على
الآخر.
وينتهي الحديث عن هذا المستقبل بالقول: إنه لا مستقبل
للعرب في ضوء هذه المشاريع الهجومية، ما لم يعدوا العدة لبناء مشروعهم
الخاص الهادف للحفاظ على هويتهم الحضارية وخصوصيتهم الثقافية، مع
التطلع نحو آفاق المستقبل متسلحاً بالعلم والمعرفة وفق خطط بعيدة المدى
تُجاري روح العصر، ضمن حركة متوازنة تحفظ الذات وتحافظ على الصلة مع
الآخر، ولكن من غير تنازل عن السيادة أو الاستهانة بالكرامة.
ثامناً: الرؤية الاستراتيجية
للمؤتمر
خلص المؤتمر إلى أهمية العمل على بلورة رؤية استراتيجية
عربية لمواجهة مشاريع التغيير الخارجية في المنطقة، وحماية مكونات
الأمة الحضارية واستقلالها، وتوصل المؤتمر في نهايته إلى تصور متكامل
لهذه الرؤية يتعامل مع مختلف المشاريع وتحدياتها.
وتشمل هذه الرؤية الاستراتيجية ما يلي:
1.
التحديات التي تمثلها المشاريع الخارجية:
المشروع الأمريكي والمشروع الصهيوني والمشروع الإيراني،
والمشاريع الأخرى حيث تبعية المشروع الأوروبي للمشروع الأمريكي وعدم
فاعلية المشاريع الروسية والتركية الصينية والهندية في المنطقة
العربية.
2.
الإمكانات العربية والإسلامية في مواجهة هذه المشاريع.
3.
الاستجابة العربية والإسلامية المطلوبة للتعامل مع هذه
المشاريع.
4.
الخطوط العامة (للاستراتيجية العربية المستقبلية) أو
للمشروع العربي الإسلامي.
وفصّلت الرؤية في المطلوب عربياً في مواجهة المشاريع
الخارجية أو التعامل معها، وبينتها بدعم وتبني المقاومة الشاملة، وحشد
الطاقات العربية السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وأخيراً ختمت الرؤية الاستراتيجية للمؤتمر بتبيان أهداف
المشروع العربي الاسلامي، وأهمها:
1.
ضمان استقلالية الإرادة العربية في مواجهة الهيمنة
الإقليمية والدولية.
2.
تحقيق الحكم الرشيد القائم على الحرية والديمقراطية
والمشاركة السياسية الواسعة.
3.
تحقيق التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية
4.
بناء النهضة الحضارية وتدعيم القيم العربية الإسلامية.
5.
ضمان الأمن القومي العربي وحمايته.
6.
تحقيق التكامل العربي في مواجهة التجزئة.
7.
تخليص البلاد العربية من الاستعمار، والاحتلال، ومواجهة
الهيمنة، ومواجهة عمليات طمس الهوية.
تاسعاً: توصيات المؤتمر
من أجل تطوير واقع الأمة على المدى القريب لتحقيق
إمكانية إنجاح الرؤية الاستراتيجية التي خلص إليها في تعامل المنطقة
العربية
مع عمليات التغيير حتى العام 2015م، أوصى المؤتمر بما
يلي:
1.
دعوة كافة المؤسسات الرسمية، والقوى الشعبية العربية
بكل توجهاتها إلى وضع الخطط ومشاريع العمل المشتركة لحماية الأمة
وسيادتها وثرواتها، مستنداً إلى مبادئ الرؤية الاستراتيجية التي توصل
إليها المؤتمر.
2.
حث قيادات المشروعين القومي العربي والإسلامي ونخبهما
إلى التوصل إلى مشروع يقوم على القاسم المشترك الأعظم لمواجهة الأخطار
الداهمة في المنطقة العربية.
3.
دعوة الأمة العربية بكل مكوناتها إلى تبني ودعم مشاريع
المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار في كل من فلسطين ولبنان والعراق
والصومال والسودان، خاصة بعد أن أثبتت هذه المشاريع قدرتها على هزيمة
الاحتلال الصهيوني، والغزو الأمريكي، والتدخل الصهيوني - الأمريكي في
أكثر من بلد عربي.
4.
الدعوة إلى اعتبار إنهاء المشروع الصهيوني وتحرير
فلسطين الأولوية القصوى لكل أبناء الأمة العربية، بوصف هذا المشروع
المدخل الأخطر لتهديد مصالح الأمة ووجودها، ولأنه يعمل أداة مباشرة
للمشروع الغربي الإمبريالي ضد أمتنا.
5.
حث إيران على استمرار دعمها وتبنيها لقضية فلسطين
والمقاومة ضد الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية، ومطالبتها بوقف
تدخلها في العراق ودول الخليج العربي الذي يثير الفرقة والخلاف، ولأن
ذلك لا يخدم توجهات التقارب بينها وبين الأمة العربية.
6.
دعوة القيادات العربية الرسمية والشعبية إلى العمل على
تشجيع التقارب بين المصالح العربية والإيرانية على الصعيدين الإقليمي
والدولي، بما في ذلك عدم التجاوب مع الولايات المتحدة وإسرائيل في زج
الأمة العربية في صراع مع إيران ليس للأمة العربية فيه مصلحة.
7.
الدعوة إلى تجنب إثارة الصراعات الطائفية والمذهبية في
المنطقة العربية لما لذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل العلاقات
العربية- الإيرانية.
8.
دعوة القوى السياسية العربية الرسمية والشعبية إلى
تأسيس منتدى دائم للحوار وبناء العلاقات العربية- التركية استجابة
للتوجهات التركية الإيجابية تجاه قضايا الأمة العربية ومصالحها.
9.
دعوة الحكومات العربية إلى استثمار المصالح الاقتصادية
الحيوية لقوى النظام الدولي في المنطقة العربية- وخاصة الولايات
المتحدة الأمريكية- للتأثير على سياسات تلك القوى تجاه مصالح الأمة
العربية العليا.
10.
دعوة الحكومات العربية إلى تشجيع الحريات العامة
والمشاركة السياسية دون إقصاء أو تهميش للقوى السياسية العربية
الفاعلة، وعلى الأخص الإسلامية منها والقومية، وفتح المجال أمام
العلماء والنخب المثقفة للقيام بدورها الطليعي في المجتمعات العربية من
أجل وقف استنزاف الطاقات في صراعات داخلية.
11.
التأكيد على أهمية العمل على تحقيق التضامن العربي على
مختلف المستويات، والدعوة إلى الشروع بتشجيع برامج التكامل الاقتصادي
والسياسي بين الدول العربية وصولاً إلى الحالة الاتحادية العربية،
وتوفير الإمكانات اللازمة لإنجاحها، والنأي بمصالح وعلاقات الشعوب
العربية عن أي خلافات قد تقع بين الحكومات العربية.
أ.هـ
عمان/
الأردن
29/10/2009