تصورات الدول العربية حول مستقبل الصراع
وتداعياته حتى عام 2105
د. عماد جاد
عودة للصفحة
تتناول هذه الورقة "تصورات " الدول العربية
لمستقبل الصراع وتداعياته حتى عام 2015 أي أننا نتحدث عن استشراف مستقبلي
في المدى القصير، وربما القصير للغاية، فنحن نتحدث عن استشراف لمستقبل
نبتعد عنه بنحو عقد من السنوات، الأمر الذي يعني أن المحددات وعوامل
التأثير لن تختلف جوهريا عن العوامل القائمة الآن، فمدة عقد ليست بالطويلة
التي تتشكل خلالها وتتبلور عوامل ومحددات جديدة مغايرة للقائمة حاليا،
لاسيما وأن هذه المحددات تشكلت وتترسخ منذ أكثر من ثلاثة عقود، وجل
التفاعلات التي يمر بها العالم العربي منذ بداية تشكل المحددات الراهنة –
ونحددها من منتصف السبعينيات- تسير في اتجاه محدد، ولا تبدو مؤشرات على أن
تغيرا كبيرا سيقع أو أن انقطاعا ما سيحدث بشأن السيناريو الذي تسير باتجاهه
التفاعلات العربية – العربية من ناحية ، والعربية- الإقليمية والدولية من
ناحية ثانية بخصوص موضوع البحث.
ترى الدراسة أن هناك مجموعة من المحددات
التي تدفع بكل دولة عربية إلى تفضيل تصور معين، فمن جملة تفاعل هذه
المحددات معا، والتي قد يحيد محدد آخر أو يقلص من تأثيره، تأتي ملامح
التصور الذي يحكم رؤية وتصور ومن ثم سياسة الدولة العربية المعنية. ومن
أبرز هذه المحددات:
1-موقع الدول العربية جغرافيا من بؤرة
الصراع.
2-مكانة الدولة بمقياس القوة الشاملة
3- طبيعة نظام الحكم في الدولة العربية.
4- الإيديولوجية التي يتبناها هذا النظام
5- طبيعة علاقات الدولة العربية بالقوى
الدولية وتحديدا الولايات المتحدة
6- طبيعة وشكل التفاعل مع إسرائيل
ومن جملة المحددات السابقة يمكن تسجيل
الملاحظات التالية:
1-من
حيث الموقع الجغرافي من بؤرة الصراع، لدينا دول الطوق أو الجوار الجغرافي
لفلسطين وهي الأردن، لبنان، سوريا، مصر، ودول قريبة مثل دول الخليج العربي،
وأخرى بعيدة جغرافيا مثل دول المغرب العربي
والسودان.
2-من
حيث مقياس القوة الشاملة لدينا دول عربية كبيرة – مصر، السعودية، العراق،
الجزائر، سوريا، المغرب واخرى متوسطة – السودان ،الإمارات، تونس، ليبيا،
الأردن. وثالثة صغيرة مثل لبنان، الكويت، قطر، البحرين.
3-من
حيث طبيعة نظام الحكم، لا يوجد نظام عربي واحد يعد نظاما ديمقراطيا
بالمقاييس الدولية للديمقراطية ومؤشراتها العامة. وفي العالم العربي توجد
نظم حكم تطبيق بعض مكونات العملية الديمقراطية مثل الانتخابات الدورية،
حرية الرأي والتعبير، وأخرى لا صلة لها بالديمقراطية، وبالنسبة للأولى هناك
لبنان، الكويت، الأردن، المغرب، الجزائر،البحرين، مصر، أما التي لا صلة لها
بالديمقراطية فهي الحالة الأكثر بروزا.
4-من
حيث إيديولوجية النظام، لدينا دول قومية أو ترفع شعارات قومية مثل العراق-
قبل احتلاله- سوريا، ودول ترفع إيديولوجية دينية مثل السعودية والسودان.
5-ومن
حيث طبيعة العلاقة وشكل التفاعل مع إسرئيل، فلدينا ثلاث دول عربية تقيم
علاقات دبلومساية مع إسرائيل هي مصر والأردن وموريتانيا، ودول أخرى تقيم
تفاعلات مع إسرائيل تتمثل في اتصالات علنية ومكاتب تمثيل تجاري مثل تونس،
المغرب، قطر، البحرين، عُمان.
وإذا ما وضعنا المحددات السابقة معا
وتركناها تتفاعل، فسوف تنتج لنا أنماطا مختلفة من التصورات، عكست نفسها في
اختلاف طبيعة العلاقات والتفاعلات مع إسرائيل من ناحية، وفي فرض مزيد من
التمزق على الموقف العربي من ناحية ثانية، وسوف نختبر ذلك في بحث التصورات
الثلاثة التي وردت بالإطار الاسترشادي على النحو التالي:
التصور الأول : العمل العربي المشترك:
يعني تصور العمل المشترك بين الدول العربية
وجود تصور عام لدى الدول العربية يتضمن التوافق حول طبيعة الصراع وسبل
التعامل معه، وانطلاقا من هذا التصور تبدأ عملية صياغة السياسات المستقبلية
لتحقيق أو تطبيق الأهداف التي تحظى بالتوافق العام. ويعني تصور العمل
العربي المشترك وجود أسس واضحة لدى القيادات على المستويات المختلفة لطبيعة
العمل المشترك ومتطلباته، وبعد ذلك يكون الحديث عن مؤسسات وهيئات عامة تعمل
على وضع الأسس العملية على أرض الواقع لتطبيق مكونات التصور المشترك. ومن
خلال المحددات التي سبق ذكرها يمكن القول أن تصور العمل العربي المشترك
يتطلب توافر مجموعة محددات تمثل الأساس الموضوعي الذي ينبني عليه العمل
المشترك، ومن أبرز هذه المحددات:
1- وجود توافق في الرؤية بين الدول العربية
حول طبيعة القضية
2-توافق عربي حول أدوات إدارة الصراع مع إسرائيل:
ويعني ذلك توافق الدول العربية بصفة
3-الإطار المؤسسي للعمل العربي المشترك
التصور الثاني : التوافق والتنسيق
ويعني هذا التصور وجود توافق في الرؤية بين
الدول العربية حول القضية الفلسطينية ومن ثم وجود درجة ما من التنسيق بين
الدول العربية المعنية حول إدارة الصراع مع إسرائيل دون أن يقتصر ذلك على
شكل معين للأدوات، بمعنى وجود توافق على الأدوات وعلى ترتيب العلاقة بينها،
وأيضا على التحرك بين هذه الأدوات حسب مقتضيات الحال. وغني عن البيان أن
التنسيق يقتضي وجود توافق في الرؤية أولا ، فالتنسيق يأتي من التوافق في
الرؤية، والتوافق في الرؤية يفرض التنسيق بين الأطراف المعنية.
التصور الثالث : التفكك وغياب التصور
المشترك
ويعني هذا التصور عدم ورجود رؤية مشتركة
بين الدول العربية حول القضية الفلسطينية، ولا حول أدوات التسوية والحل.
وينبع هذا التصور من اختلاف أولي في الرؤية تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه
إسرائيل. وقد تتوافق أكثر من دولة عربية على رؤية معينة، ومن ثم توجد في
العالم العربي أكثر من رؤية مختلفة، متنافسة، وربما متصارعة. وسرعان ما
تعكس هذه الاختلافات نفسها على أطر العمل الإقليمي، فإما تبدو عاجزة عن
تبني رؤية أو موقف، أو تتعرض لبروز محاور داخلية يلتئم كل محور حول دولة
رئيسية أو عدد من الدول. وفي هذا الإطار تسود اتجاهات في التفكير تركز على
الوطنية –القطرية- الشديدة، فنرى تعبيرات من نوع مصر أولا والأردن أولا
وهكذا، أو خلافات شديدة في رؤية كل محور، ومن ثم تظهر الاتهامات المتبادلة،
والتي تستعين خلالها دول عربية بدعم دول خارجية.
ومن خلال استعراض ما يمر به العالم العربي
منذ منتصف السبيعنيات وحتى الآن، نجده تراوح بين التصورين الثاني – التوافق
والتنسيق المشترك- والتصور الثالث – التفكك وغياب التصور المشترك.
آفاق المستقبل
إيمانا بأهمية العمل العربي المشترك، وفهما
للواقع الراهن والذي يسير باتجاه تصور التفكك، وتقديرا لأن السيناريو هو في
المحصلة النهائية وصف لوضع مستقبلي ممكن أو مرغوب فيه، يمكن القول بأن
السيناريو الراهن يمثل خطرا شديدا على الأمن القومي العربي، وأن الركون إلى
اللافعل إنما يعني مساهمة في مسيرة اللاعودة بالنسبة للعمل العربي المشترك،
وبما أن هذا السيناريو لن يصب في مصلحة أي دولة عربية، وأنه سوف ينتقل بعد
ذلك من إطار العمل المشترك على المستوى العربي إلى المستوى التالي له وهو
التأثير السلبي على أوضاع الدول العربية منفردة، وهو الذي بدأ بالقضية
الفلسطينية، وطال العراق، وسوريا على الطريق، ويمكن أن يطول بعد ذلك كل
دولة عربية مهما قدرت قياداتها أنها بمأمن عن مثل هذا السيناريو، فأن
الرؤية العقلانية المتلزمة بالمصلحة القومية والتي تتحقق من خلالخا المصلحة
الوطنية لكل الدول العربية تقتضي إعمال الذهب في كيفية الانتقال من سينريو
التفكك إلى سيناريو التوافق والتنسيق المشترك، والذي بدوره عند مرحلة معينة
يمكن أن يقود إلى التصور الأمثل الخاص بالعمل المشترك.
من هنا لابد من العمل على مرحلتين، المرحلة
الأولى تمثل في الحفاظ على مستوى معقول من التوافق والتسنيق المشترك، تجري
خلالها عملية إعادة البناء على المستوى الوطني أو القطري، تعقبها علمية
تدريجية لبناء أسس العمل المشترك على أسس واقعية عملية لا تعادي فكرة
المصلحة الوطنية، فالتجارب الناجحة في العمل الإقليمي المشترك سواء في
أوروبا أو آسيا أو حتى أمريكا اللاتينية لا تمتلك عناصر مشتركة على غرار
تلك التي تمتلكها الدول العربية، ونجحت في تدشين تجارب عمل إقليمي مشترك
لأنها نجحت في بناء تجارب واقعية وفق مبادئ مهمة راعت مصالح الشعوب، وتركت
هذه التجارب للتطور الذاتي على النحو الذي مكنها من خلق تدريجي لمساحة
مشتركة انتلقت تدريجيا من الاقتصادي إلى السياسي إلى الأمني على غرار تجربة
الاتحاد الاوروبي. ونحلص مما سبق إلى الآتي:
1-
أن السيناريو الحالي فيما يخص تصورات الدول العربية حول
مستقبل الصراع مع إسرائيل، هو سيناريو التفكك وغياب التسنيق المشترك، وأن
هذا التصور قد يضمن من حين إلى آخر بعض مكونات سيناريو التوافق والتنسيق،
إلا أن هذه الأمور سرعان ما تتارجع لتفسح مكانها للتصور السائد وهو التفكك.
2-
أن سيناريو العمل العربي المشترك قد تراجع تماما ولم يعد
مطروحا بأي شكل من الأشكال لدى الغالبية من الدول العربية.
3-
إن الإطار الزمني المحدد لهذه الدراسة وهو عقد من السنوات
لا يسمح بأي حديث عن سيناريو العمل المشترك، لأن الأخير يتطلب فترة زمنية
أطول من ذلك تتراوح بين عقدين إلى خمسة عقود.
4-
أن التصور الذي ينبغي التركيز عليه هنا هو التصور الثاني،
أي التوافق والتسنيق المشترك، وهو تصور كفيل بوقف منحنى التدهور الذي إذا
ما استمر فسوف يكرس من سينارية التفكك وغياب التنسيق، وربما يفتح المجال
أمام سيناريو آخر جديد وهو سيادة الصراع في العلاقات العربية العربية وتفكك
الكيانات الكبيرة في العالم العربي دون استثناء.
5-
أن ترقية وترسيخ سيناريو التوافق والتنسيق المشترك يمثل في
رؤية هذه الورقة المدخل الطبيعي للوصول إلى السيناريو الأفضل وهو العمل
العربي المشترك.
6-
أن أي جهد لتكريس تصور التوافق والتنسيق يتطلب عملا شاقا
على المستويين القطري- الوطني- والقومي، وذلك عبر اعتماد مداخل جديدة
مغايرة تماما لتلك التي اتبعتها القيادات العربية في العقود الست الماضية،
فعلى المستوى الوطني لابد من بناء تجارب تنموية جديدة في الاقتصاد والسياسة
والمجتمع، وعلى المستوى القومي لابد من اعتماد مداخل وظيفية، المدخل
الاقتصادي، التدرجية، البدء من أسفل..
يمكن في تصور كاتب الورقة وضع إطار زمني
لترسيخ تصور التوافق والتنسيق المشترك في فترة تدور حول العقد، على أن تبدأ
عملية التحضير على المستوى القومي للوصول إلى تصور العمل العربي المشترك في
غضون نصف قرن، ليس أقل من ذلك، ولندرس تجربة العمل الأوروبي المشترك، تجربة
الاتحاد الأوروبي وكيف تطورت من اتفاقية للفحم والصلب عام 1951 إلى معاهدة
روما عام 1957 إلى سوق مشتركة ثم إلى اتحاد أوروبي، ومن ست دول عام 1957
إلى خمس وعشرين دولة عام 2004.
أعلى الصفحة
عودة للصفحة |