انعكاس التغيرات الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م على مكونات
واتجاهات الصراع العربي-الإسرائيلي
د. محمد البشر
عودة للصفحة
تعود جذور الصراع العربي-الإسرائيلي إلى
القرن التاسع عشر لكنه بلغ ذروته في عام 1948م عند إعلان دولة إسرائيل.
وهذا الصراع شامل ومتعدد في جوانبه السياسية والعسكرية والاقتصادية. وقد
أدّى الجانب الديني دوراً مهماً في تأجيج الصراع إذ ظلت إسرائيل تروج
وباستمرار لأساطير وتفسيرات مغلوطة لوقائع دينية من التوراة والتلمود
وغيرهما. وليس من المبالغة القول إن الصراع العربي- الإسرائيلي قد حظي
باهتمام عالمي واسع وهذا يعود إلى الأهمية الدينية والسياسية والاقتصادية
والجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط.
ومنذ العام 1948م ظلت العلاقة بين العرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي علاقة
عداء ونشبت حروب بين الجانبين تمكنت إسرائيل في حرب عام 1967م التي عرفت
عند العرب بالنكسة من احتلال مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية إضافة إلى
هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية ومر الصراع -و لا يزال- بنوع من
التوتر الشديد، ولم تفلح الجهود الدبلوماسية التي أعقبت حرب أكتوبر (رمضان)
1973م في تحقيق أي نوع من التسوية لاستمرار إسرائيل في تعنتها وعدم جدية أو
بالأحرى استطاعة الأطراف الدولية في الضغط على إسرائيل التي ظلت تتمتع بدعم
أمريكي غير محدود.
وظل التوتر سمة مميزة للصراع حتى بعد
معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في نهاية السبعينيات من القرن الماضي.
إذ قامت إسرائيل في بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم من اجتياح
لبنان وإخراج المقاومة الفلسطينية من هذا البلد بالقوة. وشهدت الثمانينات
أيضاً اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وهي تطور مهم إذ نبهت
الإسرائيليين إلى حقيقة الخطر الماثل وأنهم لا بد من التفكير في الدخول في
مفاوضات للتوصل إلى تسوية سلمية لهذا الصراع .
وفي عقد التسعينيات من القرن الماضي جاء
الاجتياح العراقي لدولة الكويت ليترك آثاراً سلبية بليغة على الصراع
العربي- الإسرائيلي، إذ نجم عن هذا الغزو والاحتلال تصدع في الموقف العربي،
وأصاب العلاقات العربية – العربية الكثير من الضعف والقطيعة الأمر الذي
كانت له آثاره في التطورات التي لحقت بعد ذلك، ومنها -على سبيل المثال-
مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م وكذلك اتفاق أوسلو، وهما حدثان يرى الكثير
من المراقبين أنهما جاءا كنتيجة حتمية لتداعيات الغزو العراقي لدولة الكويت
إذ دخلهما الجانب العربي وهو في حال من الضعف والانقسام أثّرت على سير
المفاوضات وما أفضت إليه بعدها من استمرار إسرائيل في رفض تعهداتها التي
نصت عليها هذه الاتفاقيات مثلما رفضت من قبل الانصياع لقرارات الأمم
المتحدة في هذا الشأن. استمر التجاهل الإسرائيلي للشرعية الدولية رغم
الاعتراف الفلسطيني عام 1988م بحق إسرائيل في الوجود. أما على المسار
السوري فقد رفضت إسرائيل مراراً التفاوض على الانسحاب من الجولان وما حدث
من انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من جنوب لبنان عام 2000م لا يفي بمتطلبات
قرار مجلس الأمن رقم 225 وهو ما يعني أن هذا الانسحاب لم يكن تنفيذاً لذلك
القرار.
و خلال فترة التسعينيات من القرن المنصرم
وحتى سبتمبر 2001م شهد الصراع العربي-الإسرائيلي تحركات وجهوداً دولية كانت
تهدف إلى إيجاد حل لهذا النزاع. لكن هذه الجهود لم تفلح في تسوية النزاع
وظل الحال كما هو عليه. ومما زاد الأمر سوءاً تفكك الاتحاد السوفيتي في
بداية التسعينيات، وهو حدث أدى إلى انفراد الولايات المتحدة بالدور في
تسوية الصراع. ويبدو ذلك جلياً من خلال جهود الرئيس الأمريكي السابق بيل
كلينتون ومؤتمر شرم الشيخ وتقرير لجنة ميتشل وغيرها وكلها كما نرى صناعة
أمريكية. انفراد الولايات المتحدة بملف الصراع أدى إلى تهميش تام لكل
الأطراف الأخرى مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي. أما روسيا فقد تحسنت
علاقتها كثيراً مع إسرائيل في حقبة التسعينيات حتى غدت الدولة العبرية ثاني
أكبر شريك لروسيا في منطقة الشرق الأوسط.
وجاءت أحداث
الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م والحرب الأمريكية على الإرهاب لتلقي بظلال
قاتمة على الصراع العربي – الإسرائيلي بعد أن طالت شبهة الأحداث العرب
والمسلمين. ولهذا كان العالم العربي والإسلامي أول من اكتوى بنيران تداعيات
الحادي عشر من سبتمبر (الحرب على أفغانستان واحتلال العراق، والحرب الشاملة
على الإسلام دولاً ومؤسسات وأفراداً). وهي أحداث أدّت إلى تهميش الصراع
وتراجع الاهتمام الدولي به ، بل لم يعد ذلك الأمر الذي يتربع على أولويات
أجندة اجتماعات الهيئات الإقليمية والدولية كما كان المر في السابق. ولم
تشهد الفترة التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر 2001م وحتى اليوم أي جهود
دولية جادة لتسوية النزاع وظل المبادرات أمريكية خالصة. وحتى المبادرة التي
يمكن أن نطلق عليها دولية والتي عرفت بخارطة الطريق التي صاغتها الولايات
المتحدة إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا لم يكتب لها
النجاح.
التراجع الدولي في الاهتمام بالصراع تبعه
تصعيد خطير من الجانب الإسرائيلي في الأراضي المحتلة تمثل في سياسة
الاغتيالات وأعمال التدمير والهدم وجرف الأراضي والممتلكات والفتك
بالمدنيين من النساء والأطفال العزّل . وهذه الممارسات وما واكبها من تجاهل
للمجتمع الدولي لها بل ومباركة أمريكية، باعدت من فرص التسوية السلمية.
يقابل كل هذا ازدياد الالتزام الأمريكي –أكثر من أي وقت مضى- بأمن إسرائيل.
إذ توسع وقوي نفوذ المحافظين الجدد داخل إدارة بوش ولم يقبلوا بغير الدعم
الكامل والغير مشروط لإسرائيل، وفي نفس الوقت نفسه معارضة أي تحرك وإن كان
شعبياً أو من منظمات غير حكومية يهدف للتضامن مع الصراع العربي–الإسرائيلي
بصورة عامة ومع القضية الفلسطينية بصورة خاصة.
لقد أخفقت الجهود الدولية في إيجاد حل
للصراع العربي-الإسرائيلي رغم المبادرات العديدة التي طرحت والاتفاقيات
التي وقعّت وما ذلك إلا لرفض إسرائيل تقديم أي تنازلات واستمرارها التعامل
مع الصراع من خلال المنظور الديني العقدي. وهو أمر –إضافة إلى أمور أخرى–
قد حال دون إيجاد حل وسط إذ ظلت إسرائيل من خلال هذا المنظور ترفض تقديم أي
تنازلات . وهذا الأمر يقابله دعم أمريكي غير محدود ومجتمع دولي أصبح لا
حيلة له ولاقوه لاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وأحداث الحادي عشر من
سبتمبر وانفراد أمريكا بقيادة العالم كقوة عظمى وحيدة . أضف إلى هذا حالة
الضعف التي ظلت حالة ملازمة للعالم العربي وأدّت تداعيات الحادي عشر من
سبتمبر والحرب على الإرهاب إلى شلل كامل زاد من هذه الحالة.
أخذاً في الاعتبار كل ما ذكر آنفاً، يمكن
تصور أكثر من سيناريو للصراع العربي–الإسرائيلي في العشر سنوات القادمة، أي
حتى عام 2015م. فالسيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الوضع الحالي كما هو
عليه في ظل التطورات العالمية والإقليمية الراهنة ومنها دون شك الاحتلال
الأمريكي للعراق . هذا الاحتلال – كما هو معلوم – من المغانم الأمريكية
التي لا يمكن التفريط فيها. وهو أيضاً يصب في صالح إسرائيل التي وقفت وراءه
بكل قوة. وأصبحت إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى تشعر بعدم العزلة وأنها
لم تعد ذلك الكيان الصغير المنبوذ والمحاط بأعداء من جميع الجهات. هذا
الوضع المطمئن لإسرائيل لن يدفعها إلى تقديم أي نوع من التنازلات وهي
تنازلات لم تقدمها وهي في موقف أضعف من هذا فكيف لها أن تقدمها الآن؟
أما السيناريو المحتمل الآخر وهو ليس ببعيد
عن الأول هو بقاء الاختلال في ميزان القوة هو الفيصل في إدارة دفة الصراع
العربي-الإسرائيلي. ومعلوم أن ميزان هذه القوة يميل الآن وبكل قوة لصالح
إسرائيل ذات التفوق النوعي والدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك منشآت
نووية متطورة ولا تخضع لأي تفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو
أي جهة أخرى ذات علاقة. يقابل هذا الوضع العسكري والتقني المتقدم ضعف عربي
واضح لا يقوى به على التفاوض من موقف قوي أو حتى المطالبة بحقوقه
التاريخية.
أما السيناريو الثالث الذي نراه فهو اللجوء
إلى استخدام البترول كسلاح من قبل الدول العربية والإسلامية. ومعلوم أن هذا
السلاح قد استعمل في حرب عام 1973م وكان رادعاً. ومن غير الدخول في
التأثيرات السلبية التي يمكن أن تطال الدول العربية والإسلامية المصدرة
للبترول من جرّاء استخدامها لهذا السلاح وردود الأفعال لتي يمكن أن تنشأ،
إلا أنه من الناحية النظرية يبقى سلاح البترول أحد السيناريوهات التي لا
يمكن تجاهلها .
أعلى الصفحة
عودة للصفحة |