|
برنامج حلقات النقاش الساخنة أزمة السلة الغذائية العربية
التحديات واتجاهات المعالجة، وتوجهات الحل في
الأردن
شكل ارتفاع الأسعار بشكل عام والارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية تحديا كبيرا للوطن العربي كما الكثير من دول العالم، حيث ارتفعت القيمة الكلية للفجوة الغذائية في الوطن العربي باطراد من 2.4 مليار دولار في بداية سبعينات القرن الماضي، إلى متوسط 12.5 مليار دولار خلال الثمانينات والتسعينات، وأكثر من 18 مليار دولار في عام 2006. وفي الواقع فإن أزمة الغذاء في الوطن العربي والارتفاع الحاد في أسعار سلع استراتيجية مثل الحبوب والزيوت والارتفاع الحاد في تكاليف الإنتاج وخاصة الأعلاف والأسمدة والوقود وارتفاع القيمة الكلية للفجوة الغذائية قد وضعت أعباء كثيرة على كاهل المستهلكين والمنتجين الزراعيين وموازين المدفوعات لكثير من الدول العربية، خصوصا في ظل تزايد احتمالات تفاقم التداعيات على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في ظل التذبذب وعدم الاستقرار في السوق الاقتصادي على مختلف المستويات. وتشير القراءة الاجتماعية إلى تزايد احتمالات عدم الاستقرار في بعض الأقطار العربية غير المنتجة للنفط بسبب تسارع الارتفاع واطّراده في أسعار السلع الأساسية وخاصة المواد الغذائية، خاصة أن القطاعات الزراعية والصناعية في الوطن العربي لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المواطنين من المواد الغذائية والسلع الأساسية بسبب التزايد المتسارع في أسعار الوقود العالمي. ومن تداعيات الأزمة أيضا ازدياد الفقراء في العالم بمعدل 100 مليون فقير خلال عامين فقط، وازدياد العجز في ميزانيات الإغاثة العالمية حتى وصل إلى 40%. رأى المشاركون في الحلقة أن الأزمة عالمية، وأنها حقيقية وهامة، حيث تنبع أهمية قطاع الزراعة في الناتج المحلي من كونه مرتبطا بأعمال الزراعة ذاتها، وما يرتبط فيها من صناعات وخدمات ومدخلات إنتاجية أخرى، إلا أن تأثر البلاد الفقيرة في العالم- والوطن العربي من ضمنها- كان أقوى وأوضح من الدول الكبرى والغنية لعدة أسباب، منها قدرة الصناعة الغذائية في الدول الغنية على مجاراة العجز وقوّة السياسات الاقتصادية المتبعة والمعتمدة لديها في التعامل مع الأزمات، وبموازاة ذلك يظهر العجز عند الدول الفقيرة؛ إذ إنها تعتمد في اقتصادياتها الغذائية على الاستيراد من دول متعدّدة، ولا تنتهج سياسات اقتصادية تستطيع مواجهة التحديات في ظل هذه الأزمة. ورأى المشاركون أنه وعلى الرغم من أن السياسات الاقتصادية العالمية لا تلتزم بأخلاقيات التعاملات الجارية حيث الاحتكار والمضاربة غير المشروعة، إلاّ أن هناك أيضاً أسباباً أخرى مثل الإهمال في تطوير سياسات الإنتاج الغذائي، وتطوير أساليب الترشيد الاستهلاكي، وأساليب الشراء الجديدة، بالإضافة إلى التأثير المباشر لارتفاع أسعار النفط عالمياً، إذ إن معظم المنتجات الغذائية- إن لم تكن جميعها- تعتمد في كثير من مراحل إنتاجها على النفط، مثل استعمال آلات الزراعة وأدواتها، والتحويل إلى غذاء مباشر، والتغليف أو التعليب، والنقل، وغيرها. ومن الأسباب التي رأى المشاركون أن لها دوراً كبيراً في تفاقم الأزمة الغذائية تغيّر المناخ في بعض الدول المنتجة والمصدّرة لبعض المواد الغذائية الرئيسة مثل الأرز والقمح، والذرة المنتجة للزيوت. فقد مرّت سنتان جافتان على أستراليا أثّرتا على إنتاجها للقمح والأرز وأضعف تصديرها لبعض منتجاتها. وكذلك الأمر في تايلاند والصين. وركّز المشاركون على السبب العائد إلى استخدام كثير من المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي لمواجهة ارتفاع أسعار النفط، وبسبب الحاجة إلى الطاقة، فقد عملت الدول الصناعية على استغلال قوت الفقراء لإنتاج الوقود الحيوي بديلا عن النفط الذي ارتفعت أسعاره بشكل خيالي مما جعل بعض الدول تتجه نحو الغذاء كوقود حيوي بدل النفط. ووفقا الى تقرير صندوق النقد الدولي "آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2008م" فإن استخدام المحاصيل الغذائيّة لإنتاج الوقود الحيوي مسؤول بنسبة 50% تقريباً عن الارتفاع في أسعار المواد الغذائيّة الأساسيّة.. هذا بالإضافة إلى تغير النمط الاستهلاكي عند كثير من الشعوب، إذ إن بعض الشعوب- ومنها شعوب الوطن العربي- تنفق كثيراًً من دخلها على الطعام والغذاء استهلاكاً، إضافة إلى زيادة الطلب على مواد استهلاكية غير ضرورية. كما انتقد المشاركون تراجع دور الحكومات في دعم القطاع الزراعي، ناهيك عن توجهات اتفاقات الشراكة الأوروبية العربية وأنظمة منظمة التجارة العالمية WTO، ودعوا إلى قيام الحكومات بواجبها في هذا المجال. وفي إطار التكامل الغذائي العربي من حيث الحاجات والإمكانات والتحديات خاصة بعد إقرار قمة الرياض في آذار 2007م وضع استراتيجية لتنمية الزراعة في العالم العربي وتحقيق الأمن الغذائي، فقد أجمع المشاركون على أن التكامل حاجة ضرورية ومطلب أساس للقدرة على مواجهة هذه الأزمة العالمية، لا سيما أن الوطن العربي قادر على مواجهتها إذا أراد ذلك، وأن إمكاناته متوفرة ويسهل التعامل معها. حيث تمثل المساحة المزروعة حوالي 5% من إجمالي المساحة الكلية للوطن العربي، وتشكل المساحة القابلة للزراعة حوالي 35% من المساحة الجغرافية، وتبلغ المساحة المزروعة الفعلية 10% فقط من المساحة القابلة للزراعة. هذا بالإضافة إلى أن بعض الدول العربية، مثل السودان التي تمثل سلة الغذاء في الوطن العربي، وهي تفتح أبوابها وتقدّم أراضيها للاستثمار والاستغلال، سواء للقطاعات العربية العامة أو الخاصة. ومع ذلك فليس هناك جدية عربية في اعتماد السودان سلة للغذاء العربي وبالتالي تحويل مليارات الدولارات للاستثمار الزراعي والحيواني فيها. وبوجود صعوبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي القطري عربيا، فإن الحل يكمن في توسيع ذلك على المستوى القومي العربي، وتطوير سياسات التكامل الاقتصادي والزراعي والصناعي العربي. ورغم توافر إمكانات التكامل الغذائي العربي نظرياً إلاّ أن المشاركين أشاروا إلى تحدّيات كبيرة تواجه هذا التكامل، منها سياسي ومنها برامجيّ ومنها طبيعي، ففي الجانب السياسي رأى المشاركون أن الإرادة سياسية تشكّل أكبر تحدّ أمام التكامل، ولذلك أشادوا بنتائج قمة الرياض في هذا الخصوص، لكنهم رأوا أن التحول العربي نحو السوق المشتركة لا زال بطيئا لتحقيق هذا التكامل. ومن التحديات البرامجية في الوطن العربي أن قطاع الزراعة يعاني من مشاكل التمويل، والتعامل مع الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى الممارسات غير السليمة من المزارعين تجاه الأرض وزراعتها، وأن نظم التعليم في الوطن العربي لا تلبّي الحاجة إلى الاهتمام بالأرض. وقد أثار بعض المشاركين في موضوع الأسواق مشكلة انخفاض القوة الشرائية لتجار المواد الغذائية عربيا وأردنيا لتصل إلى أكثر من 50%، مما يتسبب بضعف القدرة على تخفيض اكتفاء السوق بأسعار معقولة، خصوصا في ظل تراجع تسهيلات الاستيراد. وأن زيادة معدلات التضخم الاقتصادي آخذةٌ بالزيادة في كثير من دول الوطن العربي، حتى في الدول النفطية منها، وقد كانت التدابير الإدارية التي اتّخذتها الحكومات لكبح جماح التضخّم خاصةً في القطاعات غير القائمة على المبادلات التجاريّة كالأسواق العقاريّة أو السلع الغذائيّة المُستوردة غير كافية في هذا المجال. ورأى المشاركون أن البيئة الطبيعية العربية أصبحت تعاني عددا من المشاكل، خصوصا ما يتعلق بتزايد شحّ المياه ونقص نسبة الأمطار، وزيادة التصحّر، وعمليات الجور على الأراضي الزراعية لصالح قطاع الإنشاءات والتعمير، وهو ما يجعل القدرة الحالية على مواجهة الأزمة غير كافية. وحول إدارة الأزمة على صعيد الوطن العربي جميعاً أو قُطريا فقد بيّن المشاركون أن الدول العربية متفاوتة في ذلك، فهناك الدول النفطية وغير النفطية، وهناك الدول قليلة العدد سكانياً وكبيرة العدد، ولذلك لوحظ عجز الدول العربية الفقيرة مثل الأردن واليمن وغيرهما، والدول ذات عدد السكان المرتفع مثل مصر والمغرب وغيرهما في التعامل مع الأزمة، في حين أن الدول العربية النفطية عملت على زيادة أجور العاملين في القطاع العام، وطالبت القطاع الخاص بمثل هذا الإجراء، رغم أنه لا يحل المشكلة تماما ولكنه يحتوي بعض تداعياتها. وأوضح المشاركون أن تعامل الإدارات العربية مع الأزمة كان بمواجهتها عبر مساعدة المواطنين وليس عبر وضع سياسات اقتصادية أو برامج زراعية أو قوانين استهلاكية وترشيدية، مما يرشح الأزمة للاستمرار، ويشجع على استمرار بقاء الشعوب والحكومات معتمدة على سياسة زيادة الأجور وليس على وضع البرامج البديلة. ولذلك فقد رأى المشاركون أنه لا بُدّ- كي يمنع الوطن العربي تفاقم الأزمة- من اتباع سياسات اقتصادية وزراعية، تدعم الزراعة وترشّد الاستهلاك، بالإضافة إلى تشريعات وقوانين تعمل على حفظ القطاع الزراعي وتشجع على الاستثمار في قطاع الصناعات الغذائية، سواء على صعيد الوطن العربي جميعاً أو على صعيد كل قطر وحده. ونوّه المشاركون إلى ضرورة إشراك جميع فئات المجتمعات ومؤسسات المجتمع المدني العربية وقطاعات الاقتصاد الخاصة في بلورة حزمة من الإجراءات المتعددة: سياسياً واجتماعياً وتعليمياً واقتصادياً وغيرها. كي لا تتفاقم الأزمة وينشأ عنها تداعيات سياسية واجتماعية تسبب عدم الاستقرار. أما عن الأزمة في الأردن فقد نبّه المشاركون إلى أن الأردن متأثر بالأزمة أكثر من غيره من الدول العربية بكثير, لأسباب متعدّدة، منها اقتصادية ومنها اجتماعية ومنها بيئية (في المناخ والأرض). إلاّ أن كثيراً من تلك الأسباب يمكن التعامل معه؛ فأوصوا بضرورة تعاون الحكومة وأصحاب القرار مع القطاعات الزراعية والاقتصادية الخاصة لتدشين مشاريع، ودعم سياسات اقتصادية وزراعية تعود بالنفع على الأردن، بالإضافة إلى تنبيه المجتمع وإرشاده إلى كيفية التعامل مع الأزمة على مستوى الفرد والعائلة، وعدّ المشاركون أن ضحايا الأزمة هم الذين يتعاملون مع نتائجها وليس مع أسبابها. وقد خرج المشاركون في الحلقة بجملة من التوصيات والحلول التي قد تساعد الوطن العربي- والأردن على وجه الخصوص- في الخروج من الأزمة وفي حسن التعامل معها، وأهمها:
|
|
|||||||||||||||||||||||||
|
---|