تقرير تحليلي:
ثورة 25 يناير المصرية
إعداد :
إبراهيم عبد الكريم
خيـــري عمــــر
مروان الأسمر
تحرير :
عبد الحميد الكيالي
جـــواد الحمـــد
نيسان/ أبريل 2011
أولاً: موقف السلطة والنخب السياسية والفئات الاجتماعية المصرية
ثانياً: المواقف الدولية من الثورة المصرية وتطورها واتجهاتها المستقبلية
ثالثاً: الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية واتجهاته المستقبلية
تقرير تحليلي: ثورة 25 يناير المصرية*
لم يكن أكثر المتفائلين في مصر يرى بمظاهرات 25 كانون الثاني/ يناير بداية ثورة يقل نظيرها على مستوى العالم، وينطبق ذلك على أصحاب الميل الإصلاحى وذوي المزاج الثوري، أو الإصلاحيين والثوريين، في آن معاً، فالإحباط المتراكم اجتاح ثلاثة أجيال من المصريين على الأقل، منذ الجيل الذى كان في الجامعات في أواخر ستينات القرن الماضى، كما أن الفشل الذى مُنيت به جهود الإصلاح منذ منتصف ثمانينات القرن نفسه أضعف ثقة من سعوا إليه في قدرتهم على التغيير.
وانتشرت عدوى الصراعات الصغيرة في الساحة السياسية المصرية وأصابت الجميع بأشكال مختلفة ودرجات متباينة، حتى عندما أطاحت الثورة التونسية بحكم الرئيس زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، ظل أركان النظام في مصر "نائمين على حرير"، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في 19 كانون الثاني/ يناير من أن "مصر ليست تونس.. دي [هذا] كلام فارغ".
بدأت أحداث الثورة المصرية بتظاهرات سلمية يوم 25 كانون الثاني/ يناير شارك فيها آلاف المحتجين في القاهرة، وعدد من المحافظات، استجابةً لدعوات شعبية وشبابية، واختار الداعون إلى هذه التظاهرات يوم 25 كانون الثاني/ يناير بالتحديد لمصادفته عيد الشرطة، وذلك تضامناً مع خالد سعيد، الشاب المصري من الإسكندرية، الذي اعتقل وعذب حتى الموت في أحد أقسام الشرطة في 6 حزيران/ يونيو 2010.
وأدت هذه التظاهرات في يومها الأول إلى سقوط أربعة قتلى نتيجة الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن المصرية التي تعاملت بعنف في هذا اليوم، غير أن سلوكها زاد في التطرف واستخدام العنف المفرط في الأيام التالية في ضوء استمرار التظاهرات التي وصلت ذروتها يوم الجمعة 28 كانون الثاني/ يناير، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى، ومئات الجرحى، واعتقال المئات في عدة مدن مصرية، بينها العاصمة القاهرة، في حين أفادت الأنباء بإحراق مقار للحزب الوطني الحاكم، ومراكز للشرطة.
وفي أعقاب هذه التظاهرات طلب الرئيس المصري محمد حسني مبارك من الحكومة في 28 كانون الثاني/ يناير التقدم باستقالتها؛ موضحاً أنه سيكلف حكومة جديدة، كما عين في اليوم التالي الوزير عمر سليمان نائباً له، ولكن التظاهرات استمرت في الأيام التالية في مختلف المدن المصرية، وبخاصة في ميدان التحرير وسط القاهرة الذي شهد عدة تظاهرات مليونية تبلور فيها المطلب الرئيس للثورة برحيل الرئيس مبارك، وإسقاط النظام.
وشكل يوما 2 و3 شباط/ فبراير نقطة تحول في أحداث الثورة المصرية؛ إذ هاجمت مجموعة من المؤيدين لمبارك المتظاهرين في ميدان التحرير مستخدمين وسائل عديدة، منها الخيول والجمال، فضلاً عن العصي والأدوات الحادة والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى إطلاق الرصاص الحي، غير أن ثبات المعارضين في الميدان، بما توافر لديهم من وسائل للدفاع عن أنفسهم، أضاف زخماً إضافياً إلى الثورة واستمرارها.
وقدم الرئيس مبارك عدة مبادرات لم تكن كافية في نظر المحتجين، من أبرزها: تعديلات دستورية، وتفويض صلاحياته إلى نائبه عمر سليمان، غير أن استمرار التظاهرات وتوسعها أدى في النهاية إلى تنحي مبارك عن السلطة في اليوم الثامن عشر للثورة في 11 شباط/ فبراير، وذلك بعد ثلاثين عاماً قضاها في الحكم.
ويقدم مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن من خلال هذا التقرير عن الثورة المصرية قراءة تحليلية تستشرف الاتجاهات المستقبلية لمواقف الأطراف الفاعلة والمتأثرة بالتحولات الجارية في مصر، ومن أبرزها: موقف السلطة، والنخب السياسية، والفئات الاجتماعية المصرية، والمواقف الدولية، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي؛ بوصفه أبرز المتخوفين من التحول المصري، ونضع هذه القراءة، التي أسهم فيها عدد من المختصين، بين أيدي المهتمين من صناع القرار والنخب السياسية والثقافية العربية.
أولاً: موقف السلطة والنخب السياسية والفئات الاجتماعية المصرية
1. تقدير موقف السلطة المصرية
موقف السلطة وتطوره خلال الثورة
أ- لم يكن لدى السلطة السياسية (وزارة الداخلية المصرية)، منذ بداية أحداث الثورة، استراتيجية أمنية قادرة على التعامل مع حالات الاحتجاج الاجتماعي الكبيرة، وبخاصة تلك المتعلقة بجيل الشباب، ومن هنا فقد ظهر نوع من الجمود في السياسة الأمنية، صاحبه انتهاكات لحقوق الإنسان، وحالات قتل عمد، مما أدى إلى الانتقال من الاحتجاج على سياسات الدولة إلى تحدي إرادتها، ومقاومة السلطة السياسية بشكل يتماثل مع خبرات التحرر من الاستعمار، وعكس تبني الثوار للأهازيج الوطنية، ورفع العلم المصري شارة للثورة طبيعة الصراع بين السلطة والمجتمع، التى يمكن تلخيصها في الصراع حول استقلال الوطنية المصرية، وليس مجرد إزالة نظام سياسي ترتكز مقوماته على أجهزة الأمن.
ب- تشكل الإطار الفكرى للثورة ليشمل مطالب كل الفئات الاجتماعية، والشرائح العمرية، بحيث لم تقتصر فقط على الكيانات السياسية المعارضة للسلطة، ولكنها وسعت الإطار الوطني، وانضمت فئات اجتماعية ترى أن النظام القائم لا يلبي الطموحات الوطنية المصرية.
ت- في هذا السياق تشكل المحتوى الاجتماعي للثورة، وهو ما أدى بالسلطة السياسية إلى مواجهة مشكلات جديدة في التعامل مع أحداث الخروج على سلطتها، فخلال العقود الماضية تشكلت العقيدة الأمنية على مواجهة التنظيمات التقليدية وتفكيكها، ولكنها في هذه المرة واجهت نوعاً من التنظيمات الحديثة يصعب السيطرة عليها، ولدى محاولة السلطة إضعاف التنظيمات الحديثة (شباب الإنترنت) خاضت صراعاً مع كل فئات المجتمع وشرائحه، وذلك عندما أوقفت شبكة الإنترنت وشبكات الهواتف النقالة، وقد شكلت هذه السياسة بداية لسلسلة من الأخطاء الاستراتيجية التى أضعفت مبادرات السلطة في حل الأزمة السياسية.
ث- كشفت تداعيات أحداث الثورة عن هشاشة النظام السياسي وتفككه، كما كشفت عن الصراعات الكامنة داخل السلطة السياسية، وبخاصة بين الأجنحة الأمنية والعسكرية والنخبة السياسية، وقد ساعد هذا التفكك، وبخاصة بعد هروب وزارة الداخلية، على بلورة مطالب الثورة يوم السبت 29 كانون الثاني/ يناير بالمطالبة بإسقاط النظام وليس إصلاحه، وهذا التطور يعتبر منطقياً، ليس فقط بسبب حالة التردي داخل النظام السياسي، ولكن بسبب العنف المفرط الذى لقيته الجماهير منذ الثلاثاء (25 كانون الثاني/ يناير)، وقد ساعد تباطؤ رد فعل السلطة على الأحداث إلى بلورة المزيد من المطالب التى تتعلق بتصفية النظام ومحاسبته، والدعوة لبناء نظام سياسي جديد يقوم على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الاتجاهات المستقبلية لموقف السلطة ممثلة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة:
بعد انهيار جهاز الأمن، ظهر الجيش بوصفه المؤسسة الوطنية المحايدة بين المحتجين والسلطة السياسية، وصدرت تصريحاته الأولى لتحدد أن مهمته تتمثل في الحفاظ على الأمن وليست في التدخل لصالح أي من الأطراف، وبغض النظر عن الخلفيات السياسية لهذا الموقف، فقد ترتب على حياد الجيش حدوث تساند في العلاقات المدنية– العسكرية، بحيث صارت هذه العلاقة تشكل عصب الاستقرار السياسي في الدولة، وقد ظهر ذلك في الالتزام المتبادل بترقية الروح الوطنية، والعمل على تأمين مستقبل البلاد، والحفاظ على مقدراتها، وانعكس هذا التوافق في البيانات التى أصدرها الجيش في فترة ما بعد تنحي الرئيس مبارك والتي تلبي مطالب الجماهير، ومن المتوقع أن يشكل هذا التوافق قاطرة التحول السياسي في مصر في الفترة المقبلة، وبمستوى حضاري وطني يسوده الأمن والثقة والمراقبة والمحاسبة في الوقت نفسه.
2. موقف النخب السياسية والفئات الاجتماعية المشاركة في الثورة
تتمثل السمة الرئيسة للتركيبة الاجتماعية للثورة المصرية في أنها ثورة شعبية سعت لتحقيق تحول سياسي عميق في الدولة المصرية، وبشكل عام تتكون التركيبة الاجتماعية من الفئات والكيانات التالية:
أ- جيل الشباب: يعد جيل الشباب- بشكل عام- قلب الثورة المصرية، فهو الذي قام بالتمهيد لبدء الثورة وإعلان موعدها، وبالنظر للخلفيات السياسية لجيل الشباب، يلاحظ أن غالبيتهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والحركات اليسارية، وذلك بالإضافة إلى فئة واسعة من غير المنتمين سياسياً، الذين يتطلعون لدور سياسي.
ب- التنظيمات السياسية: باستثناء الحزب الوطني، شاركت معظم التنظيمات السياسية، بشكل أو بآخر، وتمثلت المساهمة الأساسية في جماعة الإخوان المسلمين، والحركات اليسارية، فيما كانت مشاركة الأحزاب السياسية المرخصة هامشية، أو غير موجودة، وهذا الوضع سوف يثير إشكالات حول مستقبل النظام الحزبي في مصر، وبخاصة في ظل تبلور حركات سياسية جديدة تعبر عن الثورة والشباب، وبشكل يهدد الأحزاب التقليدية العتيدة.
ت- الأفراد: شاركت أعداد كبيرة من الأفراد غير المنتمين سياسياً، وقد ساعد كسر حاجز الخوف من السلطة على تشجيع الأفراد لتأييد الثورة؛ رغبة في إصلاح أحوال البلاد في النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد شكلت مشاركة هؤلاء زخماً إضافياً للثورة أضفي عليها طابعاً شعبوياً، حيث ساهم في تقويض قدرة السلطة على إجهاض الثورة، كما أنه، في الوقت ذاته، يعد ضمانة للاستمرار في تحقيق الإصلاح السياسى.
ث- الفئات الاجتماعية: شهدت تركيبة جماهير الثورة تنوعاً شديداً شمل المستويات المختلفة في المجتمع المصري، بحيث يمكن القول: إن الثورة لا تعبر عن فئة اجتماعية محددة، ولكنها شملت: الأغنياء والفقراء، والجامعيين والنقابيين، وبعض رجال الأعمال، وأيضاً الفئات العمرية المختلفة، فيما شكلت الطبقة الوسطى العمود الفقري للثورة الذي ساعدها على الاستمرار لأكثر من أسبوعين.
ج- النخبة الثقافية: انضمت النخبة الثقافية بتوجهاتها المختلفة: الإسلامية والليبرالية والاشتراكية إلى الثورة، وبدأت في التعبير عن مطالبها في وسائل الإعلام المختلفة، وخلال أحداث الثورة ركزت النخبة الثقافية على القضايا الوطنية المشتركة، ولم تتطرق للقضايا الخلافية بين التيارات الفكرية، غير أنه في الفترة القادمة من المتوقع أن تثار القضايا الخلافية، وبخاصة ما يتعلق بهوية الدولة، وطبيعة النظام السياسى.
وفي التحليل الأخير، يمكن القول: إن الوضع السياسي في مصر وصل إلى حالة من التكافؤ بين الدولة والمجتمع، ويتوقف استمرار هذا التكافؤ على مدى قدرة الطرفين على التلاقي على المصلحة الوطنية، ورغم أن التوافق يشكل السمت العام للعلاقة في المرحلة الحالية، إلا أنه يواجه تهديدات في المدى القريب.
ثانياً: المواقف الدولية من الثورة المصرية وتطورها واتجهاتها المستقبلية
بدا واضحاً ارتباك المواقف الدولية إزاء تنحي الرئيس مبارك في 11 شباط/ فبراير، وذلك على شاكلة مواقفها عندما انطلقت الثورة المصرية قبل ثمانية عشر يوماً في 25 كانون الثاني/ يناير، ويشير هذا الارتباك إلى أن عدداً من دول العالم ما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لتستوعب ما حدث في مصر، ولتبلور مواقفها إزاء عهد ما بعد مبارك، وبخاصة أنها لم تتنبأ بهذا التحول السريع، ولم تتوقع أن يسقط النظام بهذه الطريقة، وهو ما أربك سياساتها السابقة، ودفعها للبحث عن سياسات مؤقتة بانتظار رسم استراتيجيات تناسب التحول الجديد.
1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية وتطوره خلال الثورة
أ- جزمت الدوائر الغربية الرسمية بأن ثورة تونس لن تصل إلى مصر، ورأت زارة الخارجية الأمريكية، على لسان المتحدث باسمها فيليب كراولي، أن كرة الثلج التونسية لن تمتد إلى دول أخرى في المنطقة، وكان كلامه هذا في 22 كانون الثاني/ يناير، وذلك قبل ثلاثة أيام على مظاهرات 25 كانون الثاني/ يناير التى أشعلت الثورة المصرية.
ب- اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الدولي الأبرز لنظام الرئيس مبارك، موقفاً متحفظاً، متذرعةً بترك الأمر للشعب والجيش المصريين، غير أن استمرار التظاهرات وانتشارها في القاهرة ومختلف المحافظات المصرية الكبرى أقنع الولايات المتحدة بنهاية نظام حسني مبارك، وهو ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى أن يهنئ الشعب المصري في أعقاب تنحي مبارك في 11 شباط/ فبراير، على الرغم من تداعيات ذلك على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وبرغم ضغوط الكثير من حلفائها في المنطقة بهدف توجيه سياساتها لدعم النظام والمحافظة عليه، وإعطائه الفرصة، خوفاً من تكرار المشهد ذاته -وهو الأمر المتوقع-في هذه الدول التي لا تملك من مقومات القوة ما يملكه نظام حسني مبارك.
ت- اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية عبارات صُنفت على أنها تحول في الموقف الأمريكي مثل: "نتمنى أن تنتهي أعمال العنف في مصر" (28 كانون الثاني/ يناير)، و"الانتقال المنظم للسلطة" (30 كانون الثاني/ يناير)، و"لا بد أن يتم انتقال السلطة الآن وبطريقة ناجعة" (1 شباط/ فبراير)، وفي نهاية المطاف فقد تحققت هذه الرغبات بطريقة ما، وبمعنى آخر فإن الولايات المتحدة تخلت عن نظام مبارك وحكومته في غضون ثلاثة إلى أربعة أيام فقط من بدء ثورة الشعب المصري في 25 كانون الثاني/ يناير.
ث- على الرغم من تعيين عمر سليمان في منصب نائب الرئيس، التي اعتبرت الخطوة الأولى من نوعها منذ تسلم مبارك لسلطاته في عام 1981، وتعيين حكومة جديدة برئاسة أحمد شفيق، وإطلاق وعود بالإصلاح الدستوري، وإعلان مبارك عدم ترشيحه لنفسه ولا لابنه لانتخابات الرئاسة القادمة في أيلول/ سبتمبر 2011، فقد باشرت الولايات المتحدة بإرسال رسائل متعددة تطالب بأن يكون الانتقال المنظم في "إطار زمني محدد"، ومثل ذلك نقطة تحول أخرى في موقف السياسة الخارجية الأمريكية من مجريات الأحداث في مصر، جرياً على عادتها عندما يفقد النظام الحليف أهميته الاستراتيجية وقدرته على خدمة أهدافها في الإقليم الذي يعيش فيه.
ج- كان لافتاً موقف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 6 شباط/ فبراير التي أيدت فيه إشراك جماعة الإخوان المسلمين المعارضة في الحوار الجاري بين الحكومة المصرية والقوى المعارضة للخروج من الأزمة السياسة التي تمر بها مصر.
2. مواقف الاتحاد الأوروبي وتطورها خلال الثورة
أ- أصدرت دول الاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً في 3 شباط/ فبراير وقعته كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أشارت فيه إلى "قلقها الكبير" بسبب تدهور الأوضاع في مصر، و"إدانتها للعنف"، داعية إلى ضرورة الإسراع في الانتقال المنظم والفوري نحو "حكومة ذات قاعدة عريضة تمثل أطياف الشعب كافة، وتأخذ بيد مصر لمواجهة التحديات،" الأمر الذي اعتبر تسليماً لتحول أصبح مؤكداً، وخارج دائرة الحساب، وإشارة إلى القوى الجديدة بعدم ممانعتها للوضع الجديد أصلاً في ترتيب أهم مصالحه مع القيادات الجديدة.
ب- وفي 29 كانون الثاني/ يناير أطلق وزير الخارجية السويدي وصف "تسونامي الديموقراطية" على ما يحدث في مصر، ورأى أن المخرج الوحيد يتمثل بـ"إصلاحات اقتصادية مستدامة"، و"انتخابات رئاسية ديموقراطية تجري لاحقاً خلال العام"، كما عبر في 4 شباط/ فبراير كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو عن قلقهم إزاء ما يحدث، ودعوا إلى إيقاف العنف، في إشارة إلى المتظاهرين المؤيدين لمبارك الذين قاموا بالاعتداء على المحتجين في ميدان التحرير، كما دعوا إلى احترام الحريات والحق في التجمع، وشددوا على التحول نحو الديموقراطية.
ت- ومع ذلك، حافظ الاتحاد الأوروبي على موقف متوازن أشار باستمرار إلى فكرة سيادة الدولة وعدم التعدي عليها، وفي هذا الشأن صرحت الناطقة باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرن آشتون في 22 شباط/ فبراير: "إن جميع تصريحاتنا كانت واضحة، وتقول بأن الأمر متروك لمصر وللمصريين، وعليهم السير معاً إلى الأمام، ومن الضروري جداً أن تسير مساعيهم بشكل يعزز شعور الشعب بالثقة من أن هناك خطة متبعة".
3. الاتجاهات المستقبلية لموقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
أ- لا تستطيع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ممارسة دور"الواقعية السياسة" لفترة طويلة، فقد كانت تدعم نظام مبارك منذ توليه الحكم بدعوى حفاظه على الاستقرار في المنطقة في وجه تهديد "الإسلام الأصولي"، غير أن "سلطة الشارع" سلكت طريقاً مغايراً، وأخذت "رياح التغيير" تعصف بقوة في مصر، وبدا واضحاً لمراكز صناعة القرار الدولي أن الشعب المصري عازم على أن لا يفوِّت قطار التغيير.
ب- شكلت مسألة الانتخابات الحرة، التي كانت على الدوام أحد أبرز الإصلاحات التي يدعو إليها القادة الغربيون، معضلة بالنسبة إليهم، حيث أنها تجلب الإسلاميين إلى دائرة السلطة السياسية، وهذا ما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تجنبه، إلا أن الأمر يبدو مختلفاً اليوم، فهناك حديث عن تشكيل حكومة ائتلافية في مصر، من المرجح أن يتمكن الإسلاميون من المشاركة فيها، فهم وعدوا بأنهم سيدعمون الحكومة الجديدة لبناء دولة مدنية تلتزم بالدستور بعد تعديل مواده المانعة للحريات والديموقراطية.
ت- شكلت مصر في عهد مبارك مرتكزاً أساسياً في "محور الاعتدال" الذي ضم كلاً من السعودية والأردن. وهو محور متحالف مع الولايات المتحدة والغرب مقابل ما يطلق عليه محور الدول "الممانعة" في المنطقة، الذي يضم كلاً من سوريا وإيران، إضافة إلى حزب الله وحماس، وفي ضوء التحولات الجارية في مصر، فمن المرجح أن تبدي الحكومة الجديدة انفتاحاً على مجموعة دول الممانعة وحركاتها، استجابة للشرعية الشعبية التي تتبنى مواقف توافقت مع خط الممانعة إزاء الولايات المتحدة.
ث- كما يُتوقع أن تفسح مرحلة ما بعد مبارك، التي من شأنها أن تصبح أقل حماسة حيال الغرب، مجالاً أمام قوى دولية أخرى لتلعب أدواراً مختلفة في المنطقة؛ إذ تعد روسيا والصين أكثر اهتماماً في تحقيق مصالحها الاقتصادية اليوم من الاهتمام بالوضع الإيديولوجي في الدول العربية، ويضاف إلى هذه الدول تركيا بوصفها قوة إقليمية صاعدة.
ثالثاً: الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية واتجهاته المستقبلية
أجمعت ردود الفعل والتقديرات الإسرائيلية- استراتيجياً مع الصراع العربي الإسرائيلي إزاء الثورة في مصر- على أن هذا الحدث يعني إسرائيل، لما له من مفاعيل على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكانت إسرائيل هي الوحيدة بين دول العالم التي عبرت، في المحادثات المغلقة، وفي بعض التصريحات، عن أملها بأن يصمد نظام مبارك أمام الغضب الشعبي الذي اجتاح البلاد، خلافاً لما كتبه نتنياهو عن الدول العربية في كتابه" مكان تحت الشمس"الذي اتهم فيه العرب بأنهم غير ديموقراطيين، وقال إن إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط.
1. محددات الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية
يمكن تأطير المحددات التي حكمت الموقف الإسرائيلي بهذا الخصوص، بالتخوف من تغيير الأوضاع في مصر، وسقوط نظام مبارك، وانعكاسات ذلك على إسرائيل، وفي التفاصيل تعتبر أهم هذه المحددات من المنظور الإسرائيلي:
أ- يعد" السلام" مع مصر، من منظور الأمن القومي الإسرائيلي، كنزاً استراتيجياً، ويعترف الإسرائيليون لنظام مبارك أن مواقفه كانت "مرنة ودافئة وحميمية" حيال إسرائيل، وأنه صنع ما يسمونه "الاستقرار في الشرق الأوسط،"، وحارب "القوى المتطرفة" وفي مقدمتها حركات الإسلام السياسي، كما تسبب بإضعاف تنامي قوة حماس بعد فوزها في انتخابات 2006 الفلسطينية، ويمثل اتفاق السلام مع مصر وتطبيع العلاقات معها قيمة سياسية وأمنية ونفسية لدى إسرائيل، ومن ثم فإن العودة إلى "وضع الصراع" أو حالة "اللاحرب واللاسلم"، حتى وإن كان بارداً وغير معلن، سيؤثر بشكل كبير على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، ومن ثم سيدفع إلى تزايد فرص التهديد الوجودي للدولة على المديين المتوسط والبعيد.
ب- يمنح اتفاق السلام مع مصر إسرائيل ميزات أمنية كثيرة؛ إذ أن نزع شبه جزيرة سيناء من السلاح وحدد أعداد حرس الحدود المصريين، كما مكّن الجيش الإسرائيلي من التمركز في أماكن أخرى، و سيعدّ كل تغيير في هذا الإطار سبباً رئيساً لإثارة قلق إسرائيل ومخاوفها، إذ سيؤدي حتماً إلى تحوّل في النظرية الأمنية الإسرائيلية التي سادت منذ عام 1978، وسيفرض ذلك على الجيش الإسرائيلي استثمار موارد كبيرة جداً لسد الثغرات الناشئة من تغيير الأوضاع في مصر، وربما لا ينجح.
ت- في حال تفكك حالة السلام مع مصر، أو تراجعها إلى حالة البرود والجمود، سيدخل الجيش المصري في حسابات إسرائيل بطريقة مغايرة للحالة القائمة منذ نحو ثلاثين عاماً، تلك الحالة التي لم تدرج إسرائيل خلالها الجيش المصري في قائمة التهديدات الرئيسة المحدقة بها، فقد عمدت النظرية الأمنية الإسرائيلية في نهاية هذه الفترة إلى جملة من الترتيبات العسكرية ومنها: خفض سن إنهاء الخدمة في قوات الاحتياط، وتوجيه جزء كبير من موارد الدولة لأهداف اجتماعية واقتصادية، وتركيز المواجهة مع إيران وسورية وحزب الله وحماس، أما في حالة العداء القادمة المفترضة، فسترى إسرائيل في الجيش المصري خطراً عليها، وبخاصة في ضوء تقدير مستواه المتطور، وامتلاكه لآلاف الدبابات، ومئات الطائرات القتالية، وعشرات السفن الحربية، ووسائل قتالية أخرى، فضلاً عن نوعية أسلحته، وعقيدته القتالية، وخبراته الغربية القريبة من تلك الخاصة بالجيش الإسرائيلي، كما سيتم المس بحالة سيناء المجردة من السلاح، وبمكانة القوة متعددة الجنسيات فيها؛ مما يعني إعادة الحسابات الاستراتيجية في إسرائيل.
ث- تفترض إسرائيل أنه في حال نشوء نظام "راديكالي" في مصر يعمل على تغيير معادلة المرور في قناة السويس وخليج العقبة ومضائق تيران، فإن تجارة الدولة العبرية مع الشرق ستتضرر بشكل كبير، وبخاصة أن نحو ثلث واردات إسرائيل وصادراتها من الشرق وإليه تمر في البحر الأحمر، كما تتخوف إسرائيل في هذا السياق من تداعيات تطور الأوضاع في مصر على عبور سفنها الحربية في قناة السويس، الذي استغلته خلال السنتين الأخيرتين في مكافحة تهريب السلاح إلى غزة، وفي مشاركتها للبحرية الأميريكية والبريطانية في السيطرة على البحر الأحمر.
ج- تفترض إسرائيل أن مرحلة ما بعد مبارك من الممكن أن تشهد تحسناً في علاقات القاهرة بحكومة "حماس" في قطاع غزة، كما أن تغيير النظام في مصر يمكن أن يؤثر على الحصار المفروض على قطاع غزة، وعلى ما يحصل على حدود القطاع، وعلى الحدود الإسرائيلية– المصرية، وعمليات تهريب السلاح، وتعزيز مكانة حركة "حماس"، وبالتالي تزايد مستوى تهديد حماس لإسرائيل، وربما قدرتها على السيطرة على السلطة في الضفة الغربية لاحقاً بدعم سياسي عربي وشعبي، وبخاصة أنها تتمتع بعلاقات خاصة مع كل من تركيا وإيران الجارتين المسلمتين للوطن العربي.
ح- تجني إسرائيل فوائد اقتصادية نتيجة علاقاتها مع مصر، ومن أبرزها: تزويد مصر لإسرائيل بنحو 40% من الغاز الذي تحتاجه، والذي يعاني اليوم من إشكالية، يتوقع تفاقمهما في ظل حكومة وقيادة مصرية شعبية جديدة، وتزداد أهمية هذا الموضوع في ضوء أن 40–50% من إنتاج الكهرباء في إسرائيل يعتمد على الغاز، كما أن كثيراَ من المصانع الإسرائيلية في طريقها للعمل بواسطة الغاز، مما يؤثر على خطط إسرائيل الاقتصادية المستقبلية، باعتبارها دولة صناعية مهمة، وشريكاً لأوروبا والولايات المتحدة، هذا فضلاً عما تجنيه إسرائيل من أرباح تقدر سنوياً بنحو ملياري دولار جرّاء اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة "QIZ's" الذي وقعته إسرائيل مع مصر عام 2005، ووقعت مثله مع الأردن.
2. الموقف الإسرائيلي خلال الثورة المصرية
صدرت عن الحكومة الإسرائيلية سلسلة من التعبيرات عن موقفها حيال ما يجري في مصر، توزعت بين المنحى السلوكي والمنحى التصوري، وبدا واضحاً في كل هذه التعبيرات قلق الموقف الإسرائيلي لناحية الاهتمام بتأثير ما يجري في مصر على اتفاقية "السلام" المبرمة بين الطرفين، وما يمكن أن تؤدي إليه مآلات الأحداث، ربما على المدى المتوسط أو البعيد، من تداعيات أمنية وسياسية على الدولة الصهيونية، ومن أبرز ملامح هذا القلق وشواهده:
أ- وجّه نتنياهو مكتبه في 28 كانون الثاني/ يناير ليطلب من جميع المتحدثين الرسميين باسم الحكومة، ومن الوزراء، عدم التحدث إلى وسائل الإعلام بشأن ما يحصل في مصر، وكان التعليل لذلك أن إسرائيل ليست معنية بأن تظهر بصورة من يقحم نفسه في الشأن المصري الداخلي، وخوفاً من خدمة ذلك للثوار ضد الحكومة، ولكن سرعان ما تجاهل عدد من الوزراء هذا الطلب، مما خدم بالفعل إعلام الثورة وقوتها السياسية ضد النظام، وبخاصة ما يتعلق بالخدمات والعلاقات الخاصة التي قدمها النظام السابق لصالح إسرائيل، وضد الفلسطينيين، وبخاصة حركة حماس.
ب- أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 29 كانون الثاني/ يناير مشاورات مع وزير الدفاع إيهود باراك ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، كما عقد اجتماعاً لمستشاريه دعا إليه رئيس "الموساد" تامير باردو، ورئيس "الشاباك" يوفال ديسكين، وبحث معهم التطورات "المقلقة" في مصر، وانعكاساتها على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل على مختلف المستويات.
ت- بعثت حكومة إسرائيل في 29 كانون الثاني/ يناير برقيات "سرية عاجلة" إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية أكدت فيها أن للغرب مصلحة في الحفاظ على الاستقرار في مصر، وحضت هذه الدول على الحد من انتقاداتها العلنية الموجهة إلى مبارك، وأعربت الحكومة الإسرائيلية عن استيائها الشديد من الخط العلني الأمريكي والأوروبي بشأن التطورات في مصر.
ث- عقد وزير الأمن الإسرائيلي إيهود باراك في 29 كانون الثاني/ يناير مشاورات في مكتبه مع رئيس الأركان غابي أشكنازي، وكبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، ورؤساء أجهزة الاستخبارات المختلفة، كما اتخذ الجيش وأجهزة الأمن قراراً بعدم التعليق بشكل رسمي على ما يجري في مصر خوفاً من تأويل مواقفهم أو استغلالها.
ج- خصص نتنياهو الجلسة الأسبوعية لحكومته في 30 كانون الثاني/ يناير- خلافاً لجدول الأعمال المقرر- للتداول في تطورات الوضع في مصر، وركز على أن إسرائيل تتابع بترقب مجريات الأمور في مصر وفي المنطقة، وبعد إعلان مبارك عدم ترشحه لولاية إضافية، حذّر نتنياهو، في خطاب له أمام الكنيست في 2 شباط/ فبراير من أن عدم الاستقرار والتظاهرات ضد الحكومة في جميع أنحاء مصر ستؤدي إلى "زعزعة الاستقرار لسنوات" في المنطقة، وألمح نتنياهو إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستزيد ميزانية الأمن بسبب التطورات في مصر.
ح- طالب عدد من أعضاء الكنيست بتشكيل لجنة تحقيق بشأن الإخفاق الاستخباري الإسرائيلي في تقدير الموقف في مصر، وقد جاءت هذه المطالبة بعد أن صدرت إشارات طمأنة عن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- أمان وجهاز الاستخبارات والمهمات الخاصة-الموساد أفادت بتوقعها استقرار النظام في مصر خلال عام 2011.
خ- اعتبر إيهود باراك في مقابلة معه في 2 شباط/ فبراير أن عهد مبارك قد "انتهى"، موضحاً أن لهذه الحقيقة انعكاسات بعيدة المدى على الواقع الحالي الذي تعيشه إسرائيل، ولكنه رأى أن الأحداث التي تشهدها مصر حالياً "لا تحمل انعكاسات تستدعي تحركات عملياتية فورية في الوقت الراهن، وعليه فإنها لا تستوجب أن تتخذ إسرائيل استعدادات خاصة على مدى الأسابيع القادمة".
2. الاتجاهات المستقبلية للموقف الإسرائيلي
أ- تبني إسرائيل حساباتها على قاعدة التكامل بين التفكير الذاتي وتكييف التطورات، وذلك بما يتيح تحصين أمنها القومي، فما يهمّ إسرائيل هو أن تسود في مصر ظروف لا تنطوي على تغير الوضع الراهن الذي يمثل، في التصور الإسرائيلي، الحد الأدنى المقبول، وبالتوازي مع هذا التطلع يشدّد الإسرائيليون على ضرورة التحسّب للتطورات، والتعامل مع أي تغييرات في مصر بمصطلحات الأمن وامتلاك القدرة العسكرية التي يعتبرونها الضامن الأول لوجود الدولة واستمرار أدائها العام.
ب- تدرك دوائر صناعة القرار في الدولة العبرية بأن "المجابهة مع إسرائيل" لا تزال السيناريو المرجعي لخطط الجيش المصري وتدريباته، حتى بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، ومن هنا عمدت إسرائيل، تحت عنوان "إدارة الأخطار" و"زيادة الجدوى"، إلى ترجمة الاحتمال الضئيل لانهيار حالة السلام مع مصر، وفي إثر التطورات على الساحة المصرية من المرجح أن تجري إسرائيل مراجعة عميقة لاستيعاب تأثيرات الثورة المصرية على أمنها القومي.
ت- قدرت إسرائيل بأن الأزمة في مصر غير مرتبطة بها بصورة مباشرة، وفي هذا السياق يمكن فهم تأكيد وزير الأمن الإسرائيلي إيهود براك في 28 شباط/ فبراير على عدم وجود أي تهديد فوري على إسرائيل نتيجة الثورة المصرية، لكن إسرائيل تقدر بأنه في حالة سقوط نظام مبارك، فإن أي نظام جديد في مصر سيسعى، وإن ظاهرياً، للمس بحالة "السلام" مع إسرائيل لإدراكه أن أحد عوامل النقمة على النظام السابق تمثلت في تحالفه مع الاحتلال الإسرائيلي، واشتراكه في حصار قطاع غزة.
ث- أكدت الثورة في مصر على "الضائقة الاستراتيجية" لإسرائيل في الشرق الأوسط، وذلك بعد تراجع حلفها الاستراتيجي مع تركيا بسبب الاعتداء على أسطول الحرية أواخر أيار/ مايو عام 2010، ومن هنا ترى إسرائيل بأنه لا يمكنها فعل شيء غير الأمل بأن تولّد الأزمة حكومة مصرية مستقرة مخلصة للسياسة الخارجية التي تبنتها الحكومة السابقة، بما في ذلك اتفاق "السلام"، والعلاقات مع إسرائيل والصلة بالغرب.
ج- تضمنت التقديرات الإسرائيلية سيناريو "متطرفاً"، مفاده أنه إذا ما جرت الانتخابات كما يريد الأمريكيون، فإن معظم الاحتمالات تصب في أن "الإخوان المسلمون" سيفوزون بالأغلبية، وسيمثلون الجهة الأبرز في النظام القادم، وعليه فإن اتفاقية "السلام" الإسرائيلة- المصرية ستتضرر نتيجة هذا التحول.
ح- في أعقاب الثورة المصرية دعت أصوات مؤثرة في إسرائيل إلى تبني تفكير مغاير عن النظام الإقليمي ومكانة إسرائيل فيه، كما دعت إلى أن تُكيِّف السياسة الخارجية الإسرائيلية نفسها مع واقع يكون فيه مواطنو الدول العربية، وليس فقط حكامها والدوائر المفربة منهم، مؤثرين في رسم سياسات بلدانهم وتوجهاتها، وتمثل هذه الدعوة شكلاً من أشكال الواقعية السياسية، ذلك أن إسرائيل تأمل على الدوام استمرار الأوضاع العربية على ما هي عليه من تراجع في الحياة الديموقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان، ويعبر عن هذا الموقف تصريح لوزير الأمن إيهود براك في 28 شباط/ فبراير بأنه" لا يرى أي فرص لنشوء ديمقراطية كاملة في العالم العربي خلال الأعوام القريبة"، ومع ذلك، فإنه يرى بأن الحديث يدور عن توجه إيجابي للتطور، وللحصول على حقوق إنسان إلى جانب حقوق الأقليات والنمو الإقتصادي.
خ- إن الصراع العربي-الإسرائيلي سيكون أمام منعطف جديد؛ لأنه، ولأول مرة في تاريخ الصراع، ستكون إسرائيل في مواجهة تحول ديموقراطي عربي جدي، بما يعنيه القول من إمكانية تقديم نموذج سياسي عربي ينافس إسرائيل ويصارعها ضمن أدوات تفوقها ومعاييرها التحديثية نفسها، وقد جربنا مع إسرائيل كل المنطلقات، وأبرزها أننا في صراع حق وباطل، فقد حصرنا المواجهة في المستوى العسكري، وهو ما لم نجربه بشكل صحيح حتى الآن، والصراع العربي- الإسرائيلي هو أيضاً صراع تخلف وتقدم، والسر في الحالين هو حداثة النظام السياسي، وكيفية إنتاج الشرعية وقواعد تداول السلطة.
* أسهم في إعداد التقرير كل من: د. خيري عمر (أستاذ العلوم السياسية-القاهرة)، ود. مروان الأسمر (أستاذ العلوم السياسية، ورئيس تحرير جريدة ستار الإنجليزية الصادرة في الأردن سابقا-عمان)، وأ. إبراهيم عبد الكريم (رئيس التحرير في مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية – دمشق). وحرره كل من: أ. عبد الحميد الكيالي (مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية في مركز دراسات الشرق الأوسط)، وأ. جواد الحمد (مدير مركز دراسات الشرق الأوسط).