|
تحليل سياسي
من إعداد وحدة الدراسات الإسرائيلية
والفلسطينية
انتشرت على موقع يوتيوب-youtube
الإلكتروني
مقاطع مصورة تعود للعام 2010 يظهر فيها الرئيس المصري محمد مرسي وهو يوجه انتقادات
للاحتلال الإسرائيلي في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية 2009 ومطلع
2010، حيث كان يشغل في ذلك الوقت موقع الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسليمن
في مصر.
وحظيت هذه
المقاطع المصورة للرئيس المصري
بتركيز
إعلامي وسياسي كبير، حيث تناولتها أبرز وسائل الإعلام العالمية والعربية، كما صدر
حيالها عدد من ردود الفعل، تصدّرها موقف وزارة الخارجية الأمريكية والألمانية.
وللتدليل على حجم الاهتمام الإعلامي والسياسي بهذه التصريحات يُشار إلى أن الرئيس
مرسي سئل عنها خمس مرات خلال زيارته لألمانيا في 30/1/2013، التي استغرقت بضعة
ساعات.
كانت صحيفة نيويورك تايمز-
New York Times
الأمريكية قد أشارت في عددها الصادر بتاريخ 15/1/2013 إلى أن
تصريحات الرئيس محمد مرسي التي أدلى بها في عام 2010 تكشف عن "مشاعر معادية للسامية
وللغرب"، وتثير أسئلة بشأن جهود الرئيس المصري لتقديم نفسه كوسيط في الصراع العربي-
الإسرائيلي وأحد أقطاب الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط[1].
كما اهتمت صحيفة التايمز
Times
البريطانية في افتتاحياتها بتصريحات
الرئيس مرسي، ونشرت مقالاً بعنوان "فيديو مقزز"، حيث قالت: إن الفيديو المسجل
للرئيس المصري محمد مرسي يتضمن تعليقات "معادية للسامية"، مضيفة بأنه "مزعج
للغاية"، ووصفت الصحيفة تصريحات مرسي بأنها "سامة ومخبولة"، مستنتجةً "إننا لن
تتمكن من التوصل الى سلام دائم، أو إلى علاقة سياسية طبيعية، طالما أن فكرة معاداة
السامية تعدّ من أساسيات الحياة العامة"[2].
وعلى الصعيد السياسي قالت المتحدثة باسم الخارجية
الأمريكية فكتوريا نولاند: "اللغة التي سمعناها مسيئة للغاية، ونعتقد أنه يجب أن
يتم التراجع عن هذه التصريحات وبشكل حازم"، مضيفةً: "نريد أن نرى الرئيس مرسي وهو
يقول بشكل واضح جداً لشعبه وللمجتمع الدولي بأنه يحترم الناس من كل الديانات وأن
هذا النوع من الخطابات غير مقبول وهو غير بنّاء من قبل رئيس في مصر ديموقراطية"[3]. وأدانت
الحكومة الألمانية تصريحات الرئيس محمد مرسي وعدّت أن أي تصريحات من شأنها الإضرار
بهدف تحقيق السلام في الشرق الأوسط "غير مفيدة"[4].
وفي تصريح للرئيس مرسي خلال زيارته لألمانيا في 30/1/2013 أوضح أن الكلام الذي نُشر
اقتطع من سياقه، ولم يؤخذ بمعناه الذي قصد به حينئذ، مؤكداً أنه ليس ضد اليهود أو
اليهودية الدين، ولكن الحديث كان عن التصرفات التي يأتي بها أي صاحب دين فيسفك بها
الدماء أو يقتل بها أبرياء، مضيفاً أنه مأمور في الإسلام بأن يحترم كل الأنبياء،
وأن يحترم حق كل إنسان في الاعتقاد طالما أنه في إطار القانون العام في الوطن الذي
يعيش فيه[5].
وفي لقاء لاحق عقده مرسي في مؤسسة كوربر على هامش زيارته لألمانيا، ولدى سؤاله عن
تصريحاته أكد احترامه لحق الإنسان في الاعتقاد، وأن إراقة دماء الإنسان والغزو
والاستعمار مرفوض إنسانيا وأن سعي الشعوب إلى تحرير أرضها مكفول عالمياً، وأن ما
نشر تم اقتطاعه من سياقه، وأنه كان للتعليق على العدوان الإسرائيلي على
الفلسطينيين، مشيراً إلى أنه في صغره شاهد القصف الإسرائيلي لمدرسة أطفال في بحر
البقر وقصف مصنع في منطقة أبو زعبل[6].
وفي توضيحه لتصريحات الرئيس مرسي السابقة، قال عصام الحداد، مساعد الرئيس
المصري للعلاقات الخارجية والتعاون الدولى، إن السلطات المصرية تؤكد التزامها بدعم
الحريات الدينية وتعزيز قيم التسامح بين الأديان. وأضاف الحداد، فى بيان
باللغة الإنجليزية، نشره على صفحته بموقع «فيس بوك»، بتاريخ 17/1/2013، أن الرئيس
يؤمن بشدة أننا يجب أن نحترم ونحتفى بإنسانيتنا المشتركة، وألا نقبل أو نتغاضى عن
التصريحات التى تحمل ازدراءً لأى دين أو عرق[7].
وفي ردود الفعل وصفت المتحدثة باسم الخارجية
الأمريكية، فيكتوريا نولاند، البيان الذي صدر، عن مكتب الرئيس محمد مرسي بأنه
"قوي"، مشيرة إلى أن هذه "خطوة أولى"، وأن "واشنطن تتطلع إلى الرئيس مرسي والقادة
المصريين كي يبرهنوا على التزامهم بالتسامح الديني والتمسك بكل الالتزامات الدولية
لمصر قولا وفعلا". وقالت "نولاند"، خلال المؤتمر الصحفي للخارجية الأمريكية، بتاريخ
17/1/2013: "إننا نعتبر ما صدر عن الرئاسة خطوة أولى جيدة، وسنستمر في متابعة ما
يتم القيام به قولاً وعملاً فيما يتعلق بالتسامح الديني، وفيما يتعلق بالتزامات مصر
الدولية"[8].
ومن
الجدير بالذكر أن أحد المقاطع المنتشرة
والمترجمة إلى الإنجليزية لتصريحات مرسي المذكورة قد نشرها معهد
دراسات إعلام الشرق
الأوسط-
Memri، وهي
النسخة التي اعتمدتها الكثير من وسائل الإعلام الغربية، ومن بينها صحيفة نيويورك
تايمز.
ويُذكر
أن مقر معهد Memri يقع في واشنطن,
ومن أهدافه المعلنة:
العمل على الحد من الفجوة
اللغوية بين الغرب والشرق الأوسط، من خلال "توفير ترجمات سريعة للإعلام العربي
والفارسي والأوردو وغيرها"، في حين أنها تسعى
لانتقاء مقتطفات
سلبية من العالم الإسلامي لتقوم بنشرها على أوسع نطاق ممكن. ومؤسس
Memri والمالك المسجل للموقع الخاص بها على الإنترنت، هو إسرائيلي يدعى إيجال
كارمون
Yigal
Carmon،
وهو
كولونيل قضى 22 عاماً في
الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وعمل بعد ذلك كمستشار لمكافحة الإرهاب لكل من رئيسي
الوزراء الإسرائيليين إسحاق شامير وإسحاق رابين.
وقد بدا واضحاً
أن ردود
الفعل الإعلامية والسياسية الغربية المبالغ فيها تهدف إلى تحريض الرأي العام الغربي
على الرئيس المصري، وإلصاق تهمة "معاداة السامية" به، ويأتي ذلك في ظل الضغط من قبل
اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية لكي توقف مساعداتها الاقتصادية لمصر وتأخذ
موقفاً أكثر تشدداً من صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر.
إلا أن
خطاب الرئاسة المصرية والرئيس نجح في التعامل مع القضية من خلال التأكيد على احترام
الأديان وحرية الاعتقاد، مع التشديد على حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم،
والتذكير بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان، والاستناد إلى القانون
والأعراف الدولية والإنسانية، مع الإشارة إلى أن المقاطع المنشورة تقتطع الكلام من
سياقه، دون الخوض في التفاصيل أكثر من ذلك.
وتشير
الضجة الإعلامية حول هذه التصريحات إلى أهمية الانتباه إلى أن اللوبي الصهيوني
والمستوى السياسي في الغرب يحاول أن يختبر مواقف الإسلاميين المبدئية إزاء الصراع
العربي- الإسرائيلي، وإمكانية تليينها. كما يشير إلى أن السياسة الغربية تخضع للآلة
الإعلامية الصهيونية فيما يتعلق بالصراع؛ حيث تم استخدام الإعلام والمواقف السياسية
للضغط على مصر بسبب تصريحات قديمة للرئيس، وهو أمر يؤكد أهمية توعية الرأي العام
الغربي بتصريحات الإسرائيليين العنصرية والمعادية للإنسانية، وليس للسامية فقط،
والتي يوجهونها ضد العرب والمسلمين، ناهيك عن الممارسات والسلوك العنصري
الإسرائيلي.
الهوامش:
[1] أنظر صحيفة نيويورك تايمز في:
http://www.nytimes.com/2013/01/16/opinion/president-morsis-repulsive-comments-against-jews.html?_r=0
[2] أنظر صحيفة التايمز في:
http://www.thetimes.co.uk/tto/opinion/leaders/article3658685.ece
[3]أنظر وزارة الخارجية الأمريكية في:
http://www.state.gov/r/pa/prs/dpb/2013/01/202846.htm
[4] أنظر صحيفة البداية في: http://www.albedaiah.com/node/17026
[5]
أنظر يوتيوب في:
http://www.youtube.com/watch?v=stTRo0tZB7k
[6]
أنظر مؤسسة كوربر في:
http://www.tvonweb.de/kunden/koerber/2013/30012013_en/index.html
[7] أنظر صحيفة المصري اليوم في:
http://www.almasryalyoum.com/node/1393671
[8] أنظر وزارة الخارجية الأمريكية في:
http://www.state.gov/r/pa/prs/dpb/2013/01/202993.htm
* أعد هذا التقرير أ. محمد غازي الجمل، الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط. عودة للدراسات عودة لأحدث الأنشطة والتقارير
|
|
|
|
---|