|
العالم العربي من المتغيرات التكتيكية عام 2022 إلى التحولات الأكبر في عام 2023
يتناول هذا المقال الاتجاهات الأساسية الممكنة للحالة العربية مع نهايات العام 2023 استناداً إلى المخرجات المتنوعة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، والمخرجات ذات الأبعاد الجيوسياسية الجيواستراتيجية أيضاً. .
وبعيداً عن الدخول في الجدليات اللحظية المعقدة بسبب قصر مدى النظر لدى مختلف الفرقاء، فإن هذه المقالة ستحاول أن تفتح المدى ليتسع لاستيعاب المتغيرات التي تمت في العام 2022، ويقدم الفرص والتحديات التي تواجه هذه المتغيرات وما يعضدها من ظواهر ومتغيرات أخرى محتملة خلال العام 2023، والذي سيُنهي التحليل، بالضرورة، بطرح عدد من الأفكار والمسارات والاتجاهات التي يمكن الأخذ بها لدفع المتغيرات الأفضل للعالم العربي ليكون نصيب تحققها أكبر، والتي قد تثمر في نهاية العام 2023 أولياً، وربما يتمكن بعضها من اجتياز حاجز الإنجاز الأولي نحو اتجاهات تحقق أكثر وضوحاً في مساراتها بمختلف الأبعاد آنفة الذكر. بادئ ذي بدء، شهد العام 2022 تحولات مهمة، كان أكثرها في سياق المسارات السابقة بنوعيها الإيجابي والسلبي، ولكن بعضها استجدّ وقدّم ممكنات جديدة للبناء عليها لمن يملك التخطيط العلمي والمتابعة والمثابرة وإرادة الاستثمار الفعال لهذه الممكنات، حيث نرى أنه كان عام تحولات أولية مهمة تحمل فرصاً لتغيرات أكبر مع نهايات العام 2023، خاصة فيما يتعلق بتفكيك أو تفكك الأزمات المستعصية من جهة، وكذلك في اتجاهات طيّ ملفات الخلافات الحادّة بين عدد من الأطراف المهمة العربية والإسلامية، والرسمية والشعبية، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بخصوص استعادة روح المقاومة في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي على حد سواء. وقد خُتم العام بمشهد متعدد الألوان وبعوامل فاعلة متعددة التأثيرات، كان من أهمها نجاح دولة قطر بإدارة وإنجاح مونديال قطر (العرب) 2022، والذي مثّل حقاً تغييراً سيسيولوجياً وثقافياً في التفكير العالمي بالعرب والإسلام، وبالدول العربية والقدرات العربية والإسلامية الخلّاقة في التعامل مع التنوع الإنساني باحترام وبمستوى راقٍ من الأخلاق والعادات والقيم، وكذلك إبراز الإجماع العربي في تأييد القضية الفلسطينية، مما لم يتوقعه الملايين الذين حضروا المونديال، ومئات الملايين الذين تابعوه عبر الأثير ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي طوال شهر. وكذلك النجاح الجزائري بعقد القمة العربية التي تأخرت كثيراً عن موعدها، والتي أعادت القضية الفلسطينية إلى مركزيتها في الفكر والسياسة العربية، وتجاوز الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية التي كان من الممكن أن تُعيق إصدار البيان الختامي أو أن تجعله بلا معنى، وهو ما حرّك ديناميكية مهمة في فرص تحقيق التضامن العربي، وكذلك في دفع المصالحة الفلسطينية بقوة وطاقة جديدة، وتأكيد حيادية العرب عن المحاور الدولية في الصراعات المسلحة مثل الحرب في أوكرانيا. وخُتم العام 2022 في المقابل بمشهد شكّل صدمة كبيرة للشعب الفلسطيني بإصرار المجتمع الإسرائيلي على انتخاب اليمين المتطرف ليحكم الكيان الإسرائيلي ببرنامجه الشوفيني الاستيطاني، والمصحوب بكل أدوات العنف والإرهاب والتهديد، والمتمرد فكراً وممارسة على القانون الدولي والمجتمع الدولي، والذي لا يعترف بالإرادة الدولية التي اعترفت به منذ 75 عاماً، والتمرّد على كل القيم الإنسانية المتفق عليها بين الأمم، حتى تلك القيم التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد أرخى هذا المتغير بظلال الشؤم تجاه سلوك هذه الحكومة المتطرفة ضد الفلسطينيين والعرب، والتي لم يُظهِر الجانب العربي الرسمي قدراً كافياً من القلق أو الرفض للتعامل معها مع الأسف، في مقابل تحويل الجمعية العامة للأمم المتحدة طلب استشارة من محكمة العدل الدولية حول "ماهية الاحتلال الإسرائيلي والتبعات القانونية لاحتلال الأراضي الفلسطينية"، والذي استقبله رئيس هذه الحكومة المتطرفة بشتيمة العالم والقرار والذين أيّدوه، وعلى رأسهم الدول العربية والإسلامية، واصفاً إياهم جميعاً "بالدناءة والحقارة"، كما أعلن استمرار التمرّد المسبق على جميع قرارات الأمم المتحدة، وبأنها غير مُلزِمة لإسرائيل كما لم تلتزم بها إسرائيل سابقاً على حد قوله. من جهة أخرى، ثمة سياقات استمرت بمستويات وديناميكيات متعددة المستويات التأثيرية في عدد من الدول العربية، وأهمها أزمة الصراعات الداخلية، سواء المسلحة، أو التي تتعدد فيها المليشيات المهددة للسلم الاجتماعي، أو الحراكات الشعبية المطلبية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو قطاعية، وكذلك بعض الخلافات المهمة في طريقة التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي ومع الكيان الإسرائيلي أيضاً، والتي نجحت النخبة الفكرية العربية، وبرعاية مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردنّ، بالتوصل إلى ملامح استراتيجية عربية جديدة شاملة للتعامل معه في أوائل العام 2022، وكذلك العمل على محاولة تفكيك الأزمات الداخلية والبينية العربية، وبينها وبين كل من تركيا وإيران، وتنامي روح المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه المسلحين بظواهر جديدة متنوعة.
استناداً إلى المخرجات المتنوعة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، والمخرجات ذات الأبعاد الجيوسياسية والجيواستراتيجية أيضاً، والتي أشار التحليل إلى بعضها في ختام مشهد العام، فيمكن رصد أهم الاتجاهات الأساسية الممكنة للحالة العربية مع نهايات العام 2023، والتي خلقت ديناميكيات المتغيرات المتعددة في العام 2022 كما أشير أعلاه، وأهم هذه الممكنات لعام 2023: • العودة إلى فلسفة التضامن العربي بمستواها السابق، وإن كان محدود التأثير على المستوى الاستراتيجي، والذي قد يؤثر في الأبعاد التكتيكية قصيرة المدى.
• تزايد تأكيد مركزية العالم العربي بخصوص التجارة الدولية من جهة، وبخصوص الطاقة بأنواعها المختلفة من جهة أخرى، وهو ما يحتاج إلى خطط عربية مشتركة عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي لكيفية التعامل معه من جهة، وكيفية توفير جزء من مدخوله الخاص لدعم الدول العربية غير النفطية في مجالات الغذاء والطاقة والتعليم والصحة من جهة أخرى.
• التقدم باتجاه إنهاء حالات الاحتراب الداخلي، وفتح المسارات السياسية بتوافقات محلية وإقليمية، وربما دولية، وخاصة في كلٍّ من ليبيا وسوريا، وبدء اتجاهات الشعور بالاستنزاف والعبثية في الصراعات، سواء السياسية أو الأيديولوجية أو المذهبية أو بين الميليشيات في العراق، والتحول إلى تنازلات فعلية تعيد التوازن السياسي والديمغرافي إلى واقعيته بعيداً عن المحاصصات المفسدة، وتأكُّد المعنيين بالعجز عن الاستقرار في حالة الانقلاب المسلح على الدولة والديمقراطية في اليمن، وتنامي الحاجة الماسة إلى مصالحة وطنية شاملة في البلاد بعيداً عن العنف والمذهبية.
• تنامي فرص التحول نحو برامج ومشاريع لإنهاء الخلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة في كلٍّ من لبنان والسودان وتونس، وخصوصاً عبر إجراء انتخابات حقيقية واقعية لكل الطيف السياسي في البلاد، بلا إقصاء أو تهميش في كلٍّ من تونس والسودان، وتقديم تنازلات متبادلة بين الفرقاء في لبنان بدعم عربي وإقليمي، وربما بعض التطور غير الرئيسي في الحالة الصومالية.
• تطور الدعم العربي الرسمي، ناهيك عن الشعبي، للقضية الفلسطينية في ظل احتمالات تصاعد المواجهات الشعبية والمسلحة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذات العقلية الإرهابية والعنفية من جهة، وذات البرامج الاستيطانية والتهويدية والصدامية مع الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية من جهة أخرى، والتي يفتقد النظام الدولي أي معيار دولي واضح المعالم لضبطها.
• تنامي الفرص للتوصل إلى مصالحة وطنية قابلة للنجاح في فلسطين، في موازاة تنامي التهديدات الاجتثاثية الإسرائيلية للجميع من الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة برئاسة نتنياهو، وكذلك تنامي روح المقاومة والقدرات الوطنية الفلسطينية في مواجهة إرهاب قوات الاحتلال والمستوطنين اليهود في القدس والضفة الغربية، والاعتداءات على قطاع غزة، وربما تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية، ومثلها غرفة عمليات للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية، استناداً إلى برنامج سياسي نضالي موحّد وفق الإطار السياسي الذي نظّمته وثيقة الوفاق الوطني لعام 2006، بما في ذلك تجديد النظام السياسي الفلسطيني بالانتخابات العامة المتفق عليها سابقاً.
• توفّر فرص أولية لإعادة ترتيب العلاقات مع إيران على قاعدة حسن الجوار الإسلامي من جهة، ووقف التدخلات في الشئون الداخلية لكل الأطراف من جهة أخرى، والتوافق على موقف عربي- إيراني- تركي داعم للقضية الفلسطينية ولنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة حكومة التطرف اليميني الإسرائيلية الجديدة. (الحوار التركي- الإيراني- الروسي، والحوار الروسي- التركي- السوري، والحوار السعودي- الإيراني، والعلاقات القطرية والإماراتية، خاصة التجارية، مع إيران ...).
• الانفتاح العربي الأوسع مع تركيا في ظل التوجهات التركية الجديدة لاستعادة العلاقات العربية، وخصوصاً مع كلٍّ من دول الخليج العربية وسوريا ومصر والأردنّ، واستثمار هذا التحول عربياً بتوسيع دائرة تحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة، والتي قد تساعد في منع أي انهيارات اقتصادية في بعض الدول العربية، والتنسيق المشترك معها في مجال الطاقة في ظل اكتشافات تركية جديدة، وكذلك في حل الخلافات داخل بعض الدول العربية، خصوصاً في كلٍّ من ليبيا وسوريا، وتمتين التماسك في الموقف الإسلامي لدعم القضية الفلسطينية ودعم الحقوق العربية والإسلامية الأخرى.
حيث يشكل مجموع هذه الممكنات تحولات جيوسياسية عربية مهمة، سوف تخرج وضعاً جيواستراتيجياً أفضل للعالم العربي وتقدّم الفرص للتفكير الهادئ برسم دور ومكانة دولية للعرب مدعومة شعبياً واقتصادياً، وبعلاقات قوية مع الدول الإسلامية الكبرى من جهة، ومع القوى الفاعلة في النظام الدولي بتوازن دقيق من جهة أخرى.
• توفّر فرص أولية لإعادة ترتيب العلاقات مع إيران على قاعدة حسن الجوار الإسلامي من جهة، ووقف التدخلات في الشئون الداخلية لكل الأطراف من جهة أخرى، والتوافق على موقف عربي- إيراني- تركي داعم للقضية الفلسطينية ولنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة حكومة التطرف اليميني الإسرائيلية الجديدة. (الحوار التركي- الإيراني- الروسي، والحوار الروسي- التركي- السوري، والحوار السعودي- الإيراني، والعلاقات القطرية والإماراتية، خاصة التجارية، مع إيران ...).
ثمة أفكار ومسارات واتجاهات مهمة لازمة لدفع المتغيرات المحتملة آنفة الذكر لتحقق الأفضل للعالم العربي وليكون نصيب تحققها أكبر، والتي قد تثمر أولياً في نهاية العام 2023، وأهمها:
1. استمرار الحوارات الداخلية في كل قُطر عربيّ لإنهاء الأزمات والخلافات وبمشاركة شاملة بلا إقصاء.
2. العمل العاجل على بلورة آلية عربية لفض النزاعات إن وُجدت، ولتشكيل فرق عمل مشتركة بين الفرقاء العرب لحل الخلافات والبدء بصفحات مصالحة جديدة، ومن ذلك تفعيل دور المحكمة الإدارية العربية بشان الخلافات الحدودية.
3. تنمية التفكير الاستراتيجي الإنمائي، والمتعلق بأمن الطاقة والغذاء في العالم العربي، ليتحول إلى آليات تنفيذية تحقق التكامل من جهة، وتحقق الاكتفاء بالسلاسل الغذائية العربية والتعاون الصحي دون استجداء الآخرين من جهة أخرى.
4. القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وفق الحاجة، وبما يفتح المشاركة الشعبية في تحمل مسئولية القرارات والسياسات التي تتبناها الدولة، وذلك في مختلف الأقطار، لمنع الانزلاق نحو احتجاجات شعبية قد تعطل مسار التنمية والتوافق الداخلي في كثير من الأقطار العربية.
5. تشكيل لجنة عربية لتفكيك الأزمات، والتوصّل إلى قواسم مشتركة بأبعاد مصلحية، وإسلامية عامّة مع كل من إيران وتركيا بما يحقق المصالح المشتركة، ويوقف الصراعات في كلٍّ من سوريا واليمن والعراق وليبيا، لمنع الانزلاق إلى مواجهات إقليمية مع أي منهما على المستويات الاقتصادية أو الأمنية.
6. التوافق على موقف جماعي عربي موحد ومتماسك مدعوم من منظمة التعاون الإسلامي أيضاً في التأكيد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967 كشرط لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والتراجع أو تجميد أي خطوات مخالفة لذلك لحصر إسرائيل في الزاوية، ووقف لعبها على حبال التطبيع وعلى تباين المواقف العربية لتستفرد بالفلسطينيين، ويُقترح تبنّي الاستراتيجية التي توصل إليها مركز دراسات الشرق الأوسط آنفة الذكر، والتي وصلت إلى كل القادة العرب في آب/ أغسطس من عام 2022.
7. التأكيد على دعم نضال الشعب الفلسطيني بكافة الوسائل المتاحة في داخل فلسطين وفي الشتات، وتبنّي الدفاع عن ذلك في المجتمع الدولي.
8. تشجيع الفرقاء الفلسطينيين على المصالحة الوطنية، وتوفير آلية ومظلة عربية داعمة بقوة لتحقيق ذلك خلال العام 2023، خصوصاً أن متطلبات المصالحة قد تم التوافق عليها باتفاقات عديدة، وأهمها اتفاق مكرة عام 2007، واتفاق القاهرة عام 2009، واتفاق إسطنبول عام 2021 بخصوص الانتخابات، واتفاق المصالحة في الجزائر قبيل القمّة العربية في عام 2022.
ولذلك فإن بواكير العام 2023 تستند بقوة إلى مخرجات مهمة للعام 2022، بعضها خلق التحديات والإشكالات، وأكثرها يخلق الفرص والإمكانات، الأمر الذي يدفع الفكر العربي والقيادات العربية الرسمية والشعبية إلى الانطلاق بالتفكير في المرحلة القادمة من قاعدة التوافق والمصالحة وتحقيق المصالح، حتى الخاصة منها، في ظل تحقيق المصالح المشتركة والعامة على المستويات الفردية والحزبية، وعلى مستوى الدول في وقت واحد، وبعيداً عن ضيق الأفق في النظر إلى المتغيرات المعيقة، لأن الانغماس فيها يعيق القدرة على النظر بالفرص الممكنة، ويُبقي التفكير والفكر والسياسية حبيسة اللحظة بمعطياتها الآنية، ولعل هذ المقالة قد وفّرت، بدرجة ما، فرصة للتفكير خارج الحوائط الآنية القائمة والمانعة للتفكير في المستقبل، والتوجه بالتالي نحو ابتداع المسارات والخيارات الجديدة والتحول نحو استثمار الممكنات الناشئة أو الكامنة للتوصل إلى وضع عربي أفضل، متفاوت القوة وفق الملفات التي أشير إليها، والتي تفتح المجال أمام الأجيال وقطاعات الشباب للانخراط في العمليات الجارية في بلادها بنوع من الثقة في المستقبل، بعيداً عن أجواء الإحباط واليأس. انتهىالمقال الإفتتاحي لمجلة دراسات شرق أوسطية – العدد - 102
|
|
|||
|
---|