|
مركز دراسات الشرق الأوسط – الأردن تشكّل العلاقات الدولية للأردن إحدى روافع التأثير الجيواستراتيجي للمملكة في محيطها، ونظرًا للتحوّلات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية المتنامية في النظام الدولي وسياساته تجاه المنطقة العربية فقد تأثّرت بها- أي التحوّلات- السياسة الخارجية الأردنية، ومصالح الأردن الحيوية. ويواجه الأردن لذلك خيارات صعبة ومتعدّدة في طريقة ومنهجية التعامل مع هذه التحوّلات، والتي تتشكّل بانعكاسات بعضُها مرحلي وبعضُها استراتيجي على دور الأردن ومصالحه واستقراره وعلاقاته الخارجية. واقع علاقات الأردن الدولية بالنظر في واقع علاقاته الدولية، نجد أنّ الأردن وبرغم صغر مساحته وقلّة عدد سكانه يلعب دورًا مهمًّا ويقع في محور اهتمامات المجتمع الدولي، وعلى الأخصّ فيما يتعلّق بالأمن والسياسة. وفي ضوء ذلك تشكّلت خارطة علاقات الأردن الدولية، حيث يتمتع بعلاقات "تحالف" مع الولايات المتحدة يشوبها بعض الخلافات، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا. كما أنّ للأردن علاقات متوازنة مع كلّ من الصين وروسيا واليابان، إضافةً إلى علاقات متعدّدة مع دول أخرى في كلٍّ من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، لكنّها لا ترقى إلى مستوى علاقاته مع الدول الكبرى الصناعية. تتمثّل أهمّ إشكالات هذه الخارطة في العلاقات الدولية أنّ السياسات الغربية تتبنّى عمومًا السياسات الإسرائيلية التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على استقرار ودور ومستقبل المملكة، كما تشكّل عبئًا على الاقتصاد الأردني بحكم توجهات وسياسات صندوق النقد الدولي، فضلًا عن اعتبار الأردن "حليفًا" لهذه الدول، وخاصةً في المجال الأمني ومكافحة ما يُعرف بالإرهاب. وفي مقابل ذلك فإنّ العلاقات الأردنية مع الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام وبريطانيا على وجه الخصوص قد شكّلت مظلّة حماية دولية للمملكة من الأطماع الإسرائيلية على المدى المتوسط، كما شكّلت مصدرًا مهمًّا من مصادر الدعم الاقتصادي والعسكري في كثير من المحطّات، فضلًا عن الدعم الأمني التقني وغيره، ومن ثمّ فإنّ تنامي بعض الخلافات السياسية حاليًّا مع الولايات المتحدة، وخاصّةً فيما يتعلق بـ "صفقة القرن" ربّما يتسبب بخلق عددٍ من التحديات الجديدة لهذه العلاقات، والتي قد تُؤثّر على الأردن في المجالات ذات الصلة. غير أنّ محاولات الأردن تنويع خياراته الدولية بما في ذلك العسكرية والاقتصادية، وخاصة مع روسيا والصين تعدّ محاولة لتخفيف عبء تلك العلاقات القسرية في المرحلة الراهنة. وعمومًا لا زال واقع العلاقات الدولية للمملكة يعمل على خدمة مصالحها الوطنية العليا بوصفها معيارًا ومتغيّرًا مهمًّا في مقاربة علاقات المملكة الخارجية، ويُحقّق لها دورًا إقليميًّا ودوليًّا مهمًّا في المنطقة. ذلك أنّ الأردن لم يتجاوب مع محاولات إقحامه في أعمال عسكرية خارج الحدود بضغوط غربية وإقليمية، بينما تعاون في المجالات الاستخبارية واللوجستية مع هذه العلميات ودفع بعض الأثمان العابرة مقابل ذلك. علاقات الأردن الدولية المحتملة نظرًا للأهمية الاستراتيجية للعلاقات الأردنية الدولية، فإنّ النظر في سيناريوهات التحوّلات الممكنة خلال الأعوام القادمة يؤسّس للتفكير بكيفية التعامل مع الخيارات الصعبة التي تواجه المملكة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا في آنٍ واحدٍ، حيث يُتوقّع أنْ تشهد العلاقات الدولية للمملكة الاحتمالات التالية: 1. تراجع في علاقات الأردن مع الولايات المتحدة بسبب نقل سفارتها إلى القدس والشروع بتسويق صفقة القرن التي يُعتقد بأنّها ستكون على حساب الأردن ودون أخذ مصالحه بعين الاعتبار. 2. يوازي ذلك ربّما استمرار الأردن في علاقاته الدولية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للمحافظة على "تحالفه" مع المنظومة الغربية في المنطقة بوصف سياسات أوروبا مكمّلة ومساعدة. 3. يُتوقّع أنْ تشهد العلاقات الأردنية الصينية والروسية تقدّمًا على الصعيد الاقتصادي مع الأولى، والعسكري والأمني مع الثانية بحكم التطوّرات الجارية في المنطقة، ودور الأردن المحوري في الأمن في المنطقة العربية، وخصوصًا في كلّ من سوريا والعراق، ولمواجهة بعض المنظمات الإرهابية. 4. يُتوقّع على الصعيد الدولي العام أنْ تشهد العلاقات الأردنية الهندية والآسيوية بعض التقدّم، فيما تبقى في معدّلها مع الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية. صعوبة خيارات الأردن في مجال علاقاته الدولية يواجه الأردن خيارات قسرية وأخرى متغيّرة في علاقاته الدولية، كما يواجه خيارات صعبة، وربّما معقّدة، إزاء تحوّلات السياسات الأمريكية في المنطقة لاعتماده العسكري والأمني، ونوعًا ما الاقتصادي، على الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى "حلفائهما" العرب. شكّلت العلاقات مع بريطانيا أساس علاقات الأردن الدولية التاريخية، ومن ثمّ أثّرت في طبيعة بناء المملكة لعلاقاتها ودور بريطانيا في ذلك بوصفها معلمًا ومحدّدًا دائمًا لعلاقات الأردن الدولية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام إسرائيل تحوّل ثقل هذه العلاقات واقعيًّا إلى الولايات المتحدة التي ورثت الوزن الدولي لبريطانيا في المنطقة والعالم. ولم يتسبّب ذلك بتراجع علاقاتها مع بريطانيا التي ظلّت طرفًا مساعدًا للأردن في تجاوز العديد من المصاعب في المنطقة، وخصوصًا بعد إعلان المملكة على الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن عام 1952 فصاعدًا. لم تتعامل السياسة الخارجية الأردنية في مختلف أبعادها طوال العقود السبعة الماضية مع نظرية تعدّد البدائل بشكل حقيقي على المستوى الدولي بسبب الأبعاد التاريخية لعلاقاتها مع الغرب، ولاعتبارات العلاقات المتداخلة الاقتصادية والعسكرية والأمنية بين المملكة والغرب. ومن هنا ما تزال هذه العلاقات محدّدًا أساسيًّا في رسم السياسات الأردنية الخارجية وفي بناء منظومة علاقاته الإقليمية والدولية على حدّ سواء وإزاء دورها في الصراع العربي- الإسرائيلي وعملية التسوية. خيارات الأردن المرحلية في علاقاته الخارجية في ظلّ التحوّلات إن التحوّلات الجارية في العالم والمنطقة، فرضت في جزء منها مزيدًا من التقارب مع السياسات الغربية فيما برزت بعض التناقضات المحدودة، أو بعض الجفاء المؤقت كما إبّان الحرب الأمريكية على العراق، حيث حوصر ميناء العقبة وأوقفت المساعدات الاقتصادية عام 1991، وكما في الموقف الأردني من الإجراءات الإسرائيلية التهويدية في القدس وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني، وأخيرًا في إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل خلافًا للموقف والقانون الدولي ولقواعد العلاقات الأردنية- الأمريكية، والتي ربّما تتزايد الفجوة فيها في حال ذهبت الولايات المتحدة في بلورة مشروعها لتسوية القضية الفلسطينية بعيدًا عن مصالح الأردن ودوره ورؤيته للسلام في المنطقة. لكن لا يُتوقّع منْ مثل هذه التحوّلات أنْ تدفع بالأردن مثلًا لاختيار تحالفات دولية جديدة مُخالفة أو مُغايرة للسياسات الغربية سواءً مع الصين أو روسيا أو بعض الدول الأفريقية والآسيوية، ما يجعل التحوّلات ذات تأثير مؤقت ومحدود لا يعدو أن يكون خلافًا تحت السيطرة من جهة، يحرص فيه الطرفان الدولي والأردني على إبقاء المستوى الأدنى على الأقّل في تفعيل العلاقات، ولا يفكّران بتحوّلات أساسية فيها على مختلف المجالات، حيث زار كلّ من نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الأردن محمّلان بالمساعدات، رغم أنّ الأردن اتخّذ موقفًا عالي السقف ضدّ قرار الإدارة الأمريكية بشأن القدس، بل وحرّك المجموع العربي والإسلامي إلى جانب الطرف الفلسطيني، وخصوصًا في التصويت في الأمم المتحدة ضدّ القرار. التوصيات يمكن التفكير بثلاثة مسارات لتحقيق الوضع الجيواسترايتجي الأكثر أمنًا واستقرارًا للأردن مدعومًا بالاستقرار الاقتصادي: 1. المحافظة على علاقات الأردن الدولية مع الغرب في المدى المنظور، وبما يحقّق الدعم الاقتصادي ويوفر المظلّة السياسية والدعم العسكري والأمني، حتى في ظلّ الاختلاف إزاء المواقف من القضية الفلسطينة، آخذًا بعين الاعتبار أنّ الغرب لا يستطيع الاستغناء عن الأردن كما أنّ الأردن بحاجة إلى الغرب. 2. البدء بتوسيع علاقات الأردن الإقليمية والدولية غير الغربية والإسرائيلية، لتوفير بدائل ناجزة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وذلك في حال تنامي وتفاقم الخلافات مع الغرب أو مع إسرائيل في المدى الأبعد، وخصوصًا مع الصين وروسيا وبقية دول البريكس، إضافة إلى تركيا وإيران. ويحقق هذا الاختيار في التفكير الاستراتيجي لعلاقات المملكة الدولية قدرة أكبر على المناورة ومواجهة التحوّلات وحماية الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، ويضفي قدرًا أكبر من الاستقلال على القرار السياسي انطلاقًا من المصالح العليا للمملكة وللأمة العربية والقضية الفلسطينية. 3. النظر إلى السياسات الداخلية للمملكة وتعزيز الجبهة الداخلية من خلال إصلاحات شاملة بوصفها مدخلًا أساسيًا لتقوية السياسة الخارجية الأردنية وتعزيز خياراتها في التعامل مع التحولات والتحديات التي تواجهها، وتقوية قدرتها على الصمود إزاء أي ضغوط لا تتناسب مع مصالحه والقضية الفلسطينية. التحرير * افتتاحية مجلة دراسات شرق أوسطية، عدد 84، صيف 2018. |
|
|
|
---|