|
مركز دراسات الشرق الأوسط – الأردن إثر انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2016، توقّع كثير من المراقبين حدوث تحوّلات في السياسة الخارجية الأمريكية، ومن ضمنها ما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وفي هذا السياق بدأ حديث الرئيس الجديد والطاقم المعني بالشرق الأوسط في إدارته عمّا يسمّى "صفقة القرن"، والتي توضح التسريبات حتى الآن بأنها تندرج في إطار المقاربات الإقليمية لحلّ الصراع العربي- الإسرائيلي. وتدور أهمّ هذه التسريبات حول "إجراءات بناء ثقة"، ومن بينها توقّف الإسرائيليين عن مصادرة أراضٍ جديدة للاستيطان، وتوقّف البناء في الكتل الاستيطانية القائمة، وإعلان الالتزام "الشكلي" بحلّ الدولتين، ونقل صلاحيات من المنطقة (C) في الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الكاملة إسرائيلياً إلى السلطة الفلسطينية، على أن يواصل الفلسطينيون التنسيق الأمني الكامل، ويتوقفوا عن السعي للحصول على اعترافات دولية جديدة بالدولة الفلسطينية، مع قطع المساعدات التي تصل إلى السلطة وتحولها إلى أُسر الشهداء والأسرى. وأن تقوم الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، بالسماح بحركة الطيران الإسرائيلي للركاب، ومنح تأشيرات لرجال الأعمال الإسرائيليين، والقيام بإجراءات مماثلة تتعلق بخطوط الاتصال. يأتي طرح "صفقة القرن" في ظلّ ظروف سياسية خاصّة تمرّ بها المنطقة العربية والساحة الفلسطينية تتمثل في تعثّر مسار التسوية وتوقف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية ووصولها إلى طريق مسدود، إضافة إلى حالة الانقسام السياسي والجغرافي التي تعيشها الساحة الفلسطينية، وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرّف إلى الحكم في إسرائيل، واستمرار الأزمات والصراعات المسلّحة التي تشهدها المنطقة في مناطق عدّة منها، وما رافق ذلك من تدخل لقوى دولية وإقليميّة في هذه الصراعات لضمان مصالحها الحيوية وحمايتها. وتنطلق المقاربة الإقليمية للصراع- حسب الطرف الأمريكي المبادر إليها- من فرضية أساسية تتمثّل في أنّ مقاربة الحلّ الثنائي الفلسطيني- الإسرائيلي قد فشلت، ولذلك بات الأمر يستدعي الانتقال إلى مقاربة إقليمية لحلّ الصراع والوصول إلى تسوية من خلال تحقيق اتفاق إقليمي مدعوم دولياً يُشرك أطرافاً إقليمية قادرة على تقديم إغراءات وضغوط لإجبار الطرفين على الدخول في عملية تسوية لإنهاء حالة الصراع في المنطقة، وتحييد "القوى المتطرفة" لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد تراكمت عدد من المؤشرات التي تذهب باتجاه فرض هذه المقاربة أمريكياً وإسرائيلياً في تجاوز واضح للحقوق الفلسطينية، ومن أبرزها: · القرار الأمريكي بشأن القدس بوصفها عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، وهو ما يعني رفع موضوع القدس عن طاولة المفاوضات. · وقف أمريكا تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأنروا، وهو ما يندرج في إطار محاولة إنهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين. · المبادرة إلى مشاريع اقتصادية أمريكية- أوروبية لبنى تحتية في قطاع غزة من خلال مؤسسات دولية ورجال أعمال بمعزل عن أيّ إطار سياسي يتعلّق بتسوية القضية الفلسطينية، وذلك بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، ومن ثمّ التمهيد لفرض الحلّ المرغوب به إسرائيلياً وأمريكياً في القدس والضفة الغربية. · تصريحات من إسرائيل، ومن أطراف عربية وازنة لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، عن "المصالح المشتركة" التي تجمع هذه الدول وإسرائيل، واعتبار التهديد الإيراني أولوية، بما يعنيه ذلك من إعادة تعريف العدو عربياً، وما يمكن له أن يمسّ الوعي العربي الجمعي الذي يرى دوماً إسرائيل بوصفها العدوَّ ومصدر التهديد الأول. وفي ضوء ما تمثله هذه المقاربة من تهديد واضح لكلٍّ من الأمن القومي العربي والمنطقة من خلال فرض الرؤى الأمريكية والإسرائيلية تجاه قضاياها، وتهديد للمصالح العليا للشعب الفلسطيني وقضيته الأساسية المتمثلة بالاحتلال والتهجير للأرض والإنسان، وفرض السيطرة على كلّ متطلبات الحياة الإنسانية المجتمعية وإدارة شؤون الفلسطينيين. في ضوء كل ذلك تبرز أهمية التوصيات التالية: 1. استشعار النظام الرسمي العربي لما يمثله المشروع الإسرائيلي من تهديد خطير على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي للأمة العربية وشعوبها. 2. استثمار إطار العالم الإسلامي ومواقفه الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، وفي مواجهة احتلال إسرائيل لجزء من الأراضي العربية والإسلامية، وأنّه يمكن إعادة رسم العلاقة مع إيران، وهي جزء من العالم الإسلامي، من قِبل الدول العربية عموماً، ودول الخليج على نحو خاص، على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول العربية، مع توحيد الجهود الخاصة بالقضية الفلسطينية معها. 3. الانتباه الفلسطيني، رسمياً وحزبياً وشعبياً، إلى أن هذه المقاربة الأمريكية وما يسمّى صفقة القرن لا تستهدف حركة دون أخرى، وإنما تستهدف كل الشعب الفلسطيني وحركاته وقضيته دون تمييز، ما يستدعي الوقوف بجبهة فلسطينية واحدة وموحّدة ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد أي مقاربة أو صفقة لا تحقق المصالح العليا للشعب الفلسطيني وأهمها القدس وعودة اللاجئين والسيادة. 4. تعزيز دور الأردن نظاماً ومؤسسات وأحزاباً وقوى شعبية في مواجهة هذه المقاربة التي تؤثر سلباً وبشكل مباشر على الأردن سواءً على صعيد الأمن الوطني أو الجغرافي أو الديمغرافي، أو على صعيد دور الأردن ومسؤوليته تجاه القدس والمقدسات. 5. استشعار النخب الفكرية والقوى السياسية والمجتمعية العربية، بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية، لمسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية ومواجهة المشروع الصهيوني، بعيداً عن التجاذبات والاصطفافات والانقسامات التي عصفت بطاقات الأمة وشعوبها وبقدراتها على مواجهة التحديات، وجعلتها تضع قدراتها وإمكاناتها في الخلافات البينية والداخلية بعيداً عن مواجهة التحديات الخارجية. التحرير * افتتاحية مجلة دراسات شرق أوسطية، عدد 83، ربيع 2018. |
|
|
|
---|