التحديات التي تواجه الأردن ودور جماعة الإخوان
عمر عياصرة : قبل أن نذهب إلى الحديث عن الحلول، البعض يرى أن منطق الأشياء
وعن طبيعة الأشياء عندما تتعرض لتحديات كبيرة خارجية، الصف الداخلي مهم و اللحمة
الداخلية مهمة، وضع الكتف على الكتف والساعد على الساعد هذه المسألة تعني بديهية
ربما في السياسة ومنطق السياسة.
أستاذ جواد، تحديات كبيرة لا يمكن أن ينكرها أي كان تحديات في الأردن، تحديات على
حدودنا الشمالية حتى قد تصل في بعض الأحيان نرى ترتيبات ديموغرافية وجغرافية في
المنطقة لا ندري إلى أين ستذهب، شلالات من الدم عند الجيران، لاجئين يندفعون علينا
في كل لحظة، ومع ذلك يكون هناك أزمة داخلية، الأصل التبريد، الأصل ألا تكون أزمة و
لو أردنا أن نقيم لماذا هكذا أزمة اندلعت وما هو المنطق هنا؟
جواد الحمد: هذا ما دفعني أن أقول في البداية أن هذه الأزمة غير صفرية ولا كسر
عظم ولا هي طلاق، وإنما هي أزمة في رأيي ستعبر، وقد تصبح العلاقة أقوى، وهذا كلام
مهم، لا أجزم بهذا، ولكن هناك فرصة متاحة أن تكون العلاقة أقوى وحتى لو أعيد تعريف
بعض قواعد العلاقة من الجانبين بحكم تطور الظروف وتطور الأحوال، ولا بأس في ذلك
سواء من طرف جماعة الإخوان أو من طرف الدولة وهذا لا يوجد فيه بأس أساساً، ولتطوير
العلاقة وتحسينها ، لكن العلاقة كعلاقة تبقى متينة .
في الحالة التي تمر بها الأردن اليوم وتتعرض لتحديات كبيرة جداً وقد مرت في التاريخ
بعضها، لكن اليوم نتكلم عن تحديات خطرة على المملكة، وهناك دفع بسياسات دولية تطبق
في المنطقة وعلى الأردن، وهناك تشجيع على بعض الإجراءات والسياسات، وهناك تمحور و
محاور خطرة جداً ومحاور طارئة، وفي المنطقة يدفع في الأردن أحياناً أن يكون جزءا
منها، ونحن في النهاية بلد في موقع في غاية الأهمية.
يظن البعض أن الأردن بلد صغير هامشي لا دور له في سياسة الشرق الأوسط وهذا سمعته
كثيراً من أردنيين مع الأسف الشديد طبعاً، ومن غير الأردنيين، مثلاً بعض الأخوة في
الأقطار الأخرى كنا في حوارات صعبة وماراثونية بحيث لا يفقهون الجيوستراتيجية
الأردنية، الأردن دولة محورية في المنطقة يجب أن يفهم الأردنيون جميعا أن هذه
الدولة هي دولة محورية، بمعنى أنه لا يمكن صناعة سياسات في الشرق الأوسط جديدة إلا
أن يكون للأردن دور فيها أو متأثرا بها، لأن الأردن دولة محورية، بمعنى أنه يؤثر
على الأمن والاستقرار في المنطقة إذا اتخذ سياسة معينة.
ولذلك هو مهم جداً للغربيين ومهم للإسرائيليين ، ومهم للمشروع العربي ومهم للقضية
الفلسطينية و هو مهم للمتضادات إن جاز التعبير، هو مهم للنظام السوري ومهم للمعارضة
السورية و هو مهم للنظام العراقي ومهم للمعارضة العراقية للسنة والشيعة و الأردن
دولة محورية و تركيبته الجيوستراتيجية هكذا و على هذا الأساس موجودة والبحث تفصيلي
في هذا، من هذه الزاوية الأردن اليوم حتى يتمكن من عبور هذه العواصف الإقليمية
وبعضها الدولية الخطرة التي تجعله في قلب العاصفة وأرى أننا في قلب العاصفة ، من
المهم جداً أن يستجمع نفسه وقوته .
عمر عياصرة : هذا منطق الأشياء. ؟
جواد الحمد: اليوم يوجد إدراك باعتقادي في الدولة على أكثر من مستوى لهذه
الحقيقة ، ويوجد إدراك لدى الإخوان المسلمين كذلك لهذه الحقيقة أيضاً، أن البلاد قد
تذهب بعيداً منَا إذا فرطنا في بنائنا الداخلي.
اليوم السعي نحو تمكين الوحدة الوطنية وتقديم التنازلات الأردنية - الأردنية
المتبادلة بين النظام والجماعة وبين الجماعة وأحزاب أخرى، وبين النظام وأحزاب أخرى،
بين النظام والعشائر، و بين العشائر والعشائر، و بين المناطق والمناطق، وفي كل
التشكيلة الأردنية، تقديم التنازلات والنزول عن السلم العالي الذي كل شخص يضع نفسه
فيه وينتظر الآخر أن يأتي إليه، هذا يصبح مطلب أساسي للمحافظة على قوة وصلابة
البناء الداخلي لكي لا تعصف به عاصفة، وليخرج من قلب العاصفة أقوى مما كان، لأن من
يتجاوز العاصفة سيخرج أقوى بالتأكيد، الأردن خرج من عواصف سابقة أقوى مما كان قبلها،
عواصف إقليمية ضخمة كانت في المنطقة .
المؤامرات على الأردن والزج بالأردن والضغط على الأردن لم يتوقف منذ تأسيس المملكة،
من قبل كثيرين، الحاسد من جهة، والطامع في المملكة من جهة ثانية، والذي يريد للأردن
أن لا يستقر من جهة ثالثة، والذي يحسدنا على الأمن والأمان من جهة رابعة وهكذا.
نحن نعاني من ذلك كأردن منذ تأسيس المملكة وليس جديداً، وعبرنا كل العواصف بكفاءة،
طبعاً هناك بعض الخسائر وبعض الرتوش، هذه أمور طبيعية لكننا نخرج دائماً أقوى مما
كنا عليه واستقر الأردن، واستمر الأردن عقودا طويلة رغم أن الموارد كانت محدودة، لا
يوجد عنده نفط ولا غاز إلى آخره، وعلى حدوده الغربية مشكلة وعلى حدوده الشمالية
مشكلة وعلى حدوده الشرقية مشكلة وعلى حدوده الجنوبية مشكلة، ومع ذلك صمد واستمر حتى
الآن ، يجب أن نحافظ عليه، والمحافظة عليه تعني المحافظة على أنفسنا والمحافظة على
بنائنا الداخلي.
جماعة الإخوان تمثل " اللبنة الأساسية " في رأيي ، لا أقول لبنة بل أقول " اللبنة
الأساسية " في هذا البنيان، لاعتبارات تفصيلية جداً ، وكما ذكرت قبل قليل، هي جماعة
توحيدية، هي جماعة وحدوية بطبيعتها ، لأن فكرها إسلامي كما يعرف الجميع ونحن مجتمع
عربي مسلم أيضا و معنا الإخوة المسيحيين، لكن نحن مجتمع حضاري إسلامي وهم جزء من
حضارتنا الإسلامية، ونحن في المحصلة مجتمع عربي مسلم، وهذا المجتمع بطبيعته توحيدية،
وجماعة الإخوان أكثر جماعة في البلاد توحيدية.
عمر عياصرة : عابرة لكل ذلك؟
جواد الحمد: عابرة لكل ذلك، وتمثيلها في قيادتها وشوراها ونوابها، و بعيداً
عن ذلك أيضاً، في الانتخابات تأخذ مكاسب في كل مكان، ماذا يعني ذلك، تأخذ في مناطق
المخيمات الفلسطينية و تأخذ في مناطق العشائر المغلقة وتأخذ في المناطق التي يوجد
للدولة فيها ثقل كبير، وتأخذ في مناطق الأغنياء وفي مناطق الفقراء، هذا ملحوظ جداً،
وهذا يعني بالضرورة أن هذه الجماعة صالحة لأن تكون "اللبنة الأساسية" للوحدة
الوطنية داخل المملكة.
الآن يوجد تحفظات عند بعض الأحزاب على بعض سياسات الإخوان فهذا حقهم، وهناك مجال
للحوار والمناقشات والتوافقات بين الناس، يوجد خلاف وملاحظات للدولة على بعض مواقف
الإخوان، كما البعض لمّح إلى موقف الإخوان وسياسات الإخوان تجاه ما يجري في المنطقة
اليوم وموقع الأردن منها، أعتقد أن هناك شيء وحيد ممكن أن يقال و قد تم تجاوزه من
قبل الإخوان المسلمين وهو أنهم تأخروا قليلاً في تحديد موقفهم من تنظيم "داعش" ،
والتأخر لم يكن في اعتقادي سببه عدم وجود موقف، و إنما ضبابية الرؤية التي كانت في
العراق وسوريا وإلى الآن يوجد مشاكل، لكن المراقب العام للإخوان في مقابلته الأخيرة
مع الجزيرة كان واضحاً وحاسماً، وبالتالي لا داعي لإثارة الموضوع من قبل البعض كأحد
الإشكاليات كون الموضوع انتهى، ونحن كأردنيون لا ينبغي أن نبقى ممسكين في موقف لشخص
مئة سنة مضت!.
اليوم الموقف تقدم خطوة للأمام، اليوم كلنا مع الدولة الأردنية ضد تنظيم داعش بكل
ما يحمل من معنى، تنظيم داعش خطر حقيقي على المجتمع وعلى الدين وعلى الوطنية وعلى
البلاد وعلى الدولة، وهو يشوهنا جميعا، يشوهنا كعرب ويشوهنا كمسلمين، ويشوهنا كسنّة،
أي مصطلح ستسميه هو يعود عليه بالتشويه ويضر بنا، سواء أمام الغرب والعالم أو أيّ
كان.
لذلك نحن في شك كبير ممن يقف خلف تنظيم داعش أصلاً، وهذه نقطة صغيرة تعدت عنها
الجماعة، بالتالي لا يوجد ملاحظات حقيقية عليها، وإن بقيت كما سماها بعض الزملاء
أحيانا بالمناطق الرمادية وهذا اختراع لمعهد كارينغي، يا سيدي لا بأس، فكثيرون
عندهم مناطق رمادية، الإخوان واليسار والقوميون واللبراليون ونظام الحكم والدولة،
كلّ واحد لديه مناطق رمادية له، والضغط عليه انك كي لا يكون فيها رمادياً قد لا
يفيد بشيء، أحيانا يبقى الرمادي أحسن حتى لا تحدث إشكاليات، يعني أن يكون رمادي في
بعض النقاط حتى لا يشتبك معك لماذا تنزعج من ذلك ؟ المهم هذه الرمادية أن لا يكون
في طياتها تآمر أو خيانة أو خداع أو غدر، إذا لم يكن فيها هذا من ماذا يزعل الناس
إذاً ، في رأيي وتقديري الشخصي لهذه المسألة.
عمر عياصرة: إذن هذه التحديات تستدعي و يدركون ذلك الجميع و إذن لماذا هذا
الصراع ؟
الأستاذ جواد: أنا قلت أنها كانت خطوة تصعيدية غير مسبوقة.
عمر عياصرة: عندما تكون هذه الخطوة غير المسبوقة في هذا الظرف غير
المسبوق.؟.
جواد الحمد: أنا برأيي على كل حال فقد استنفذت أغراضها، و أرجو أن تسمع هذه
العبارة، استنفذت أغراضها، لم يعد لها قيمة ولم تعد تؤثر ولا وزن لها اليوم ، ولا
مبرر لاستمرارها.
عمر عياصرة: من يجب أن يدرك أكثر هذا الكلام الدولة أم الإخوان؟
الأستاذ جواد: الطرفان ، لكن ليس ضرورياً أن يفصحا، الطرفان يدركان ذلك أنها
خطوة وإن كان لها أهداف فقد استنفذت كل الأغراض الممكنة المحتملة، على قاعدة أننا
في كل دراستنا ومراقبتا للحدث، ومعلوماتنا الدقيقة، انه ليس هناك تفكير صفري ولا
صدامي ولا إنهاء علاقة، هذا غير موجود، ولذلك ما الهدف؟ التشويش و هزّ المركز
القانوني كله حصل، اليوم ليتم البناء على ما حصل من الطرفين، وأنا لاحظت أن هناك
بياناً للإخوان المسلمين كان فيه إشارة مرنة ومعتدلة جدا، عندما قال وطالب الحكومة
أن تجدد الترخيص، يعني إذا كنت تملك ترخيص قديم على بعد خمسين أو ستين سنة، اعمل
ترخيص جديد، بناءً عليه قد تعدل بعض قواعد العلاقة، وأنا رأيي لا ضير في ذلك، الناس
في عقود مضت وبالتالي العالم تغير كثيراً، لا بأس أن يتم التغير في بعض قواعد
العلاقة الناظمة بين الطرفين وأدائهما المشترك أيضا في المملكة من حيث الوحدة
الوطنية ومن حيث الاقتصاد، وحماية البلد السياسات الخارجية بحيث يعمل مع بعضه البعض.
عمر عياصرة: قبل أن نذهب للحلول المقترحة، هل ضاق المطاف بالدولة وبالتالي
لم يعد يستمع للأغلبية التي تحدثت عنها والتي لا تريد صدام؟ التي تدرك أكثر أن
التحديات تستدعي أن نقترب من بعضنا بحميمية لا بصراع أو بأزمات غير مسبوقة.
جواد الحمد: أريد أن أقول أنه في الدول، ونحن منهم، والإخوان لو حكموا
سيكونون منهم، في الدول عادة ليس كل قرار بالذات المحلي ينتج عن دراسة وافية
مستوفية لشروطها - مع الأسف - وخاصة في العالم العربي، بل وفي العالم الغربي أحيانا،
لكن في العالم العربي بالذات مراكز الأبحاث وإن كانت موجودة وهي أصبحت موجودة في
العالم العربي، لكنها لا تحظى بالدور الأساس في توجيه البوصلة في قرار الدولة،
والسبب أن هناك فجوة بين النخبة من المفكرين والمثقفين وبين السياسيين في صناعة
القرار، بينهم ثمة فجوة حقيقية لم تتمكن الدولة العربية الحديثة من إنهائها وقد كتب
فيها دراسات كثيرة .
لا يعني أن الأردن دولة مختلفة مثلنا، مثل أي دولة عربية أخرى، ولذلك هذا القرار في
اعتقادي لم يحظ بدراسة وافية عكس ما قد سرب البعض، كلام كثير لم أقتنع به لأنه غير
مسنود عقلياً ومنطقياً، و أنه ثمة قرار مدروس بعمق، ربما هناك توجهات و ضغوطات و
استجابة لضغوط وظرف مؤقت و ظرف طارئ، هناك بعض الضجر من بعض السلوكيات، وهناك بعض
الانفعالات وهناك بعض الأفراد ربما تطرفوا بكلام على "الفيسبوك" أو غيره من جماعة
الإخوان فاستفز طرفاً ما بالدولة فلان أو علان، وذهب لهم بالتقرير وكأن هذا هو قرار
مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين بتهويل، فقد يؤخذ في حالة من هذه الحالات، لكنه
يتبين بعد قليل بأن القرار كان متعجلاً أو ربما يسقط أمام القواعد الناظمة للعلاقة
التي ذكرتها، سواءً القرار متعجل و سواءً مدروس أو قل ما شئت، في النهاية في رأيي
لقد استنفذ أغراضه اليوم وبقيت القواعد الحاكمة للعلاقة هي الأساس.
.
أعلى الصفحة
