الأزمة
ما بين الدولة والحركة الإسلامية في
الأردن وآفاق الحل؟
قناة اليرموك الأردنية
برنامج استديو اليرموك
مقدم البرنامج: أ. عمر عياصرة
الثلاثاء 18/8/2015
الأزمة وتشخيصها
عمر عياصرة: فعمر عياصرة: في الآونة الأخيرة قارب الأستاذ جواد الحمد في
مقالة له الأزمة بين الحركة الإسلامية والدولة الأردنية وآفاق الحل، وما يلفت النظر
أن التفكير كان نوعاً ما بعقل بارد، وكان هناك ذهاب بكل وجدانياته وأدواته
الموضوعية إلى قصة الحل وآفاقه وتوصيف المشكلة بعيدا عن العواطف والانفعالات.
لذا سنتناول اليوم هذه الأزمة ولماذا كانت وكيف كانت العلاقة ولماذا تحولت ؟ وإذا
كان هناك مبررات موضوعية ؟ وكيف يمكن أن نضع هذه الأزمة في سياق مصالح الأردن
الحيوية والاستراتيجية، وكيف يمكن أن نضع هذه الأزمة في ظل الظروف التي يمر بها
الأردن والمنطقة، والتحديات الكبيرة خارج الحدود وكيف يمكن بعد ذلك أن نذهب إلى
حلول وآفاق حل والخروج من هذا المأزق ؟ .
بداية ما هي حقيقة الأزمة إذا أردنا أن نضعها في سياق زمني ؟ ولماذا جاءت؟ وأسبابها
وكيف كانت العلاقة ولماذا تحولت ؟.
جواد الحمد: من حيث البدء لم يتضح بعد بشكل دقيق ما هي الأسباب الموضوعية
التي دفعت صاحب القرار في المملكة لاعتقال نائب المراقب العام لجماعة الإخوان
المسلمين وسجنه لعام ونصف ورفض التكفيل والعفو عنه، وفي محكمة أمن الدولة، لا شك
أنها كانت مفاجأة أثرت كثيراً على نظرة المراقبين ونحن منهم على العلاقة بين
الإخوان و الدولة .
وقيل في البداية أنها خطوة تصعيدية، ولا شك أنها خطوة توتير غير مسبوقة خلال سبعين
عاماً من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، ولكنها في رأيي لم تكن خطوة
تصعيدية بهدف الذهاب إلى الصدام مع الحركة الإسلامية وإن كانت نوعا ما رفعاً لسقف
التشدد تجاه الجماعة والذي ربما جاء تساوقاً مع الجو الإقليمي المحدود في المنطقة،
وربما تماشياً مع تيارات داخل الدولة، والتي ترى أن الفرصة مواتية (في ظل بعض
الإشكاليات التي تعاني منها قوى الإسلام السياسي في المنطقة) لتوجيه ضربة موضعية
لجماعة الإخوان المسلمين لينخفض سقفها وتضعف شوكتها، وذهبت بعض التسريبات إلى حد
التفكير بشق صف الجماعة إلى قسمين كما قيل في بعض المناسبات .
كل هذا كان يهدف إلى هزّ المركز القانوني للجماعة، وهزّ الشرعية السياسية للجماعة ،
وبالتالي إضعافها أمام الدولة في اتجاهات متعددة و مختلفة ، لكن السؤال الكبير الذي
ظل غامضاً حتى الآن ما هي المصلحة الوطنية المتوخاة من هذا الإجراء سواء بإضعاف
الجماعة أو شقها أو إخراجها عن الشرعية أو قل ما شئت في ذلك، وهي جماعة شكلت دائماً
لبنة أساسية من لبنات الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي في الدولة الأردنية، غريب
جداً أن نقف أمام هذا السؤال وما كان ينبغي أن نقف عنده!
العياصرة: نريد أن نقف عند هذا السؤال، كيف كانت الدولة تعرف جماعة الإخوان
المسلمين تاريخياً ؟ وكيف تعرفها الآن ؟ حتى نأتي إلى المصالح الحيوية، هل عرّفتها
كجزء من النسج الاجتماعي أو هل عرفتها كحالة أمنية؟
لاحظنا مؤخراً في الدولة الأردنية معظم لقاءات قادة الحركة الإسلامية كانت تتم مع
مدير المخابرات العامة؟
جواد الحمد: بعيداً عن التدقيق الشديد، فهذا الموضوع يحتاج تدقيقاً شديداً،
وليس مجرد رأي، وإنما من حيث المبدأ فالدولة تعاملت مع الإخوان بوصفهم لبنة أساسية
من لبنات الوحدة الوطنية في الأردن من جهة، وعامل أساس من عوامل استقرار الحكم
والأمن في المملكة من جهة ثانية.
وعبرت الدولة بأكثر من شكل، وقد عبَر الملك بعيداً عن أي شخص آخر عن شرعية الجماعة
وأنها جماعة مشروعة وشرعية، وعبَر عن هذا بالمناسبة قبل اعتقال السيد زكي بني ارشيد
بشهر فقط، وكان الملك عبدالله الثاني يعبَر عن ذلك في واشنطن، كما عبَر عنها بأنها
جماعة معتدلة راشدة، وأذكر أن الملك حسين في عام 1992 في مبنى الصحافة الأمريكية
عبَر عن ذلك بوضوح، حيث سألوه عن الحركات الأصولية وتزايدها في المنطقة ونفوذها
باعتبار أنها في ذلك الزمن كان ثمة تصاعد كبير لها، فقال: عندنا حركة إسلامية راشدة
أتمنى أن تكون مثلها باقي الحركات الإسلامية في المنطقة، وأنا استمعت شخصيا لهذا
الخطاب مباشرة، وهذا ملفت للانتباه بأن الدولة الأردنية تعتقد وتعلن هذا الكلام.
لذلك كبار رجال الدولة لم يبدوا تأييداً مباشراً لهذه الخطوة، بل إن بعضهم عبَر عن
تحفظات، ولا زال بعضهم يشجع ويسعى لحل الأزمة، وإنهاء الملف وعدم المضي فيما بدأت
به بعض الإجراءات الجزئية أو الكلية، فينظر للجماعة أنها جماعة دعوية ولها جناح
سياسي تعمل من خلاله ، وأن العلاقات معها علاقات تاريخية ، بمعنى مرتبطة تاريخياً
ولا يعني بالتاريخية أنها قديمة إنما أنها ترتبط من حيث المبتدأ والمآل بينها وبين
نظام الحكم، وهذا في غاية الأهمية أن نشير إليه.
أيضا تعتبر جماعة الإخوان جماعة منضبطة بالقانون وملتزمة بالمصالح الوطنية العليا،
فهي كانت تعارض سياسات النظام أحيانا بحجة المصالح العليا والمصالح الأردنية لا أن
تعارضها لأنها تناكف الدولة أو تزاحمها، وهذا ولّد اطمئناناً كاملاً لدى القصر
والنظام من أن جماعة الإخوان ليست جماعة تناكفه ولا تزاحمه على الحكم على الإطلاق،
و تبلور ذلك بشكل دقيق و واضح في الربيع العربي، حيث أصبحت الظروف مواتية لقضايا
كثيرة، لكن الحركة الإسلامية وضعت سقفاً واضحاً للحراك وهو إصلاح النظام، وضبطت
الشارع الأردني بناء عليه، ولم تذهب أبداً لأعمال عنف ولا فوضى ولا شيء من هذا
القبيل، لذلك ما هي المسوغات لاستفزاز هذه الجماعة حتى تخرج على سبيل المثال عن هذا
الطور ؟ ولمصلحة من ؟ ومن المستفيد من ذلك ؟.
العياصرة: لكن وصلت رسائل للجماعة وعلى خلاف ما تقول أنكم في الربيع العربي
كنتم تريدون أن تذهبوا بالبلد إلى أبعد من ذلك، دعوناكم إلى المشاركة في حكومة عون
الخصاونة و إلى الانتخابات لم تشتركوا، والى لجنة الحوار الوطني ولم تشتركوا ، هل
يمكن أن نرى أن هناك تغيراً في النظرة ؟ أنت ذكرت في مقالتك أحداث 1957 و 1972
و1991 و 1989 و 2011 وهذا السرد ودور الإخوان المسلمين في ضبط استقرار البلد
ومساندة النظام السياسي في تلك الفترة.
أريد أن أرى الأستاذ جواد الحمد كيف يرى نظرة الدولة وتعريف الدولة لجماعة الإخوان
المسلمين، هل تغير أم أننا لا زلنا أمام صراع ؟ أم أن هناك توجه لدى الدولة نحو
كيانية الإخوان أو حل الإخوان، هذا المقترح الذي يأتي بين الحين والآخر.
جواد الحمد: من حيث المبدأ استبعد أن يكون ذلك، و إن كان عند البعض القليل
وليس عند صانع القرار أو عند القوة المؤثرة في صناعة القرار في المملكة، سواء
الجهاز الأمني كجهاز المخابرات أو الجيش، أعتقد أن هذا التفكير من حيث المبدأ غير
موجود في الأردن، وإنما هناك تفكيرا آخر كالاستجابة لاعتبارات معينة، مثلا طلبات
دول خارجية كانت تطالب الأردن أكثر من مرة، كما أعلن رئيس الحكومة : كان علينا ضغوط
خارجية ولم نستجب لها ، وأعتقد أنه لا زال هناك عدم استجابة لها إلا في أشياء بسيطة.
كما أن التغير في المملكة العربية السعودية بطبيعة الحال وتغيير فريق القرار
ومؤسسية القرار، واتجاه المملكة العربية السعودية ذاتها على الأقل لوقف أي إجراءات
يمكن أن تمس سمعة أو وجود أو كيان أو واقع جماعة الإخوان المسلمين في السعودية أو
في المنطقة ، وهذا لا شك أثّر تأثيراً بليغاً تجاه التفكير الأكثر هدوءًا في الأردن،
أنه لماذا نذهب نحن لإثارة واستفزاز جماعة عندنا في الأردن هي أكثر جماعة شعبية في
البلاد، و أكبر ضامن للاستقرار في المملكة، وأكثر جماعة علنية تعمل في العلن وفق
القانون والنظام، وأكثر جماعة تضبط الشارع الأردني بكل اتجاهاته، وليس الإسلامية
فقط، تحت هدف إصلاح النظام وليس تحت شعارات أخرى غير مناسبة للبلاد؟
أعتقد أن هناك بعض الأشخاص وبعض القوى وبعض مفاصل القرار في الدولة تفكر تفكيراً
مستقلاً بطبيعة الحال كانت ترى في الربيع العربي بعد ما جرى من انقلاب على الربيع
العربي وتراجعت قوى الإسلام السياسي في المنطقة ، فرصة في " لتقليم أظافر الإخوان
في الأردن " كما يقولون، هذا تفكير اجتثاثي وإقصائي وتفكير تهميشي من بقايا العقود
الماضية في الخمسينات والستينات بصراحة.
أما العقول الجديدة في الدولة وعلى رأسها الملك فليس هذا من تفكيرها، على العكس
تفكيرها أن تكون دولة راعية لجميع مكونات المجتمع الأردني، وأن لا يكون هناك تمييز
بين الأردنيين وان تكون دولة تحافظ على تماسك المجتمع مع الدولة أيضا والتفافه حول
الدولة والنظام، وهذا في غاية الأهمية في البلاد وإن خالفه في الرأي السياسي، وإن
خالفه في الرأي الاجتماعي أحياناً أو في المشروع الاقتصادي أو اتخذ موقفا سياسيا
ربما كان متباينا عن النظام أو القصر أو الحكومة، لكنه دائماً كان يبرر ذلك ويربطه
بالمصلحة الوطنية والمصلحة العليا ، بما يعني أنه كان يتوافق في المآلات مع النظام
ومع الحكومة دائماً ، لذلك ليس من العقلانية أن تذهب الدولة بعيداً عن ذلك!
ومن هنا أعتقد أنه كان ثمة ضغوط داخلية من بعض الأفراد وبعض المكونات المحدودة في
البلاد وهناك بعض التطرف المعتاد في كل مكان.
العياصرة: ولكن هل هي ذات نفوذ ؟ بعض المحللين يقولون أن معظم النخب المحيطة بالحكم
لا تريد هذه العلاقة المتوترة وإنما تريد التعايش، و هو ما كان سابقاً، ولكن هناك
أقلية تريد التأزيم، لكنها تتخذ القرار والدليل هذه الأزمةَ !
جواد الحمد: اتفق أنها أقلية لكن لا أتفق أنها تتخذ القرار، حتى الآن لا زالت
الأزمة في إطار " المحدود " بين قوسين، لكنها لم تذهب بعيداً، ليس هناك كسر عظم بين
الجانبين وليس هناك حملة أمنية ضد جماعة الإخوان، وليس هناك استهداف لكل فرد من
أفراد الإخوان ليس هناك شيء من هذا القبيل، حصلت بعض المناوشات الأمنية مع الإخوان
على مدى عقود مضت هنا وهناك، وتم اعتقال بعض الأفراد والتحقيق مع أفراد آخرين وتم
تعطل بعض النشاطات ، سبق وحصل كل ذلك و هو ليس أمراً جديداً، وهذا من باب أن لا
تسمح الدولة للإخوان أن يكونوا القوة الكبرى الأساسية التي تفرض على الدولة موقفها
أو تفرض على الدولة أن تتخذ إجراءات محددة وفق ما يرى الإخوان المسلمون !
هكذا ينظر القطاع الذي يقوم ببعض هذه الإجراءات، لكنها لم تذهب إطلاقاً باتجاه حالة
كسر العظم ولم تدفع الإخوان أصلا إلى حد القطيعة والنظر بنظرة أخرى للنظام، وأنه لا
ينبغي التعامل معه، أو إلى نظرة ثورية أو أب شيء من هذا القبيل.
حتى الآن لم نلحظ ونحن نراقب بشدة الوضع في المملكة، وهي مملكة صغيرة والكل عشيرة
واحدة عملياً، وكل شيء مكشوف وكل شيء معروف ، وليس هناك مثل هذا التفكير لا عند
الإخوان ولا عند النظام على حد سواء.
لذلك وكون هذا هو المعطى الأساسي، والظرف الإقليمي تحسن لصالح العقل البارد في
التفكير ولصالح الاستقرار وليس عدم الاستقرار ، فنحن في المملكة كنظام وكإخوان
ومجتمع وقوى وطنية، نحن معنيون أيضاً أن نفك بعقل بارد، و أن نبحث عن استقرار
المملكة لا أن نزيد من التوتر فيها ، خاصة و أننا نواجه اليوم تحديات كبيرة داخلية
وتحديات كبيرة خارجية، وقد تقدم الدولة الأردنية على تعديل بعض السياسات وربما بعض
الهياكل في الدولة من أجل التعاطي مع المتغيرات الخطرة المحيطة بنا.
أعلى الصفحة