الإصلاح الشامل المطلوب في الوطن العربي
الأستاذ جواد الحمد / مدير
مركز دراسات الشرق الأوسط - صحيفة
السبيل اليومية -
29/3/2011
يمكن القول بثقة أن ثمة توافق نخبوي ووطني عام على أن اتجاهات ومجالات الإصلاح الشامل المقصود تتنأول ثلاثة قطاعات أساسية: الإصلاح السياسي، الإصلاح الاقتصادي، الإصلاح الاجتماعي.
أولا: الإصلاح السياسي
يقصد بالإصلاح السياسي الشامل هو الذي يؤسس لدولة حداثية ديموقراطية عصرية، يستند فيها الحكم والحكومات إلى شرعية شعبية حقيقية مقنعة، تسود فيها الحريات العامة، وتبنى على أسس انتخابية عادلة، وتتعامل مع المواطنين بالتساوي في كافة الحقوق نصوصاً وممارسة، وتعتبر الوطن وحدة واحدة بكل أجزائه، كما تعتبر مواطنيه شعباً واحداً موحداً، وتحقق التنمية السياسية اللازمة لدولة متطورة تستطيع مواجهة التحديات، وهي تملك الرؤية والقدرة على الاستفادة من الفرص.
ويمثل انفلات العمليات الانتخابية من عقالها الأخلاقي والقانوني والرقابي، وكذلك العجز الرسمي عن تفعيل قوانين المحاسبة لمن يشجع أو يؤسس لهذا الإنفلات من أسباب تنامي ظواهر ومظاهر الفساد السياسي والتراجع في التنمية السياسية وتحقيق الإصلاح السياسي نحو الوصول إلى الحكم الصالح، كما تشكل ظواهر تراجع هيبة الدولة بمفهومها الوطني، وهي التي تشكل مصلحة اجتماعية مشتركة لكل المواطنين سبباً آخر من هذه الأسباب، وأن تراجع هيبتها يوفر الفرص لنمو هيبات ومرجعيات أخرى أساسها عصبوي جهوي انعزالي ومنغلق، طبعاً هذا في دول فيها مبدأ الانتخاب، أما في غيرها فإن الفساد السياسي يستشري تحت غطاء شرعيات أخرى غير حقيقية تفرق الشعب وتطلب منه التسليم بها.
ثانيا: الإصلاح الاقتصادي
ويقصد به الإصلاح الاقتصادي الذي يبني اقتصاداً قوياً ومتنامياً، يحقق الحياة الرغدة والعيش المريح لعموم المواطنين بكفاءة وعدالة ومساواة، وبمستوى يتناسب مع معايير الحياة المعاصرة ومتطلباتها في مختلف المجالات، كما يوفر الموارد المالية اللازمة للخدمات الأساسية، ولتطوير البنية التحتية في المواصلات والاتصالات والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والماء والكهرباء، ويقلل من مخاطر الاعتماد على المساعدات الخارجية بل والاسثمارات الأجنبية المشروطة حتى تحت مسمى جذَّاب هو "الشريك الاستراتيجي".
ويحقق التوزيع العادل للموارد والخدمات، ويخفض النفقات العامة، وينجح في تشجيع المليارات الوطنية المجمدة في البنوك المحلية ومثلها الأموال المهاجرة في البنوك الخارجية، ليتم استثمارها في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والبحث العلمي والسياحة وغيرها في بلادها، ودون الحاجة للتمويل والاستثمار الأجنبي.
ويعمل الإصلاح الاقتصادي على خفض المديونية الخارجية والمحلية، كما يعمل على خفض نسب الفساد المالي والإداري في الدولة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، ويكرس واقعاً يقوم على تكافؤ الفرص وكفاءة الانتاج والعمل في اختيار المناصب والوظائف خاصة العليا منها.
ثالثا: الإصلاح الاجتماعي
يعد في مقدمة أولويات الإصلاح الاجتماعي المطلوب مواجهة واحتواء ظاهرة تنامي العصبيات بكل أنواعها على حساب الانتماء الوطني والديني والقومي، والتي أسست لأنانية اجتماعية خطيرة، وكذلك ما يتعلق بمخاطر انهيار منظومة القيم، وما تسببه من سيادة عقلية وشريعة الغاب والاستئثار والأنانية وتراجع قيمة المواطنة، وينظر بخطورة بالغة كذلك لتنامي ظاهرة العنف الاجتماعي متعدد المستويات انطلاقاً من هذه الروح الأنانية، خاصة في ظل عدم الثقة بالقانون والقضاء لنيل الحقوق، سواءً لعدم انتنشار فهم الطريق اليه أو بسبب اتهامه بالفساد أو البطء في البتّ في القضايا المرفوعة إليه.
ومن أهم ما يحققه الإصلاح الاجتماعي المحافظة على تماسك المجتمع بعشائره وعائلاته وأسره، وتمتين الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع المختلفة من مختلف الأصول والمستويات والجغرافيا، وينشئ ثقافة احترام الإنسان وتقدير قيمته وفق المبادئ الدينية والتراث الوطني والقومي، ويحارب الفساد الاجتماعي واستخدام العنف، ويوقف نشر الفاحشة والانحلال والرذيلة، ويوحد المجتمع في مواجهة التحديات الناجمة عن عمليات القرصنة الاجتماعية التي تستفرد بالشباب، كما يعمل على اعتبار التربية والتعليم واحترام الأسرة ومتطلباتها، ونشر التراحم والتكافل الاجتماعي كمظاهر رئيسية لمختلف مكوناته وأجياله بحضره ومدنه وبواديه ومخيماته وأي توزيع جغرافي قائم.
رجوع |