الثورات الشعبية العربية: الديناميكية والآفاق
الأستاذ جواد الحمد / مدير
مركز دراسات الشرق الأوسط - صحيفة االغد الأردنية -
28/4/2011
تشهد المنطقة العربية اليوم ثورة شعبية
سلمية تؤسس لأمة عربية ونظام عربي جدي، يتعامل بسياسات ومفردات جديدة تقوم على
قاعدة الإعتراف بسلطة الامة، وأن الشرعية الشعبية هي الأساس لاستقرار أنظمة الحكم
وليس الشرعيات الخارجية، كما تؤسس لمرحلة من محاربة الفساد وتوجيه ثروات الأمة
لخدمة نماء شعوبها كما لدعم قضاياها، وأنها تعمل على إستعادة الأمة لدورها الإقليمي
والدولي، وأن تستعد الأمة لتكون شريكاً في رسم مستقبل العالم وسياساته تجاه منطقتنا
وغيرها.
إن أصداء التغيير والحراك والثورة الشعبية في هذا الوطن الذي يعيش في قلب التغيير
والتطور، والذي يشهد حراكات لا تزال تنتظر الإجراءات والتغييرات الدستورية كما
القانونية لتحقيق الاستقرار والنماء والحرية والعدالة والمساواة في داخل البلاد.
لقد رصدنا منذ الأيام الأولى للثورات في تونس ومصر ومن ثم في ليبيا واليمن، والحراك
الشعبي في عدد آخر من الأقطار العربية، وتبين لنا بوضوح العجز الأمريكي عن إدراك
طبيعة المتغيرات والمفاجآة التي منيت بها أجهزتها المختلفة، كما تبين لنا أن
الولايات المتحدة تأخذ بعين الأعتبار مصالحها فقط، وتتخلى عن حلفائها من النخب
الحاكمة ومن حولهم في حال تبين لها أنهم غير قادرين على خدمة استراتيجياتها
وسياساتها، وقد تنبهنا إلى صحة هذا الاستنتاج بالاستقراء التاريخي لحراكات وثورات
شعبية أخرى في آسيا وأوروبا وأفريقيا، ولذلك فإن الشرعية اليوم هي الشرعية الشعبية
وأن غيرها ليس شرعية، وعلى النخب الحاكمة أن تسارع لتلبية مطالب الشعوب قبل أن تضطر
للخضوع لها بشكل أو بآخر، وأن يكون التغيير جاداً وحقيقياً فأن قدرة الشعوب اليوم
على التمييز والفهم والإدراك للحقائق أصبحت أكثر بكثير مما كان يتوقع الحكام والنخب
الحاكمة ومن حولهم.
إن النظام العربي اليوم برمته أمام أختبار صعب يوفر له فرصة تحقيق الشرعية الشعبية
والتحلل بل والتبرأ من فساد الماضي وظلمه واستبداده، ويتحرر من الاملاءات الغربية
المشينة لكثير من حكومات العرب في مفاصل تاريخية مهمة سابقة، وهي فرصة كذلك لإعطاء
الفرصة للقوى السياسية والحركات الشبابية حتى تشارك في صناعة المستقبل، وتلزم
الحكومات بالشفافية المطلقة، وأن تستبعد الفاسدين على أي مستوى، وأن توقف الهدر في
المال العام، وأن يشعر الشعب بأنه من يرسم مستقبل الأجيال من أبنائه، وبالتالي يبدي
استعداده لتحمل المسئولية في تحقيق ذلك.
إننا أمام ثورة شعبية قوية تستمد وقودها من التصميم والإصرار الذي فاجأ الجميع
ولكنه غير غريب على الأمة في مفاصل سابقة من تاريخها أبان الاحتلال الصليبي ومن
الحديث أبان إنتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987 وعام 2000، ولذلك فإن المؤشرات
الأولية تشير إلى الديناميكية العالية والقدرة الفائقة لهذه الثورات على صناعة ورسم
المستقبل، رغماً عن كل الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية للتدخل في رسم المشهد
النهائي حفاظاً على مصالحها، وأن الفزاعات التي استخدمتها الحكومات لتخويف الغرب
وتبرير استبدادهم وفسادهم لم تعد تجدي نفعاً، والشعار اليوم تَغير قبل ان تُغير،
والأيام حبلى بعشرات المتغيرات في مختلف أنحاء العالم العربي وربما العالم الاسلامي،
ليتشكل عالم جديد كما حصل أبان انتهاء الحرب الباردة ولكن اليوم بهزيمة السياسة
الأمريكية وليس بانتصارها، وبسيادة إرادة الشعوب وليس حكوماتها الدكتاتورية
والبوليسية.
رجوع |