جواد الحمد
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط
دأبت الولايات المتحدة
على
التخلي
عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون أن يقوموا فيه
بالأدوار التي تدعمهم لأجلها، وبغض النظر عن الطرف الذي سيتولى
الحكم من بعدهم، فقد كانت تتدبر أمرها بانقلاب عسكري للإطاحة
بحليفها وتسليم العسكر الحكم وفق تفاهمات بينهما، أو تتفاهم مع
قيادة المعارضة شرط المحافظة على مصالحها، كما حصل في الفلبين عام
1989، أو تنسحب ولا تتحمل مسئولية مشاهد الفساد والدكتاتورية التي
مارسها الحليف لخدمة مصالحها وبنصائحها وتوجيهاتها لتتركه لمصيره
الهالك وهكذا دواليك،
وقد كتبت
مقالاً في 19/11/2007
عندما عادت بنظير بوتو إلى باكستان من منفاها بتشجيع أمريكي، وأكدت
عودتها بداية مشهد انتهاء الجنرال برويز مشرف رغم كل ما قدم من
خدمات للولايات المتحدة ومشروعها في أفغانستان، وشجع سيادة
العلمانية الغربية ومحاربة الجماعات الإسلامية، وبعد أن تم
اغتيالها استمر المخطط الأمريكي بالإطاحة به، من خلال ورثتها، لأن
دوره في خدمة مشروع الولايات المتحدة في شبه القارة الهندية كان قد
انتهى، ولحق مصير من سبقه من حلفاء الولايات المتحدة في تلك
المنطقة، وكما فعلت الولايات المتحدة مع الرئيس الإندونيسي الجنرال
سوهارتو بعد حكم دام 33 عاماً، وطالبته بالاستقالة في 20/5/1998،
والذي قام بدوره بتسليم الحكم لنائبه بعد ساعات وفي نفس اليوم.
المشهد العربي الحديث لا يختلف عن المشاهد التي
سادت في آسيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا من قبل؛ فقد تخلت
أمريكا عن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي فور تقديرها
أنه أصبح عاجزا عن القيام بالمهام التي من أجلها تدعمه، وبعد أقل
من عشر دقائق من إقلاع طائرة بن علي لتغادر تونس إلى الأبد، توجه
الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتحية الشعب التونسي وتهنئته
بانتصاره لحقوقه، وفي مصر اليوم تتخلى الولايات المتحدة عن الرئيس
حسني مبارك الذي طالما انسجم مع سياساتها ومصالحها في المنطقة،
وعلى الأخص فيما يتعلق بحفظ عملية السلام والعمل لها بل وخلق أزمات
لمصر مع الجيران الفلسطينيين وغيرهم من عملية أجل السلام هذه، ولم
يشفع له لذلك عندما بدا للولايات المتحدة أنه لم يعد قادرا على
القيام بالمهمة، حيث طالبه الرئيس الأمريكي بالعمل على تسليم
السلطة سلميا، وتعيين نائب له لضمان توليه صلاحيات الرئيس إلى حين
إجراء الانتخابات الرئاسية.
لذلكم، فإن التحالف مع الولايات المتحدة لا يشكل
درعا كافيا لحماية الحكام والنخب الحاكمة العربية من شعوبهم، وهم
اليوم أمام خيار صعب، فإما الاستجابة لإرادة هذه الشعوب بالتغيير
والإصلاح المقبول والحقيقي، والقضاء على الفساد ورموزه، ووقف هدر
المال العام واستغلال الثروات لصالح طبقات محدودة معزولة عن
المجتمع، أو أن يلاقوا مصير بن علي ومشرف وذو الفقار علي بوتو
ومانويل نورييغا وفرديناند ماركوس وسوهارتو وغيرهم.
ويذكرني ذلك كله بما قاله لي يوما البروفيسور عبد
الوهاب المسيري رحمه الله :"إن العلمانية الغربية تعتقد بأن
الإنسان أداة استعمال، وعندما تنتهي فاعليتها تلقى جانبا"، وهكذا
تتعامل الولايات المتحدة مع حلفائها أو عملائها أو المراهنين عليها
أو المحتمين بها.
الدرس الكبير والأساس من الحراك الشعبي العربي في
تونس ومصر وغيرها هو أن إرادة الشعب أقوى من إرادة أمريكا، وأن
الولايات المتحدة لا تبالي مع من تتحالف - حتى لو كان عدوها بالأمس
- لحفظ مصالحها، كما أنها في نفس الوقت لا تقدم أي تضحية لحماية
دكتاتور أو زعيم أو حكومة أو طبقة حاكمة من إرادة الشعب إذا لم يعد
هذا الحليف قادراً على خدمة مصالحها أو أنه أصبح عبئا عليها، وأن
الفزاعات من "الأصولية الإسلامية" و"أعمال العنف والإرهاب" ضد
إسرائيل و"معسكر أعداء السلام" التي يلجأ بعض الحكام العرب إلى
استخدامها لتبرير وجودهم بدعم الولايات المتحدة لم تعد تجدي نفعا
حتى لدى الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين.
ويبدو أن ثمة قرارا في البيت الأبيض اليوم بأنه لا
مانع من التغيير في الشرق الأوسط شريطة المحافظة على مصالح
الولايات المتحدة، وهي تعمل في نفس الوقت على محاولة دفع حلفاء
آخرين لها ، ممن لم يكونوا في السلطة من قبل، ليقدموا أنفسهم كدعاة
للديمقراطية وحماة لحقوق الإنسان، وهم الذين يتلقون الدعم الأميركي
لمؤسساتهم المختلفة حتى لو سميت بمؤسسات مجتمع مدني طيلة سنوات
سبقت، وذلك بهدف العمل على احتواء الحراك الشعبي ومنعه من الإضرار
بالمصالح الأمريكية ، حيث يمكن إعادة تقديم النظم وبنائه بوجوه
جديدة، وربما تكون محاولات تغيير الوجوه في مصر جزءا من هذه
المحاولة التي ترقب الولايات المتحدة إمكانية نجاحها، وهي تنأى
بنفسها عن النظام ورئيسه باتخاذها علنا موقف الحياد ولو شكلياً.
لكل ما سلف فإن الفرصة ما زالت مواتية أمام الحكام
والنخب العربية الحاكمة كي تعيد النظر بتحالفاتها الخارجية
والداخلية، والتفكير الجدي بالتقوي بإرادة الشعب وشرعيته، وأن
تشارك القوى السياسية والاجتماعية في القرار وتحمل المسئولية- وفق
قوانين انتخاب ديمقراطية وشفافة وقوانين تحمي الحريات العامة وحقوق
الإنسان وقيم المجتمع ومصالحه- بدل انتظار مصير كمصير من سبق من
حلفاء أمريكا من حكام العالم الثالث، حيث لن تستطيع الولايات
المتحدة عندها منعه، هذا إن أرادت ذلك أصلاً، فهل يتعظ حكامنا في
الوطن العربي قبل فوات الأوان؟
رجوع