|
الأردن: إعادة تنظيم الخارطة الداخلية والدور الإقليمي جواد الحمد استراتيجيا شكلت الحركة الإسلامية في الأردن عاملا أساسيا من عوامل الاستقرار السياسي في المملكة الأردنية الهاشمية، وقد تضافر هذا العامل دوماً مع مصلحة الحكم في منعطفات وأزمات عدة مرت بها المملكة، كما شكلت صمام الأمن الاجتماعي للمملكة، سواء على صعيد رعايتها الاجتماعية للفقراء والمحتاجين، وإشرافها على مؤسسات صحية تكمل جهود الحكومة القاصرة عن تلبية كل الاحتياجات، أو على صعيد التحصين الفكري والتربوي، الذي تقوم به في المدارس والمساجد في مختلف أنحاء المملكة، إضافة إلى دورها في إحباط الانقلاب اليساري عام 1957، ومنعها لثورة الخبز (انتفاضة الجنوب) من التفاقم عام 1989، وهو الذي دفع الملك الراحل الحسين بن طلال ليقول "إن الأردن ليس فيه تطرف ديني، ولدينا حركة إسلامية راشدة، أتمنى أن تكون الحركات في الدول العربية الأخرى على نهجها" وذلك في محاضرة له في واشنطن عام 1993م، وكذلك ليعلن في خطاب متلفز تقديره لموقفها إزاء الاضطرابات التي بدأت تهدد استقرار المملكة فيما عرف بثورة الخبز. كما شكلت القضية الفلسطينية وتداعياتها المختلفة عاملاً أساسياً في تشكيل سياسة المملكة الخارجية وتحالفاتها الداخلية، وظل الأردن في بؤرة أحداث القضية المختلفة، رغم عشرات الانعطافات التي مرت بها القضية وعلاقاته بقياداتها التاريخية المتتابعة، مما شكل للأردن دوراً متعدداً في التعامل معها، ولئن اتخذ الأردن قرار فك الارتباط بالضفة الغربية عام 1988م غير أنه لم يجد بداً من المشاركة في التعامل مع القضية وتداعياتها بأشكال مختلفة، ولاعتبارات متعددة، ذلكم أن الأردن يعتبر القضية الفلسطينية شأنا وطنياً أردنياً أكثر منه قضية سياسة خارجية. مرحلياً شهدت السنوات الأخيرة (2003-2008م) تحولات دراماتيكية في قوة ونفوذ الحركة الإسلامية الأردنية من جهة، كما شهدت تبايناً أوسع بينها وبين مواقف وسياسات الحكومة الأردنية، إزاء القضايا الكبرى الوطنية والإقليمية، خصوصاً فيما يتعلق بعملية السلام مع إسرائيل، والاحتلال الأمريكي للعراق، مما أوجد بعض التوترات بين الطرفين، ربما وصلت إلى حد المواجهة الباردة بينهما، خصوصاً بعد قرار الحكومة بالسيطرة على جمعية المركز الإسلامي عام 2006م، ومن قبلها دعم الحكومة لتوجهات تخليص جامعة الزرقاء الأهلية من سيطرة الحركة عام 2006م أيضا، وإبعاد قادة حركة حماس الأردنيين إلى خارج المملكة عام 1999م، ناهيك عن شكوى الحركة الإسلامية من الاستهداف بمنع الخطباء والتوظيف العام، وفي المناصب العليا في المؤسسات الحكومية لكوادرها وقياداتها. ورغم نجاح الطرفين في منع تفاقم هذه الأزمات، لدرجة تهديد استقرار المملكة، غير أن العلاقة شابها الكثير من التوتر وعدم الثقة، لدرجة التدخل بقوانين وإجراءات عملية لمنع تقدم الحركة الإسلامية انتخابيا، سواء عبر البلديات أو البرلمان، في ومحاولة لتحجيم نفوذها وتأييدها في الشارع، لكن الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة، أدت إلى تحقيق مكاسب متزايدة للحركة الإسلامية شعبياً وإقليمياً، خصوصاً وإنها تضافرت مع نجاحات حركة حماس على نفس الصعيد في قطاع غزة والضفة الغربية، في الأعوام 2006 و2007م، وهو ما أربك سياسة الحكومة تجاه الحركة الإسلامية لفترة من الزمن. وعلى صعيد آخر فقد شهدت الساحة الفلسطينية الداخلية تحولاً استراتيجياً كبيراً بسيطرة حركة حماس على برلمان وحكومة السلطة الفلسطينية في الانتخابات البرلمانية عام 2006م، ونجاحها في تحجيم نفوذ حركة فتح، وكذلك نجاحها سابقاً وبعد السيطرة على تعطيل عملية السلام، ومنع التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، لا يناسب برنامجها القائم على رفض التنازل وعدم الاعتراف بإسرائيل، وهو ما تسبب بإشكالات لسياسة المملكة إزاء القضية سياسياً وإزاء مكوناتها الداخلية في ظل رهاناته السابقة كلياً على حركة فتح كطرف شريك في ترسيم العلاقة بين فلسطين المستقبل والأردن، وإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، لا يكون على حساب الأردن، فيما عرف بالوطن البديل، عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة في فلسطين. وسجلت القراءة الأردنية عجزاً عن التنبؤ بحركة المتغير الجديد، فراحت المملكة تزيد من تحالفها ودعمها للفريق الخاسر في الانتخابات الفلسطينية، على حساب علاقاتها المفترضة مع الحكومة الجديدة، بزعامة حركة حماس، ورغم الفشل الذي أبدته محاولات حركة فتح للقضاء على نفوذ حماس وقوتها في الضفة والقطاع، غير أن الحكومة الأردنية ظلت تراهن على هذا التحول، ما يزيد على عامين ونصف العام، أي حتى حزيران/ يونيو 2008م. إعادة تنظيم الخارطة الداخلية تضافرت عوامل متعددة محلية وإقليمية ودولية، وأخرى ذات علاقة بالقضية الفلسطينية وعملية السلام، وكذلك التحولات داخل الحركة الإسلامية في الأردن ذاتها، وصمود حركة حماس أمام الحصار الدولي في غزة، ونجاحها بجر إسرائيل إلى اتفاق تهدئة معها، تضافرت هذه العوامل وغيرها في بلورة توجه أردني إزاء التعامل مع الحركة الإسلامية في الأردن، وبدا أن صانع القرار الأردني أدرك وبشكل ملفت للانتباه الخطورة التي تنطوي عليها هذه المتغيرات، على مصالح الحكومة الأردنية وسياساتها، وما تشكله من تحديات جديدة أظهرت أن الحكومة بحاجة إلى دعم شعبي حقيقي لمواجهتها، ولذلك قررت الاقتراب أكثر من الحركة الإسلامية، والعمل على ترطيب الأجواء معها، وشرعت بلقاءات أولية معها لبحث الملفات العالقة، ونقاط التوتر والخلاف بين الطرفين، ومن أجل محاولة رسم أسس علاقات مستقرة بين الطرفين، ولو لمرحلة تجتاز فيها الحكومة أبرز وأخطر هذه التحديات، ولعل أهمها المتعلق بالتوجهات الإسرائيلية والفتحاوية في التعامل مع الأردن ومصالحه، في الحل النهائي للقضية، وما تسرب عن تفاهمات أولية حول ما يسمى بالوطن البديل، على حساب الأردن، خصوصاً في ظل الرفض الإسرائيلي المطلق لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، الذين يؤوي الأردن أكثر من نصفهم. ولذلك ينظر إلى التحول الحكومي بوصفه تحولاً مصلحياً لا يتصف بصفة الاستراتيجية، وإن أطلق عليه البعض ذلك، فلقاءات الحركة الإسلامية مع الحكومة لم تثمر إلا عن تهدئة متواضعة بين الطرفين، ولم يتم بعد تحقيق مكاسب محددة للحركة الإسلامية تمكنها من بناء خطوات ثقة عليها وتقارب آخر، ولعل هذا التردد لدى المستوى الحكومي في بلورة العلاقة بشكل متكامل وعاجل، يثير المخاوف في أوساط الحركة الإسلامية، من أن يكون الأمر مجرد لحظة تهدئة فقط، لتمرير بعض السياسات المحلية والإقليمية للحكومة، ولتجاوز تفاقم تداعيات ارتفاع الأسعار، وسلبيات السياسات الخارجية الأردنية إزاء إسرائيل والولايات المتحدة، وانعكاساتها على القضية الفلسطينية والعراق. لكن أوساطاً اخرى ترى أن الحكومة توصلت إلى قناعات بضرورة إشراك الحركة الإسلامية في الهم المحلي والإقليمي للسياسات الحكومية، لتتحمل المسئولية معها، خصوصاً على الصعيد الشعبي، كما أنها تريد أن ترسل رسائل واضحة للأطراف الأخرى، بأن لديها ما تتقوى به على أي مؤامرات خارجية، ناهيك عن حاجة الحكومة إلى الحركة الإسلامية لمواجهة أي تحركات داخلية مناهضة للحكومة، قد تخدم توجهات خارجية، كما كان الحال في مفاصل أخرى سابقة من تاريخ المملكة، وعلى الأخص فيما يتعلق بمحاولة زعزعة الاستقرار المنبثقة عن توجهات الوطن البديل. ولذلك فإن النتائج العملية للقاءات القادمة، خصوصاً من طرف الحكومة، سوف تحدد مرحلياً غلبة التوجهات القاعدية منها والقيادية داخل الحركة الإسلامية، كما أن تجاوب الحركة الإسلامية وتفهمها لطبيعة المرحلة، وقناعتها بجدية الحكومة، سوف تدفع بالأغلبية لدعم التقارب مع الحكومة، والتفاهم معها، وتعديل بعض السياسات التصعيدية، التي أصبحت لها تربة خصبة في المملكة، في ظل ارتفاع الأسعار، وتزايد الفقر والبطالة، خصوصاً في المناطق الأقل حظاً، وفي ظل التململ الذي ظهر على بعض القوى المحسوبة على النظام بالأساس، وبدا أن الحركة الإسلامية ليست بعيدة عن نبض هذه المناطق والقوى الوطنية، كما أعلن مراقبها العام مبكراً من شهر تموز/ يوليو 2008 . ولذلك فان الخطوة التي اتخذتها الحكومة، رغم تواضعها ومحدوديتها، غير أنها أشارت إلى توجه أردني حكومي، يهدف إلى إعادة تنظيم الخارطة السياسية الداخلية، وتعديل بعض التحالفات والتفاهمات مع القوى الرئيسية فيها، وهو ما يفتح الطريق أمام إعادة رسم السياسات المحلية والخارجية على حد سواء، بتوافق وطني أكبر، خاصة مع الحركة الإسلامية التي تشكل القوة الأكبر والأهم في المجتمع الأردني، والتي لها امتدادات إيديولوجية وسياسية كبيرة في المحيط الفلسطيني والعراقي والمصري. وهو ما يفرض الاهتمام الحكومي بالحوار معها أجندةً وزمناً حتى يمكن ترسيم هذا التوجه، والبناء عليه استراتيجيا للسنوات الخمس القادمة على الأقل، خاصة وأن التوقعات فيها تميل إلى احتمال أن تعصف بالمنطقة أحداث جسام، ليس أقلها تفاقم الصراع العربي–الإسرائيلي، وتغيرات دراماتيكية في بعض الأوضاع السياسية المحيطة، وتراجع و تقهقر السياسات الخارجية الأميركية، ناهيك عن زعزعة نظرية الأمن الإسرائيلية، التي بدأت تترنح -ولا تزال- أمام ضربات المقاومة التي تتخذ مواقع أكثر قوة وتأثيرا من ذي قبل. ولا ينبغي أن يستمر رهان الأردن على العوامل الخارجية من جهة، وعلى الفريق الخاسر في المنطقة والعالم من جهة أخرى، بعد تجربة السنوات العشر الأخيرة. إعادة تنظيم الدور الإقليمي تشكل القضية الفلسطينية تقليديا ملامح الدور الإقليمي للأردن في الشرق الأوسط، وفي منظومة السياسات الدولية تجاه المنطقة، وقد ارتبط مصير الأردن مبكرا بمخرجات القضية بأشكال متعددة منذ بداياتها، ولذلك فانه من الطبيعي أن ينطلق ويستند تفكير الأردن بإعادة تنظيم دوره الإقليمي إلى سياساته تجاه القضية الفلسطينية لأسباب وعوامل ودوافع مختلفة. الأشهر الثلاثة الماضية (5،6،7 /2008) شهدت تشكلاً جديداً لواقع محور الممانعة، وانخراطه في ديناميكيات رسم مستقبل المنطقة، كما شهد تهدئة أميركية وأوروبية مع تيارات المقاومة والممانعة، كما شهد انفتاحا عربياً ودولياً على حركات المقاومة، وعلى مشاركتها في رسم مستقبل المنطقة وتفاصيلها (مثلما تم في اتفاق الدوحة بشأن لبنان عام 2008م)، كما تحقق الفشل المريع للعدوان الإسرائيلي أمام ضربات المقاومة، وتحقق عجزها عن زعزعة حكومة حماس في قطاع غزة، عبر الاجتياح والفشل المتواصل، كما أثبتت حماس قدرة فائقة على الصمود تحت الحصار في قطاع غزة لمدة عام كامل، وعلى مواجهة تداعيات حرب الاستئصال في الضفة الغربية للفترة ذاتها، وفي ظل فشل حركة فتح في إنجاز المهمة التي وعدت بها الأردن، وغيرها لإسقاط حركة حماس خلال ثلاثة أشهر، تكررت لأكثر من عشر مرات، ولم يكن حليفها في كل هذه المراحل إلا الفشل، ما جعل من حركة حماس طرفاً عصياً أكثر من السابق، وهو أحد العوامل التي ساعدت على فشل عملية السلام والمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، بالتوصل إلى حل نهائي للقضية، بما في ذلك مسألة اللاجئين والقدس اللتان تشكلان مصالح أردنية مباشرة، خصوصاً في ظل التوقعات -وربما المعلومات- عن توجهات ومقترحات لحل قضية اللاجئين والدولة المستقلة على حساب الأردن، فيما عرف بالخيار الأردني أو غيره، الأمر الذي أصبح يهدد الأمن الوطني الأردني، وسوف يتسبب- حال نجاحه- بإخراج الأردن من المشهد الإقليمي كطرف رئيسي ولاعب مهم، وفي ظل انفراط عقد محور قوى الاعتدال العربي في التعامل مع هذه المتغيرات، حيث اتخذت كل دولة من هذا المحور سياساتها بشكل مستقل، ومن منطلقات وطنية محلية، سواء في تعاملها مع محور الممانعة وقوى المقاومة، -بما في ذلك إيران- أو في تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل... كل هذه المعطيات فرضت وتفرض على صانع القرار الأردني إعادة قراءة الخرائط السياسية في المنطقة، والعمل على إعادة تنظيم علاقاته ودوره الإقليمي، وتزايد وزن الحسابات الداخلية، في ظل تنامي نفوذ الحركة الإسلامية، وتماسكها في حال الفشل في السياسات الخارجية أيضاً. ولذلك بادر الأردن إلى دعوة حركة حماس، اللاعب الرئيسي في الساحة الفلسطينية، ووليد وحليف الحركة الإسلامية في الأردن، إلى حوار مفتوح لإعادة ترتيب وتنظيم العلاقة التي توترت بينهما، بعد إجراءات الحكومة الأردنية، باعتقال وإبعاد قادة الحركة في الأردن، وإغلاق مكاتبها في أغسطس 1999م، ورغم استمرار الاتصالات بين الطرفين طوال هذه المدة- حسب مصادر مطلعة-، وتفاقم الجو الإعلامي بينهما بين فينة وأخرى، غير أن العلاقة لم تنقطع، كما لم تتقدم منذ ذلك الوقت، ولكن قوة حماس المتصاعدة جعلت العلاقة معها ورقةً مهمةً في بلورة الأدوار الإقليمية للأطراف العربية، تستفيد منها كل من سوريا ومصر وقطر وغيرها، كما أنها مفتاح مهم للأدوار الدولية في الشرق الأوسط، سعت أكثر من أربعة عشر دولة أوربية إضافة إلى روسيا لإيجاد علاقة مع حماس بمستويات مختلفة، وسعت إسرائيل والعديد من قياداتها، وكذلك الولايات المتحدة إلى بناء تواصل ما معها، ولو عبر مؤسسات وشخصيات المجتمع المدني في الحد الأدنى، فلماذا يفرّط الأردن بعلاقاته مع حماس، ومن أجل من و من أجل ماذا؟ من هذه المنطلقات، وربما من غيرها أيضا، انطلق الحوار بين الأردن وحركة حماس، وتفيد المعلومات الموثوقة من مصادر مقربة من الطرفين، بأن الحوارات انتقلت منذ الجولة الأولى في 21/7/2008م لبحث المسائل الأساسية وعناوين العلاقة المستقبلية بينهما، وشرع الطرفان بتسوية الملفات العالقة، من أجل الشروع ببناء الثقة بينهما، وهو ما عبر عنه الطرفان بوضوح، ولم يتشكل بعد انطباع واضح عن المدى الذي يمكن للأردن أو حماس أن يذهبا إليه لبناء هذه العلاقة، بوصف اللقاءات الأولى مرحلة استكشاف للطرفين، وذلك رغم انعقاد ثلاثة لقاءات في أقل من ثلاثة أسابيع بينهما. لكن مصادر الحركة الإسلامية في الأردن وحركة حماس تؤكد أن ثمة استعداد لدى حماس من حيث المبدأ للذهاب بهذه العلاقة إلى حد العلاقة الاستراتيجية، إذا كانت الحكومة الأردنية وصانع القرار على استعداد للوصول إلى هذا المدى، كما أبدى القيادي الأردني الذي رأس وفد المملكة في الحوار -حسب مصادر حماس- وشهدت الأسابيع التي تلت اللقاء الأول خطوات بناء ثقة جادة من الطرفين، وعلى الأخص من جانب المملكة، وشعرت أوساط حماس بأن ثمة تغير حقيقي وجاد -حسب مصادر وتصريحات قادة حماس-، فيما أبدت أوساط أردنية ترحيبها بتجاوب حماس مع متطلبات الأمن الأردني من جهة، وحرصها على مواجهة التحديات التي تواجه الأردن فيما يتعلق بالوطن البديل من جهة أخرى، وهو ما ساعد على التوجه لبلورة تفاصيل مثل هذا "التحالف"- إن جاز التعبير-، والذي يتوقع أن يتبلور في غضون الشهرين القادمين حسب تقديرات بعض المراقبين. استفزت هذه التطورات في التواصل الأردني مع حركة حماس وتطوراته بعض التوجهات الأردنية المناهضة، وبعض حلفاء منظمة التحرير في الساحة الأردنية، كما استفزت حركة فتح ورئيس السلطة الذي أبدى امتعاضه وتخوفاته من نتائج هذه الاتصالات، فيما لم تبد الولايات المتحدة وإسرائيل ردود فعل علنية، حيث يعتقد المراقبون أنهما ينتظران أبرز النتائج التي يمكن التوصل إليها لاتخاذ الموقف، وقد يعتمد ذلك على قدرة الأردن على تحقيق اختراقات حقيقية في هذه العلاقة من جهة، وفي إصراره على حقه السيادي في التحرك بهذا الهامش الإقليمي من جهة أخرى، وفي حقه في اتخاذ دور إقليمي مهم في القضية الفلسطينية من جهة ثالثة، وهو ما لا تنكره أي من إسرائيل والولايات المتحدة على الأردن، خصوصاً وأنه سبق وأن قام الأردن ببناء مثل هذه العلاقة في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال عام 1991م مع حركة حماس والتي استمرت لأكثر من ثماني سنوات. تشير التوقعات إلى رجحان كفة النجاح في بلورة علاقة جديدة بالفعل مع حركة حماس تتجاوز المسائل التي طرحت في اللقاءات الأولى من جهة، وتتجاوز أسس العلاقة السابقة عام 1991م من جهة أخرى، لتصل إلى بلورة سياسات مشتركة لحماية الأردن من مشروع الوطن البديل، وفي نفس الوقت حماية القدس وحق العودة الفلسطيني، والسعي لتخفيف الحصار السياسي والاقتصادي عن حركة حماس، وربما دعم تقديمها دولياً كحركة سياسية معتدلة لا تستخدم المقاومة إلا ضد الاحتلال، كما قد تحقق مثل هذه العلاقة اختراقاً مهماً في تحجيم توجهات الاستئصالين في أجهزة الأمن الفلسطينية ضد حركة حماس في الضفة الغربية، وعلى صعيد آخر فان بناء هذه العلاقة سوف يجعل من الأردن دولة إقليمية رئيسية مهمة، لا يمكن تجاوزها، ويفعّل دورها في التوصل إلى انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويساعد على فرض الدولة الفلسطينية المستقلة فيها بمشاركة حركتي حماس وفتح، الأمر الذي يضمن سقوط نظرية الوطن البديل، والترانسفير والخيار الأردني! وبعد،،، فإن استقراء مكونات التفكير والتخطيط في مؤسسة الحكم الأردنية، يشير إلى أنها تتمتع بخبرة طويلة، وأن لديها القدرة على امتصاص الضغوط على مثل هذه العلاقة، وأن قراءة البوصلة بشكل معمق على صعيد التحولات الإقليمية والدولية المتوقعة في السنوات الخمس القادمةـ تدعم التوجهات نحو تمسك صانع القرار بورقة الحركة الإسلامية في الأردنـ وحركة حماس في فلسطين بوصفهما ضمانة ورافعة لدور مهم وفاعلـ للمملكة في المرحلة القادمة، ولضمان أمنه الوطني وكيانه المستقل، دون اعتداء أو فرض لحلول القضية على حسابه، خصوصاً في حال اعتماد سياسة الشفافية والجدية، والعمق وتبادل المصالح في بناء هذه العلاقات خلال الأشهر القادمة. أ.هـ
أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|