|
جـواد
الحمـد مثلت إسرائيل عامل إضعاف وتفتيت للوطن العربي منذ تأسيسها، ولم تأل الحركة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية الخارجية جهداً في إضعاف الحضور العربي الدولي، وفي تشويه الثقافة والفكر والتاريخ العربي، وقد حققت نجاحات كبيرة على هذا الصعيد في الغرب، حيث تسود المعلومات والأفكار والانطباعات والقراءات الإسرائيلية والصهيونية الكثير من الأدبيات والأبحاث والكتب ووسائل الإعلام الغربية عن الشرق الأوسط وتحولاته وأحداثه، وبالطبع فهي تنطلق من مصالح إسرائيل والحركة الصهيونية على حساب المصالح العربية وحقوق الشعب الفلسطيني. ولا يتوقف الأمر عند حد تبرير قيامها على أرض الغير بالقوة عام 1948، واحتلالها لأراضٍ إضافية بالقوة أيضاً عام 1967، واستمرار عدوانها ورفضها الانصياع لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بحل الصراع العربي-الإسرائيلي وعلى الأخص قرار 194 الخاص باللاجئين لعام 1948، والقرار 242 الخاص بانهاء الاحتلال عام 1967، بل إنها تصل إلى حد وصم المنطقة وشعوبها وقواها السياسية بكل الأوصاف التي تنفّر الغرب منها، وتجعل من إسرائيل واحة الديمقراطية والحرية والتقدم فيث منطقة متخلفة ورجعية. من هنا يمكن النظر بخطورة كبيرة لتطور العلاقات الاسرائيلية-الصينية، حيث من حق العرب أن يقلقوا كثيراً من نتائج هذه العلاقات وانعكاساتها على علاقاتهم مع دولة طالما كانت حليفة أو مناصرة لقضاياهم في المحافل الدولية، ويستشعر العرب الخطورة الأكبر في ظل الانحياز الامريكي الكامل والأوروبي الجزئي لإسرائيل ضد المواقف والسياسات العربية، كما تزداد الخطورة عندما تضع إسرائيل نفسها شريكاً للصين في المعاناة من الإسلام "الراديكالي"، حيث تقدم حركات المقاومة بفكرها الايديولوجي وليس بأهدافها الوطنية، لتربط بينها وبين فكر العنف والتطرف السائد في بعض مناطق الصين من جهة، ولتتواءم مع الجو العالمي المناهض للإرهاب والعنف من جهة اخرى، وفي ظل ضعف علاقات الصين بتيار الاسلام السياسي المستنير في المنطقة بسبب الظروف التاريخية السابقة، وبسبب اعتقاد الصين ان تيار الاسلام السياسي قد تدعم قوى تدعو الى الانفصال او تحقيق الحقوق من المسلمين الصينيين، خاصة وان بعضهالا يستخدم العنف المسلح ضد الحكومة الصينية، لكن السياسة الاسرائيلية بهذه الاتجاهات التي حملها ايهود اولمرت في سبتمبر 2007 في زيارته الى بكين انما تحاول جر الصين إلى مربع لا يخدم مصالحها، ولا يشكل لها مساعداً استراتيجياً على تطوير دورها الدولي أو تحقيق التنمية الاقتصادية فيها، بل يضعها في موقع المتشكك بنوايا واتجهات القوى السياسية العربية الصاعدة ، حيث مصدر الطاقة والسوق الكبير للمنتجات الصينية والتبادل التجاري المتميز مع الوطن العربي. وتشير المعلومات الى ان القادة الصينيين لم يشاركوا رئيس وزراء اسرائيل وجهة نظره بخصوص مقاطعة كل من ايران وحركة حماس الفلسطينية. وتعمل إسرائيل على تحليل واقع المنطقة بان عوامل عدم الاستقرار فيها مرتبطة بحركات التحرر الوطني العربية وحركات الإسلام السياسي في حواراتها ومحادثاتها مع الصين مكما تفعل في الغرب، لتزيد من مخاوف الصين إزاء مصالحها الاقتصادية في المنطقة، والتي تستلزم الاستقرار وبناء بيئة للتعاون الإقليمي الذي تدعمه الصين وسياساتها الخارجية، وفي نفس الوقت تحرص إسرائيل على عدم إتاحة الفرصة للصين للعب دور سياسي مهم في الصراع العربي-الإسرائيلي خشية تحقيق بعض المكاسب للعرب من خلال هذا الدور بوصف الصين تناصر القضية العربية المركزية بشكل عام ، وعلى الاخص فيما يتعلق بتطبيق قرارات الامم المتحدة واعادة الحقوق الشرعية الوطنية للشعب الفلسطيني، كما تخشى اسرائيل من انكشاف سياستها العدوانية الرافضة للانصياع للقانون الدولي . وبرغم ما يلمسه الخبراء العرب عند الحديث مع الصينيين من تفهم وإدراك لعدم جدية إسرائيل في عملية السلام، ولممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، غير أن الموقف الصيني المرتبط بمصالح عسكرية وأمنية مع إسرائيل واقتصادية مع الولايات المتحدة ، وفي ظل قدرة هاتين الدولتين على تهديد مصالح الصين ودورها الدولي والإقليمي، فإن الصين لا تكاد تبدي موقفاً مستقلاً مؤثراً في السياسة الدولية او قرارات مجلس الامن الدولي إزاء الصراع وعملية السلام أو إزاء العدوان الإسرائيلي حتى في ظل خرقه لكل القوانين الدولية والمواثيق المتعلقة بالتعامل مع المدنيين خلال الحرب، وترضي العرب في المقابل بمواقف عامة تبدو نقية السريرة ولكنها لا تحظى بتأثير سياسي حقيقي مهم في الموقف الدولي. إزاء هذه التطورات والتداعيات للعلاقات الصينية المتنامية مع اسرائيل، فقد اصاب القلق الكثير من الباحثين والخبراء العرب إزاء طبيعة علاقات الصين مع الوطن العربي والإسلامي، والقائمة على تحقيق المصلحة من جانب واحد، وأن فتح اسواقها أمام البضائع الصينية، والتزامها بتزويد الصين بكثير من حاجتها من الطاقة الاساسية لصناعاتها المختلفة، واستقدام عمالتها إلى المشاريع العملاقة في المنطقة ليس محدداً مهماً لسياستها الدولية تجاه الشرق الأوسط، ولا يتوازى مع علاقتها الامنية مع إسرائيل. من جهة أخرى وبرغم مرورستين عاماً على قيام إسرائيل على الأرض العربية، وشنها الحروب والاعتداءات وأعمال الإرهاب المتواصلة، وتهربها من استحقاقات السلام وفق الشرعية الدولية، وأنها كانت تعمل باستمرار على إثارة القلاقل والحروب في المنطقة، فإنها تقدم نسفها للصين كعامل استقرار للمنطقة يمكن ان تحفظ مصالحها كما اقنعت الساسة الغربيين من قبل خصوصا بعد عدوان 1967، غير أن الصين التي تقيم علاقات تاريخية واسعة مع العرب، ينبغي لها أن تدرك الحقيقة التي تؤكدها أحداث التاريخ بأن مصدر عدم الاستقرار الاساسي في المنطقة هو إسرائيل وسياساتها العدوانية، وأن حركات المقاومة العربية ،وإن كانت إسلامية الفكر والاتجاه، غير أنها تسعى لبناء الاستقرار والتخلص من الاحتلال وإعادة اللاجئين الذين يشكلون قلقاً متزايداً في المنطقة، وأن الذي يقف في وجه تحقيق هذه الأهداف هو إسرائيل بعدوانها المتواصل وسياستها المتعجرفة ازاء الحقوق العربية وتمردها على القانون والشرعية الدولية. وعلى الصعيد الدولي، فرغم أن الصين والعرب يعملون على تشجيع الحوار الحضاري والانفتاح الدولي والتعامل على قدم المساواة، غير أن إسرائيل واللوبي الصهيوني الداعم لها في الغرب هو الذي ما فتئ يحرض على صراع وصدام الحضارات بزعم أن الحضارة الإسلامية -بعد إنهيار الشيوعية- تسعى لقضم العالم وتسعى للهيمنة على الحضارة الغربية، مما شجع الدوائر السياسية الغربية لاتخاذ سياسات معادية لكل ما هو إسلامي في المنطقة دينياً وسياسياً، وخاصة إذا ما وصل إلى الحكم والسلطة، حيث لم تعط الولايات المتحدة أي فرصة لأي تجربة حكم سياسي إسلامية ان تطبق برنامجها حتى محليا ، كما هو الحاف ياسودان وايران والجزائر واخيرا فلسطين- وذلك بحجة أن هذه الحكومات انما تسعى لتقويض الديمقراطية وفرض هيمنتها من جهة، وأنها متطرفة راديكالية من جهة، وأنها تشجع العنف والإرهاب من جهة ثالثة، وهو بالضبط مضمون الدعاية الاسرائيلية والصهيونية، ولذلك فإننا لا نبالغ إذ قلنا أن من حق العرب أن يشعروا بقلق بالغ من تنامي العلاقات الصينية-الإسرائيلية، وخاصة السياسية والعسكرية منها لما تشكله من خطر حقيقي على مصالحهم وقضاياهم وعلاقاتهم المستقبلية بالصين، بل وعلى نظرتهم للصين كلاعب دولي قادم بديل للهيمنة الامبريالية التي لاقى منها العرب الظلم والقهر، والتي تمثل إسرائيل حليفها الاستراتيجي واحدى ادواتها المخلصة في المنطقة والعالم. لم تكن اسرائيل يوماً سوى حليفة امبريالية لمشروع الهيمنة والقهر والعدوان على الشعوب، وهي لم تبد تجاوباً مهماً للأيدي التي امتدت إليها بالسلام عرباً وفلسطينيين، بل لا تعير اهتماماً لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالحقوق العربية، وتتعامل بفوقية وتعالٍ على العرب وعلى العالم، ولا تنظر اسرائيل للصين إلا من زاوية دعم مشروعها العدواني وظلمها للشعب الفلسطيني، ولوقف دعمها للمشروع التحرري الفلسطيني، وعلى أقل تقدير العمل على اضعاف دعم الصين وتعاونها مع العرب والفلسطينيين عسكرياً وسياسياً في الصراع مع إسرائيل، الأمر الذي يجعل الموقف الإسرائيلي انتهازياً، ويملك عوامل وحوافز الانقلاب والتحول الكثيرة بتبدل وتغير الظروف. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحراك الشعبي العربي والإسلامي يتجه نحو اختيار كفاءات تيار الإسلام السياسي المستنير -الذي لا يؤمن العنف ولا يؤيد التطرف- ليتولى صياغة السياسة والمستقبل للمنطقة العربية والاسلامية عبر البرلمانات والمشاركة السياسية في الحكم، مما يجعل الرؤية الاستراتيجية للصين لحفظ مصالحها ولتطوير دورها الدولي يقتضي الانفتاح على هذه القوى بوصفها مشروع المستقبل في المنطقة، خصوصا وهي ترحب ابلصين وبدورها العادل اقليميا ودوليا، ولا تبدي اي حساسية ازاء التعامل معها. وبذلك يمكن القول بأن مكونات الموقف العربي القائمة، وآفاق التحول السياسي المتحمل فيها، وارتباط الصين بالسوق العربي ومصادرالطاقة العربية اقتصادياً تشكل محددات مهمة ينبغي أخذها بعين الاعتبار في تقييم أو تطوير علاقاتها بإسرائيل. فيما يعتبر إهمال هذه العوامل او التقليل من شانها سبباً لضعف الرؤية الصينية المستقبلية، وقد يشكل عوامل إضعاف للمصالح الصينية في المنطقة العربية، فيما لا تستطيع إسرائيل أن توفر لها البدائل العملية لهه المصالح، بل إنها تحملها العبء الأخلاقي المناهض لمبادئ السياسة الصينية، وتضعف فرص الصين لتكون طرفاً دولياً مقبولاً مدعوماً بالطاقة والسوق الاستهلاكي لمنتجاتها، ومحمية كلاعب دولي بالإطار الأخلاقي اللازم لاستقرار أي قوة كبرى على الصعيد الدولي في الإسهام بتشكيل السياسات الدولية. ويعتقد بأنه قد آن الأوان لادارة حوار استراتيجي عربي-صيني أعمق مما هو جارٍ في ظل المنتدى العربي-الصيني الذي يسوده ويسيطر عليه الأمر الواقع والقيم الأخلاقية، والتطلعات الجميلة للمستقبل، دون أن تدعمه محددات وسياسات استراتيجية صلبة.
جـواد
الحمـد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|