|
تحرير جواد الحمد وبيان العمري المحتويات 2- العوامل المؤثرة في تقدير الموقف 3- المعطيات العامة ذات الصلة بتقدير الموقف 1- المحدد الفلسطيني 2- المحدد المصري الداخلي 3- المحدد الدولي والإسرائيلي 8- المواقف المقترحة لمساندة الدور المصري 9- الموقف المصري المقترح ومبرراته الموضوعية والقانونية أولاً: المبررات الموضوعية ثانياً: المبررات القانونية 11- المشاركون في إعداد هذا التقدير هدف ورقة تقدير الموقف الهدف الأساسي لهذه الورقة هو محاولة نزع أي فتيل يساعد على إحداث أي تفاقم إضافي للوضع في قطاع غزة، حيث ثمة اتفاق قانوني بغياب أي منطق إسرائيلي إزاء فرض الحصار، وإن الحكومة المصرية لديها أدوار تؤديها وخيارات متعددة يمكن أن تتعامل وفقاً لها مع حالة الحصار هذه، الأمر الذي يقتضي استكشاف طرق الوصول إلى تقدير الموقف المصري بما يفيد الطرفين الفلسطيني والمصري. العوامل المؤثرة في تقدير الموقف ثمة أربعة اعتبارات وعوامل تؤثر تأثيراً مباشراً على الموقفين المصري والفلسطيني، تتمثل في: الأول: وضوح المصلحة الإسرائيلية في ربط السياسة المصرية باتفاقات كامب ديفيد وما يترتب ذلك من التزامات دولية مختلفة على مصر تجاه إسرائيل؛ حيث تُعَدُّ المعاهدة ذاتها قيداً أساسياً على التحرك المصري تجاه فك الحصار وفتح المعبر. الثاني: نشاط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وضغوطه على الإدارة الأمريكية لإلزام مصر بتطوير علاقاتها مع إسرائيل، ويعد وقف المساعدات الأمريكية واحداً من هذه الضغوط في حال وقفت في موقف مناوئ لإسرائيل أو مصالحها. الثالث: وجود حركة حماس ثم سيطرتها على قطاع غزة، وانفتاح علاقاتها واتصالاتها مع مصر، والذي يتم في سياق جدل داخل مصر حول الميل نحو الإطار الشعبي الفلسطيني والعربي والمقاومة أو تفضيل السلام مع إسرائيل. الرابع: وضوح علاقة حماس بجماعة الإخوان المسلمين من حيث التطابق الأيديولوجي والنشأة، ومن حيث التعاطف الديني المتبادل، علماً بأن الحكومة المصرية تخوض مع جماعة الإخوان في مصر مواجهة إعلامية وأمنية حادة. كما أن هناك اعتبارات أخرى لا تقل أهمية عن بعض ما سقناه آنفاً، وخصوصاً تلك المتعلقة بالساحة الفلسطينية، حيث يعتبر تحسن علاقة مصر مع حركة حماس تقليلاً من قوة الرئيس محمود عباس الذي تعترف به مصر رئيساً شرعياً، وهذا يعني أن الوضع الفلسطيني الداخلي يلعب أيضاً دوراً كبيراً في تشكيل الموقف المصري. ونظرا لما لمصر من دور حاسم في مسألة الحصار وفتح المعبر فإنه من الأهمية بمكان أن يتناول البحث تقدير الموقف المصري في سياق يُراعي الاعتبارات المصرية القائمة والمشروعة، ويفتح- في ذات الوقت- الآفاق لمخارج قانونية وسياسية وعملية من المآزق التي ظهرت في عدد من الحوارات والممارسات العربية والفلسطينية، ويكشف عن الخيارات المتاحة وأسس المفاضلة فيما بينها، ومن ثَمَّ التوصل إلى موقف مقترح راجح مع سَوْق المسوغات التي تشجع مصر والدول العربية الأخرى على تبنيه بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني والأمة العربية، ويرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني. المعطيات العامة ذات الصلة بتقدير الموقف 1. بدأ الحصار منذ مارس 2006م وظل مستمراً حتى الآن، ولكنه أخذ في التفاقم منذ يونيو 2007م، وتُلقي الحكومة المصرية بالمسؤولية المباشرة عن تفاقم الوضع في قطاع غزة على إسرائيل، إذ يُعتبر الحصار سياسة عقاب جماعي يدينها القانون الدولي، ويحرم استخدامها ضد المدنيين، كما تشجع سياسة الحصار الإسرائيلي استمرار الأزمة السياسية في قطاع غزة. 2. تواجه مصر موقفاً حرجاً في ظل انسداد الأفق أمام الفلسطينيين لتلقي الخدمات الحيوية والمساعدات الإنسانية الأساسية، وإزاء هذا الوضع فإن عبور نقطة حدود رفح من قِبَل الشعب الفلسطيني أصبح مسألة وقت. 3. يعمل الإسرائيليون على تدعيم فكرة أن حماس تمثل تهديداً سياسياً وداخلياً لمصر بهدف منع أي تفاهمات بين الطرفين، مستخدمين في ذلك قصة الارتباط الأيديولوجي بجماعة الإخوان، وتبنّي برنامج المقاومة المناهض للتسوية. 4. تضغط إسرائيل على مصر لتحميلها مسؤولية أي نجاح لحماس بفك الحصار عبر المعبر أو غيره، وتضغط عليها عبر الولايات المتحدة لمنع تسهيل عبور البضائع والسكان من غزة وإليها. 5. لم تتعامل مصر مع الأزمة من منطلق أن حركة حماس تشكل تهديداً أمنياً للأمن القومي المصري كما أراد الجانب الإسرائيلي، ولكنها تتخوف من حدوث فوضى عبر الحدود يصعب السيطرة عليها. 6. ترى مصر أن عليها التعامل وفق التزاماتها الدولية العامة من جهة، ووفق التزامها بالتسوية السياسية، خصوصاً قيود اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978م، كما ترى أن اتفاقية المعابر (بما في ذلك الجزء الخاص بمعبر رفح) يمثل جزءاً من هذه الالتزامات الدولية، ولذلك فهي تسعى للوفاء بالتزاماتها هذه أمام المجتمع الدولي، علماً أن اتفاقية المعابر قد انتهت ولم تُعدّ قائمة من ناحية، كما أنها غير مقرة دستورياً في مؤسسات السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أن مصر ليست طرفاً فيها، وبذلك فهي لا تقع ضمن التزامات مصر الدولية، ولكن مصر تساعد في تشغيلها بناءً على طلب الأطراف الموقعة عليها. 7. ثمة توافق على أن سياسة الحصار الإسرائيلي والدولي لحركة حماس لم تحقق نجاحاً يُعْتَدُّ به على مستوى شعبية حماس وتماسكها التنظيمي، ولكن الحصار جاء بنتائج عكسية، وبالتالي أصبحت حماس في وضع سياسي أفضل، وتحظى بالاعتراف بأهمية دورها السياسي في بناء الاستقرار، سواءً عبر ما يسمى بالتهدئة أو إدارة المعبر أو الخلاف الفلسطيني الداخلي، وقد تبنت هذا التحليلَ مختلفُ التقارير الأممية الدولية التي تناولت تقييم الأوضاع في قطاع غزة تحت الحصار، وكان آخرها التقارير التي تحدّث عنها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. 8. تأمل مصر منع الانفجار الفلسطيني الداخلي ومنع تدهور العلاقة بين الفصائل الفلسطينية والحيلولة دون الاقتتال الداخلي بما يهدد الأمن القومي المصري فعلاً. 9. لا تقبل مصر بحدوث المجاعة في غزة لانعكاساتها سلباً عليها داخلياً وخارجياً، باعتبارها العامل الحاسم في تدفق سكان القطاع على الأراضي المصرية. 10. ثمة تخوفات مصرية من تحمل الأعباء السياسية والاقتصادية والأمنية للقطاع في حال استمرار الحصار والإغلاق التام. 11. أشارت التسريبات الإعلامية-حول تخوفات مصر من تدفق السكان الفلسطينيين إلى أراضيها عبر معبر رفح- إلى رسالتين، الأولى: تعبيراً عن وجود معوقات تواجه إمكانية التفاهم والتنسيق الكامل مع حركة حماس بهذا الشأن، والثانية: موجهة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأن مصر معنية بالموقف الدولي وتحترمه. 12. ازداد موقف مصر حرجاً بعد بدء تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل، وهي لا تقبل بيع قطاع غزة الوقود ولا الغاز ولا الكهرباء، وذلك رغم المناشدات الإنسانية من القطاع، ولذلك أصبحت مصر بحاجة لتقديم شيء للفلسطينيين لتغطي على هذه الحالة المحرجة المستجدة. محددات الموقف المصري 1- المحدد الفلسطيني · الحرص على استمرار الدور القيادي لمنظمة التحرير، وفى الوضع الحالي تُعطي مصر أولوية لدعم محمود عباس، ولا يتضح وجود توجه لتطوير منظمة التحرير لتكون مظلّة للفصائل الفلسطينية. · أن الدور المصري يأتي في سياق أدوار أخرى أكثر فاعلية، ولذا نلحظ تراجع الدور المصري في تسيير شؤون القضية الفلسطينية عما كان عليه سابقاً، حيث تبين أن له حدود أمام اتفاقيات كامب ديفيد، وأمام أدوار الأطراف الأخرى. · أن مصر ليس من صالحها أن تُحدث كارثة إنسانية أو مجاعة في قطاع غزة. · أن مصر تتجنب الدخول في مواجهة مع الفلسطينيين المتدفقين عبر الحدود، وهو ما يدعم نفوذها وأدوارها ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية ولكن أيضاً لدى الفلسطينيين بشكل عام. · العلاقة الخاصة التاريخية لمصر مع قطاع غزة (إدارة قطاع غزة تحت إشراف الحاكم العسكري المصري)، ولم يتغير ذلك إلاّ بالاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967م، وبالتالي فإن مصر حريصة على عدم خسارة علاقات الغزّيين المميزة مع مصر في اتخاذ موقفها إزاء إنهاء حصار القطاع وفتح المعبر. · أن الوضع الفلسطيني الداخلي والخلافات بين حركتي حماس وفتح تلعب دوراً في تشكيل الموقف المصري، أو تشكل له إطاراً ومبرراً. · تحاول مصر ألا تقطع الاتصالات مع أي الفصائل الفلسطينية، على الأقل على المستوى الرسمي. · التعامل المصري مع القضية الفلسطينية يقوم على أولوية السلام مع إسرائيل، وتتعايش مع وجود مقاومة فلسطينية في الأراضي المجاورة لحدودها بحيث لا تؤدي لنشوب حرب تمتد آثارها للأراضي المصرية. · في التعامل مع حماس تتأثر مصر بموقفها العام من الظاهرة الإسلامية، وبهذا المعنى لا ترحب بهيمنة حماس على القرار الفلسطيني، ولكنها قد تقبل بدور فاعل لحماس دون السيطرة، وذلك انطلاقاً من تخوفات تثيرها قطاعات حساسة تجاه التيارات الإسلامية بشكل عام. 2- المحدد المصري الداخلي · أن النظام المصري ليس على استعداد للدخول في أزمات خارجية في الوقت الراهن، ويتوقف دوره تجاه قطاع غزة على حدوث تغير في التوازن الداخلي في الحزب الوطني الحاكم أو مؤسسات الحكم المنبثقة عنه لمصلحة ترجيح أولوية الأمن القومي المصري على الاعتبارات الأخرى، بغض النظر عن تغير الظروف سلماً أو حرباً. · ثمة قلق لدى مصر يتعلق بالساحة في سيناء كمصدر من مصادر الدخل القومي للاقتصاد المصري في حال تفاقم أزمة القطاع. · القلق المصري من إمكانية التلاقي بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس على برنامج عمل مشترك يتعلق بالشؤون الداخلية المصرية، وذلك برغم نفي التجربة العملية لمثل هذا الاحتمال، علماً بأن الحكومة المصرية تخوض مع جماعة الإخوان في مصر مواجهة إعلامية وأمنية حادة في هذه الظروف. · تفاعل الموقف الشعبي المصري المؤيد والمتضامن مع أهل غزة، وتحذيره الحكومة من تحوله للعمل ضد سياستها، وحرص حكومة مصر على خفض هذا التأييد باستخدام وسائل الإعلام والمثقفين. · مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً لإعادة القطاع للإدارة المصرية كما كان سابقاً، وتخشى مصر أن توصل تفاقمات الحالة القائمة إليه، كما تتخوف مصر من إلقاء القطاع تحت مسؤوليتها دولياً أو عبر التسوية. · تآكل المظلة الإقليمية للدور المصري وانكماش تأثير مصر الإقليمي، رغم تزايد مصادر التوتر داخل مصر ومحيطها، بل وفي المنطقة عموماً. 3- المحدد الدولي والإسرائيلي · احترام الالتزامات القانونية المصرية إزاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، حيث تسعى مصر لإبقاء مسؤولية إسرائيل والتزاماتها قائمة تجاه القطاع لا أن تتحملها مصر. · مصر حريصة على ترتيب موضوع الحدود والمعبر دون استثناء أي من إسرائيل والمجتمع الدولي، لاعتبارات استراتيجية وسياسية أبعد من موضوع المعبر ترتبط بالحفاظ على استمرار الوضع القائم، وتربط حل مشكلة المعبر والحصار بحل الخلافات الفلسطينية الداخلية، وكذلك بمشاركة كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي في وضع التصور الجديد للمعبر، إضافة إلى ربطه بالتهدئة من قبل فصائل المقاومة. · كانت أزمة المعبر سابقاً سبباً لزيادة توتر العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وتخشى مصر من تزايد ذلك التوتر في ظل حدوث أي انفلات جديد على المعبر في ضوء سياساتها ومحدداتها الأخرى. ثمة أربعة خيارات أمام صانع القرار المصري 1. أن تقوم مصر بتقديم شكوى ضد إسرائيل لخرقها القانون الدولي واتفاقيات جنيف بحصار الشعب الفلسطيني، ودعوة الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف لمساندة موقف مصر، حيث يمكن أن تستند هذه الشكوى إلى أن مصر لا يمكنها أن تراعي التزاماتها تجاه إسرائيل على حساب التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، خاصة أن مصر ليست طرفا في اتفاقية المعابر بل تساعد في تشغيله. 2. خيار فتح المعبر وإتاحة حرية الانتقال للأفراد والبضائع وفق المعايير الدولية، وتحمل الأعباء السياسية لهذه الخطوة، وفى هذه الحالة تحتاج مصر إلى توفير مظلة دعم من المنظمات الأهلية والرأي العام والدول العربية الرئيسة، والذي يمكن تحقيقه في حال تحركت مصر لبلورته. 3. تبني خيار الحل الإنساني وفتح المعبر للغايات الإنسانية، ولحماية مصالح مصر وتثبيط انفجار الأوضاع في القطاع، وهو ما يمكن أن يتبلور في الاتصالات مع حركة حماس بعيداً عن المواقف السياسية المسبقة، وقد يقتضى ذلك السعي لجمع حركتي حماس وفتح للاتفاق وحل الخلاف الداخلي، على الأقل فيما يتعلق بالمعبر. وفي كل الأحوال السابقة فإن ذلك يعني أن مصر تستطيع أن تفتح المعبر بغطاء قانوني دولي إنساني دون تحملها أي تبعات قانونية إزاء ذلك، وفي الوقت نفسه تحقيق فك الحصار بشكل منضبط يمنع التحرك الجماهيري دون تنسيق مسبق بين مصر وحكومة حماس في غزة. 4. رفض تنسيق فتح المعبر، وبالتالي اضطرار سكان القطاع للاندفاع نحو فتح معبر رفح جماهيرياً، ولمصر- هنا- خيارات محدودة، أهمها: · السماح بالعبور المتدفق والاعتماد على نجاح التجربة السابقة مع توفير السلع والحاجات للشراء في كلٍّ من رفح والعريش. · السماح بالعبور مع تنسيقه مع حكومة حماس في غزة. · منع العبور بحواجز الأمن والبوابات دون استخدام العنف، وتحمل ضغط الحشود وتظاهراتها، وهو ما لا يمكنه منع تدفق الحشود البشرية المحاصرة دون توترات خطرة على حياتهم. · تزويد القطاع بحاجاته الغذائية والدوائية والخدمات الحيوية الأساسية كالكهرباء والوقود والغاز، خصوصاً أن أطرافاً عربية تتعهد بتغطية تكاليف فاتورة القطاع لصالح مصر، والبالغة قرابة 200 مليون دولار سنوياً، وذلك بالتنسيق مع حكومة حماس- بهدف منع تدفق السكان أصلاً- إلى حين إنهاء إجراءات ترتيب فك الحصار وفتح المعبر نهائياً. أسس الموقف المصري المقترح · تبني التزامات دول الغير (الدول المجاورة للأراضي المحتلة) حسب محكمة العدل الدولية، وكذلك تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف، والقاضية جميعاً بوجوب رفض مصر للحصار، والعمل على دعم السكان وتقديم الخدمات الأساسية والحيوية اللازمة لهم. · تداخل الاعتبارات للموقف المصري بين الصعوبات التنفيذية والضغوط الإقليمية والدولية، وبين مصالح مصر العليا، ناهيك عن دور إشكالات متعددة تعاني منها مصر داخلياً تضعف قدرتها على اتخاذ مواقف تغضب المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبتحريض من إسرائيل. · تجنب التورط في حصار قطاع غزة إلى جانب إسرائيل، وتجنب تحمل تبعات هذا الحصار أخلاقياً وسياسياً وقانونياً. · السعي لعدم إغلاق المعبر أو منع شاحنات المساعدات الإنسانية، أو منع خروج المرضى للعلاج (بشكل دائم)، حيث إنه محظور في القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان، ويتناقض مع التزامات مصر الإنسانية والعربية والدولية. في الإطار العام لا توجد لدى مصر ممانعة في التعامل مع حركة حماس لتخفيف أزمة القطاع، وفى هذا السياق سوف تتبع مصر وسائل مختلفة لتخفيف المأساة ولتجعل الوضع تحت السيطرة قدر الإمكان، بحيث لا يتحول إلى انفجار بشري على الحدود مع رفح. ولكن التحدي الذي يواجه هذا الاحتمال يكمن في أن الجهود والقدرات المصرية في الوقت الراهن لا ترقى لضمان توفير الحاجات الأساسية للسكان وتوصيلها، وهذا ما يرجح استمرار الأزمة، ويحتمل أن يتراوح الموقف المصري بين فتح المعبر لأغراض إنسانية وبين فتحه في إطار توافق بين حركتي فتح وحماس، أو في ظل اتفاق على التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية. المواقف المقترحة لمساندة الدور المصري 1. إن مصر بحاجة إلى دعم عربي حقيقي لمواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية إزاء أي مرونة تبديها في موضوع الحصار (حيث يمكن بهذا الخصوص تفعيل قرار وزراء الخارجية العرب، وقرار قمة الرياض) وبالتالي دعم مصر بغطاء وموقف عربي لاستثماره في الدفاع عن قرارها بفتح المعبر ورفع الحصار. 2. إن المحافظة على أمن مصر واستقرارها- وخصوصاً في خاصرتها الرخوة (سيناء)- يُعدّ مصلحة فلسطينية كما هو مصلحة مصرية، ويعتبر استقرار الأوضاع في قطاع غزة عاملاً مهما لتحقيق ذلك، وهو ما يجعل الضرورة تفرض على مصر- كما على حماس وفتح- التفاهم السريع لتخفيف أزمة الحصار عبر المعبر، والقيام بضغوط مشتركة على إسرائيل دولياً لفك الحصار، وعدم إلقاء اللوم على أي طرف فلسطيني خلال هذه الممارسات السياسية والإعلامية. 3. زيادة حجم التوعية الإعلامية بالمعاناة في قطاع غزة بدل الانشغال بمناقشة المخاوف من دخول الفلسطينيين للأراضي المصرية. 4. الشروع بفتح المعبر للمسائل الإنسانية أوّلاً لتخفيف الاحتقان، تمهيداً لفتحه كلياً. 5. إطلاق مبادرة حوار جادّ وأمين بين رئيس السلطة وحكومة حماس تأخذ في الاعتبار المبادرات السابقة وتستوعب كافة الأطراف الفلسطينية، لبلورة تصور مشترك أدنى لفتح المعبر وتخفيف الحصار، والبحث في تذليل العقبات التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية، في ظل ضمانات عربية وإقليمية. الموقف المصري المقترح ومبرراته الموضوعية والقانونية يعد خيار فتح المعبر وفك الحصار، وتنفيذ الالتزامات الأخلاقية والقانونية تجاه سكان قطاع غزة، ناهيك عن تحقيق متطلبات الأمن الوطني المصري والمصالح العليا للشعب الفلسطيني ومصر، خياراً إجبارياً، لا تكاد تملك مصر منه بُدّاً، وهو مدعوم ومؤيد بمبررات موضوعية وقانونية متعددة. أولاً: المبررات الموضوعية ثمة مبررات ومسوغات موضوعية لهذا الخيار، أبرزها: 1. إنقاذ الوضع الإنساني الكارثي المتدهور في قطاع غزة. 2. عدم الدخول في تحدٍّ مباشر للإرادة الدولية القاضية برفض إقرار حصار السكان بهدف الإبادة الجماعية وتهديد الحياة، وهو ما لا تستطيعه مصر. 3. عدم تحمل مصر وحدها للتبعات والأعباء في ظل موقف عربي شعبي ورسمي داعم ومساند. 4. إخلاء طرف مصر من تحمل مسؤولية المعاناة الفلسطينية، وتحميل المسؤولية الكاملة عنها لإسرائيل والمجتمع الدولي. 5. تحقيق مكاسب اقتصادية لمصر بسبب حجم الاستيراد والتصدير من القطاع وإليه، وبيع الوقود والكهرباء والماء لقطاع غزة، والتي قد تصل إلى مليار دولار سنوياً بالمعدل. ثانياً: المبررات القانونية تبرز هنا أهمية النظر إلى الالتزامات الدولية والقانونية، فهناك ثمة مبررات قانونية لهذا الخيار، أهمها: 1- يحظى الالتزام الدولي العام بالأولوية على الاتفاقات الثنائية بين الدول، وهذا ما يجعل القانون الدولي الإنساني مقدماً على اتفاقية كامب ديفيد أو اتفاقية المعابر مثلاً فيما يتعلق بموقف مصر إزاء حصار غزة وفتح معبر رفح، ويوفر هذا المعطى إطاراً قانونياً مسوَّغا لفك الحصار وتوفير الحاجات الأساسية والخدمات الحيوية للسكان في قطاع غزة يتجاوز القيود التي تفرضها الاتفاقات الثنائية المصرية- الإسرائيلية والفلسطينية- الإسرائيلية التي أُدْخِلت فيها مصرُ جزئياً أيضاً. 2- يحتم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني على مصر السعي لإلزام إسرائيل- كدولة احتلال- بتنفيذ التزاماتها وفق القانون الدولي والمتعلقة بواجبات دولة الاحتلال تجاه التعامل مع السكان المدنيين وتوفير حاجاتهم، حيث تعتبر إجراءات الحصار والتجويع للسكان المدنيين أداة مُدانة في القانون الدولي، كما أن مصر تعتبر دولة جوار (من دول الغير) للقطاع كأراضٍ محتلة. 3- إن وضع حصار قطاع غزة لا يتمتع بأي شرعية قانونية، ولذا يعتبر التعاون في تطبيقه أو منع كسره أو السكوت عليه مخالفاً لمبادئ القانون الدولي وقواعده، خصوصاً أن القانون الدولي يخاطب كل الأطراف بشكل عام، بما فيها الدول غير الممارسة للاحتلال والمجاورة للأراضي المحتلة، ويلزمها بالإسهام في منع انتهاك حقوق السكان في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وأنه من واجبها مساعدتهم على مواجهة هذه الإجراءات غير القانونية، وخاصة تلك المتعلقة بالحرمان من الحقوق الأساسية والخدمات الحيوية المتعلقة بالحياة، والتي تهدد بمجاعة أو فقدان للحياة أو انتشار للأمراض أو تفاقم للأزمات الغذائية، كما هو الحال في قطاع غزة. 4- في حال استمرت إسرائيل في انتهاك حقوق السكان المدنيين على الوجه المبين أعلاه، فإن ذلك يعد مبرراً كافياً للتدخل من قبل المجتمع الدولي والدول المجاورة لحماية السكان، وتأمين حياتهم، حتى وفقاً لقواعد الحصار التي تفرضها المؤسسات الدولية، وهناك سابقة في هذا الشأن تم تطبيقها في برنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء فيما يتعلق بالحالة العراقية، علماً بأن حصار غزة وإغلاق معابرها هو قرار إسرائيلي أحادي لم تُقرُّهُ أي مؤسسة دولية مخولة. 5- لم تعط محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً فقط بخصوص مشروعية الجدار العنصري في الضفة الغربية، بل راجعت مجمل القضية الفلسطينية، حيث عالجت المحكمة قضايا حول الدول المجاورة مثل مصر، بمعنى أن رأي المحكمة يفترض أنه إن كان على مصر أن تراعي علاقاتها مع إسرائيل وفق اتفاقية كامب ديفيد الثنائية لعام 1978م، فإن ذلك ينبغي ألا يكون على حساب مبادئ القانون الدولي؛ مما يجعلها غير ملزمة بأي شكل بهذه الاتفاقية ما دامت تتعارض مع حقوق الانسان وتتسبب بانتهاك حقوق المواطنين في قطاع غزة فيما يتعلق بإغلاق المعابر وتطبيق الحصار الخانق. 6- طبقاً لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية فإن الحصار ضد السكان المدنيين يعتبر نوعاً من أنواع الإبادة الجماعية، فيما يُعدّ منع توصيل المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين جريمة حرب، وهو ما يعطي مصر مبررا للتصرف وفق التزاماتها الدولية الإنسانية والقومية في فك الحصار وعدم المساعدة في تنفيذه. 7- يقع على عاتق مصر ودول الجوار أن تُلْزِم الكيان الصهيوني باحترام القانون الإنساني الدولي، والتأكيد على أن الحصار يخالف حق الإنسان الأساسي في الحياة، ولا يجوز استخدام التجويع كأداة قهر وإبادة. 8- لا توجد قاعدة في القانون الدولي تلزم الدول، وخاصة دول الجوار- كمصر-، بالاعتراف بالأوضاع غير المشروعة. وقبولُها باستمرار اتفاقية المعابر يعني قبولها بوضع غير مشروع، وهذا مخالف للقانون الدولي، فإغلاق المعابر من جهتها وحفاظها على الحصار يفيد في تثبيت الوضع القائم غير المشروع، كما يناقض التزاماتها الدولية باحترام حقوق الإنسان التي تتجاوز حدود سيادتها الجغرافية، وهذا الالتزام يسمو قانونياً على الاتفاقات والبروتوكولات الثنائية ومتعددة الأطراف. ويعني احترامُ حقوق الإنسان عبر هذا الميثاق الدولي أن على مصر أن لا تحترم حقوق مواطنيها فقط، بل الإنسان في الدول الأخرى أيضاً، وهو التزام عالمي عرفي يرتقي ويسمو على القوانين والاتفاقيات والترتيبات الثنائية. ولذلك لا يجوز التمسك بالالتزامات الثنائية (مثل اتفاقية كامب ديفيد المصرية- الإسرائيلية) ما دام هذا التمسك يتسبب بمخالفة القوانين الدولية، ومن أهمها الالتزام بحق الإنسان في الحياة، كما هو حال وضع قطاع غزة، والتي تُعَرِّض حياة السكان جماعياً للخطر بسبب الحصار واستمرار إغلاق المعبر الذي يُسْتند فيه إلى اتفاقية ثنائية لا تحظى بشرعية قانونية، سواء فلسطينية أو دولية أو مصرية. جـواد الحمد و بيان العمـري. المشاركون في إعداد هذا التقدير - أ.د محمد علوان/ أستاذ القانون الدولي في جامعة اليرموك في الأردن. - أ.د نظام بركات/ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا في الأردن. - أ.د عبد الله الأشعل/ أستاذ القانون الدولي والدبلوماسية في جامعة القاهرة- مصر. - اللواء موسى الحديد/ الخبير الاستراتيجي والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في كلية الدفاع الوطني- الأردن. - اللواء طلعت مسلم/ خبير استراتيجي- مصر. - د. محمد الموسى/ أستاذ القانون الدولي في جامعة آل البيت- الأردن. - فهمي هويدي/ كاتب ومفكر- مصر. خيري عمر/ محلل سياسي – مصر.
أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|