|
في
تقرير أعده مركز دراسات الشرق
الأوسط عمان أسعد العزوني: أثارت عملية القدس بتاريخ (6-3-2008) التي استهدفت المعهد الديني الصهيوني مركز هراف كثيراً من التساؤلات حول المكان الذي استهدفته العملية؟ وهو المعهد الديني الذي تأسس في العام 1929 علي يد الحاخام الديني المتطرف أفراهام يتسحاق هكوهن كوك. وخرّج المعهد منذ ذلك التاريخ العديد من القيادات الدينية الصهيونية المتطرفة التي عُرِفت بمواقفها المتطرفة والعنصرية من الفلسطينيين، ومن أبرزهم: إيفي إيتام، ودافيد رازيئيل، وحنان بورات، ويحيئيل أهرون إلياش، ودوف ليئور، وموشي ليفنغر. لماذا وصف إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، عملية القدس، التي استهدف من خلالها المقاوم الفلسطيني علاء أبو دهيم معهد مركز هراف بأنها ضربة موجهة إلي مكان يرمز إلي القوة والمنعة اليهودية ، واعتبرها أحد زعماء التيار الديني القومي كارثةً كبري ضربت قلب الصهيونية الدينية ؟! ولماذا وصفت تقارير وتعليقات الصحف والمحللين الإسرائيليين العملية بأنها نجحت في توجيه ضربة قاسية "لقلب معقل الصهيونية- الدينية، و للمكان الذي وُلِد فيه الاحتلال والاستيطان . إزاء ذلك نستنتج أن معهد مركز هراف ليس مؤسسةً دينيةً عاديةً تُركّز علي مباديء الاعتقاد، والإيمان، وإنما مؤسسة تعمل علي إعداد طلاب وقيادات دينية متطرفة، كما سيتضح من هذا التقرير- تنشط في القطاع الديني، وفي الجيش تبنت وتخطط لأعمال إرهابية ضد الفلسطينيين. هنا نص التقرير الذي أعده مركز دراسات الشرق الأوسط حول العملية.
جاءت العملية الاستشهادية (6-3-2008) التي نفذها المقاوم علاء أبو دهيم (26 عاماً) بعد سلسلة المجازر و المحارق التي نفذتها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة علي وجه الخصوص التي خلّفت في حينه 135 شهيداً، وأكثر من 350 جريحاً. انطلق الشهيد -الذي كان يعمل سائقاً لسيارة أجرة من مكان سكنه في جبل المكبر بالقدس، قاصداً الشطر الغربي المحتل من القدس يحمل سلاحه في صندوق ورقي ليخترق كافة إجراءات الأمن الصهيونية، ويصل إلي هدفه قرابة الثامنة والنصف ليلاً، ويقتحم المعهد الديني مركز هراف مطلقاً النار نحو طلاب المعهد المتواجدين في حفل دينيّ. استطاع المقاوم الفلسطيني إطلاق ما يقارب من 600 رصاصة -أي ما يعادل 20 مخزناً من الرصاص- داخل المكتبة المكتظة بالطلاب. وتؤكد التقارير الإسرائيلية أن المقاوم استخدم بندقية M16 المعروفة بقدرتها علي الإصابة والقتل من مسافة بعيدة تصل إلي 100م، مع الأخذ بعين الاعتبار مساحة المكتبة التي تواجد فيها الطلاب حوالي 40 متراً مربعاً- وتواجد الشهيد علي مقربة من عدد كبير منهم داخل المكتبة. ممّا يعني أن عدد الإصابات كان كبيراً، وذلك خلافاً لما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية. اعترفت المصادر الإسرائيلية بثمانية من القتلي واثني عشر جريحاً، وإزاء ذلك يبقي التساؤل مفتوحاً حول دقة الأرقام الإسرائيلية في هذا الشأن في ضوء النقاش أعلاه. يُشار إلي أنه بعد انتهاء العملية قامت الشرطة الإسرائيلية باعتقال والد الشهيد وعدد من أقاربه، وكل من يُشتبه بأنه ساهم في مساعدة الشهيد علاء أبو دهيم في تنفيذ عمليته.
في أعقاب نجاح المقاوم في تنفيذ عمليته طالب أعضاء من الكنيست الإسرائيلي بطرد عائلة منفذ العملية، إذ طالب النائب أفيغدور ليبرمان بهدم منزل منفذ العملية لأن أفراد العائلة يشاركونه في تحمّل المسؤولية. مضيفاً: إن النواب العرب في الكنيست الإسرائيلية لا يمكنهم التنصل من المسؤولية لأن تصريحاتهم التحريضية السابقة للعملية، ساهمت في إيجاد تبريرات ودوافع لتنفيذ مثل هذه العمليات . أمّا وزير الدفاع باراك فقال: لم يكن صدفةً أن يقع اختيار منفذ العملية علي هذا المكان تحديداً، فهو يرمز إلي القوة، والمنعة اليهودية. ومن جانبه عقّب زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو بأنه: ينبغي علينا قبل كل شيء إزالة سُرادق العزاء في جبل المكبّر علي الفور، إذ لا يُعقل أن يتم مثل هذا الأمر". أما النائب زفولون أورليف من الاتحاد القومي المفدال فقال: تدل أعلام حماس التي ترفرف فوق منزل منفذ العملية علي أن الأمر مرتبط بهم، وبالتالي ينبغي طرد عائلة منفذ العملية إلي غزة.
امتازت العملية الاستشهادية بدقة متناهية في اختيار الزمان والمكان، وامتازت كذلك ببراعة الأداء، والتنفيذ كونها استهدفت أكبر وأقدم المعاهد الدينية الصهيونية وأخطرها في فلسطين. وعلي الرغم من أن الأجهزة الاستخبارية، والأمنية تحدثت عما يقارب أربعين إنذاراً حول احتمال وقوع عمليات مقاومة (استشهادية، أو سيارات متفجرة، أو أعمال خطف)، فإن معهد هراف لم يكن ضمن الأهداف المرشحة، الأمر الذي يعني نجاح المقاومة في اختيار المكان والزمان وإخفاء معلوماته فبذلك تشير جميع هذه المعلومات الملحقة إلي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في إحباط علميات المقاومة وفي قدرتها علي حماية مراكز إعداد القيادات الصهيونية التي في إسرائيل مثل هذا المعهد كما كشف مخبرها عن التبوء بطبيعة الأهداف والوسائل التي يستخدمها رجال المقاومة الفلسطينية قبل حدوثها. ومن جانب آخر شكلت العملية صدمة للجماعات الدينية المتطرفة في إسرائيل التي اعتبرت العملية استهدافا لها، خاصة أن هذا المعهد يعتبر مركز التأهيل الأهم لهذه القيادات المتطرفة في إسرائيل.
تأسس المعهد الديني مركز هراف علي يد الحاخام أفراهام يتسحاق هكوهن كوك عام 1924. ويُعدّ هذا المعهد الديني الصهيوني الأول والأعلي مرتبةً، ذلك أن معظم مؤسسي المعاهد الدينية الصهيونية القائمة اليوم في إسرائيل درّسوا في معهد مركز هراف أو كانوا تلاميذ حاخامات درَسوا فيه. وقد سبق تأسيس هذا المعهد الديني محاولات من جانب الحاخام كوك لإنشاء معهد ديني، فقد دعم الحاخام كوك في البداية مدرسة تحكيموني في يافا التي تأسست لتشكل بديلاً دينياً لكلية هرتسليا، لكنه لم ينجح. وعندما عُيِّن كوك حاخاماً رئيسياً لإسرائيل بدأ العمل علي إنشاء المعهد الديني في القدس كي يشكل مركزاً روحياً يضم توراة إسرائيل مع نهضة شعب إسرائيل في أرض إسرائيل. يُذكر أن التعليم في المعهد كان علي غرار التعليم في المعاهد التقليدية اليهودية، إلاّ أنه في وقت لاحق تمّ إضافة دروس خاصة في موضوع الإيمان، ودروس في التوراة. ضمّ المعهد عشرات الطلاب في البداية، إلاّ أن أعدادهم قد تضاعفت لاحقاً، لكن الوضع الاقتصادي لم يسمح بتطويره بالشكل المناسب؛ فامتنع المعهد نتيجة ذلك عن استقبال طلاب جدد. وفي أعقاب حملة تبرعات جرت في الولايات المتحدة تحسّن وضع المعهد اقتصادياً ليضم 80 طالباً. وفي أعقاب أحداث عام 1929، وافتقار الحاخام "كوك" إلي التجربة الإدارية، دخل المعهد في أزمة اقتصادية أخري. ورغم حملات التبرعات الجديدة والرسائل التي بعثها الحاخام كوك إلي شخصيات مختلفة بقي الوضع علي ما هو عليه إلي أن توفي في عام 1935. خلف الحاخام كوك في إدارة المعهد الحاخام يعقوب موشي ؛ إذ ازداد وضع المركز سوءً نتيجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية إبان قيام الدولة العبرية، إضافةً إلي الشعور بالنقص في أوساط الجمهور الصهيوني المتدين حيال الجمهور العلماني. استمر الوضع علي هذه الحال إلي أن التحق الحاخام أفراهام شبيرا بالمعهد ونهض به. وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973 قاد حاخام المعهد تسفي يهودا حركة الاستيطان اليهودي في مناطق الضفة الغربية، وأصبحت حركة غوش إيمونيم (كتلة الإيمان) المكوّنة من مؤيديه، تنافس الصهاينة العلمانيين في مجالات كالاستيطان اعتاد العلمانيون الصهاينة أن يأخذوا فيها الريادة. تجدر الإشارة إلي أن مركز هراف لا يمثل في وعي المتدنيين اليهود مركزاً روحياً عادياً، وإنما مركزاً يلتف حوله مَن يعتنقون الصهيونية الدينية ويسعوْن إلي تحقيق رؤية الحاخام كوك : بعث شعب إسرائيل في أرض إسرائيل وفق توراة إسرائيل. ويُشار إلي أن الفعاليات التي يقوم بها المعهد تشكل مركز اهتمام الجمهور الصهيوني الديني بما في ذلك الاحتفالات بقيام إسرائيل، ويوم القدس، ومنها أيام دراسية للتوراة، ومؤتمرات حول الصراع العربي- الإسرائيلي، إضافةً إلي مخيمات صيفية للشباب بهدف تعزيز ثقافتهم التوراتية والإيمانية. وفي هذا السياق يُعدّ الاحتفال بيوم القدس، وقيام إسرائيل في معهد مركز هراف من المناسبات الروحية التي يتوجب فيها شكر الرب علي بعث شعب إسرائيل وعودته إلي أرض إسرائيل بمشاركة قادة إسرائيل وجميع أبناء إسرائيل. 4:1- المؤسسات التي قام المعهد بإنشائها معهد الشريعة والتفسيرات الشرعية. معهد القدس للشباب: وهو معهد ديني للمرحلة الثانوية وملحق بالمعهد. معهد الحاخام تسفي يهودا لإصدار كتابات حاخامات المعهد. معهد نحمات راحيل في منطقة قبر راحيل حيث يتعلم هناك عدد قليل من طلاب معهد مركز هراف . 4: 2- بعض المُدرسين في معهد مركز هراف الحاخام أليشع أفينير : وهو رئيس شعبة في معهد معاليه أدوميم لتدريس موضوع الإيمان في المعهد. البروفيسور ميخائيل تسفي نهوراي : أستاذ محاضر في جامعة بار إيلان، ومدرّس موضوع الإيمان في معهد "مركز هراف". 4: 3: أبرز خريجي معهد مركز هراف - الحاخام دوف ليئور حاخام الخليل وكريات أربع. - الحاخام البروفيسور ناحوم راكوفير نائب المستشار القانوني للحكومة. - الحاخام موشي ليفينغر من روّاد الاستيطان اليهودي في الخليل. - الحاخام يوحنان فريد مدير قسم الثقافة التوراتية في وزارة التعليم. - الحاخام يهودا حزاني من قادة حركة غوش إيمونيم . - الحاخام شمعون أدلير مدير قسم التربية الدينية في وزارة التعليم. - الحاخام إيلي سدام رئيس المدرسة الثانوية العسكرية بني دافيد . - دافيد رازيئيل قائد تنظيم الإيتسل . - عوزريئيل كارليباخ مؤسس ومدير التحرير الأول لصحيفة معاريف. - يحيئيل أهرون إلياش مؤسس حركة الشبيبة الصهيونية الدينية بني عكيفا ، والكتائب الدينية في تنظيم الهاغانا ، وحركة الرياضة إليتسور . - البروفيسور بن تسيون إلياش محامي ومحاضر في جامعة تل أبيب. - ايفي إيتام عضو كنيست، ووزير، وعميد احتياط في الجيش الإسرائيلي. 4: 4- حركة غوش إيمونيم : تطبيق سياسي لتعليمات المعهد تعدّ حركة غوش إيمونيم (كتلة الإيمان) الحركة الأبرز التي انبثقت عن معهد مركز هراف ، وتأثرت بتعاليمه، والتي أسسها الحاخام موشي ليفنغر في مايو 1974، وذلك في أعقاب حرب عام 1973. رفعت الحركة شعار يهودية الأرض، والدولة، والعادات بهدف إلغاء كل ما هو غير يهودي. تستمد الحركة تعاليمها من الحاخام كوك الذي اعتبر أن التعاليم الدينية هي المرجع الوحيد لليهود، وأن الخروج عن ذلك يَحرِم اليهودي من الراحة، واشتهر بقوله: إن دعوة اليهودية إلي فلسطين الموعودة، وتوطين اليهود فيها، وإنشاء الأرض هو بداية الخلاص. وبذلك يعطي الحاخام كوك التأويل الديني المطلوب للأهداف التي كان بنيامين زئيف جابوتنسكي؟ يؤولها سياسياً، مؤكداً علي مخاطبة الروح، وغير مكترث بكل التعابير السياسية. تُعتبر حركة غوش إيمونيم أن عدم تحقيق النصر الكبير يعود إلي الانحراف عن روح اليهودية، أو الخروج عن النص الديني. وتري أن بقاء العرب في فلسطين هو مخالفة صريحة للدين، وأمر لا يمكن للمؤمنين من اليهود القبول به. ويُعدّ الحاخام "تسفي يهودا كوك" وهو ابن الحاخام كوك الموجه الروحي للحركة الآن؛ إذ يقدم الشروح الدينية اللازمة لتبرير الإرهاب اليهودي والتحريض عليه. يُعدّ العامل الأيديولوجي الحافز الأساسي لحركة غوش إيمونيم . تتوجه الحركة بشكل أساسي إلي أوساط الشبيبة محاولةً أن تربط بين اندفاع الشباب والشعارات المتطرفة، وهي تنادي بالأفكار المطلقة أو الكاملة التي لا تحتمل المساومة، وهو ما يدفعها إلي رفض فكرة الحزب أو الانتخابات أو أي إطار يحدّ من التطرف. وبذلك فإن السمة التنظيمية الوحيدة تتمثل بتعيين جملة من المسؤولين الذين يُحرِّضون، ويُنظمون، ويُطلقون الشعارات؛ أي أن هدف تنظيمها هو استثارة الغوغاء التي لا تعترف بالتنظيم، أو بالقانون. تأخذ الحركة في عملها الشكل التالي: التغلغل في أوساط الشبيبة، ومن ثم اختيار الكفاءات اللازمة وتوزعيها علي شكليْن من المدارس الدينية: أولها المدارس الدينية الوسطية التي تُؤهل الطلاب أيديولوجياً، ثم ترسلهم إلي الجيش من خلال عقود خاصة بين المؤسسة العسكرية وهذه المدارس، إذ يتم تدريبهم لمدة 6 أشهر أخري، وبعدها يعودون إلي مدارسهم مدة ستة أشهر أخري، وبذلك يتم تأهيل الطلاب بشكل متناوب بين التدريب العسكري. وثانيها التأهيل الأيديولوجي في المدارس الدينية التابعة لمركز إسراف في القدس، والمدعوم مباشرةً من وزارة الدفاع. ولا يختلف دور هذه المدارس كثيراً عن المدارس الأولي، وتميُّزها يقوم علي خلق مجموعات من "الكوماندو كوك، وبذلك فإن الاختلاف بين المدرستين هو الاختلاف في الدرجة فقط. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلي أن الحاخام تسفي يهودا كوك يهتم بالنوع الثاني من هذه المدارس؛ ويقوم بدور المحرض الذي تربطه علاقات قوية بالمؤسسة العسكرية، ويهدف الحاخام كوك إلي تخريج طلاب علي صورة اليهودي المحارب الذي دعا إليها مناحيم بيغين ؟. وعلي الرغم من كل العلاقات التي تربط غوش إيمونيم بالمؤسسات الحاكمة، فإن السرية المطلقة هي صفة الحركة، فلا يُعرف الكثير حول أدواتها المنفذة، أو مفاصلها القيادية. وبسبب هذه السرية تتصف نشاطات الحركة بالمفاجأة، والسرعة، آخذةً مراتب وفقاً لأهمية الهدف، فبعض المهمات يقوم بها أنصار الحركة مثل: المظاهرات، أو الهجوم علي الفلسطينيين. أما المهمات الأساسية مثل عمليات الاستيطان السريع فيشارك فيها كل أعضاء الحركة. وتعمد الحركة إلي تكتيك التجمعات الواسعة، وإلي ترويع الخصم، وهذا ما فعلته بداية عام 1976 عندما نظمت مسيرة أرض إسرائيل التي شارك فيها أكثر من ربع مليون شخص. تعتقد الحركة أن الصهيونية ليست دولة، وإنما هي نمط حياة يجمع بين الدين والأرض في وحدة يومية مستمرة، وأن ممارسة الدين والتعامل مع الأرض يجب أن لا يكون عارضاً أو مُتقطعاً، فهو يكوّن المعني الحقيقي لحياة اليهودي، الذي يجب ألا يري حياته بدونها، وبهذا يظل اليهودي مخلصاً لفكرته، ولا يفكر بالهجرة أو الاعتزال.
أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|