س- ما هو تعليقك على رفض الحوار مع حماس من قبل الرئيس عباس؟
رفض الحوار على الساحة الفلسطينية غير معقول، ولذلك ربما كان موقف الرئيس
محمود عباس كذلك بسبب نصائح بعض الأفراد المتشنجين حوله في مكتبه، وأعتقد
أنه سيقبل بالحوار من حيث المبدأ، لأن الحوار هو الطريق الوحيد للتوافق
الفلسطيني الداخلي، وإلا سيكون استمرار حالة القتال واستمرار حالة الضغط
المتبادل بين الطرفين السبيل الآخر.
الوضع القائم في غزة اليوم أن عزل الرئيس محمود عباس بعيد عن إدارة قطاع
غزة، وهناك عزل كامل للرئيس وعزل كامل للحكومة، وبالتالي تعطّل المجلس
التشريعي، أي إن الوضع الذي نشأ في قطاع غزة بحاجة إلى تفاهم حقيقي وواقعي
مع الطرف الذي سيطر على قطاع غزة– وهو حركة حماس- من قبل حركة فتح والرئيس
عباس تحديداً، ومن ثَمّ من قِبل مصر والأردن، وإلا فإن الأوضاع ستسير
باتجاهات أخرى مستقبلاً .
س - لكن يبدو أن الخلاف أكبر من ذلك؟
إن كانت هناك خلافات كبيرة فهناك توافقات، في النهاية هناك قواسم مشتركة:
على إنهاء الاحتلال، وعلى بناء الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة،
وعلى الشراكة السياسية، وعلى التقاسم القيادي فيها، وعلى الديموقراطية
والانتخابات العامة. ومن هنا فإن كل هذه القواسم المشتركة تكفي لتعايش
الحركتين إذا تم استبعاد تدخل الأطراف الخارجية- خاصة إسرائيل وأمريكا-؛
لأنهما عندما تدخلتا في حركة فتح ودعمتا تياراً معينا داخل فتح، وأرادتا
فرضه على قيادة فتح وعلى الشعب الفلسطيني ولو بالسلاح قامت حركة حماس التي
تملك الإمكانات العسكرية والسياسية والشعبية بحسم الأمر واستئصال هذا
التيار من قطاع غزة، وقد تضطر لفعل ذلك أيضاً في الضفة الغربية مستقبلاً.
س- كيف تعلق على تكليف توني بلير ممثلاً للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط؟
توني بلير لديه من المرونة السياسية ما يمكن أن يخدم بها مشروع التسوية
السياسية المرحلية في القضية الفلسطينية، لقد تشكلت لديه– مؤخراً- قناعة
بما سمي بالهدنة التي طرحتها حركة حماس، وكان قد طرحها- قبل استقالته من
رئاسة الحكومة البريطانية- في لقائه مع الرئيس محمود عباس في زيارته
الأخيرة إلى الأرض المحتلة، ولذلك أنا لست من المتشائمين كثيراً في أن يكون
توني بلير أفضل ممن كان قبله، فتوني بلير في النهاية كان زعيماً، وله خبرة
سياسية طويلة، لكنه في المقابل سيكون اليد الطولى لجورج بوش في المنطقة كما
كان أسلافه. فمن كان من المندوبين الدوليين لعملية السلام في المنطقة يقف
بجانب الحق العربي؟ لا أحد، ولن يكون توني بلير كذلك، ولذلك نحن نتعامل معه
كأمر واقع سيكون في المنطقة، ولا داعي لأن نمني أنفسنا أو نتوهم بالتشاؤم
أو التفاؤل أو بناء الآمال عليه، أو أننا لا نريد أن نتعامل معه، أنا ضد
هذا النهج في التفكير من حيث المبدأ .
س- كيف تعلق على قرار إسرائيل ضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية؟
كان قرار ضم القدس الشرقية إلى ما سُمي بدولة إسرائيل قبل حوالي سبعة
وعشرين عاماً من اليوم صفعة لكل النظام الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي
(242)، (181)، (338)، أي إنه وجّه صفعة للقانون الدولي وللأمم المتحدة
وللدول العربية؛ لأنه لا يتعامل ولا يأبه بالقوانين ولا بالشرعية الدولية،
ولذلك فإسرائيل تسمى في القانون الدولي بالدولة العاصية المتمردة، وهناك
عشرات القرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومن الجمعية العامة
تلزم إسرائيل وتطالبها بعدم تغيير أي شيء في القدس الشرقية، ومع ذلك لم
تأبه إسرائيل بذلك، وأنشأت حياً كاملاً يسمى الحي اليهودي الآن في القدس
الشرقية، واستباحت ساحة الحرم القدسي بالكامل، وسيطرت على الحائط الغربي
الذي يسمونه "حائط المبكى" في المسجد الأقصى، ووُجد أيضاً سكان يهود في عدد
من مناطق القدس الأخرى للسيطرة على البيوت والمنازل، وذلك أمام أعين
العالم.
إسرائيل تعتبر القدس عاصمتها، وهويات مواطنيها العرب هويات إسرائيلية، صحيح
أنهم ليسوا مواطنين كاملي المواطنة، ولكنهم-في المقابل- أيضاً ليسوا
فلسطينيين كاملي الفلسطينية من ناحية الهوية، ولذلك تعلقت إسرائيل بضمها
للقدس تعلقاً كاملاً، إذ أبطلت مفعول قرار (242) الداعي للانسحاب إلى حدود
الرابع من حزيران لعام 1967م، وهذا أعقد ما تواجهه المبادرة العربية التي
لا تزال نظرية، ويصعّب تطبيقها على الأرض إن لم تتراجع إسرائيل عن مثل هذه
القرارات .
س- كيف تعلّق على موقف المجتمع الدولي والدور العربي من هذه القضية؟
إن المجتمع الدولي بالتأكيد كان متواطئاً مع إسرائيل بأنه رفض أن يضع
قراراته–بإجبارها على التراجع عن قرارها- وفق البند السابع من ميثاق الأمم
المتحدة أي باستخدام القوة. كان الموقف العربي أيضاً موقفاً مستجدياً ولم
يكن موقفاً ضاغطاً ضغطاً حقيقياً على إسرائيل خاصةً بعد أن تم تدمير منظمة
التحرير عام 1982م في بيروت بعد قرار ضم القدس الشرقية بسنتين تقريباً، ولم
يتقدم العرب بعدها بجهود حقيقية وحثيثة لوقف التهويد في القدس، ولوقف ضم
الأراضي ومصادرتها وطرد السكان، إذ يعني ذلك في النهاية أن تصبح كل القدس
يهودية وليست إسرائيلية فقط.
فإسرائيل تعتبرها بطبيعة الحال قضية دينية أيديولوجية وعَقَدية وقضية
إستراتيجية، بينما العرب يستسلمون للموقف ولواقع الأمر القائم في إسرائيل،
حتى إن المفاوضات التي كانت في كامب ديفيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين،
ووثيقة جنيف تخلت عن الحق العربي الكامل في القدس الشرقية، ولجأت إلى حلول
جانبية لا قيمة ولا معنى لها عند العرب والفلسطينيين .
س- ما هو الدور العربي المطلوب لإجبار إسرائيل على الاستجابة لإرادة المجتمع الدولي وللحقوق الفلسطينية؟
لا بد من دعم الموقف الفلسطيني القاضي بالضغط على إسرائيل، سواء بمقاطعتها
أو محاصرتها، أورفض التعامل معها، وليس اللقاء معها لقاءً رباعياً (دولتين
عربيتين وفلسطينيين وإسرائيل) وكأننا في شهر عسل معها وهي ترتكب المجازر
ضدنا، إنما الصواب محاصرة مخطط إسرائيل، ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على
إسرائيل، ومقاطعتها كما حصل من قبل الأكاديميين البريطانيين مؤخراً؛ لأنها
دولة عاصية كما يسميها القانون الدولي، تتمرد على القانون الدولي، وتتمرد
على الشرعية الدولية، وتنتهك كل حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الدينية،
كلنا يعلم أنها تمنع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى كل جمعة، آلاف
الفلسطينيين بل عشرات الآلاف يمنعون من الدخول إلى المسجد، فهي بذلك غير
مؤهلة- دولة معترفا بها من الأمم المتحدة- أن تعطي الحقوق الدينية لأصحابها
وأهلها، لذلك ينبغي استخدام كل أدوات الضغط المتاحة على المجتمع الدولي،
وينبغي تشجيع الشعب الفلسطيني على الانتفاضة ضد إسرائيل، وأن يخوض معاركه
الخاصة في المسجد الأقصى ومحيطه، ليصل إلى حقوقه كاملة.
|