مشروع لحل الأزمة الفلسطينية
جـواد الحـمد
أغسطس 2007
منذ توقيع اتفاق أوسلو والقضية الفلسطينية تدخل في
مآزق متلاحقة، ودخلت معها الوحدة الوطنية في مراحل الخطر الكبير، وشكلت تبعات
والتزامات أوسلو سبباً دائماً للشقاق في الساحة الفلسطينية وذلك منذ العام 1994،
وبعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات في عام 2004 تفاقمت أزمة الساحة الفلسطينية في ظل
الضعف الذي أصاب قيادة حركة فتح من جهة وقيادة منظمة التحرير من جهة أخرى،
وكان
لمشاركة حماس في الانتخابات البلدية والنتائج التي حققتها دوراً مهماً في تفاقم
المحيط الفلسطيني السياسي مع مواقف الحركة واتجاهاتها، وعلى الأخص حركة فتح التي
عانت من خسائر فادحة في هذه الانتخابات في معاقلها الأساسية أمام حركة حماس التي
نالت أكثر من 42% من أصوات الناخبين في الضفة والقطاع في البلديات التي تم إجراء
الانتخابات فيها حتى نهاية العام 2005.
وبرغم التوصل إلى إطار سياسي ناظم للعلاقات الفلسطينية في آذار 2005 في القاهرة،
غير أن تردد قيادة حركة فتح في تقديم التنازلات إزاء إعادة بناء منظمة التحرير
لمصلحة حركة حماس والجهاد الإسلامي فقد الاتفاق معناه الواقعي، حيث إن إعادة البناء
سوف تفقد فتح الميزة النسبية القاضية بالهيمنة والتفرد في قيادة الساحة الفلسطينية
ومنظمة التحرير، وبسبب الإشكال الذي سببته نتائج الانتخابات البلدية انتاب الجو
الفتحاوي وبعض الأطراف المتحالفة معها هلع كبير من تواصل تقدم حركة حماس على الصعيد
السياسي على حساب حركة فتح، في خطوة ربما تكون مفصلية في تاريخ النضال الوطني
الفلسطيني.
ومع قرار حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية تزايد الخطر
الأكبر، وكانت نتائج الانتخابات أكثر مفاجأة من كل التوقعات الإحصائية والسياسية
والاستطلاعية، ما أدخل الساحة الفلسطينية في أزمة ومأزق جديد بسبب رفض حركة فتح
التسليم الواقعي بنتائج الانتخابات وذلك رغم تسليمها الرسمي بذلك عبر تكليف الرئيس
محمود عباس لإسماعيل هنية بتشكيل الحكومة، ومن ثم نيل الثقة لحكومة بقيادة حماس
والشروع بالعمل.استمرت الجهود والتفاعلات المتعددة المنابع والأهداف والاتجاهات
والمتقاطعة مع أطراف ومصالح خارجية في محاولة لإفشال حماس وعزلها عن الحكم من قبل
حركة فتح بشكل أو بآخر، وهو ما زاد من عمق المأزق ووسع دائرة الأزمة الفلسطينية إلى
حد استخدام السلاح والتمرد العسكري والعصيان المدني المدمر للحياة الفلسطينية، بل
حسب المعلومات التواطؤ مع مخططات أميركية وإسرائيلية للإطاحة بحكومة حماس على مراحل
متعددة من قبل البعض، ولما انفجرت الأوضاع في وجه حركة حماس في أيار 2007 في قطاع
غزة واتخذت حماس قرارها بحسم المواجهة الأمنية مع تيار محدد تم تشخيصه بدقة على ما
يبدو حسب النتائج التي وقعت بدقة متناهية قادت إلى تصفية التيار وتحجيمه في قطاع
غزة وإسقاطه كخيار فتحاوي أساسي في الضفة الغربية أيضا، وهو ما تسبب بتفاعلات كبيرة
لا تزال نتائجها تتواصل في صفوف حركة فتح، الأمر الذي يقود حركة فتح إلى واقع جديد
ربما يفضي إلى تراجع مكانتها الفلسطينية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة
وخصوصاً أن بعض القوى قد تكون مؤهلة أو تعد نفسها لتأخذ الموقع الثاني.
وبرغم
الصدمة الكبرى في نجاح حماس في استئصال تيار الفلتان الأمني داخل الأجهزة الأمنية
وبأقل الخسائر المتوقعة، غير أن السلوك السياسي لحركة فتح بمجموعها ولقيادتها
الأولى-وبالذات الرئيس محمود عباس- كان أكثر مفاجأة عندما نحا منحى المقاطعة والحرب
والحصار والعقاب الجماعي لكل من يؤيد خطوة حماس أو يعيش في قطاع غزة، ناهيك عن تخلي
الرئيس عن مسؤولياته إزاء السلطة في القطاع بحجة أن حماس خطفته، ورفضه إدارة الشؤون
العامة في غزة من مقره فيها، حتى إن الكثير من حلفاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس
استهجنوا التطرف الذي بدا فيه موقفه، وخصوصاً استخدام مؤسسات منظمة التحرير
المتبقية وبما هي عليه للاستقواء على السلطة في قطاع غزة وعلى المجلس التشريعي
وخارج القانون.
بذلك تراكمت المآزق الفلسطينية لتشكل حالة من الأزمة المتفاقمة المتعددة الأبعاد
والأجنحة، وهو ما أعطى الفرصة لدخول الأميركيين والإسرائيليين بقوة على الخط في
محاولة لعزل محمود عباس عن قوته الطبيعية بقيادة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح
في الضفة والقطاع، والسعي للضغط عليه لتقديم المزيد من التنازلات في الوقت نفسه
الذي يعمق الشرخ الفلسطيني ويزيد من أزماته الداخلية لإضعاف الكل الفلسطيني أمام
الاحتلال الإسرائيلي ضعيف الحكومة ومهزوم الجيش، وهو ما وفر الأجواء لممارسات بقايا
تيار الفلتان الأمني في الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية مع بعض العصابات المسلحة
لتقوم بجرائم كثيرة ومتواصلة ومتصاعدة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية
بما في ذلك اقتحام الجامعات والمساجد والمؤسسات المدنية والاستيلاء على البلديات،
وليعيش الشعب الفلسطيني في رعب وخوف وفقدان تام للأمن، حيث لم تفلح جهود رش الأموال
المحدودة على قطاعات متعددة، ووعود الازدهار التي حملها سلام فياض لتشكل شبكة أمان
لا يحميها الأمن ولا تشكل الحرية أداة أساسية فيها.
إن التشخيص الموضوعي للأحداث بل وصفها كما هي يثير حفيظة الأطراف على المحللين
وربما يتهمهم بالانحياز، وهو ما نضطر بصفتنا باحثين إلى تجاوزه، حيث إن الاعتداء
على القانون وسلب الصلاحيات وسحب المؤسسات التنفيذية وقيادة التمرد العسكري
والعصيان المدني وقصف وحرق مقرات السلطة المركزية في الضفة وغزة، وإشهار السلاح في
وجه الوزراء والنواب وخطفهم وإطلاق النار على بيوتهم وأهلهم، وكذلك استخدام القوة
المسلحة لحسم الخلافات الداخلية أمور لا يمكن تجاوزها عند تناول المأزق الفلسطيني
والأزمة الفلسطينية، ولكن المهم في هذه المرحلة هو القدرة على تقديم رؤية واقعية
وعملية يمكن لها أن تفرج عن جزء من الأزمة، أو تفتح الباب أمام حراك وطني لبلورة
واقع فلسطيني جديد يعتبر من التجربة الصعبة، ويخرج الشعب من الأزمة بأقل الخسائر،
ودون الرجوع إلى الوراء عن اتفاقات تم التوصل إليها بصعوبة بالغة.
ولذلك ترى الورقة بعض الملامح للخروج من المأزق الفلسطيني القائم اليوم وهي تنطلق
من نظرية تفاؤلية تعتقد أن الخروج من المأزق أمر حتمي لا مفر منه، ولكن الزمن جزء
من العلاج كما يقولون، وأهم هذه الملامح:
1- الشروع
بالحوار بين فتح وحماس للتوافق على الخروج من المأزق الحالي وفق رؤية وطنية مشتركة،
ويمكن أن يتم ذلك برعاية سعودية بالتعاون مع مصر وسورية.
2- اعتماد
مرجعيات أساسية في الحوار والحالة القادمة ومعالجة المأزق تلك التي تم التوصل إليها
بعد معاناة طويلة وأهمها:
القانون
الأساسي للسلطة، وثيقة الوفاق الوطني في 2006، اتفاق القاهرة في 2005، واتفاق مكة
في 2007.
3- وقف
أعمال الانتقام والتخريب والفلتان الأمني وانتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية
وأي مثيل لها في قطاع غزة
4- تحييد
الخدمات الإنسانية والأمن والمؤسسات المدنية من أي خلافات تؤثر في مصالح المواطن
الفلسطيني.
5- إلغاء حالة الطوارئ واستئناف الحياة المدنية والسياسية المعتادة، والابتعاد عن
المس بالمؤسسة التشريعية تحت أي ذريعة.
6- العمل
على تفعيل دور المجلس التشريعي بطريقة مبتكرة فلسطينية تتناسب مع واقع الاعتقال
والاحتلال وتوزع الجغرافيا والحواجز...إلخ ليأخذ دوره الطبيعي وبصلاحياته نفسها
والسعي في الوقت نفسه للإفراج عن النواب والوزراء السابقين المعتقلين لدى سلطات
الاحتلال بأسرع وقت ممكن.
7- السعي
لتشكيل حكومة توافقية جديدة خلافاً للحكومتين القائمتين وفق اتفاق مكة وعلى أساس
وثيقة الوفاق الوطني.
8- استكمال
تطبيق اتفاق مكة وتفاصيله المتعلق بالبنود التي لم تستكمل بعد تشكيل الحكومة.
9- إعادة
بناء الأجهزة الأمنية وفق ما يلي:
- بناء
وتقوية جهاز «الشرطة والأمن العام»، وضم مختلف الأقسام التي تلزم الأمن الوطني
والاستخباري الفلسطيني فيما يخص ضبط الأمن والنظام الداخلي وخدمة المواطنين بوصفه
جهازاً للأمن الداخلي، وتدمج فيه القوة التنفيذية تماماً مع إلغاء مسماها الحالي.
- إنشاء
«قوات الدفاع الوطني» المختصة بمواجهة عدوان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية
والشعب الفلسطيني وتتشكل نواتها أساساً من فصائل المقاومة، ويفتح فيها باب التجنيد
التطوعي الدوري لبقية أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة لأبناء الشهداء.
- إلغاء
كافة الأجهزة الأمنية الأخرى وفي أي مستوى.
- تتبع
الأجهزة الأمنية لوزير الداخلية والأمن الوطني مباشرة.
- تعديل
القوانين النافذة المتعلقة بذلك وفق هذه الرؤية.
إن مسؤولية السعي لتحقيق جزء من هذه الرؤية أو بديل أفضل منها إنما يقع أساساً على
النخب الفلسطينية السياسية والأكاديمية والإعلامية وخصوصاً الفصائلية منها، وإن ما
تبدى من تحيزات غير واقعية ومضرة من قبل البعض لطرف طرف آخر لا يخدم اتجاهات الحوار
والمصالحة الوطنية البناءة، بل يعمق الأزمة ويزيد من دائرة المأزق، ويجعل الجميع
طرفاً في المأزق والأزمة، والورقة بذلك لا تدعو إلى الحياد المطلق أو الكلي أو
السلبي من قبل هذه الفصائل والشخصيات، بل تدعو إلى الحياد الإيجابي الذي يتعامل مع
الحقائق، ويسعى إلى المصلحة العامة، ولا يقف عن الجزئيات والأخطاء الصغيرة التي
تعتبر من التداعيات البديهية في مثل الحالة التي وصلت إليها العلاقات الفلسطينية
الداخلية اليوم، ولذلك فإن الخطوة الأولى نحو نجاح مثل هذه التوجهات هي إعادة
التموضع الفصائلي والشخصي في الساحة الفلسطينية بتعريف وطني واسع، وبعيدا عن
الإغراءات أو التهديدات من قبل أي طرف، ومن ثم السعي لإيجاد حاضنة عربية من النوع
الشعبي نفسه وعلى الأسس نفسها لجمع الفرقاء والشروع بحوار مسؤول بينهم، وهو أمر لا
يتعارض مع جهود الدول العربية لتوفير الغطاء العربي لأي اتفاق يتم التوصل إليه في
مواجهة إسرائيل وبعض أطراف المجتمع الدولي، ولتقوم بتوفير مستلزمات نجاح هذه
الاتفاقات، ولعل بعض المواقف العربية تقدمت على مواقف أطراف فلسطينية في هذا
السياق، خصوصاً موقف البرلمان العربي ومواقف عدد من الحكومات العربية ذات الصلة،
كما يشار إلى أن بناء مشروع وطني متكامل هو مسؤولية الحوار المتواصل وليس مجرد ورقة
يطرحها البعض لتقبل أو ترفض، وتشير هذه الورقة بالتحذير من الخطر الذي تحمله فكرة
إعادة الأوضاع في غزة إلى ما كانت عليه، حيث يعني ذلك العودة إلى حالة الفوضى
والفلتان الأمني وفقدان الأمن للمواطنين، ولكن المطلوب هو إعادة توحيد السلطة
برئيسها ومجلسها التشريعي وحكومتها، وفي الوقت نفسه القبول المبدئي بإعادة الهيكلة
والبناء للأجهزة الأمنية التي كانت مصدر الخلاف الكبير، وللصلاحيات بين السلطات
وتفسيرها التي شكلت مصدر الأزمة السياسي أيضاً، ومن هنا فإن اللجوء إلى تحكيم العقل
والمصلحة الوطنية هو الأساس في وضع جدول أعمال الحوار المفترض لتتوافر له أسباب
النجاح على مستوييه الشعبي والرسمي ووفق الملامح التي أوردتها هذه الورقة آنفاً.
جـواد الحـمد
أغسطس 2007
أعلى الصفحة
عودة لرؤيتنا
للمتغيرات
|