|
قراءة هادئة في عملية انهاء الفلتان الامني في غزة حماس والحسم النظيف في غزة ...!
جـواد الحـمد شكلت العملية الحاسمة التي قامت بها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، جدلية واسعة في الاوساط العربية والفلسطينية بشأن مشروعية العملية من عدمها ، وبشأن التداعيات المتوقعة لهذه العملية على الداخل الفلسطيني وعلى عموم القضية الفلسطينية، وقد تفاوت المجادلون فيها بين مشفق على القضية وبين ناصح لحماس وبين غاضب لنجاحها، وبين مكلوم لفشل المشروع الذي كان يراهن عليه، وقد شمل ذلك الساحتين الفلسطينية والعربية على حد سواء. وبمراجعة ارهاصات الحدث وتفاصيله ونتائجه يكتشف المرء كم كانت عملية الحسم التي اتخذتها حماس قرارا جريئا وخطيرا ويتسم بالمغامرة ، ولكنه كان محسوبا بدقة اذهلتنا جميعا نحن المراقبين، كما اذهلت خصوم حماس ومنافسيها واعدائها داخليا وخارجيا، وتبين ان هذه العملية تمت لاحباط عملية استئصال كبيرة وواسعة لحماس وجهازها العسكري ولقياداتها وبالتالي لتصفية وجودها في الحكومة واجراء انتخابات فلسطينية مبكرة يتم التحكم بها بحيث لا تحقق فيها حماس نجاحا مهما ان سمح لها اصلا بخوضها. وتشير المعلومات والتقارير والتحليلات المنشورة باللغات العربية والعبرية والانجليزية والفرنسية التي وقعت عليها ايدينا ان الولايات المتحدة كانت قد خططت لانهاء ظاهرة حماس والمقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك بالتعاون مع اسرائيل ومليشيات فلسطينية مسلحة مرتبطة ببرنامجهما، ومتغلغلة في الاجهزة الامنية الفلسطينية الرئيسية وعلى الأخص الأمن الوقائي والحرس الرئاسي والمخابرات العامة، ويتمتع بعض رموزها بغطاء تنظيمي وطني، وغطاء رسمي شرعي باسم السلطة، وان هذه الخطة قد حظيت بدعم اقليمي عربي محدود لكنه استراتيجي، والتي اطلق عليها خطة دايتون نسبة الى الجنرال الاميركي كيث دايتون الذي يقيم في تل ابيب لهذه الغاية منذ استلمت حركة حماس مقاليد الحكومة الفلسطينية في آذار/ مارس 2006. ومما يجدر ذكره أن مسألة الفلتان الامني في قطاع غزة والضفة الغربية كانت الازمة التي اطاحت بالحكومات الفلسطينية السابقة لحكومة حماس، وانها اصبحت اداة للطرف الاسرائيلي لمنع بناء الدولة الفلسطينية او تشكيل الوحدة الوطنية او انشغال الاجنجة العسكرية المسلحة لفصائل المقاومة بمقاومة اسرائيل وصد عدوانها ، وكانت تمارس هذه الخطة باسم الاجهزة الامنية حتى بعد استلام حماس للحكومة لدرجة خروج آلاف من منتسبي هذه الاجهزة بمظاهرات واسعة وبالسلاح واللباس الرسمي لاسقاط الحكومة في شوارع غزة العام الماضي !. الامر الذي شكل ازمة امنية دائمة بدأت بتجاوزات حقوق الانسان واعتقال المعارضين وتعذيبهم ومرت بملاحقتهم واغتيالهم بالتعاون مع الاحتلال وانتهاء بالقيام بعمليات امنية وعسكرية مباشرة ضد رموز المقاومة وقيادات حركة حماس ووزرائها، وشملت الاعتداء على المؤسسات الحكومية والخاصة وحرقها وتدميرها والعبث فيها بما في ذلك رئاسة الوزراء والمجلس التشريعي الفلسطيني، وكذلك الاعتداء على بيوت المواطنين وبث الرعب في عائلاتهم، وخلقت كذلك ظاهرة خطف الوزراء والنواب والقيادات ونشر الحواجز غير الشرعية ، وظاهرة خطف الاجانب. وقد حاولت جهود كبيرة فلسطينية وعربية وقف هذا النزيف الداخلي مرارا وتكرارا وباتفاقات مباشرة تم توقيعها بين الطرفين، غير ان تشديد الخناق على الحكومة من قبل المجتمع الدولي والاقليمي العربي، وتصاعد الاستعداد لدى قيادات هذه المليشيات باخذ عطاء انهاء حماس وحكومتها على طاولة الولايات المتحدة واسرائيل، وضاق التيار الذي تمثله هذه المليشيات ذرعا بحكم حماس، وتقاطعت مصالحه في ذلك مع سياسة الولايات المتحدة واسرائيل، الامر الذي شجع على انشاء غرفة عمليات امنية مشتركة بين هذه الاطراف للاشراف على تطبيق خطة تلو الاخرى لتحقيق هذا الهدف، ولكن السياسة التي اتبعتها حركة حماس بالصمود اولا، والمرونة السياسية ثانيا، وقبول جميع الوساطات العربية والفلسطينية ثالثا، وتزايد شعبيتها الداخلية رابعا، ووحدة اجهزتها السياسية والعسكرية وانضباطها، تسبب بفشل الخطط التي رسمت لاسقاط حكومة حماس او اشعال حرب اهلية داخلية واسعة، واقتصر الامر عادة على اشتباكات متقطعة محدودة لا تلبث ان يتم احتواؤها. لكن الخطة الاخيرة التي وضع بنيتها الاساسية الجنرال كيث دايتون حددت الخريف القادم ( اكتوبر 2007) موعدا نهائيا لاعادة الانتخابات الفلسطينية وحل النظام السياسي القائم واقصاء حماس من اغلبية المؤسسة التشريعية ومن الحكومة حسبما ورد في خطة دايتون التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، حيث ان اعتقال نواب حماس ووزرائها في الضفة الغربية وبرغم ما تسبب به من اخلال بالنظام السياسي الفلسطيني، لكنه لم يحقق اهداف الولايات المتحدة واسرائيل بانهاء سيطرة حماس على السلطة.ة. وما ان بدأت المليشيات التي اوكل لها تنفيذ المهمة المدعومة بملايين الدولارات وباسلحة متطورة ببرنامج عملي عبر تنفيذ عشرات عمليات الاغتيال واطلاق النار ومهاجمة المباني الحكومية ورئاسة الوزراء خلال اجتماع المجلس، وشرعت تعيث فسادا بالامن الوطني الفلسطيني، واستنفرت قوتها المباشرة من المليشيات تحت مسميات مختلفة، وعبر نفوذها القوي في بعض الاجهزة الامنية، منذ اوائل أيار/ مايو 2007، وتزايد ضغطها على الحكومة وعلى حركة حماس وعلى امن المواطنين، حتى اخذت حركة حماس قرارا دقيقا وصعبا بحسم المواجهة مع هذه الظاهرة، وإبطال قدرتها على تنفيذ الخطة وإفشالها، وبالتالي حماية المشروع الوطني والديمقراطية الفلسطينية وحماية امن المواطنين جميعا، والقضاء على ظاهرة الفلتان الامني، وتحرير المخطوفين والمعتقلين الابرياء من ايدي هذه المليشيات العنفية. وقد واجهت حركة حماس تحديات غاية في الصعوبة ازاء مثل هذا القرار اهمها انه يمثل حالة من الاقتتال الداخلي امام كل المراقبين لانه يختلط بين اجهزة امنية وتنظيم فلسطيني شريك لها في الحكم وهو حركة فتح وبين عائلات كبيرة مسلحة ولها ابناؤها بينهم وبين فصيل عسكري شقيق مقاوم هو كتائب الاقصى، وذلك بغض النظر عن مدى حقيقة هذه الانتماءات، ولكنها تستدعى جميعا في الذاكرة وعلى الارض عند المواجهة المفتوحة، ما جعل عملية الحسم جراحة دقيقة لاستئصال سرطان استشرى في احشاء ولد عزيز وتتسم بكثير من المخاطر، وهو ما كان ينذر بعواقب وخيمة على الوحدة الوطنية وعلى مشروع المقاومة وعلى المشروع الوطني وعلى حركة حماس ذاتها، خصوصا وان ضبط ايقاع الاحتراب الداخلي عادة ما يكون من المسائل التي لا يستطيع اي طرف في العالم التحكم بها، وظاهرة العراق حاليا ولبنان سابقا مثال حي على ذلك. هذه الحالة والحسابات والتقاطعات على الأرض جعلت حركة حماس وجهازها العسكري امام قرار صعب وخطير ويتسم بالمغامرة، ناهيك عن التساؤل الطبيعي حول إمكانيات وفرص نجاح العملية في الاستئصال المقصود حسب المعلومات من طرف حركة حماس، وكلك حجم الضحايا المتوقع سواء من أفراد حماس أو من أي طرف آخر. تشير المعلومات المتوافرة الى ان الجهاز العسكري لحماس قدم تصورين لحسم المعركة الاول خلال 24 ساعة والثاني خلال 72 ساعة لقيادته السياسية، ونظرا للخسائر المتوقعة من الجانبين في الحسم السريع، فقد وقع الاختيار على خطة الحسم الثانية، وبالفعل منذ صبيحة يوم الاثنين 11/6 شرعت قوة قوامها ربع قوة كتائب القسام فقط بتنفيذ خطة الحسم وتطهير القطاع من ظاهرة الفلتان الامني والمليشيات التي تقف خلفها، ومع بواكير صبيحة الخميس 14/6 كانت العملية قد تكللت بالنجاح وبخسائر متواضعة جدا، ما يفرض تسجيل الإعجاب الكبير بهذه الكفاءة من جهة، وبهذا الانضباط من جهة ثانية ، وكان اساس نجاح العملية افقاد هذه المليشيات كل الاغطية الشرعية والمقرات المحصنة التي تعمل فيها واللافتات التي تستخدمها، ولاحظنا عند التدقيق بمختلف مصادر المعلومات والصور أن كتائب القسام قد تمكنت من ضبط التداعيات في اضيق الحدود، وضبطت محاولات الانفلات الشعبي العامة او السرقات او محاولات العبث بالامن العام والنظام وحرست الممتلكات العامة، كما انها تجنبت الخسائر المدنية لاي سبب كان . ومع انجلاء غبار هذه المواجهة الحاسمة مع هذه المليشيات تبين انها لا تشكل الا ظاهرة عابرة في صفوف الأمن الفلسطيني تم تطويقها والقضاء عليها بسهولة، كما أن هذه الظاهرة لا تتمتع بدعم تنظيمي في داخل حركة فتح، وان كتائب الاقصى الجناح المقاوم لا ينتمي لها اطلاقا، كما تبين ان قياداتها هربت إلى مصر مبكرا، واختفى بعضها في القنصلية المصرية، وفر بعضها الآخر الى اسرائيل عبر البحر والمعابر، وان الشعب الفلسطيني لم يبك على هذه المليشيات ولا على قياداتها . وعلى صعيد عملية الحسم فقد نجحت حركة حماس وجناحها العسكري باجرائها بكفاءة مهنية عالية وبمسئولية وطنية جنبت قطاع غزة ما كانت تحلم به اسرائيل من فوضى خلاقة( حرب أهلية، فلتان امني، سرقات، حرق ، اقتحام منازل ...الخ ) تتساوق مع نظرية المحافظين الجدد في واشنطن . ومن ابرز الدلائل على ذلك : 1- لم تشتبك كتائب القسام مع اي قطاع من تنظيم فتح في كل القطاع طوال العملية أو بعدها على الإطلاق 2- لم تشتبك الكتائب مع اي مجموعة مقاومة من كتائب الأقصى وإنما مع الذين يزعمون الاسم ولا يمثلونه ، كما أكد القيادي الفتحاوي خالد أبو هلال مرارا 3- لم تعتد كتائب القسام على اي مقر من مقرات فتح التي تبلغ أكثر من 150 مقرا في قطاع غزة وبأي شكل كان 4- لم يتم مداهمة اي بيت لعضو في حركة فتح ولاي سبب كان 5- تمكنت كتائب القسام من حماية الممتلكات العامة والخاصة من العبث واحبطت محاولات السرقة والعبث وفرضت الأمن والأمان على كل القطاع بما في ذلك مقر الرئيس الفلسطيني ومنزله ومبنى فضائية فلسطين التي تديرها حركة فتح . 6- حيدت الكتائب جهاز الشرطة والامن العام وجهاز قوات الامن الوطني تماما من العملية، حيث لا يتمتع تيار هذه المليشيات بنفوذ كبير فيها 7- قبلت الكتائب مبدأ الاستسلام والعودة الى البيت بسلام من الغالبية العظمى من منتسبي جهازي حرس الرئاسة والامن الوقائي والمخابرات العامة، فيما لم تجر عمليات قتالية خلال دخولها مقرات هذه الأجهزة إلا بشكل محدود وهو السر في قلة عدد الضحايا خلال مراحل الحسم النهائية 8- سارعت قوات حماس العسكرية إلى محاصرة أوكار المخدرات ومداهمتها، والافراج عن المعتقلين لدى العائلات او لدى مجموعات مسلحة ، ومنعت اللثام في الشوارع لمنع عمليات الاختراق الاجتماعي والأمني من العابثين وغيرها من الدلائل والمؤشرات، وبذلك ووفق هذا الحليل يتبين ان عملية الحسم التي اتخذتها حماس لوقف الفلتان الامني والتمرد على تعليمات الحكومة في قطاع غزة كانت عملية نظيفة وجراحة ناجحة تستحق الاحترام والتقدير، وان ما يجري من تركيز على جزئيات ، او تضخيم لبعض التداعيات لا يخدم المصلحة الوطنية ولا الامن والاستقرار في فلسطين، ولا يوفر الجهود لمقاومة الاحتلال، ما يجعل النظر الموضوعي والدقيق والشامل اطارا ناظما للتفكير الوطني العملي. من هنا يعتقد بان الفوضى والاضطرابات وأعمال العنف التي تجري في الضفة الغربية ضد المؤسسات الحكومية وضد مؤسسات المجتمع المدني وضد المواطنين انما توغل في توسيع دائرة الازمة ولا تحلها، ويبقى الانتظار لمبادرات العقلاء في كل الاطراف الفلسطينية للشروع بحوار شامل لاحتواء تداعيات أي انفلات امني او اجتماعي في الضفة والقطاع، ولبلورة مرحلة جديدة من التعايش وفق اتفاق مكة ووثيقة الوفاق الوطني مع اعادة تشكيل الحكومة والاجهزة الامنية على قواعد عملية بعيدا عن الشكليات.
جـواد الحـمد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|