|
الأفق المسدود للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية
جـواد الحـمد لم تتمكن عملية السلام في الشرق الأوسط التي انطلقت في مدريد عام 1991 من حل الصراع العربي-الإسرائيلي، ولم تنجح أسس هذه العملية في تحقيق الاستقرار والازدهار الذي وعدت به شعوب المنطقة، ولم تستطع بناء استقرار وسلام دائم في المنطقة، ولم تُنه الصراع الدائر فيها، ولم تتمكن من لجم الأطماع والتوسع والاستيطان والمصادرة والعدوان الإسرائيلي، ولم تمنعه من انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي. كما أنها لم تمثل خياراً واقعياً بديلاً للحرب والمواجهة، ولذلك لم تعد رهاناً سياسيا ناجحاً كما ظهر في بدايات انطلاقها عام 1991 أو 1993 . وكان العام 2005 الذي سبق استلام حركة حماس للحكم في السلطة الفلسطينية قد شهد غياباً كاملاً لجهود التسوية السياسية الجادة، وذلك رغم استلام محمود عباس لرئاسة السلطة واحمد قريع شريكه في مفاوضات أوسلو السرية رئاسة الوزراء ، حيث لم تقدم إسرائيل شيئا يذكر للفلسطينيين بل لم تجلس معهم إلى طاولة المفاوضات مطلقا. وبرغم تصريحات محمود عباس المتكررة عن استعداده للشروع بالمفاوضات النهائية دون شروط، غير أنه لم يقابل من الجانب الإسرائيلي إلا بالتجاهل. وعندما وصلت حركة حماس إلى حكم السلطة الفلسطينية تقدمت بمبادرة سياسية جديدة تقوم على قاعدة الانسحاب الكامل إلى حدود عام 1967 مقابل الهدنة طويلة الأمد، توقعها الحكومة الفلسطينية مع إسرائيل لعشر أو عشرين عاما، غير أن الجانب الإسرائيلي كذلك لم يُعر هذه الأطروحات أهمية، واعتبرها مناورات لا تستحق التعامل معها. ويعتقد أن اتفاق مكة الفلسطيني الذي وقع في 8 شباط 2007 بين كل من حركتي فتح وحماس ، بعد اقتتال داخلي كان لليد الإسرائيلية دور مباشر فيه، قد نجح في وضع قواعد تقاسم القرار السياسي والشراكة السياسية الفلسطينية، وأسس بذلك لمرحلة جديدة في التعامل السياسي الفلسطيني، ووفر أدوات قوية وفرصة سانحة للساعين إلى حل القضية بالتسوية السياسية، وبذلك أسهم الاتفاق في إمكانية بلورة تحرك سياسي عربي ودولي واسع بهدف إحياء عملية السلام ومفاوضاتها. غير أن الجانب الإسرائيلي ظهر وكأنه ليس على استعداد للدخول في مفاوضات نهائية، ولجأ بدلا من ذلك إلى دبلوماسية العلاقات العامة ، واحتواء الضغوط بدل مواجهتها، وفي المقابل فقد بدى الجانب الفلسطيني وقد اعد نفسه لمختلف الخيارات، حيث قدم الفلسطينيون حزمة متكاملة يمكن ان تفضي الى تسوية سياسية مرحلية، تقوم على تقاسم القرار والأدوار فلسطينيا وتلبية جزء كبير من شروط الرباعية لفك الحصار، وإبداء مرونة سياسية عالية من قبل حركة حماس إزاء الحل السياسي التفاوضي وان لم تصل إلى حد الاعتراف بإسرائيل. وفي ظل توافر الكثير من المشاريع المطروحة للحل السياسي للقضية الفلسطينية سواء ما يتعلق باستكمال تطبيق اتفاق أوسلو أو خريطة الطريق، أو المبادرة العربية ، أو مشروع حركة حماس للهدنة طويلة الأمد او قرارات الشرعية الدولية ، تشير المعطيات الإستراتيجية إلى إمكانية أن تشهد عملية التسوية حراكا ديناميكيا واسع النطاق في ظل جو التهدئة وانشغال الجانب الفلسطيني ببناء ذاته الداخلية، لكن النتائج المتوقعة تبدو دون الحد الأدنى الفلسطيني من جهة ، كما أن هذه المشاريع الممكنة الحراك لا يمثل أي منها خيارا استراتيجيا إسرائيليا ، حيث أن الخيار الإسرائيلي يسعى إلى إقامة دولة الكانتونات الفلسطينية وفق مشروع آلون لعام 1967 المعدل، ولذلك فان الضغط الإسرائيلي على تعديل المبادرة العربية إنما يندرج في إطار استدراج تنازلات الطرف الآخر، ولخنق الفلسطينيين والضغط عليهم وليس من اجل عملية السلام أو التسوية السياسية التي تصل إلى الحل النهائي. ويبدو أن المرحلة الجديدة بعد اتفاق مكة وقمة الرياض العربية وبرغم جاهزيتها النظرية فان الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لا يملكان القدرة على حسم نتائج التفاوض فيها ، وهو ما يجعل التسوية تراوح في مكانها خلال العام الحالي باستثناء بعض الإجراءات الشكلية غير الجوهرية، وهو ما يفتح الباب ثانية أمام الخيارات الفلسطينية والعربية بل والإسرائيلية الأخرى، ولذلك يمكن القول أن أفق التسوية السياسية خلال العام الحالي محدود للغاية ، وان سياسة الخيارات الأخرى سوف تتبلور لدى مختلف الأطراف ، وهو ما يبقي الصراع مفتوحا، وربما يوسعه.
جـواد الحـمد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|