|
مبادرة أمريكية أوروبية محتملة بموافقة إسرائيل لوقف تنامي نفوذ وقوة حماس وحل الصراع مؤقتا
جـواد الحـمد تشير المعلومات والتحركات السياسية الأمريكية المكوكية في منطقة الشرق الأوسط خلال الأربعة أشهر الماضية إلى تنامي تصورات أميركية محددة إزاء التوصل إلى تهدئة عامة يتم التوصل إليها قبل عام من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويقول بعض الخبراء أن ثمة فرضيتين أساسيتين في المجتمع الدولي ربما تفسران كثيراً من الاتصالات التي تجريها أوساط أميركية وأوروبية مع حركة حماس سواء رسمياً أو من خلال وسطاء وخبراء من رجالاتها السابقين، وتعقد مؤتمرات متعددة وتحت عناوين مختلفة، وتجري حوارات ثنائية وجماعية مع مقربين أو خبراء في الحركة الإسلامية في المنطقة بهدف اختبار مواقف وسياسات الحركة، وتقديم التصورات عن سلوكها السياسي المحتمل في السنوات القادمة ، بل ولتقدير قدراتها وإمكاناتها السياسية والتنظيمية، وربما القتالية، ويؤكد خبراء أن هاتين الفرضيتين هما، أنّ حركة (حماس) تمثل القوة السياسية والتنظيمية المتصاعدة والمتنامية في فلسطين، الأمر الذي يوفر لها القدرة على فرض الهدوء والاستقرار، وربما السلام في إطار الصراع العربي-الإسرائيلي، إذا اقتنعت حركة (حماس) بذلك، وأنه في حال استمرار الرهان على حركة (فتح) بزعامة أبو مازن، فإن الوضع التنظيمي والشعبي لحركة فتح والانقسامات الداخلية فيها لا يوفران الفرصة ولا الإمكانية لأن يفرض أبو مازن سلاماً يوقعه مع إسرائيل على الشعب الفلسطيني في ظل سيطرة حركة (حماس) على البرلمان والشارع، وهو ما يفرض على أبي مازن التفاهم مع حركة (حماس) من خلال تنظيم حركة (فتح)، وبتشجيع من المجتمع الدولي والحكومات العربية. وبذلك تستند الفرضيتان إلى أهمية حركة (حماس) لأي عملية سلام في المنطقة، وأنها القادرة في النهاية على تشكيل حالة قبول عامة لهذه العملية في المنطقة وفي صفوف الشعب الفلسطيني، ما رشحها لتكون حصان طروادة الوحيد، ولكن العقبات الأيديولوجية والمخاوف الدولية والتحريض الفلسطيني ضدها، وحسابات بعض العرب الداخلية فيما يتعلق باستقرار الحكم تجعل حركة (حماس) طرفاً غير مرغوب فيه أن يتقوى ويحكم الدولة الفلسطينية القادمة ، وهو ما يدفع الأوروبيين والأميركيين إلى التفكير بإجراءات وتفاصيل تخفف من حدة هذه التخوفات من جهة، وتحقق الهدف بالاستقرار بمشاركة (حماس) من جهة أخرى، وربما مثل اتفاق مكة بين فتح وحماس فرصة لاختبار هذه التوجهات ، ولعل ورش العمل التي عقدتها وزيرة الخارجية الأمريكية مع الدول العربية على مستوى القمة ووزراء الخارجية ورؤساء الأجهزة الأمنية تشكل مجمَّع أفكار يصل إلى طرح مشروع صغير ومحدد، يمكن أن يستفيد من زخم المبادرة العربية واتفاق مكة، ويحقق في نفس الوقت تشجيع نفوذ أبي مازن على حساب تنامي حركة (حماس)، ويدفع بالتطبيع السياسي بين العرب وإسرائيل إلى الأمام، لمحاصرة أطروحات حركة (حماس) المعادية لإسرائيل كلياً حتى لو كانت في حكومة السلطة والبرلمان . وفي هذا السياق ربما يلجأ الأميركيون والأوروبيون إلى الأفكار التي كان قد طرحها كل من بلير ورايس في ديسمبر ويناير الماضيين على أبي مازن بتحقيق انسحاب إسرائيلي جزئي من الضفة الغربية لمواقع ما قبل انتفاضة الأقصى (وضع 28/9/2000)، وإقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة فيها وفق "خريطة الطريق"، مقابل هدنة طويلة مع إسرائيل لوقف الاعتداءات، ثم يشرع بإجراء مفاوضات نهائية طويلة المدى أيضا، ويعتقد أن هذه التصورات سوف تستند إلى المبادرة العربية كأساس تفاوضي، حيث تنطلق مفاوضات ثنائية فلسطينية-إسرائيلية برعاية أميركية وأوروبية مشتركة، تدعمها لقاءات موسعة مع الرباعية العربية والدولية في كل مرحلة خصوصا عند الأزمات، وذلك بديلاً لمسار أوسلو ومدريد السابقين الذين وصلا إلى طريق مسدود. ويسود اعتقاد في الأوساط الأوروبية أن حركة (حماس) في هذه الحالة لن تكون مضطرة للاعتراف بإسرائيل مباشرة من جهة، وأن ملف المفاوضات النهائية يكون قد انطلق من جهة أخرى، لتشكيل حالة من الحراك السياسي في ظل هدوء واستقرار نسبي، يخدم الخروج الأميركي والبريطاني من ورطة العراق قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008، وليخدم الإدارة في تفاوضها مع النواب الديمقراطيين على قرار تمويل الجيش الأمريكي في العراق، كما يساعد على حماية وضع الحكومة الإسرائيلية الحالية التي لا تستطيع أن تقدم تنازلات محرجة لها أمام قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف، كما يتوقع أن تتقدم بفكرة التفاوض على مراحل طويلة حسب مشروع شارون القديم، وتكون بذلك قد حققت الهدوء والأمن النسبي المؤقت طويل الأمد أمام التيارات التي تضغط عليها لصالح التفاهم مع الفلسطينيين بمن فيهم حركة (حماس). وفي نفس الوقت لا تستطيع حركة (حماس) بالتالي أن ترفض مثل هذه الإنجازات لرئيس السلطة، والتي قد تساعده على استعادة شعبية حركة فتح التي خسرتها طيلة العام الماضي في ظل أي انتخابات رئاسية أو برلمانية ممكنة خلال الأعوام الثلاثة القادمة . ويتوقع الأميركيون والأوروبيون أن يلقى هذا الطرح قبولاً مباشراً من قبل رئيس السلطة، لأنه يقوي حركة فتح فلسطينيا، أمام حركة (حماس)، كما يقوي مكانته داخل حركة فتح، ويحقق رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني على يديه، كما أنه يمنع حركة حماس من التقدم سياسياً في أي خط تفاوضي مع الولايات المتحدة أو إسرائيل بعيداً عن إدارته، ويبقي القيادة الأولى لهذا الخط بيد منظمة التحرير بزعامة حركة فتح، وهو ما أبدى أبو مازن تخوفاته العلنية منه أمام رايس، وما بحثه مطولا حسب المعلومات مع خالد مشعل في لقائهما في دمشق، حيث أصر على أن يتضمن البيان الختامي للمباحثات نصاً صريحاً برفض الدعوة إلى دولة بحدود مؤقتة، في ظل تسريبات حول ورقة أوروبية لحركة (حماس) بهدنة خمس سنوات مقابل هذه الدولة، وذلك رغم أن خريطة الطريق نصّت في مرحلتها الثانية على الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، وهو المشروع الذي يطالب أبو مازن وفتح بتطبيقه لاستئناف المفاوضات! ويتوقع أن تصطدم المفاوضات على الحل النهائي بمواقف فلسطينية وإسرائيلية متعارضة جداً، تمنع التوصل إلى اتفاقات حاسمة، الأمر الذي يتيح الفرصة من جديد لإدارة صراع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومنظماتها المختلفة، حيث تكون حركة (حماس) هي الطرف الأكثر أهمية لقيادة هذه المواجهات إلى جانب حركة (فتح) وحركة (الجهاد الإسلامي). لكن الأوساط الأوروبية والأميركية تتوقع أن لا يحدث ذلك (أي اندلاع صراع فلسطيني-إسرائيلي ساخن جديد) قبل سنتين من بدء المفاوضات النهائية، حيث تكون إسرائيل حينئذٍ قد خلقت واقعاً جديداً، وتكون الولايات المتحدة قد تعافت من إشكالاتها الداخلية، وهزائمها الميدانية في العراق وأفغانستان، ويكون التطبيع العربي مع إسرائيل قد شكل حلقة خانقة على أي انتفاضة أو مقاومة فلسطينية واسعة النطاق، وذلك بفرض استقرار الأوضاع الداخلية لدى هذه الحكومات. لكن هذه المتغيرات لا تقلل من احتمالات الفشل والعودة إلى مربع المواجهات التي هددت بها حماس وغيرها من فصائل المقاومة في حال فشل المجتمع الدولي بتحقيق الانسحاب وإقامة الدولة الفلسطينية. وفي حال تحقق مثل هذا الفشل في تقديم تنازلات إسرائيلية حقيقية تقنع المواطن الفلسطيني فإن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تكون قد مهدت الطريق لسيطرة حماس الكاملة على مقاليد السلطة والبرلمان ومنظمة التحرير. وتثير المواقف والسياسات الأمريكية والأوروبية الحالية تجاه حركة (حماس) والقضية الفلسطينية الكثير من التساؤلات حول جدية الأطراف الدولية بتحقيق بعض المكاسب الجوهرية للشعب الفلسطيني، والتي قد تحقق مطالب حماس وفتح جزئيا، لتكون رافعة لبناء أمن واستقرر إقليمي قد يسمح بتوقف الصراع ولو لفترة زمنية محدودة لكنها طويلة نسبياً، كما يشار إلى أن الإمكانيات الفلسطينية الشعبية والفصائلية الموجودة اليوم قادرة على خلخلة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة في أي وقت تقرر فيه هذه القوى ذلك، ما يجعل حرص الولايات المتحدة وأوروبا على إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات مهمة، خياراً إجبارياً لبناء هدوء واستقرار في المنطقة. ويبقى السؤال المركزي حول جدوى المبادرة الأميركية والأوروبية في ظل عدم توفر نية إسرائيلية جادة لتقديم تنازلات وفق القانون الدولي فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، وجدوى أن تبدأ الدول العربية باتصالات سرية أو علنية مع إسرائيل لتشجيعها على الانسحاب ثم لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية الوفاء بأي تعهدات تجاه الفلسطينيين لضعف وضعها الحالي أو في حال اتجهت نحو انتخابات مبكرة، وكيف يمكن بناء استقرار وأمن في المنطقة لصالح إسرائيل على حساب خلخلة الأمن الداخلي في الدول العربية، حيث أن مثل هذه المواقف بالتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل، والتي قد تتبناها بعض الأطراف العربية، إنما ستزيد من نسبة التطرف السياسي لصالح انتقاد هذه الحكومات وربما القيام بأعمال العنف السياسي ضدها تحت مبررات تضييع فلسطين والتعامل مع الإسرائيليين بدلاً من تهمة التعامل مع الأمريكيين، كما درج تنظيم القاعدة على اتهام الحكومات العربية الصديقة لأمريكا، وهو مسار لو قدر له أن يتحرك فسوف يخلق جواً من التوتر والقلاقل لا يقل خطورة عما هو قائم اليوم، حتى على المصالح الأمريكية والأوروبية، ولذلك فإن محاولة الالتفاف على تطبيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين إنما يمثل مغامرة سياسية بالنسبة للحكومات العربية المختلفة، ما يجعل الضغط والتشجيع الأمريكي، والمغازلة الإسرائيلية الخادعة لبعض هذه الحكومات إنما هو فخ لنقل عدم الاستقرار والمعاناة من فلسطين المحتلة والعراق إلى هذه الدول، كما أنه يمثل قفزاً على حقائق الصراع، وعلى جوهر الحقوق الوطنية الفلسطينية. علماً بأن الحكومات العربية تملك اليوم فرصة سانحة وأدوات قوية للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا للتجاوب مع الموقف الفلسطيني الجديد القائم على اتفاق مكة، ووثيقة الوفاق الوطني وحكومة الوحدة الوطنية، والذي أفسح المجال لفرصة الاستجابة الإسرائيلية للتفاوض من خلال منظمة التحرير الفلسطينية على أساس الانسحاب الكامل. وهو الاختبار الحساس والذكي الذي وضع اتفاق مكة إسرائيل فيه، للكشف عن حقيقة نواياها غير الجادة في التوصل إلى شكل من أشكال التسوية العادلة والدائمة مع الفلسطينيين، وهو ما يعفي الحكومات العربية من أي مغامرات سياسية غير مجدية قد تستدرجها إليها إسرائيل، وبالتالي تجعلها تدفع هي ثمن هذه المغامرات من استقرارها وأمنها وشرعيتها الشعبية.
جـواد الحـمد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|