|
دراسة موسعة في آفاق القضية الفلسطينية بعد اتفاق مكة الفلسطيني والدور العربي المطلوب
جـواد الحـمد -
محاضرة في النقابات المهنية الأردنية شكل اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس في 8 شباط/ فبراير 2007 انعطافة تاريخية مهمة في تاريخ العلاقات الفلسطينية الداخلية، وربما أسس لمرحلة جديدة من التعايش الداخلي من جهة، والوحدة في مواجهة الموقف السياسي الإسرائيلي والدولي والاحتلال من جهة أخرى. جو سياسي جديد وحل عقدة الخلاف بهذا الاتفاق قدّم الفلسطينيون للعالم فرصة جديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية ومع حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف إنهاء الاحتلال وإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، التي تمثل المدخل الوحيد لبناء الاستقرار والأمن في المنطقة، الأمر الذي جعل الكرة اليوم في ملعب الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين ظلتا ترفضان احترام الإرادة الديمقراطية للشعب الفلسطيني عندما اختار حركة حماس لقيادة السلطة الفلسطينية، وفرضتا عليه حصاراً غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية في المنطقة، كما ظلتا ترفضان الإقرار بحقوقه الوطنية وفق الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة المختلفة على مدى ستين عاماً. وبقراءة متأنية للاتفاق وتداعياته ولردود الفعل حوله ، مع تحليل للأسس التي وضعها للمرحلة الجديدة ، تظهر مضامينه أنه وفر فرصة لحل الإشكالات الداخلية كما أسس لحل أسلوب التعامل مع الاحتلال ، وتعاطي بمرونة مع الضغوط الدولية، وأسس لشراكة فلسطينية واسعة في القرار سواء على صعيد السلطة أو منظمة التحرير دون إقصاء أي طرف، وفوَّت الفرصة على مختلف الادعاءات الإسرائيلية وبعض العربية والدولية التي ما فتئت تتهم الفلسطينيين بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون ، وأنهم غير موحدين، وان لديهم أكثر من موقف ... الخ، كما وضع إسرائيل أمام خيارات فلسطينية موحدة ومتعددة بين السياسة والمواجهة المفتوحة والمعركة الإعلامية، واعظاها في نفس الوقت الفرصة للاستجابة لحقوقه وإنهاء الاحتلال في سابقة تاريخية منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973. كما حقق الاتفاق اختراقاً إستراتيجياً مهماً في نقطتي الخلاف بين الحركتين الكبيرتين، المتمثلة في الصراع على القرار والسلطة الذي تملكه حماس شرعياً عبر الحكومة والبرلمان وتنازعها فتح فيه ميدانياً وعسكرياً وعبر رئاسة السلطة ومنظمة التحرير( تم حله عبر حكومة الوحدة والتزام القانون الأساسي للسلطة ، وإعادة بناء منظمة التحرير لإدخال حماس فيها )، وكذلك في الخلاف حول البرنامج السياسي المتباين، إزاء التعامل مع المجتمع الدولي من جهة، ومع عملية السلام من جهة أخرى، (وذلك بتوفير احترام عام للشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة في عملية السلام، استنادا إلى الحقوق الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني ووثيقة الوفاق الوطني ) العوامل التي أدت إلى إنجاح اتفاق مكة ووقف الاقتتال هناك أربعة عوامل مهمة أساسية حسمت الموقف: § العامل الأول: أن الحل العسكري الذي تبنته بعض الميليشيات الفلسطينية ضد الحكومة الفلسطينية لم يؤت أي أكل، فيما بدأت هذه الميليشيات تعاني من الهزائم على الأرض من الناحية العسكرية والأمنية من جهة، وبدأت تخسر شعبياً من جهة ثانية مما افقد هذه الأداة دورها المنشود في إسقاط الحكومة § العامل الثاني : استمرار الانحياز إلى وثيقة الوفاق الوطني من جميع الفصائل كقاسم مشترك فلسطيني لهذه المرحلة § العامل الثالث: أن الدور السوري لعب دوراً مهماً في إذابة الجليد بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسيد خالد مشعل رئيس حركة حماس في الجولة التي تمت في دمشق، حيث أسست لمرحلة تفاهم مباشر بينهما § العامل الرابع: أن الوساطات الفلسطينية والعربية والإسلامية الأخرى التي تداعت بين الجانبين كانت كثيرة ومفصلة، حتى أنهما توصلا تقريباً إلى أسس الاتفاق الذي أعلن في مكة، قبل الذهاب إلى مكة برغم اندلاع الاقتتال ثانية (وذلك فيما يتعلق بوزارات السيادة ، صيغة كتاب التكليف لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، تسمية رئيس الوزراء، توزيع الحقائب الوزارية عدديا، استئناف جهود إعادة بناء منظمة التحرير، تحريم الاقتتال الداخلي...الخ) . ما جعل هذه العوامل الأربعة تتفاعل تفاعلاً حقيقياً وأن تثمر ثمرة حقيقية في ظل الدور الجوهري الذي اتخذته المملكة العربية السعودية في مباحثات مكة حسب مختلف المعلومات المتوافرة عن أجوائها . الاتفاق نقطة تحول تاريخية شكل التفاهم الفلسطيني الأخير في مكة المكرمة نقطة تحول مهمة، وأسس لمرحلة جديدة في تركيبة البيت الفلسطيني بل وفي التوجهات السياسية الفلسطينية التي تجمع بين برنامجي المقاومة والتسوية بتناسق غير صدامي، وهو محاولة جادة لتفعيل آلية اتخاذ القرار والقيادة في الساحة الفلسطينية ، وكان من أهم ملامح هذا التحول التاريخي : أولاً: فلسطينياً 1- لأول مرة يكون الموقف الفلسطيني موحدا في التعامل السياسي المرن مع المجتمع الدولي، ومتساوقا مع أي جهود سياسية تهدف إلى تحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني 2- وفر الاتفاق خيارات فلسطينية جديدة أبرزها :
3- شكل مدخلا مهما يستند إلى مفهوم الواقعية السياسية لرفع الحصار عن الحكومة والشعب الفلسطيني 4- يوفر الاتفاق أدوات قوية وفرصة سانحة للساعين إلى حل القضية حتى بالتسوية السياسية، ولكن بشروط فلسطينية وعربية ، تتعامل مع أساس الصراع الذي هو الاحتلال والعدوان الإسرائيلي 5- أمكن عبر هذا الاتفاق التوصل إلى اتفاق شامل بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية كمدخل للوحدة الوطنية الفلسطينية ووقف النزيف الداخلي لصالح العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بالمقاومة كما هو بالتحرك والعمل السياسي جنبا إلى جنب 6- نجح الاتفاق في وضع قواعد تقاسم القرار السياسي والشراكة السياسية الفلسطينية، وأسس بذلك لمرحلة جديدة في التعامل السياسي الفلسطيني المدعوم عربيا على الصعيد الدولي 7- دفع الأطراف الفلسطينية نحو الانطلاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، ومحاصرة كل فرص اندلاع الاقتتال الداخلي ثانياً: عربياً 1- أصبح الموقف العربي يملك ديناميكية محاصرة الموقف الإسرائيلي العدمي من الحقوق الفلسطينية 2- وفر مبررا قويا لتبني الحكومات العربية للاتفاق والمواقف الفلسطينية، ودعم حكومة الوحدة الوطنية في المحافل الدولية 3-أصبح الاتفاق مؤشر البوصلة العربية المناسب القوي والثابت والمتماسك في التعامل مع إسرائيل 4-وفر فرصة تاريخية ونقطة قوة للتحرك السياسي العربي، وعلى الأخص من دول المواجهة والسعودية، للضغط على الولايات المتحدة لصالح فك الحصار وقبول الاتفاق كأمر واقع على الأقل ثالثاً: دولياً 1- أفرغ شروط الرباعية الدولية من محتواها المنحاز لإسرائيل، ليجبرها على الالتفات إلى الجزء الممتلئ من الكأس العربي والفلسطيني على حد تعبير خافيير سولانا. 2- تمكن الاتفاق من تحقيق اختراق دولي مهم سواء على صعيد تقبل حركة حماس لدى روسيا وأوروبا، أو على صعيد الترحيب به واعتباره محققا للمتطلبات الدولية لفك الحصار كما هو موقف كل من أوروبا وروسيا أيضا 3- تمكن الاتفاق للوهلة الأولى من عزل الموقفين الأميركي والإسرائيلي عن المجتمع الدولي كما تبدى في اجتماعات الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط في برلين يوم 21/2/200 4- وفر فرصة للمجتمع الدولي لتحقيق التقاط أنفاس على الأقل في منطقة الشرق الأوسط في ظل التفاقم المتصاعد للازمات في المنطقة بسبب السياسات الأميركية. ولا نبالغ اذا قلنا أن الاتفاق وفر فرصة سانحة لخلق فكر سياسي عربي وفلسطيني جديد في التعامل مع الكيان الاسرائيلي، ومسالة الاحتلال ، على قاعدة الضغط المباشر ودفع النظام الدولي للاستجابة ، واستخدام مختلف الموارد المتاحة عربيا وفلسطينيا، وعلى اساس سياسة الخيار المفتوح الذي يشمل التهديد باللجوء الى القوة والمقاطعة والمحاصرة في حال عدم الاستجابة. وهو منهج غُيِّب عن السياسة العربية في ظل الضعف الذي يعتقده الكثير من المفكرين والسياسيين العرب والفلسطينيين المسيطرين على القرار السياسي، أوعلى الصحافة والاعلام والتعليم، أو الذين يتلقون الدعم من بعض الحكومات العربية وغيرها ، والذين يجرون الامة للاستسلام، وليس الى تحقيق الحقوق والسيادة والاستقلال . وهذه النظرية ربما لا تزال بحاجة الى المزيد من العمل ، ولكن اتفاق حماس وفتح في مكة ، اسس لهذه الامكانية عربيا وفلسطينيا مسألة الاعتراف المباشر بإسرائيل تشير القراءة الموضوعية الأولية إلى أن شروط الرباعية قد تحققت بدرجات متفاوتة في هذا الاتفاق، ما عدا مسألة الاعتراف المباشر بإسرائيل، ونلفت الانتباه هنا الى ثلاث مسائل مهمة ايضا : اولا: ان الاعتراف المطلوب من الحكومة الفلسطينية وحركة حماس لا تقره حتى الشرعية الدولية عندما تبقى إسرائيل دولة احتلال، ولا تلتزم بدورها بالشرعية الدولية، وتشرد الشعب الفلسطيني، وتعتدي عليه يومياً، لأن هذا الاعتراف يضفي شرعية فلسطينية على ضم الأراضي ومصادرتها وعلى عدوانها واحتلالها. وهو ما يخالف حتى قرارات مجلس الأمم والجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذه جدلية ينبغي التركيز عليها عربياً وفلسطينياً في الحوار مع الغرب والعالم. حيث إن الجانب الفلسطيني ليس مطالباً بالاعتراف بدولة الاحتلال على حين أن دولة الاحتلال هي المطالبة بالاعتراف وبالإقرار بحقوق الشعب الذي تحتله، خصوصاً ما يتعلق بإنهاء الاحتلال، وعودة اللاجئين، وإقامة دولة كاملة السيادة، وتطبيق الشرعية الدولية القاضية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه ووطنه. ثانيا: نشير بهذا الخصوص الى عدمية اي مشروع سياسي يقدم الاعتراف باسرائيل سلفاً ما لم تقدم اسرائيل على انهاء الاحتلال والاعترف بالدولة الفلسطينية، وكذلك إلى خطورة الاعتراف الفلسطيني باسرائيل في ضوء القانون الدولي والتجربة العملية وتطلعات المستقبل، وما يحمله من استحقاقات على الاجيال القادمة، ومن هنا تبرز اهمية موقف حركة حماس وحكومة السلطة التي ترأسها في اعادة الامساك بالورقة، وعدم تقديمها للجانب الاسرائيلي عبر عمليات الابتزاز المتواصلة. ورغم ان منظمة التحرير قدمت هذه الورقة مجانا في المراحل السابقة، غير ان السلطة ليست وريثا طبيعيا لها من الناحية القانونية، ولا هي ملزمة قانونا بمواقفها والتزاماتها السابقة، كما ان السلطة الفلسطينية هي المرشحة لتتحول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ، ومن هنا تبقى اهمية موقفها على أهمية موقف منظمة التحرير السابق سياسيا وقانونيا وعملياً. ثالثا: من جهة أخرى هل تستطيع حركة (حماس )ان تعترف باسرائيل عبر الحكومة او بشكل مباشر ؟ حسب الدراسات والتحليلات السياسية والاجتماعية والمتابعات للساحة الفلسطينية والعربية والاسلامية ولحركة حماس وتطور فكرها السياسي فانه يبدو من غير الممكن لحركة حماس أن تُقْدِم على الاعتراف المباشر بإسرائيل، لأن هذا الاعتراف يمثل انتحاراً سياسياً حقيقياً لحركة حماس، ولن تعود بعده حركة حماس التي يعرفها الجميع. كما يعتقد بأن عمقها الإسلامي وعلاقاتها الإسلامية أساساً _ناهيك عن برنامجها وجمهورها الفلسطيني الذي انتخبها على أساس المقاومة وعلى أساس تحرير أرض فلسطين_ لا يمكن أن يسمح لها أن تصل إلى حد الاعتراف، وإلا فلن يعد الأمر مرونة عند هذا الحد، بل انقلاباً على مبادئها وفكرها. عقبات في وجه الاتفاق قد تمنع تحقيق اهدافه وطموحه برغم ما مثله الاتفاق من تحول كبير في الموقف الفلسطيني ، ربما الى حد التنازل السياسي المثير للجدل، غير ان بعض العقبات قد تقف في طريق نجاحه منها: 1- التحركات السياسية التي تحاول ان تشكل ضغطا جديدا على الجانب الفلسطيني لتحقيق ما يلي: § إعاقة تنفيذ الاتفاق بما يضعف الموقف الفلسطيني والعربي الداعم له في مواجهة الضغوط الدولية § ابراز تحفظات عربية او خروج على هذا المؤشر الفلسطيني للبوصلة العربية لتعمل في النهاية على تحقيق انكشاف ظهر الفلسطينيين بمشروعهم الوحدوي الجديد § افشال الاتفاق او اعتباره غير كافٍ بما يبقي بيد اسرائيل واميركا مبررات قوية لاستمرار فرض الحصار الدولي على الشعب الفلسطيني § سيثير اي موقف عربي متحفظ من الاتفاق الافكار والمطالب الدولية والاسرائيلية العدمية امام الفلسطينيين من جديد! § اضعاف الاتجاهات الدولية الارووبية منها والروسية الساعية الى فك الحصار والاستجابة لهذا المتغير الكبير دون شروط اضافية. 2- عبثية الموقف الامريكي والرباعية وهو الإشكالية الأساسية التي سيواجهها هذا الاتفاق، فروسيا بدأت تتعقل، والاتحاد الأوروبي أبدى تحفظاً في غير مكانه في البداية ثم قبله كخطوة ولفك الحصار ، والأمم المتحدة أبدت تأييداً للاتفاق، أما أمريكا فلا تزال تتعنت لأنها تريد كل شيء من الجانب العربي ووفق الموقف الاسرائيلي العدمي، خاصة وأنها تتحكم بالموقف الرسمي النهائي للرباعية 3- أي محاولات فلسطينية لتعطيل التنفيذ الفعلي للاتفاق في التفاصيل من قبل أحد الأطراف المعنية بافشاله لاعتبارات متعددة المستويات 4- انتقال الخلافات السياسية من الشارع الى داخل الحكومة الفلسطينية، وبرغم ان ذلك يخفف من الاحتقان في الشارع، غير انه ربما يعمل على تعطيل فاعلية الحكومة خصوصا في حال كان ثمة من يقف وراء مثل هذه الخلافات من خارج الدائرة المعنية مثل اسرائيل على وجه التحديد 5- اشكالية استفراد منظمة التحرير والرئيس عباس وفريقه في ادارة المفاوضات مع اسرائيل، وهي الجهة التي فشلت سابقا واوصلت الشعب الى ما هو عليه اليوم ما قد يعني تكرار التجربة الفاشلة ، ونقل الخلافات من جديد الى الساحة الفلسطينية، وبالتالي ضعف استثمار التمويل سياسيا من قبل هذا الفريق آفاق الاتفاق إن الاتفاق اليوم يشكّل فرصة § لبناء الأمن والاستقرار في المنطقة § لاستئناف الجهود الدولية السياسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة كافة على اساس الموقف الفلسطيني § لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني وتقع مسؤولية تحقيق ذلك وملاحقة إنجازه على § الدول العربية والإسلامية § الدول الكبرى التي ترى في السياسة الأميركية تطرفاً مضراً بالعلاقات الدولية، وخصوصاً روسيا والصين وفرنسا. § التنسيق الفلسطيني الواسع من قبل حركتي حماس وفتح لفك الحصار عربياً فوراً § السعي لفك الحصار الدولي إلى جانب الدول العربية عبر المحافل الدولية وبضغوط متواصلة ومن الجدير التاكيد على ان الاتفاق حل مشكلتين كبيرتين كانتا موضع الخلاف الرئيسي في الساحة الفلسطينية، حيث تم تقاسم السلطة وتقاسم القرار بين الطرفين، على صعيد الرئاسة أو على صعيد الحكومة أو على صعيد التشريعي، كما تم التوصل إلى برنامج سياسي في اعتقادي أنه وسيط دون اعتراف مباشر بإسرائيل كما كانت تنص اقتراحات بعض الجهات سابقا. ولذلك فهو اتفاق سياسي وسيط وبرنامج سياسي وسيط، يبدو انه مناسب للساحة الفلسطينية في المرحلة الراهنة كي تنطلق العجلة، والاتفاق بالتالي أسس لفرص البناء الفلسطيني، وأسس لفرص الاستقرار في المنطقة، بل أوجد فرصة مناسبة إن كان هناك إرادة دولية لتسوية سياسية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، فالظرف أصبح مواتياً جداً اليوم، وإذا لم يلتقط المجتمع الدولي والدول العربية هذه الرسالة اليوم أعتقد أنهم سيندمون عليها بعد أشهر قليلة إذا انهار الاتفاق ولم تتمكن الحكومة من فك الحصار وتحقيق التنمية والاستقرار الداخلي . خصوصا في ظل ما اشرنا اليه من توافر الخيارات الاخرى امام الشعب الفلسطيني خلافا لما كان عليه الحال سابقا . ولذلك فالفلسطينيون والعرب في ظل هذا الاتفاق أمام إعادة رسم طبيعة العلاقة مع إسرائيل، وطبيعة الاتفاقات السابقة، حيث يتوقع أن تكون هذه المراجعة على المدى البعيد، وستكون بتوافق فلسطيني داخلي عميق، وليس مجرد مواقف أيديولوجية هنا وهناك. وبذلك يمكن القول: إن هذا الانطلاق السياسي قد حقق ما كان المجتمع الدولي يطالب به، _سواء كان صريحاً في أجزاء أو ضمنياً في أجزاء أخرى_ إلا أنه حقق المطلب الفلسطيني كاملاً، وحقق المطلب العربي كاملاً، وهذا هو الإحراج الذي تقع فيه اللجنة الرباعية، والموقف الأميركي، والموقف الإسرائيلي اليوم. الخطوات المطلوبة لانجاح الاتفاق ثمة خمس خطوات رئيسية يمكن ان تسهم في انجاح تطبيق الاتفاق الفلسطيني وتحقيق نتائج ملموسة له، وهي : الخطوة الأولى: أن نؤمن( فلسطينيا وعربيا) بأن الكرة أصبحت اليوم في ملعب ثلاثة أطراف مهمة ينبغي أن تسلم بأن الكرة في ملعبها وعليها الدور اليوم أن تدفع استحقاقات وتمارس دورا ايجابيا: 1- الدول العربية التي كانت تمارس الضغط على الفلسطينيين باستمرار سواء على فتح أوعلى حماس على حد سواء، مصر والأردن والسعودية بالتحديد ، لتتخذ مع سوريا موقفا داعما للاتفاق ويعمل على تسويقه دوليا. 2- إسرائيل ذاتها، بضرورة قبول الاتفاق ودفع الاستحقاقات اللازمة من طرفها خصوصاً وقف الحصار وتقديم تنازلات سياسية وتحقيق الانسحاب ، حتى لو كان ذلك في تطبيق الاتفاقات التي وقعتها مع منظمة التحرير وخصوصا واي ريفر 2 في شرم الشيخ 1999. 3- الولايات المتحدة الأمريكية واللجنة الرباعية، لتحقيق الانسحاب الاسرائيلي وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني والاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة، واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة. الخطوة الثانية : دعم حكومة الوحدة الوطنية بمجرد نيلها الثقة في البرلمان الفلسطيني المتوقع بالاجماع ، وفك الحصار عنها وبالتالي تحويل الضغط نحو إسرائيل. من قبل الدول العربية الخطوة الثالثة: سرعة بلورة افكار جديدة لإدماج حماس والمنظمات الأخرى في منظمة التحرير بعد تطويرها واعادة بنائها، ربما عبر الدخول في مرحلة مؤقتة تكون فيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لجنة تحضيرية ومرجعيتها المجلس المركزي لمدة عام واحد ، حيث تتخذ القرارات بالتوافق فيها ، بديلا لتشكيل لجان غير عملية، وذلك يعني بالطبع اعادة تشكيل اللجنة التنفيذية بالتوافق، ووقف العمل بلائحتها الداخلية هي والمجلس المركزي ، الى حين تشكيل مجلس وطني جديد واجراء انتخابات جديدة . الخطوة الرابعة: إعادة بناء الاجهزة الامنية بما يخرجها عن امكانية الخضوع للتجاذب الفلسطيني، مع تشكيل مجلس امن قومي اعلى لقيادتها ، على ان تتبع كل الاجهزة بما في ذلك القوة التنفيذية الى وزير الداخلية مباشرة وفق النظام الاساسي، واتخاذ التشريعات اللازمة لذلك، ثم إعادة تركيب الرتب في الأجهزة بحيث تعيد التوازن بين فتح وبقية الفصائل حتى لا يكون اي جهاز محسوبا على اي فصيل في النهاية. الخطوة الخامسة : الإفراج عن النواب الفلسطينين والوزراء المعتقلين حتى يكتمل النصاب الديمقراطي والتصويت في المجلس التشريعي. خصوصا وان على الدول العربيةواسرائيل والولايات المتحدة اليوم أن يعترفوا بأن حركة (حماس) قدمت ما عليها وأن الدور الآن على إسرائيل وعلى الحكومة الأمريكية . المطلوب عربيا لتحريك هذه الخطوات وتشجيعها ان التوحد الفلسطيني والتفاهم الداخلي السياسي وتقاسم السلطة والقرار والشراكة السياسية هي التي على الحكومات العربية تتحرك على اساسه وفق ما يلي: 1- ان تعتبره مؤشر البوصلة العربية في رسم سياساتها الجديدة في التعامل مع اسرائيل 2- ان يكون اساس الموقف العربي الموحد في القمة العربية القادمة بتبني اتفاق مكة وتسويقه دون اشتراطات من اي نوع على الجانب الفلسطيني 3- تركيز كل الضغط والجهود على الجانب الاسرائيلي لاجباره على الاستجابة السياسية بتحقيق الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، كما يرى الموقف الفلسطيني الموحد اليوم. 4- معالجة الموقف الامريكي المتعنت خصوصا ازاء شروط الرباعية الدولية ، وفي ظل انقسامها . هذا الموقف العربي ينبغي أن يسود في السياسة القادمة، فعلى مصر أن تلتقط الإشارة وتستمر في دعم الاتفاق وتدعمه بشكل أو بآخر، كذلك الأردن، وبالطبع سورية عليها أن تتحمل نفس المسؤولية، وأعتقد أن هذا الرباعي العربي (السوري-المصري-السعودي-الأردني) هو الطرف الأهم المعني بدعم الاتفاق والوفاق الفلسطيني اليوم، وينبغي أن يتعاون مع الطرفين الفلسطينيين الرئيسيين بعدالة وتوازن، بعيدا عن التمحور والتصنيف وذلك لمصلحة القضية الفلسطينية 5- هذا الاتفاق _اتفاق مكة_ أصبح مبرراً قوياً جداً في ظل الموقف الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ومواقف إسرائيلية أيضاً، أن تقوم الدول العربية برفع الحصار فوراً عن حركة الأفراد والوزراء والنواب وعن الأموال وعن حركة التجارة عبر المعابر وما شابهها فوراً، حتى تحرج إسرائيل وتضعها في خانة المتهم، وأن تبقى إسرائيل موقفاً معزولاً.
جـواد الحـمد -
صحيفة الوطن السورية أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|