|
إشكالات إستراتيجية تواجه الخيار العسكري الأمريكي ضد إيران
جـواد الحـمد تشير المعلومات المتوفرة أن إعلان الإدارة الأميركية المتواصل تحت الضغط الإسرائيلي بأن كل الخيارات مفتوحة في التعامل مع إيران، بما في ذلك الخيار العسكري، وأجواء التهديد والحرب التي تخيم على منطقة الخليج بشكل خاص، وفي بحر قزوين بشكل عام إنما تدخل في باب الضغوط الدبلوماسية ولتشجيع إيران على اختيار الاتجاهات الأقل كلفة في ملفها النووي. كما تفيد مختلف التحليلات أن ثمة إشكالات وعقبات تحيط بالقرار الأميركي، الذي يهدف _كما تعلن الإدارة الأميركية_ إلى وقف التقدم الإيراني في مجال الطاقة النووية، لدرجة صناعة القنبلة الذرية. في المقابل تبدي إيران مرونة وبراغماتية عالية في التعامل مع التهديدات والإنذارات الزمنية، في محاولة منها لكسب الوقت من جهة، والرهان على تفتت الموقف الدولي عبر مجلس الأمن من جهة أخرى. فإيران ترتبط اقتصاديا بروسيا، كما الحال مع عدد من الدول الأوروبية، وخصوصا ألمانيا وفرنسا، كما أن لها مساهمة مهمة في سوق النفط العالمي، وهي تملك اليوم ترسانة متقدمة من الأسلحة التقليدية، وربما غير التقليدية مما لم تعلن عنه، وتتواجد قرب شواطئها بوارجُ حربيةٌ أميركية تستطيع الأسلحة والصواريخ الإيرانية أن تطالها _في حال اندلاع أي حرب_، كما أن دول الخليج التي قد تتورط في مثل هذه المواجهة بضغط أميركي تٌعد مكشوفة الظهر عسكرياً أمام إيران، وإن أي مشاركة لها قد تعدها إيران كافية لمهاجمة منشآتها النفطية، وربما مواقعها العسكرية من الشاطئ الإيراني مباشرة، ناهيك عن أن مجموعة السبعة الإسلامية التي اجتمعت في اسلام آباد في الشهر الماضي قد أعلنت رسميا رفضها المطلق للهجوم العسكري الأميركي على إيران لأنها تخشى من أن تتحمل الكثير من الخسائر المادية والبشرية جراء مثل هذه المواجهات العسكرية غير محسوبة العواقب ولا الدوائر الأفقية، وستدخل منطقتها في أزمة جديدة، وهي لم تتخلص بعد من الأزمات في العراق وأفغانستان وتداعياتها بسبب التورط الأميركي العسكري فيهما. ولذلك فإن المعطيات العسكرية القائمة اليوم تشير إلى أن خيار القوة العسكرية أميركيا إنما يستخدم للضغط الدبلوماسي، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تتمكن من الحصول على موافقة الدول الكبرى( 5+1 ) ، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية رفض محاولة الولايات المتحدة إحلال إيران محل إسرائيل في الاستهداف الاستراتيجي العربي، وكذلك أعلنت السعودية والجامعة العربية أنه في حال كان هناك ضغط جاد لنزع أسلحة الدمار الشامل، وتوقف استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض الحربية، فإن إسرائيل التي تملك حالياً صواريخ حاملة للرؤوس النووية، أولى من إيران التي لا تملك بعد مثل هذه الجاهزية، الأمر الذي عقّد الموقف الأميركي في خياره العسكري _على أقل تقدير_. ويذكر أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على إيران منذ العام 1979 في عهد الرئيس كارتر، ولا تزال العقوبات سارية المفعول، غير أن الجهود الأميركية نجحت في الحصول على موافقة الدول الصناعية ومجلس الأمن الدولي بتوسيع دائرة العقوبات الاقتصادية على إيران في حال عدم استجابتها للمطالب الدولية، وبدأت بعض الأطراف بتطبيق هذه العقوبات، لكنها لا تزال غير قادرة على التأثير على الموقف الإيراني، بسبب ما تملكه إيران من هامش المناورة الذي تتيحه لها علاقاتها الدولية ودورها الإقليمي وتقدمها العسكري، واستقلالها الاقتصادي النسبي، ونجاحها النسبي أيضا في التعايش مع العقوبات الاقتصادية الأميركية لأكثر من ربع قرن . . وفي محاولة لإفشال الجهود الأميركية في حشد الدول العربية الخليجية وغيرها لتبرير المواجهة العسكرية مع إيران قام الرئيس الإيراني خلا الأسبوع الماضي بحملة علاقات دبلوماسية عامة في عدد من الدول العربية شملت كلا من السودان والمملكة العربية السعودية، الأمر الذي سوف يسهم في بلورة موقف عربي وإسلامي يعارض أي توجهات أميركية لضرب إيران عسكريا حتى لو كانت ضربات محدودة حسب بعض السيناريوهات العسكرية الأميركية المقترحة. من جهة أخرى فإن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، خاصة على الساحل الخليجي (مفاعل بوشهر مثلا)، إنما سيعقد الموقف الأميركي، خصوصاً وأنه سيثير حفيظة الدول والشعوب العربية والإسلامية ضد إسرائيل، وضد الولايات المتحدة، التي سمحت لها بذلك. وسيعطي إيران فرصة جديدة على الصعيدين السياسي والإيديولوجي لكسب الرأي العام العربي والإسلامي، وإحراج الولايات المتحدة، كما سيتسبب بموقف روسي _على الأرجح_ مناهض لهذه الضربة ومؤيد لإيران، مما قد يسهم في إفشال الجهود الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها هذه الدول على إيران، والتي تريدها الولايات المتحدة أكثر صرامة. وكانت الدول الأوروبية قد قدمت لإيران حقيبة من الحوافز الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في حال تخليها عن بناء الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووي، والتوقف عن عمليات تخصيب اليورانيوم أو إنتاج البلوتونيوم، أو التطوير الصاروخي اللازم لحمل الرؤوس النووية. ومن بين هذه الإغراءات توفير الوقود النووي اللازم لإنتاج الطاقة السلمية لإيران، من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، بل والسماح مستقبلا لإيران بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية، حيث يمكن النظر مستقبلا بالسماح لها بالقيام به بعد التأكد من المسار السلمي لمفاعلاتها النووية.ة. من جهة أخرى فإن مراقبة التحولات في أزمة الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة تشير إلى أن الأخيرة لا تزال تحرص على الحل السياسي والدبلوماسي مع إيران، لاعتبارات إستراتيجية تتعلق بحاجة الولايات المتحدة لإيران في العراق من جهة، ولتخوفها من دور إيران في إثارة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية، خصوصا بعد نتائج حرب تموز الإسرائيلية على لبنان عام 2006 ، وكذلك تزايد الخشية الأميركية من امتلاك إيران لأسلحة تقليدية خطيرة قد لا يتم الإعلان عنها، وبالتالي تصاعد إمكانية الإخلال بالتوازن العسكري القائم في وسط آسيا والخليج العربي، وربما كذلك في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ولذلك فإن التلويح بالخيار العسكري إنما يمثل استجابة للضغوط من قبل إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ومن قبل المتطرفين في الإدارة الأميركية، لكن الاتصالات الأميركية الإيرانية عبر الوسطاء وعبر لجنة الطاقة الدولية، وربما عبر اتصالات أخرى تنبئ بإمكان التوصل إلى حلول وسط تعتقد إسرائيل وأميركا أن الرئيس احمدي نجاد هو الذي عطلها بسبب مواقفه المتشددة _على حد تعبيرهم_، لكن الفرص لا زالت قائمة دبلوماسيا، خصوصا في ظل التحمس الروسي لحل الأزمة سلميا، والذي يبدو أنه في تزايد، الأمر الذي دفع البعض في الإدارة الأميركية إلى الحديث عن خطة للعمل على إعادة التوازن الداخلي السياسي في إيران، وهو ذات البرنامج الذي تبنته الإدارة الأميركية إبان حكم الرئيس رفسنجاني، وقبل استلام الإصلاحيين لنظام الحكم في إيران. وبرغم أن الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة بسياسة الخيار المفتوح، غير أنها تجد نفسها في الواقع مكبلة اليد في عدد من الخيارات المطروحة في هذه السياسة، خصوصا في ظل تنامي القناعات بأن الخيار العسكري قد لا يؤدي بالضرورة إلى توقف البرنامج النووي الإيراني السري - خاصة وأن ثمانية من المفاعلات النووية الإيرانية الاثني عشر تقع في عمق الأراضي الإيرانية، ما يجعل أي هجمات عسكرية محتملة تواجه صعوبات متعددة لوجستيا واستخباريا- كما أن النتائج السياسية والاقتصادية المترتبة على هذه الضربات العسكرية المتوقعة، وردود الفعل الإيرانية المحتملة إزاءها، تنبئ بأنها يمكن أن تدخل المنطقة في أزمة واسعة النطاق على مختلف المستويات، والتي قد لا تسلم منها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها في وجود مصالح متحققة لها في المنطقة، تتمثل بقواتها وسفنها الحربية في الخليج والعراق، وممرات نقل وتدفق النفط إلى الدول الصناعية ، والمعاناة من إشكالات ارتفاع الأسعار الخيالي للنفط خلال العام 2006، ، وكذلك تنامي الصعوبات الأمنية التي يتواجهها إسرائيل وهي التي قد لا تكون في منأىً عن دفع الثمن بأكثر من شكل، ناهيك عن إمكانية تراجع التنسيق الأمني الإيراني- الأميركي في العراق، وما يسببه ذلك من إشكالات للسياسة والإستراتيجية الأميركية في العراق التي أصبحت تحدد مستقبل الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة، والتي تعتمد اعتمادا كاملا على قوى سياسية تعد من حلفاء إيران لإدارة الوضع العراقي في الحكومة والجيش والأمن الداخلي، ومواجهة عمليات المقاومة أو عمليات العنف المتصاعدة على أكثر من جبهة. إن كل هذه الإشكالات حاضرة في التفكير الاستراتجي الأميركي كما يظهر من خلال المتابعة الحثيثة للدراسات والحوارات الداخلية، وهو ما يجعل إمكانيات القيام بالضربة عسكريا محدودا ، والتي ربما تصل إلى درجة التلويح دون التنفيذ، إلا إذا قررت الولايات المتحدة غض الطرف عن قيام إسرائيل بضرب عدد من هذه المفاعلات على ما في ذلك من تعقيدات أخرى، حيث تكون إيران عندها الكاسب الأكبر سياسياً، وخصوصاً على صعيد الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن تزايد إمكانية الانقسام الدولي إزاء هذه العمليات الإسرائيلية. ولذلك فإن الخيار الدبلوماسي وتنفيذ العقوبات الاقتصادية، وربما السياسية هو ما تحاول الولايات المتحدة تشديده على إيران، في ذات الوقت الذي تقدم فيه مع الدول الأوروبية حوافز أكبر، وصفقات متقدمة متطورة لإيران، لتشجيعها على الاستجابة لشرط وقف التخصيب، ووقف إنتاج الوقود النووي، وفتح منشآتها لمراقبة اللجنة الدولية للطاقة بشكل كامل. ويمكن للنجاح الذي تحقق في الملف النووي لكوريا الشمالية، أن يشجع الغرب على الإيمان بهذا المسار دون غيره، بوصفه الأقل كلفة، والأضمن لتحقيق الأهداف، حتى لو طالت المفاوضات مع إيران زمنياً. ومن المهم الإشارة في نهاية هذا التحليل لإمكانيات الضربة العسكرية الأميركية أو الإسرائيلية لإيران وإشكالاتها بأن ما قدمه التحليل من معطيات لا ينفي كلياً أو قطعيا إمكانية قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية، وتحمّل العواقب بحدّها الأدنى. لكنه يثبت بوضوح أن الظروف لا تزال غير مواتية لهذا الخيار العسكري وفق المعطيات المتاحة، ولذلك فإنه لا يبدو مطروحاً في المدى المنظور لهذا العام ( 2007) _إلا إذا تغيرت المعادلات الإقليمية أو الدولية أو الإيرانية الداخلية تغيرا غير محسوب_، خاصة وأن الذي يفكر بالخيار العسكري لحل الأزمة مع إيران في العالم دولتان فقط هما أميركا وإسرائيل، ولا يوافقهما على ذلك أحد من دول العالم، آخذا بعين الاعتبار التأكيد الأميركي المتجدد أنها سوف تعمل على استنفاذ جهود الخيار الدبلوماسي قبل التفكير بأي خيارات أخرى.
جـواد الحـمد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|