|
حركة التحول الديمقراطي والحرية في الوطن العربي ... المشهد وآفاق المستقبل
جـواد الحـمـد ثمة اتفاق بين غالبية المفكرين والسياسيين في الوطن العربي على الحاجة الملحة لإحداث نقلة نوعية في مجال الحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وتشير النظرة الموضوعية في حركة التطورات السياسية والاجتماعية في الوطن العربي منذ أواسط الثمانينات إلى تنامي ديناميكية جديدة لدى الشعوب العربية في دفع حركة التحول نحو الحرية السياسية والديمقراطية، وقد ساعدت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987 على تشجيع هذه الديناميكيات، ووفرت لها حافزا إضافيا بسبب تراجع الدعم العربي الرسمي للقضية الفلسطينية قبيل الانتفاضة. ومع التزايد العالمي في التحول عن النظم الاشتراكية والشيوعية الشمولية إلى الحرية السياسية والديمقراطية منذ عام 1989وصاعداً، فقد تزايدت حركة التحول العربي على الصعيد الشعبي بشكل أساسي وعلى الصعيد الرسمي بشكل أقل نحو المطالبة بالحريات السياسية والمزيد من الديمقراطية. وقد أظهرت الأزمة الناجمة عن احتلال العراق للكويت عام 1990 الإشكالية الديمقراطية في العالم العربي، وكشفت ضعف أو غياب المشروعية السياسية والشعبية عن كثير من الحكومات العربية، وهو ما وفر الجو المناسب لحركة الشارع ومشاركته في فرض عدد من السياسات والمواقف. غير أن الانقسام العربي الرسمي والشعبي أفقياً وعمودياً إبّان هذه الأزمة وبعد هزيمة العراق عسكرياً وعودة الكويت إلى أهلها وكثافة التواجد العسكري الأمريكي والأجنبي في المنطقة منذ العام 1991، شكل إطاراً ناظماً لحركة المجتمعات العربية السياسية في زيادة الضغط لتحقيق مزيد من الحرية والديمقراطية، متهمة بعض هذه الحكومات بالخضوع للسياسة الأمريكية التي تناهضها الغالبية الساحقة من القوى السياسية والاجتماعية العربية. وبدأت المجتمعات العربية في ظل هذا الانقسام تفرز العديد من مؤسسات المجتمع المدني التي تراقب الحريات والعملية الديمقراطية، وتطالب بمزيد من المشاركة الشعبية في القرار، وتسعى إلى جعل العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع الطريق السلمي الوحيد لتحقيق المشروعية السياسية لحكوماتها، وقد واجهت هذه الديناميكيات الكثير من التحديات والعقبات لدرجة ان بعض الحكومات العربية سنت من القوانين ما تسبب بتراجع الحريات العامة والعملية الديمقراطية فيها، وذلك بسبب تزايد التخوف الرسمي العربي والغربي الدولي من تمكن تيارات الإسلام السياسي (الأصولي حسب التقدير الغربي) من الوصول إلى الحكم في عدد من الدول العربية. ومع بواكير القرن الواحد والعشرين تزايدت الضغوط المحلية على الحكومات العربية لتوسيع دائرة الحريات السياسية والديمقراطية، وشكلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 رافعة جديدة لتحريك الشارع العربي للضغط على مواقف وسياسات حكوماته لنصرة الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في القرار في ظل العجز السياسي والعسكري والاقتصادي الذي انكشف أمام الشعوب في معظم الدول العربية. وفي فبراير عام 2004 فاجأت الولايات المتحدة العالم العربي بتسريب مشروعها لما أسمته "الشرق الأوسط الكبير" في إطار نظرية للإصلاح والديمقراطية الشاملة لم تقف عند الشق السياسي فقط، وتسبب هذا المشروع بتصاعد حركة المناهضة العربية لفرض الإصلاح والقيم الثقافية من الخارج، الأمر الذي استغلته عدد من الحكومات العربية لتبرير عدم تجاوبها مع الضغوط الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح والديمقراطية، وأصبحت مسيرة الإصلاح والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني المطالبة بها عرضة للاتهام بالتساوق مع التوجهات الأمريكية، ومرة أخرى تكون تدخلات الولايات المتحدة سببا في تعويق ديناميكية الإصلاح الجارية في الوطن العربي. أهلية الوطن العربي للحرية والديمقراطية المتطلع للإصلاح والتحديث ونشر الحرية والحكم الصالح لا يمكن له إلا أن ينطلق من قواعد الثقة بالنجاح وان يكون موضوعيا في وضع التحديات بحجمها الطبيعي، وعليه أن يلتقط إشارات ومفاصل التحول ليبني عليها دون اللجوء إلى القياسات المطلقة التي تنشئ حالة الإحباط واليأس وتفشل حتى التطلعات المستقبلية، وتجعلها مجرد آمال وأحلام غير واقعية، وهذا لا يتعارض مع تبني الشفافية في توجيه الرأي العام وقيادة المجتمع بنظرة واقعية. ويتمتع الوطن العربي بأهلية واسعة للتحول نحو الحرية والديمقراطية ونعتقد أن أهم عناصرها: 1. استقلال الحركة الشعبية عن الأنظمة وسياساتها في معظم الوطن العربي خلافاً لما كان عليه الحال طيلة الخمسين سنة الماضية. 2. تنامي مستوى الوعي السياسي والاجتماعي والتقدم الاقتصادي، وانتشار التعليم مما يشكل أرضية اجتماعية وفكرية خصبة لحركة الحرية والديمقراطية. 3. إدراك الشعوب لفشل النظام العربي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بل وفي قدرته على التصدي للأخطار الخارجية، ما جعل البحث عن البديل الجديد أو تطوير القائم وتقويته برنامجاً شعبياً عربياً واسع النطاق. 4. توفر الإمكانات المالية والثروات الطبيعية والثروات البشرية بقدر يناسب الحاجة إلى الإصلاح والتطوير والديمقراطية. مقترح لديناميكية و متابعة وتشجيع الحرية من أجل تفعيل آليات التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي العربي دون الدخول في الأزمات الاجتماعية والسياسية يقترح الدعوة إلى إنشاء "منتدى للإصلاح والديمقراطية" على مستوى الوطن العربي، تؤسسه النخب السياسية والفكرية والاجتماعية العربية، وبتمويل عربي ذاتي (100 شخصية) يضم بين جنباته اتجاهات النخب المختلفة المقربة من السلطة او المعارضة (بكل أطيافها)، أو المستقلة ليعقد مؤتمراً سنوياً، ويهدف هذا المنتدى إلى: 1. تجسير الهوة بين المعارضة والحكم على قاعدة شركاء في المجتمع وشركاء في الثروات وشركاء في الحكم والمسؤولية، وذلك للتخفيف من حالة الاستنزاف الداخلي. 2. تشجيع الحكومات والمعارضة على وضع وتنفيذ برامج إصلاح وتحديث وتنمية مشتركة. 3. تقديم الاستشارات والرؤى لمختلف الدول والجماعات العربية بهدف التأكد من واقعية حركة الإصلاح وتسديدها. 4. بناء فكر وديناميكية الإصلاح المنشود في المجتمع عبر الإعلام والتنظيم والحراك الاجتماعي والسياسي. حيث يتبنى هذا المنتدى رؤية مستقبلية ناضجة للخروج من مأزق الإصلاح السياسي إلى فضاء الحرية والتعددية والديمقراطية، ومن أهم مكونات هذه الرؤية: 1. حرية اختيار الممثلين عبر صناديق الاقتراع وبقوة متماثلة للصوت الانتخابي دون تمييز، وعلى أساس مبدأ المواطنة، وان تكون المؤسسة التشريعية جهة المساءلة المطلقة للجميع. 2. إقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة في الدستور 3. إقرار التشريعات التي تقرر الحريات والحقوق، وتحارب الفساد والمحسوبية 4. سن التشريعات التي تضمن العدالة والمساواة والشفافية في الدولة، وبناء نظام قضائي مستقل تخضع له كل المؤسسات والأفراد في الدولة بعدالة ومساواة. 5. تقوية ودعم وحدة بناء المجتمع بوصفها عاملاً مساعداً مهما لإحداث التغيير نحو الحرية ألا وهي (الأسرة) العربية.
جـواد الحـمـد أعلى الصفحة عودة لرؤيتنا للمتغيرات
|
|
|
|
---|