|
مستقبل القضية الفلسطينية بين حكومة حماس وحكومة الوحدة الوطنية* الجزء الأول تجربة حماس في حكم السلطة الفلسطينية تحت الحصار والعدوان
ما إن تبين فوز حركة حماس الساحق في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية يوم الخميس 26 من يناير 2006، حتى تعالت الأصوات وتكاثرت المقترحات لتشكيل حكومة وطنية فلسطينية موسعة، وبعد تكليف رئيس قائمة حماس اسماعيل هنية بتشكيل الحكومة في منتصف فبراير2006، بنى رئيس الحكومة المكلف وقيادة حماس تحركهما في تشكيل الحكومة على أساس الوحدة الوطنية، حيث أجرى وحركة حماس مفاوضات مكثفة مع كل القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة، وقدمت حماس خلالها تنازلات كبيرة للوصول إلى برنامج سياسي يقوم على اتفاق الحد الأدنى، حتى فيما يتعلق بتطبيق البرنامج الأيديولوجي لحماس، ناهيك عن استعدادها لتقديم حقائب سيادية لبعض هذه القوى. غير أن ثلاث قوى لعبت دوراً حاسماً في الحيلولة دون اتفاق القوى الفلسطينية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية بعد الإنتخابات، وهذه القوى هي : · الأولى:القوى المتشددة وقوى الشد العكسي والمتضررين من هذه الوحدة وبعض الأطراف المرتبطة بالمشروع الصهيوني الأميركي داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ، حيث عملت هذه القوى على رفع سقف مطالب فتح ليكون برنامج الوحدة الوطنية الوحدوية صورة عن برنامج حكومة فتح السابقة، والذي رفضه الشعب الفلسطيني عبر الانتخابات الحرة بأغلبيته، كما تبنت هذه القوى الشروط الأميركية – الإسرائيلية التي ربطت المساعدات الدولية لهذه الحكومة بالاعتراف بإسرائيل والموافقة على اتفاق أوسلو وملحقاته ووقف برنامج المقاومة، الأمر الذي أشعر حماس بعدم جدية حركة فتح في التحالف أو التوافق مع حركة حماس على حكومة وطنية موحدة. · الثانية:المنظمات الفلسطينية اليسارية -التي برغم اتفاقها مع حماس على رفض الاعتراف بإسرائيل والتضحية ببرنامج خط المقاومة وعدم تأييدها لأوسلو-غير أنها أصرت على مطلبين يمثلان تغييراً سياسياً في برنامج حماس ذاتها، الأول يتعلق بالاعتراف بالشرعية الدولية كمرجعية لأي حل سياسي للقضية، والثاني يتعلق بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً دون ربط ذلك بإصلاحها أو إعادة بنائها سياسياً وتنظيمياً، وهو ما أضعف إمكانية المشاركة في الحكومة على قواسم تبنى على الحد الأدنى من الإتفاق. · الثالثة: بعض القوى والشخصيات المستقلة التي تعرضت لضغوط دولية وإسرائيلية لمنع مشاركتها في الحكومة، إضافة إلى اشتراطها الإقرار بالشرعية الدولية كأساس لحل عن طريق التسوية السلمية، إضافة إلى تحفظها على بعض أعمال المقاومة التي تقوم بها حماس والقوى الأخرى. وقد تكشّفت معلومات تفيد بقيام دول عربية إضافة إلى إسرائيل وأميركا وقوى الشد العكسي على الساحة الفلسطينية بممارسة ضغوطات كبيرة وأساليب متعددة لإفشال حكومة حماس من جهة، ولتسهيل فرض الحصار السياسي والاقتصادي والمالي اللاحق عليها، ولتصعيد وتيرة الخلافات الداخلية الفلسطينية ، وذلك تمهيداً لإسقاط الحكومة واتهامها بالفشل وتحريض الشارع الفلسطيني ضدها، والسعي لفرض انتخابات تشريعية مبكرة، تعيد السلطة لحركة فتح ، سواء عبر تغيير مزاج الجماهير أو بعمليات تزوير منظمة. تفيد مصادر مقربة من حماس بأن هذه القوى قد خذلتها، في وقت كانت القضية الفلسطينية فيها أحوج ما تكون للمحافظة على الخيار الديمقراطي الذي أعطى حماس الزعامة والقيادة، وتقول بأن حماس شعرت أنها أمام تحدٍّ، فإما أن تقود الشعب الفلسطيني بهذا التفويض الشعبي، بمن أحب أن يشاركها القيادة، أو أن تترك الحكومة والقيادة التنفيذية لأطراف أخرى. واختارت حماس تحمل المسؤولية ونتائج الخيار الصعب بأن تقود الحكومة الفلسطينية من دون فصائل الفلسطينية التي أحجمت لأسباب مختلفة لتحمل المسؤولية معها في هذه المرحلة الخطرة. إن التحول الجديد في الديمقراطية الفلسطينية، والاستعداد العربي والإسلامي العام لدعم صمود ومقاومة الشعب لفلسطيني يمثل خياراً استراتيجياً يمكن البناء عليه، وفي ضوء التصريحات التي أعلنتها حركة حماس فإن المراقبين والمحللين كانوا ينظرون بكثير من الارتياح لاحتمالات نجاح الحكومة بقيادتها في تجاوز أزمة الحصار الدولي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، وكذلك أزمة الخلاف السياسي المبدئية الناجمة عن شروط سياسية فلسطينية غير ضرورية على حماس للمشاركة معها في الحكومة. حيث تحملت حماس مسؤولية التغيير والإصلاح في مختلف أركان السلطة الوطنية الفلسطينية وتحملت مسؤولية مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي المتواصل، كما تحملت مسؤولية إنجاح النموذج الديمقراطي الفلسطيني على صعيد البرلمان والحكومة، مستندة إلى نظريتها في الحكم وإدارة الصراع مع الاحتلال والتي تعتقد أن الشفافية والكفاءة وتفعيل العمق العربي والإسلامي الشعبي إضافة إلى الاستفادة القصوى من الطاقات الفلسطينية في الداخل والخارج معتمدة على الرصيد الثوري والنضالي المتواصل للشعب الفلسطيني ، حيث اعتقدت أنها تستطيع تحقيق إنجازات واقعية وعملية على مختلف الصعد يمكن لها أن تشجع الأطراف الفلسطينية الأخرى على الالتحاق بها لحمل المسؤوليات خلال الأشهر اللاحقة لتشكيل الحكومة. ولكن داهمت حركة حماس ثلاث تحديات: · كان الأول والأخطر منها هو اندفاع مجموعة من المتضررين من فقدان السلطة فردياً وجماعياً لتحريض الولايات المتحدة وإسرائيل إضافة إلى دول عربية أخرى ضد هذه الحكومة، استناداً إلى تقدير موقف يؤكد على هشاشة موقف واستراتيجية حركة حماس الجديدة، وأنه يمكن إسقاطها خلال الشهور الثلاثة الأولى، مما أدى إلى برنامج فلسطيني داخلي يعمل بكل إمكانياته من أجل إفشال الحكومة، خاصة وأن عدد من قيادات الأجهزة الأمنية وكبار الموظفين في الوزارات المدنية وعدد من رجال الأعمال أصحاب المصالح الكبرى في الضفة والقطاع يعملون لخدمة هذا البرنامج المعادي لحركة حماس وحكومتها، والذي لايخدم المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، ناهيك عن العقبات والإشكاليات التي تسبب بها مكتب رئيس السلطة بإعاقة عمل الحكومة ومنازعتها الصلاحيات في إدارة الأمن والإعلام والاستثمار والدبلوماسية وغيرها. · أما التحدي الثاني فقد تمثل بالحصار السياسي والاقتصادي المحكم على الحكومة والشعب الفلسطيني، بما في ذلك رفض الاعتراف بالواقع الجديد في بنية السلطة الوطنية الفلسطينية على صعيدي البرلمان والحكومة، إلى درجة أن زيارة عضو في البرلمان أو وزير في الحكومة لأي بلد عربي أو أوروبي أصبح مسألة معقدة توضع أمامها كثير من الإشكاليات، ناهيك عن إرهاب البنوك الفلسطينية والمؤسسات الخيرية العربية والدولية من التعاون المالي بأي شكل من الأشكال مع حكومة السلطة الجديدة مما ساهم في تفاقم أزمة رواتب موظفي السلطة، وتعقيد عملية التنمية الإقتصادية، ووقف المساعدات العربية والدولية الاقتصادية والأمنية والإنسانية، كماحدّ ذلك من ممارسة السلطة لدورها في التمثيل الدبلوماسي حتى في المؤسسات العربية والإسلامية، فضلاً عن المؤسسات الدولية بحجج مختلفة. · أما التحدي الثالث فقد تمثل بالموقف الإسرائيلي المتطرف جداً وغير المسبوق، في رفض التعامل كلياً مع أي مستوى تقوده الحكومة الفلسطينية الجديدة، وإبقاء الإصرار على التعامل مع مكتب رئيس السلطة بديلاً، بما في ذلك وقف تحويل الضرائب الفلسطينية من البنك المركزي الإسرائيلي إلى وزارة المالية الفلسطينية الذي كان يمثل أكثر من ثلث الإيرادات العامة للسلطة، فضلاً عن تصاعد العدوان والاغتيال والتدمير والاجتياحات والاعتقالات ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية وبنيته التحتية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلتين، كما شكل الحصار والتحكم الإسرائيلي الكامل بالواردات الفلسطينية عبر ميناء حيفا أو المعابر ما بين قطاع غزة أو الضفة والدول العربية المجاورة على صعيد البضائع والمعدات والأفراد، بل وعلى صعيد المساعدات المتعلقة بمؤسسات الأمم المتحدة كالأونروا والصليب الأحمر الدولي مما عرّض قطاع غزة مثلاً إلى حافة المجاعة والكارثة الصحية وتفاقم أزمة البطالة كما أفادت تقارير المنظمات الدولية المختلفة. ورغم هذا الواقع فقد حاولت حكومة حماس مواجهة هذه التحديات، وتفويت الفرصة على المتربصين بمصالح الشعب الفلسطيني، واتجهت نحو برنامج وطني يستند على الإجماع الفلسطيني على الحد الأدنى من القواسم الفلسطينية، وعلى الحد الممكن من جهود البناء والتطوير وتوفير العيش الكريم لأبناء الشعب الفلسطيني وقد تمظهرت هذه الاستراتيجية بمحاور عدة أهمها: · التزام برنامج الحكومة بالقواسم الوطنية المشتركة التي تم الاتفاق عليها مع القوى الأخرى خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، ومحاولة تلمس الحاجات المطلبية الأساسية للشعب، وتجاوز العمل بالبرامج التي قد تثير إشكالات داخلية بين القوى السياسية الفلسطينية. · ورغم تمنع الفصائل الفلسطينية المختلفة عن المشاركة في الحكومة في تشكيلتها الأولى إلاّ أن رئيس الحكومة ورئيس حركة حماس أعربا عن استعداد الحركة لإعادة تشكيل الحكومة في حال طلب أي فصيل المشاركة فيها. · قامت قيادة حركة حماس بقيادتها ثم بحكومتها بحملة دبلوماسية لفك الحصار السياسي وتوفيرالدعم اللازم للشعب الفلسطيني وتقديم فلسفة منهج وفلسفة ورؤى حكومتها الجديدة للحكومات العربية والإسلامية وللقوى السياسية العربية والإسلامية وقوى المجتمع الدولي. · كما قدمت مبادرات متلاحقة من أجل التفاهم مع المجتمع الدولي الذي أعلن شروطاً سياسية مسبقة للاعتراف بالحكومة، حيث أبدت الحكومة الجديدة استعدادها للحوار مع اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط مع الاتحاد الأوروبي وحتى مع الولايات المتحدة الأميركية لبحث كل الامور، بما فيها مطالب المجتمع الدولي آنفة الذكر. · استمرت الحكومة الفلسطينية بمحاولة توفير الحد الأدنى اللازم لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني والسلطة بما في ذلك إدخال أموال عبر فروع البنوك العربية في الضفة وغزة والتفاهم مع الجامعة العربية على ذلك، وتشجيع الدول العربية والمؤسسات العربية والخيرية لتحويل مساعداتها عبر هذه البنوك، لكن التعليمات السياسية من بعض الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أدت الى تمرد هذه البنوك على السلطة وتعليمات وزارة المالية، حيث رفضت تلقي هذه الأموال أو صرفها إلى مستحقيها، وهو ما حدا بالحكومة للبحث عن وسائل أخرى كان من أبرزها إدخال عشرات الملايين من التبرعات نقداً إلى صندوق وزارة المالية عبر المعابر الحدودية. · حيث تمكنت في ظل هذا الحصار الخانق ومنع التحويلات والحاجة الملحة للشعب الفلسطيني من دفع راتب شهرين لأربعين ألف موظف وسلفتين على الراتب لبقية الموظفين. · في ضوء التهديد الذي أطلقه رئيس الوزراء اسماعيل هنية، بأن الشعب الفلسطيني سيلجأ إلى خيارات أخرى إذا بقي الحصار المالي مفروضاً عليه ، تم بلورت اقتراحاً دولياً يقضي بأن تُحوّل الأموال إلى حساب يشرف رئيس السلطة محمود عباس، حيث أعلنت الحكومة موافقتها على ذلك رغم ما يمثله الاقتراح من تعدٍّ على صلاحياتها القانونية والسياسية حسبما يروي قياديو حركة حماس. · في ظل محاولاتها لتوحيد الجبهة الداخلية وافقت على مساعدة الحوار الوطني الفلسطيني برعاية رئيس السلطة، وأبدت مرونة كبيرة إزاء التعامل مع ورقة عمل سمّيت وثيقة الأسرى قُدمت بين يدي هذا الحوار، وبرغم المعلومات المتوافرة لدى حماس –حسب مصادر مقربة- حول حقيقة هذه الورقة وكاتبيها ، غير أنها قُبلت بعد تردد أن تكون هي ورقة العمل الأساسية، علما بأن روحها وكثير من نصوصها تمثل برنامج منظمة التحرير الذي اتفقت عليها فصائلها في لقاء يهدف لبحث إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بغياب كل من حماس والجهاد الإسلامي، أي أن البرنامج المطروح إنما هو برنامج حركة فتح ومنظمة التحرير، ومع ذلك فقد وافقت الحكومة وحركة حماس على إدخال بعض التعديلات الأساسية على الورقة لتكون هي الورقة الفلسطينية الموحدة تحت اسم " وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني ". ويظهر لكل الخبراء عند قراءة " وثيقة الوفاق الوطني " -التي تم التوافق عليها- حجم المرونة التي أبدتها حركة حماس وحكومتها إلى الفصائل الأخرى، خاصة ما يتعلق بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تستند إلى هذه الوثيقة، والتي ركزت جهود فتح وقوى منظمة التحرير وبعض القوى الأخرى عليها بوصفها الحل السحري لكل مشاكل الشعب الفلسطيني، والتي ستدخل حماس وحكومتها في تحديات جديدة قد تعيق عملية البناء والصمود والمقاومة، وذلك دون موازاة هذا الاهتمام بإعادة بناء منظمة التحرير التي فقدت مؤسساتها القيادية وشرعيتها القانوينة زمنياً منذ أربعة عشر عاماً، في حين أن الحكومة لا تزال في بداية عملها وتعمل بجد لتجاوز معظم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني . وبجردة الحساب العاجلة هذه والتحليل الذي أحاط بمكوناتها ومراحلها يتضح أن: 1. مسألة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية كانت برنامج حركة حماس الأساسي. 2. أن الأطراف الأخرى هي التي أحجمت عن المشاركة. 3. كما تبين أن القوى السياسية الفلسطينية وخاصة حركة فتح لم تقدم العون اللازم للحكومة على تحقيق برنامجها أو تطوير الواقع الفلسطيني. * جواد الحمد |
||
|
---|