|
اتجاهات ومستقبل
المواجهات بين المقاومة وإسرائيل في فلسطين ولبنان، وتداعياتها الإقليمية مقابلة مع الأستاذ جواد الحمد المدير العام أجراها الصحفي عبد الجليل مصطفى
مراسل وكالة الأنباء الأسبانية في الأردن الأحد - 16/7/2006 السؤال: كيف ترى طبيعة المواجهات القائمة اليوم خصوصاً على الجبهة
اللبنانية؟ أ.
جواد:
يبدو أن المعلومات الإسرائيلية عن قوة حزب الله كانت ضعيفة خلافاً لما يقوله الجيش
الإسرائيلي، حيث ادعوا "أننا كنا متوقعين كل هذا"، طبعاً هذا الكلام خرافات
وغير صحيح، والدليل أنهم لم يأخذوا الاحتياطات اللازمة لمواجهة هذه المفاجآت، على
سبيل المثال: لا يوجد أي ترتيبات كافية للملاجئ في حيفا، لا يوجد ترتيبات
لإحداثيات الباتيريوت في مواجهة صواريخ المقاومة، لم يكونوا يتوقعون ما الذي
سيحصل. الأمر
الآخر كلهم كانوا يتكلمون عن الكاتيوشا لضرب إسرائيل، وتبين أنه صاروخ آخر، الذي
هو مطور من قبل حزب الله، (رعد 1 أو رعد 2)، ولذلك فمن الواضح أنه لا يوجد معلومات
دقيقة، ثم بحرياً لو كان عندهم معلومات سابقة لما وضعوا البارجة على مسافة عشرة
كيلومترات، لكنهم لم يكونوا يعرفون أن حزب الله يملك صواريخ وتوربيدات بحر - بحر، ولا أرض - بحر التي دخلت وسط البارجة.
القصد أنه يوجد مفاجآت حقيقية فاجأت الإسرائيليين، وهذا هو السر في أنهم لم يتخذوا
قرار الاقتحام البري الشامل حتى الآن، حيث يجرون اختبارات هنا وهناك للتأكد من
كيفية المواجهة البرية. السؤال: هل يمكن القول أن محور
إيران سوريا حزب الله حماس يعمل ببرنامج إقليمي؟ أ.
جواد: أنا
لست مقتنعاً من حيث المبدأ أن هناك محور، قد تحصل توافقات مرحلية في المصالح بين
أطراف سياسية، فحماس كانت تقوم بالمقاومة طوال عمرها، ولم يتوقف برنامجها سوى عبر تهدئة
أوهدنة، أما برنامج المقاومة فقد استمر سواء كانت إيران في أزمة نووية أو ليست
نووية، فتجيير هذه المقاومة انطلاقاً من أزمة الملف النووي الإيراني هو استخفاف بالحقائق
والعقل، فقط الدراسات الأمريكية والإسرائيلية التي حاولت بث هذه الفكرة من أجل
إضعاف شعبية حماس عند الحكومات العربية وخاصة الخليجية منها، أما حزب الله فصحيح
أن حالته مختلفة، ولكن حزب الله كان يمارس المقاومة بغض النظر عن ظروف إيران طوال
المرحلة السابقة أيضاً، وقد قال بوضوح أن لدينا معتقلين وأسرى، وأن ثمة أرض محتلة
ونريد تحريرها في ظل الحوار اللبناني الداخلي، وهذه هي النقطة الجوهرية في
الموضوع، فقد أراد حزب الله أن يجعل برنامج المقاومة هو البرنامج السائد في لبنان،
فقام بهذه العملية ليؤكد نظريته في الدفاع عن لبنان التي طرحها في لجنة الحوار،
وهذا ليس له علاقة بإيران باستثناء جزئية واحدة أن الموقف الإيراني العام كما قال
حزب الله سابقاً موقف مساند للمقاومة. وهو أمر لا يفسر إقحام الأزمة الإيرانية في
خلفية برنامج المقاومة وعملياتها. السؤال: هل يمكن ان ينتقل الرأي العام العربي إلى الحضن الإيراني في ظل
تخاذل الموقف العربي؟ أ.
جواد: لا
يمكن أن ينتقل الرأي العام العربي للحضن الإيراني بأي شكل، ولا يمكن لحماس الحركة
السنية المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين الدولي ارتباطاً عضوياً، لا يمكن لها أن
ترتبط بإيران على الإطلاق من ناحية محور، أو سياسات أو استراتيجيات، فهذا غير
ممكن، لكن إيران كدولة في المنطقة يمكن لها أن تستثمر هذا الحدث، خاصة وأن هناك
أوهام أمريكية ولدى بعض الحكومات العربية بأن إيران هي اللاعب في المحورين
الفلسطيني واللبناني، وهذا الكلام ليس عليه دليل مقنع، فإن جاز جزئياً وليس كلياً (طبعاً)
الظن أو الإشاعة فيما يتعلق بحزب الله بحكم أشياء معينة، فهو ليس له وجه مطلقاً تجاه
موضوع حماس، ولذلك فإن حزب الله وحماس وإيران وسوريا ليس قائم كمحور، لكن
التوافقات الزمنية لعبت دوراً مهماً، حيث إيران في حرب مع أمريكا على مستوى
الأسلحة النووية، وسوريا في معركة مع امريكا على مستوى الحصار والمقاطعة والضغط
عليها، عندما جاءت عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة مع عمليات المقاومة
في لبنان، والتي سببت التنفيس العام عن الضغوط التي على إيران وسوريا بحكم
انعكاساتها الإقليمية والدولية، ونظراً لقدرتها الفائقة في التأثير في معادلات
التوازن، وهذا أمر منطقي، لكن ليس ذلك مدعاة لتكوين نظرية استراتيجية عن هذه
التوافقات بوصفها محوراً قائماً على اتفاقات وبرامج مشتركة. السؤال: هل تعتقد أن الموقف الرسمي العربي قد سبب شرخاً بين الحكومات
والشعوب؟ أ.
جواد: كالعادة،
ومتى لم يكن هناك شرخ، لا شك أن بعض الحكومات العربية بهذا الموقف قد ابتعدت عن
ضمير الشارع ومطالبه في البيان الذي صدر بوضوح كامل عبر بيان وزراء الخارجية العرب
في يوم السبت 15/7/2006، الموقف الذي اتخذ عربياً مع الأسف أعطى غطاءً للموقف
الإسرائيلي لم يكن متوقعاً، كما أن الموقف الذي اتخذ عربياً عبر عن أن الحكومات
العربية تخشى أيضاً من انتصار المقاومة كما تخشى إسرائيل وأمريكا، وهذا أمر خطير
في الحقيقة، لأنه يشكل غطاء لمحور عربي جديد يخذِّل الأمة عن دعم المقاومة وتحاول
أن تفقدها مبرراتها المشروعة، هذا هو المحور الخطير، هذا هو المحور الانهزامي وهو
الأخطر من محور إيران وسوريا على المنطقة، لأن الانهزام دائماً مؤداه أن العدو والخصم
كائناً من كان سيستولي عليك وهماً أو حقيقة، وربما بدون معارك، كما هو حاصل اليوم
مع الحكومات العربية أمام إسرائيل. السؤال: هل تعتقد أن إيران قد تكون الجهة المناسبة لحل مشكلة الجنود
الأسرى في غزة ولبنان؟ أ.
جواد: أنا
أعتقد أن الضغط الأمريكي باتجاه التعامل مع إيران مباشرة لحل المشكلتين هو اتجاه
خاطئ يقوي إيران في لحظة ليست هي الطرف الفاعل، حيث يمكن التعامل مع حكومة حماس
مباشرة بدون تحفظات فيما يتعلق بغزة، لا إيران ولا غير إيران له علاقة بذلك، ليس
لإيران دخل في ذلك، أما عن حزب الله فهو حزب عربي، وليس حزباً إيرانياً، وإن كان ثمة
توافق عقدي جزئي له مع إيران في موضوع الشيعة أو غيره، إلا أن برنامج حزب الله
الذي يقوم به هو برنامج مقاومة ضد إسرائيل، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو برنامج ينسجم
مع المصالح العربية ولا يعمل وفق المصالح الإيرانية، ولذلك فهو يخالف سياسة إيران
في العراق مثلاً، ولذلك فإن مفاوضة حزب الله مباشرة لا مفر منه من قبل أي وسيط يعمل
لإنهاء أزمة الجنديين لديه كما هو حال حماس في غزة. السؤال: يقال إن الصواريخ المستخدمة ضد البارجة أو حيفا هي صواريخ
سورية؟ ألا يشير هذا إلى دور سوري في المعركة؟ أ.
جواد: ليكن،
وماذا يعني؟ هل يعني ذلك أن تكون صواريخ روسية مقبول، أما أن تكون صواريخ سورية
فلا يجوز؟ مصدر الصاروخ ليس له دلالة سياسية. هذا سوق، والسوق الدولي للسلاح
مفتوح، والكل يعرف ذلك. هل لو كان لدى حزب الله صواريخ إسرائيلية، ربما اشتراها من
تجار سلاح إسرائيلين، هل يصبح حزب الله يعمل ببرنامج إسرائيلي؟ هذه مغالطات ملأت
الإعلام الغربي والإسرائيلي تهدف إلى خلط الأوراق فقط، ولا تقدم أي رؤية حقيقية
لعلاقات الأطراف وأدوارها في المعركة. السؤال: هل تعتقد أن إسرائيل يمكن أن توسع اجتياحها للبنان وربما احتلال
مناطق منه؟ أ.جواد: طبعاً هناك مخطط قديم سُرّب منذ خمس سنوات كان مطروحاً منذ أيام شارون، مفاده أن التخلص من حماس يستلزم القضاء على النظام السوري أو تغيير سياساته ومواقفه منها، ولذلك لا بد من احتلال البقاع (كما كان شارون يقول سابقاً) من أجل تشكيل ضغط عسكري مباشر على سوريا، ولتحقيق نظرية الأمريكيين السائدة بتغيير سياسات النظام وليس النظام كما كانوا يعلنون في تلك المرحلة. في
الظرف الراهن اعتقد أن تداعيات الأحداث والمواجهات تزيد الخناق على حكومة (إيهود
أولمرت)، فالحكومة الإسرائيلية تزداد ضعفاً، والشارع الإسرائيلي يزداد تفككاً،
هناك تراجع متصاعد في الرأي العام الإسرائيلي بتأييد العمليات العسكرية
الإسرائيلية في غزة ولبنان، وهناك ضغط على حكومة إسرائيل بالتفاوض، ولكن أولمرت
أخذ خطاً متشدداً جداً أكثر تطرفاً من (شارون) برفض الضغوط والتفاوض لتحرير الأسرى
مهما كان الثمن، ذلك لأنه لا يفهم سياسة المنطقة جيداً، حيث إنه و(بيرتز) وزير
دفاعه، ليسا خبيرين سياسيين في إسرائيل، وما زالا مراهقين سياسياً، فسياستهما
ستؤدي بالإسرائيليين في إسرائيل إلى المهالك على يد المقاومة الفلسطينية والمقاومة
اللبنانية في ظل هذا الوضع القائم. فثمة غباء ملحوظ في السياسة الإسرائيلية، ولا
يوجد عقلانية منذ استلام أولمرت لإدارة الدولة. السؤال: هل تعتقد أن كره العرب سيزداد لأمريكا في ظل هذه الأحداث؟ أ.
جواد: ليس
ضد أمريكا، بل ضد السياسة الأمريكية في المنطقة، باعتبارها سياسة منحازة لإسرائيل،
وذلك يعني أن أي ازدياد في الانحياز الأوروبي أو الامريكي تجاه إسرائيل، ستكون
نتائجه عكسية على المصالح الأمريكية، وعلى العلاقات العربية – الأمريكية، وعلى
السياسة الأمريكية في المنطقة، وعلى مستقبل أمريكا في المنطقة كذلك، حيث يصبح
البحث عن بدائل عربياً مبرراً، ولكن الأوروبييين بدوا منقسمين منذ استلام حماس
للحكم، هناك خمس أو ست دول أوروبية لها موقف مختلف بشكل عام على الأقل عن بقية دول
أوروبا وعن أمريكا وهو ما سيحسم لاحقاً. السؤال: إلى أين ستتجه الأمور، ما هو سيناريو المواجهة أوالتصعيد، كيف
سيؤثر على المنطقة، إلى أين سينتهي؟ أ.
جواد: هناك
ثلاث جبهات سيزداد سعيرها، وستتصاعد مواجهتها أكثر، وستحظى بتأييد واسع النطاق شعبياً
من جديد. 1-
المواجهة مع إسرائيل من قبل الفلسطينيين واللبنانيين، وحماس والجهاد وحزب الله، وهؤلاء
سيحظوا بتأييد واسع ومتصاعد، وهذا ما لاحظناه، وإذا بقيت الحكومات العربية على سياستها باحترام التوجهات الأمريكية، فإنها سوف
تخسر شعبياً لصالح قوى المقاومة، وبالتالي لصالح دعمها في حسم المعركة أو المعارك
الجزئية مع إسرائيل. 2- الجبهة
الثانية هي جبهة العراق، فالعراق بعيدة عن المواجهات القائمة اليوم حتى الآن، لكننا
نتكلم عن فصائل المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي تحديداً، وجيوش الاحتلال
المتحالفة معها، ولا شك أن هذه المقاومة سيزداد سعيرها أكثر مما هي عليه اليوم،
بسبب ضعف وفشل المواجهة الأمريكية من جهة، وبسبب نجاح المقاومة في فلسطين ولبنان
ضد إسرائيل من جهة أخرى. 3- الجبهة
الثالثة هي جبهة أفغانستان، حيث تقوم المقاومة الأفغانية الآن – سواء طالبان أو
القاعدة أو سمها ما شئت- تقاوم الاحتلال الأطلسي لأفغانستان، وقد لاحظنا أن ثمة تصاعد
كبير للمقاومة في أفغانستان وهو ما لم يكن يتوقعه أحد، لا الأمريكيون ولا الأوروبيون
ولا غيرهم، كما لوحظ تزايد خسائر قوات الأطلسي في كابل وقندهار وغيرها، وتصاعد نوع
وعدد الهجمات التي تشنها المقاومة الأفغانية ضدها. ما يشير إلى تزايد المخاطر التي
يتعرض لها المشروع الأمريكي في أفغانستان. لذلك
أعتقد أن هذه الجبهات سيزداد سعيرها، وستحكم الخناق على المشروع الأمريكي وتتسبب
بضرر لدور أمريكا في النظام الدولي، كما أنها ستحاصر اتجاهات الانهزام والأمركة في
المنطقة، وهو ما يجب أن يتنبه إليه الأمريكيون في رسم سياساتهم الاستراتيجية للمستقبل قبل فوات الأوان. أ.هـ. الأحد – 16/7/2006 |
||
|
---|