|
الأبعاد الاستراتيجية للأزمة بين الحكومة الأردنية وحركة حماس جـواد الحـمد[1] جريدة الدستور 15/5/2006 تُعد العلاقات الأردنية-الفلسطينية أحد العوامل الاساسية المحددة لمستقبل القضية الفلسطينية ، تماما كما هي أحد محدات مستقبل المملكة الاردنية الهاشمية ودورها، ولذلك فإن المقاربات السياسية والأمنية لبحث هذه العلاقة او التعامل مع بعض مفرداتها تتمتع بحساسية خاصة في بعدها الاستراتيجي، ما يجعل الإطار الناظم لأي تطورات سلبية او ايجابية ومنهج التعامل معها إزاء هذه العلاقة ينطلق من البعد الاستراتيجي أساسا. وقد شهدت هذه العلاقات محطات خطيرة في العقود الاربعة الماضية، وبرغم عمق بعض الاشكالات التي نشأت عن تصرفات اي من الطرفين غير انهما لم يلبثا ان استعادا مسارات العلاقات بينهما نظرا للادراك المتزايد لاستراتيجية هذه العلاقة من قبل الطرفين. وعلى صعيد احقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال وبناء الدولة المستقلة فقد نظر الاردن باهتمام بالغ لأي تطورات على هذا الصعيد نظرا لانعكاساتها الجوهرية على البنية الاجتماعية والسياسية الاردنية من جهة، ولانعكاساتها على دوره الاقليمي والدولي من جهة اخرى. في ضوء هذه الرؤية الاستراتيجية تعد الأزمة الأمنية التي نشأت قبل ثلاثة أسابيع( منذ يوم الثلاثاء 18/4/2006) بين الاردن وحماس مؤشرا حساسا على مستقبل العلاقة بين الطرفين بأبعادها الاستراتيجية، خصوصا وأنها جاءت في ظل تحقيق حركة حماس لفوز كبير في الانتخابات التشريعية والتي دفعت بها الى سدة الحكم في السلطة الفلسطينية، حيث وجدت السياسة الاردنية نفسها أمام متغير رئيسي في الساحة الفلسطينية اثر بشكل مباشر على ميزان القوى الذي كان قائما طوال العقود الاربعة الماضية. ومن المؤكد وفق الفكر الاستراتيجي ان هذا التحول قد حظي باهتمام خاص لدى الحكومة الاردنية وتطلب التوقف طويلا امامه، ولاسيما وان له انعكاساته المباشرة على الوضع السياسي المحلي في الاردن كما أن له تاثيراته الخاصة على عملية السلام وعلى المصالح الاردنية العليا. وبرغم مما تتمتع به حركة حماس من انضباط عالٍ- حسبما اشار الكثير من الخبراء في المنطقة- في التعامل مع البلاد العربية حسب التجربة التاريخية من جهة، وحسب السياسات التي تبنتها من جهة أخرى ، إلا أن الأردن كان من حقه أن يبدي قلقا على طبيعة التحولات المتوقعة خلال السنوات الأربع القادمة في المنطقة في ظل قيادة حركة حماس للحكومة الفلسطينية. ويبدو ان حركة حماس قد استشعرت هذا القلق ، وحاولت احتواءه عبر ارسال اشارات التطمين الاستراتيجية اللازمة للاردن عندما اكدت رفضها للوطن البديل، واصرارها على حق العودة للاجئين، وحرصها على التكامل مع كل من الاردن ومصر بديلا للعلاقات الاقتصادية والسياسية مع اسرائيل حسبما اعلن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل منذ الاسبوع الاول لفوزها، ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية ووزير خارجيته بعد تشكيل الحكومة، وهو ما عده بعض الخبراء في الشئون الفلسطينية والأردنية فرصة استراتيجية لترسيم علاقات اردنية-فلسطينية تقوم على المصالح المشتركة بعيدا عن الاجندات الخفية أو تدخل الاطراف الاخرى كما حصل في عقود سابقة والتي كان من أبرز محطاتها المفاجأة بإعلان اتفاق أوسلو عام 1993، وبالطبع تلعب العلاقة الخاصة بين حركة حماس والحركة الإسلامية في الأردن دورا مهما في بلورة مثل هذه الاتجاهات وضمانها، خاصة وأن الحركة الإسلامية في الأردن تشكل احد اعمدة الاستقرار السياسي والاجتماعي الأساسية في المملكة . وعلى صعيد ذي صلة فقد تسبب إعلان حماس-حركة وحكومة- لسياساتها في ظل الوضع الجديد بمشروعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتحفظاتها على الاتفاقات التي وقعت مع إسرائيل سابقا، ورفضها الاعتراف بإسرائيل، بتعرضها لضغوط اسرائيلية واميركية وأوروبية كبيرة استندت الى وقف المساعدات المالية الدولية، وفرض حصار سياسي واقتصادي على الشعب الفلسطيني لدفعه للثورة على الحكومة الجديدة أو إجبار الحكومة على الاستجابة للشروط الدولية. وبرغم التحرك الواسع الذي قامت به حركة حماس قبل تشكيل الحكومة عربيا ودوليا ، غير أن نتائج الضغوط الاميركية والإسرائيلية على الدول العربية نتائجها متفاوتة، حيث طالبت الحكومات العربية حركة حماس بتبني المبادرة العربية في بيروت عام 2002 والخاصة بحل الصراع ، والتي تبدي حماس عليها تحفظين رئيسيين يتعلقان بالاعتراف باسرائيل والتطبيع العربي الشامل معها بعد الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967. وكان الاردن من الدول الاولى التي تم ترتيب زيارة وفد حماس اليها، غير ان الموقف الاردني كان يفضل الانتظار الى حين اتضاح برنامج الحكومة الجديدة حسبما اعلن وزير الخارجية الاردني، اضافة الى اشكالات قيل انها قانونية تتعلق برئيس المكتب السياسي اردني الجنسية، وبعد ان تشكلت الحكومة الفلسطينية تم ترتيب زيارة وزير خارجية السلطة الفلسطينية الجديد محمود الزهار الى عمان يوم الاربعاء 19 /4/ 2006، ولكن اعلان الاردن وبشكل مفاجئ مساء الثلاثاء 18/4/2006 عن اكتشاف عملية تهريب اسلحة الى اراضيه من قبل عناصر ادعت انها من حركة حماس بهدف القيام باعمال داخل الاردن تمس مؤسساته وشخصياته دفع الى تاجيل الزيارة رسميا من قبل الحكومة الاردنية. وقد اشارت مصادر مقربة من حركة حماس الى ان الاردن كان قد ابدى رغبة بتاجيل الزيارة قبل ذلك، لأسباب تقول انه لم يجر الافصاح عنها في حينه، لكن السياق العام التحليلي يبدي تفهما للموقف الأردني في ظل الضغوط الدولية والإسرائيلية لمحاصرة الحكومة الجديدة. لكن المفاجأة التي واجهت حركة حماس بهذا الإعلان دفعت الاخيرة الى نفي صحة الرواية الرسمية الاردنية، وعلى الاخص ما يتعلق باستهداف اردنيين او الامن الاردني او مؤسسات اردنية ، خاصة وان الحركة تتخذ استراتيجية منضبطة تقوم على رفض التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية وخاصة الاردن حسبما اكد قياديوها في كل المناسبات، كما أن الحركة لم تلجأ لهذا الاسلوب ولا للتهديد به مع اي طرف عربي حتى في ظل قيام الاردن باعتقال رئيس مكتبها السياسي واعضائه عام 1999 ومن ثم ابعادهم الى خارج الاردن، فكيف يمكن لها أن تتورط في مثل هذه السياسات وهي أحوج ما تكون لعلاقات عربية مستقرة وخاصة مع الأردن في ظل الحصار الدولي والإسرائيلي الخانق عليها وعلى حكومتها ؟ وهو التحليل الذي تتفق عليه غالبية اوساط المراقبين للعلاقات الاردنية-الفلسطينية. بطبيعة الحال فقد تسبب الحوار والنقاش عبر الإعلام بين الطرفين بتضخيم حجم الأزمة وتداعياتها، خاصة في ظل تجاهل الطرفين لآليات وخطوط اتصال فعالة بينهما كما تفيد مصادر مقربة من الجانبين، حيث كان يمكن عبرها تناول الملف كاملا. من جهة ثانية فإن غموض خلفية هذه الأزمة سياسيا من قبل الطرفين (أي انه لا مصلحة لأي منهما فيها) دفع الكثيرين للشك بتدخل طرف ثالث يرجح أن يكون الطرف الإسرائيلي، والذي اعتاد على التخطيط للوقيعة بين الأطراف الفلسطينية ذاتها وبينها وبين الدول العربية، والتي كان آخر محاولاتها التصريحات التي أدلت بها شخصيات أمنية وعسكرية إسرائيلية لتخويف الأردن من تداعيات فوز حركة حماس وقيادتها للسلطة الفلسطينية، هذا إضافة إلى أطراف أخرى في المنطقة قد تكون معنية بإثارة الأزمات في وجه الحكومة الجديدة من جهة، ومعنية بوقف نجاحات حماس في بناء علاقات عربية-فلسطينية جديدة تحقق الاستقرار العام وخاصة مع الاردن من جهة أخرى، آخذا بعين الاعتبار المعلومات المتداولة بين اوساط الاعلاميين عن "تقدير موقف" تم تقديمه من قبل بعض المتضررين للولايات المتحدة واسرائيل يحرضها على حصار الحكومة الجديدة لإسقاطها خلال ثلاثة شهور، وقد تتكشف خيوط هذه التدخلات عبر التحقيق التفصيلي من قبل كل من حماس والحكومة الأردنية لاحقا. وقد عمل عزوف الطرفين عن اللقاء المباشر وخلف الكواليس على إعطاء الفرصة للتفاقم الإعلامي للأزمة والذي كانت قمته عرض مشاهد تلفزيونية لاعترافات يدعي أصحابها أنهم يعملون لصالح حركة حماس، إضافة إلى عرض أسلحة يقال بأنها هربت إلى الأردن للقيام بأعمال ضد اهداف أردنية بتوجيه من عناصر من حركة حماس أيضا. بعيدا عن التراشق الاعلامي الذي ادخل العلاقة في أزمة، واتاح الفرصة للبعض للعمل على توسيع هوة العلاقة في ظلها، وهو ما تتجنبه الدبلوماسية العاقلة عادة، فان الأزمة التي تعيشها العلاقات الاردنية-الفلسطينية تتمحور في شقها الفلسطيني حول إطارين، الاول: يتعلق بحماس والتي اصبحت القيادة الفعلية للنضال الفلسطيني وللسياسة الفلسطينية والتي تحكم المسار السياسي القادم في المنطقة، والثاني ممثلا برئيس السلطة الذي لا يخوله النظام الاساسي الفلسطيني الكثير من الصلاحيات السياسية ، والذي ينسجم موقفه السياسي مع الموقف العربي العام أكثر من مواقف حماس على صعيد التسوية السياسية وعملية السلام. ولذلك فإن رهان البعض واصراره على اعتبار رئيس السلطة الفلسطينية عنوان العلاقة انما يعمل على إدخالها في زاوية المجهول لانه ليس الطرف الذي يملك ان يبني هذه العلاقة من الناحية السياسية والدستورية فلسطينيا، وان ما بقي له في منظمة التحرير الفلسطينية قد لا يستمر في ظل التوجهات لاعادة بنائها، حيث يتوقع أن تحظى حركة حماس بقوة ونفوذ كبيرين في المنظمة أيضا يجعلها المحدد الأساسي للاستراتيجية الفلسطينية خلال السنوات الاربع القادمة بما في ذلك شكل ومضمون العلاقات الأردنية-الفلسطينية. ومن هنا فإن الواقعية تقتضي التعامل مع مفردات السياسة الفلسطينية الجديدة كما هي،واحترام ما تنتجه مؤسساتها الدستورية من سياسات وتوجهات، ومن جهة أخرى فإن استمرار حركة حماس في تبني خيار المقاومة ضد الاحتلال (والذي يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الأردنية والفلسطينية على وجه الخصوص) سيجعل من الحركة معلما مهما من معالم المنطقة والسياسة الشرق اوسطية يصعب على النظام الدولي أو إسرائيل أو أي دولة فاعلة في المنطقة تجاوزه. إن هذه الحقيقة السياسية الاستراتيجية تشجع على طي الملف الإعلامي والشروع بالبحث الجاد بين الطرفين (الحكومة الأردنية وحماس) عن حقيقة الأزمة، واحتواء تداعياتها بحوارات مباشرة وصريحة موضوعية وعقلانية بوصف هذا المنهج السبيل الأنجح للخروج منها. في ضوء هذه الرؤية للأزمة وتداعياتها وأبعادها الاستراتيجية فإن العلاقة بين حركة حماس والحكومة الاردنية اصبحت اساس العلاقة بين الاردن وفلسطين وبين الشعب الفلسطيني والشعب الاردني، حيث أن حماس تقود الحكومة الفلسطينية، كما تسيطر على الاغلبية المطلقة في المجلس التشريعي، وقد تسيطر على نصف مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني لاحقا، الأمر الذي يتطلب التعامل مع الأزمة من قبل الطرفين من منطلق التجاوز وليس من منطلق التفاقم او التوسيع، وهو ما يتطلب الحد من التدخلات المحلية والاقليمية والدولية لدى الطرفين في رسم هذه العلاقة، نظرا لما قد يكون لبعض هذه الاطراف من مصالح في تأزيمها. إن السعي لتشكيل لجنة عليا دائمة لادارة العلاقة بين الطرفين لتحقيق المصالح العليا المشتركة ووأد اي ازمات او تخوفات لدى اي من الطرفين من دور الآخر أو سياساته إنما يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الأردنية-الفلسطينية، وقد يؤسس ذلك لقواعد جديدة لحسم الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث يدخل الطرفان حلبة الصراع السياسي والميداني موحدين في الاهداف ومتكاملين بالوسائل. ويبقى التساؤل الجوهري عن قدرة الطرفين على الاستقلال عن الاطراف الاخرى المعنية بتفاقم الازمة؟ وقدرتهما على ضبط الايقاع الإعلامي والأمني لديهما ؟ وقدرتهما على نزع فتيل اي ازمات قد يتسبب بها طرف ثالث او بعض التجاوزات في الطرفين مستقبلا؟ المعطيات الأولية والقراءة السياسية تؤكد أن الفرصة سانحة لتحقيق ذلك، ولكن من يعلق الجرس ويكتب له التاريخ هذه المبادرة المشرفة ؟ [1] مدير مركز دراسات الشرق الأوسط-الاردن |
||
|
---|