|
مستقبل
الصراع العربي-الإسرائيلي حتى عام 2015
ودور
الأحزاب العربية في
حسم
الخيارات*
ورقة
مقدمة لمؤتمر الأحزاب العربية
دمشق
4-6 آذار/ مارس 2006
المحتويات:
المدخل : تزايد النفوذ السياسي
للأحزاب الإسلامية والعروبية
تحولات استراتيجية حاكمة لمستقبل
الصراع العربي-الإسرائيلي (1990-2005)
ظروف الأمة
والتطلع إلى المستقبل في السنوات العشر القادمة
ابرز المتغيرات
بين يدي سيناريوهات مستقبل الصراع
السيناريوهات المحتملة للصراع
العربي-الإسرائيلي حتى 2015
تجربة المفاوضات
في حسم الخيارات
دور الاحزاب
والحركات السياسية العربية في حسم الخيارات
استشراف السيناريو
المتوقع للصراع حتى 2015
المدخل
: تزايد النفوذ السياسي للأحزاب الإسلامية والعروبية تشير المعطيات المتعددة التي تم التوصل إليها
بدراسات وابحاث مختلف العلوم الاجتماعية على الصعيد الدولي والإقليمي إلى ان
المنطقة مقبلة على تغيرات جوهرية تتناول البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية
، كما تتناول تغيرات في انظمة الحكم والقوى السياسية الفاعلة فيها، وهو ما جعل
الدراسات الغربية تميل إلى البحث عن استراتيجيات مستقبلية للسياسات الغربية والصهيونية
للتعامل مع هذه المتغيرات. وقد ساد
التحليل القاضي بان الاسلام السياسي المعتدل سوف يسيطر على مفاصل مهمة من صناعة
القرار في الوطن العربي حتى عام 2015، وقد يحكم بعض الاقطار، وبرغم العداء الذي
تكنه هذه الدراسات لمشروع الاسلام السياسي، وخاصة المتحالف مع المشروع العروبي في
الوطن العربي، غير انها تميل إلى تشجيع التعامل الواقعي مع هذا المتغير من قبل السياسات
الغربية والصهيونية، وتحذر من المخاطر الناجمة عن الصدام معه ، بوصفه اختيارا
شعبيا يمثل العمق الديني في المجتمع وتطلعاته للتحرر والاستقلال والمشاركة
والمنافسة الحضارية، كما انه يستخدم القوة المسلحة للدفاع عن الامة عند العدوان من
جهة، ويلجأ إلى المقاومة المسلحة لمواجهة الاحتلال كما هو الحال في كل من فلسطين
ولبنان والعراق وافغانستان ...الخ من جهة أخرى. وبذلك
يمكن القول ان الاحزاب العروبية منها والاسلامية تقف اليوم على اهبة تحمل مسئولية
المرحلة القادمة التي تدفع بالامة إلى ساحات التنافس الحضاري القائم على الاستقلال
والريادة والتحرر، وانها ستتحمل مسئولية انهاض الامة وتصليب جبهتها الداخلية،
ومعالجة الازمات التي تعترض التنمية والتطور والنماء فيها، وبالتالي مواجهة
التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية بكفاءة عالية . في ضوء ذلك اصبح من المهم ان يتحدد الدور المنوط
بالاحزاب العربية في المرحلة القادمة بخطوطه العامة ، على صعيد الاصلاح الداخلي
وتداول السلطة وعلى صعيد النهضة الشاملة والتحرر من الاحتلال والاستعمار ودحر
المشروع الصهيوني وتحجيم خطره ، ولعل وصول حركة المقاومة الاسلامية (حماس) كحركة
تحرر وطني عروبية اسلامية إلى سدة الحكم في فلسطين يعد مؤشرا مهما للاسراع بدفع
الرؤية الاستراتيجية للاحزاب العربية نحو تحقيق مزيد من التقدم السياسي وتفعيل برامجها
في المشاركة ومواجهة التحديات التي تعيق حركة المجتمعات والدول العربية لصالح دحر
المشروع الصهيوني في المنطقة. ولذلك فإن هذه الورقة تميل إلى تفحص التطور
السياسي الذي حمل معالم المستقبل القادم منذ الخمسة عشر عاما الاخيرة ، وذلك
للوقوف على طبيعة التحولات ومعالمها ودورها في رسم معادلات التغيير المستقبلي
القادم في المنطقة خلال السنوات العشر القادمة، وعرض التوقعات للسيناريوهات
المستقبلية للصراع العربي-الاسرائيلي بوصفه المحدد الاستراتيجي الاهم لرسم ملامح
مستقبل المنطقة، حيث يعتبر المشروع الصهيوني مصدر الخطر والتهديد الاعظم على مصالح
الامة العربية وحضارتها ودورها الاقليمي والدولي .
تحولات
استراتيجية حاكمة للمستقبل (1990-2005) شهدت المنطقة العربية منذ انهيار الاتحاد
السوفياتي عام 1989، وانهيار المنظومة
العربية عام 1991 ، وانطلاق عملية السلام في الشرق الاوسط من مدريد عام 1991 ، تحولات
استراتيجية شكلت مظلة جديدة لمختلف التوجهات الدولية والعربية والاسرائيلية على حد
سواء ، ودفعت بالكثير من مفاهيم الانهزام والاستسلام وسيادة العصر الامريكي،
والتسليم بالمشروع الصهيوني وكيانه في فلسطين، والاتجاه لتوقيع اتفاقات السلام مع
الكيان الصهيوني، وتسارعت وتيرة التطبيع العربي الرسمي بشكل ملحوظ، وانهارت الكثير
من الحواجز والمحرمات السياسية السابقة بحجة العجز والضعف والتمزق الذي أحاط
بالجانب العربي الرسمي، مما اشعر الباحثين والخبراء بصعوبة قراءة حركة المتغيرات
التاريخية بعيدا عن الواقع الاسود السائد في المنطقة . لكن التحول الكبير الذي حصل بانتصار المقاومة في
لبنان على الاحتلال، ونجاحها في طرده بدون مفاوضات او تنازلات في آيار/مايو 2000،
شكّل نظرية جديدة في التفكير النخبوي العربي وخاصة في صفوف التيار العربي الملتزم
قوميا ووطنيا واسلاميا، شجعت على تنامي اتجاهات الممانعة والمعارضة لحركات
الاستسلام والامركة والصهينة التي سادت قبل ذلك، والتقط الشارع العربي الرسالة
ليبدي تحولات مهمة في التفكير وتشكيل الراي والاهتمامات ، وليستعيد جزءا من دوره
المغيب بسبب ظلامات السحب التي فرضها عليه الاعلام والمفكرين المهزومين بكتاباتهم
واصواتهم التي ملأ ضجيجها الوطن العربي، والذين يزعمون انهم يدركون التحولات
الدولية وحركة التاريخ، وانهم يعملون على انقاذ ما يمكن انقاذه، وان الطرح الآخر
الداعي إلى المقاومة والممانعة والمستند إلى مكنون الحضارة والفكر والأمل في الامة
انما هي اتجاهات عدمية لا تفهم مجريات السياسة العالمية ولا تحولاتها . وما ان اخذت ابعاد هذا التحول تشكل حضورا في
الفكر العربي والسياسة العربية حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية في
28 أيلول/ سبتمبر 2000 ( انتفاضة الأقصى) لتشكل اطارا جديدا وناظما لمرحلة الصراع
اختلفت في معالمها ومدخلاتها وآلياتها عن البرامج التي سبقتها، بل وتطورت كثيرا عن
انتفاضة 1987. وبذلك دخل الصراع مع المشروع الصهيوني مرحلة جديدة بالكلية، جعلت مستقبل
المشروع الصهيوني محط تساؤل، خاصة وان الدراسات والابحاث والخطط الامريكية
والاسرائيلية لم تتمكن من التنبؤ بحجم ووزن هذه الانتفاضة ونتائجها على طبيعة
الصراع ومآلاته. وبرغم
الجهود التي بذلت على مختلف المستويات لاحتوائها، غير أن زخم الانتفاضة ونارها
وسلاحها وطبيعة القوى التي تقودها وتحكم مسارها، وطبيعة فكرها النضالي العميق نجح في جعلها المشهد
الاهم والاخطرفي سياسة المنطقة، الامر الذي دفع قوى التسوية إلى خانات الصفر، وجعل
برنامج المقاومة هو المعيار والمقياس للتنبؤات المستقبلية حول مآلات هذا الصراع،
وجعل اسرائيل تسعى لتحشيد العالم وتحريضه ضد فصائل المقاومة. وبرغم
الجهود الحثيثة للتوصل إلى اتفاقات سلام أو تفاهمات جديدة لاحتواء الانتفاضة
ووقفها، غير ان قوة الانتفاضة والوحدة الوطنية الفلسطينية التي تمثلت فيها كانت
اقوى تاثيرا واعمق جذورا من طروحات مهزومة هنا وهناك ، وشرعت اسرائيل باستخدام كل
الوسائل المحرمة دوليا في انتهاك حقوق الانسان وممارسة الارهاب والقتل الوحشي وفرض
العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني، لكنه صمد وامتص التضحيات واسعفه في ذلك
قدرة المقاومة المسلحة على الاثخان في العدو وقواته المحتلة ومستوطنيه ، ناهيك عن
تزايد البعد الديني للمواجهة بمعدلات ملحوظة عن أي مرحلة سابقة ما جعل الاستشهاد
والموت في المعركة امنية الآلاف من الشباب
الفلسطيني والعربي على حد سواء. غير أن الرسمية
العربية اندفعت بضغوط دولية واعلامية مختلفة إلى تقديم مبادرات سياسية كانت اكثرها
شمولا المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت لعام 2001 والتي سميت بـ "مبادرة
التطبيع العربي الشامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الاراضي المحتلة عام
1967"، والتي تعد الاولى من نوعها التي تحمل هذا التنازل العربي الكبير
بالتزام الاعتراف باسرائيل والتطبيع الشامل معها مقابل تطبيق بعض قرارات الامم
المتحدة المتعلقة بالصراع، لكن الرد الإسرائيلي على هذه التنازلات الجماعية كان
عنيفا ودراميا، عندما قامت قوات الاحتلال بتنفيذ مجزرة بحق الشعب الفلسطيني في
مخيم جنين، ثم شرعت فورا باجتياح عسكري عدواني وحشي لكل الضفة الغربية، وقامت بتدمير
السلطة الوطنية الفلسطينية وقتل واعتقال العديد من رجال الامن التابعين لها، وقصف
بعض مواقعهم بالدبابات اوالمدفعية، وشنت حملات الاعتقالات التي طالت عشرات الألوف
من أبناء الشعب الفلسطيني...الخ، وبذلك عبّرت الآلة العسكرية عن الفكر السياسي
للقيادة الاسرائيلية التي قيّمت المبادرة العربية بانها لا تساوي الحبر الذي كتبت
به ! وهو ما شجع على استمرار الانتفاضة الفلسطينية
وزاد من اوارها ، وساعد على زيادة تفاعل الامة العربية معها بشكل متصاعد يوما بعد
يوم، وبرغم هذا العدوان الصهيوني الوحشي غير ان الشعب الفلسطيني قابله باصرار على
الصمود والمواجهة مهما كلف من ثمن، ما جعل هذه المواجهة غير المتطكافئة معقد أمل
المشروع العربي والإسلامي لدحر المشروع الصهيوني على قاعدة دعم البعد الفلسطيني
وحمايته واسناده. لكن احداث الحادي عشر من سبتمبر /ايلول عام 2001
كانت الفرصة الذهبية للاحتلال الإسرائيلي لتحويل انظار العالم عن جرائمه بحق الشعب
الفلسطيني، وليركب موجة الحرب على "الارهاب" التي اطلقتها الادارة الاميركية
من خلال الزج بفصائل المقاومة الفلسطينية لاول مرة في قائمة المنظمات "الارهابية"
التي تستهدفها الحملة الاميركية الدولية للحرب على "الارهاب". ومنذ اذ ازدادت الضغوط الاميركية على الدول
العربية لوقف دعمها للانتفاضة وقواها المقاومة، وحاصرت رئيس السلطة الفلسطينية
ياسر عرفات حتى قتلته بتهمة دعم الارهاب، وكانت ثمة استجابات عربية لهذه الضغوط،
لكنها كانت محدودة جغرافيا ونوعيا وزمنيا ازاء الموضوع الفلسطيني، لانه ليس هناك ثمة
قناعة راسخة لدى احد حتى الولايات المتحدة بان المقاومة الفلسطينية جزء حقيقي مما
تطلق عليه "الارهاب الدولي" حتى حسب تعريف وزارة الخارجة الاميركية
ذاتها، وعلى اثر احداث سبتمبر انشغل العالم بتضميد الجرح الاميركي عن حماية الشعب
الفلسطيني من العدوان الوحشي المتصاعد، فيما استمرت واشنطن بتقديم الغطاء السياسي
والدعم المالي والعسكري لاسرائيل في جرائمها ضد الانسانية التي ترتكبها بحق الشعب
الفلسطيني في أجواء وظلال هذه الحرب المجنونة خصوصا في افغانستان والعراق. لكن هذه الانتفاضة الفلسطينية الصامدة الموحدة خلقت
جوا جديدا من الحراك الشعبي في الأمة تمثل باتجاهات الإصلاح والانفتاح لدى عدد من
الدول العربية، كما تمثل بتوفير الحجة والوسيلة للضغط الدبلوماسي والسياسي
والإعلامي على إسرائيل، غير ان غالبية الإرادة السياسية العربية الرسمية لم تتمكن
من الارتفاع إلى مستوى هذه التضحيات، وذلك رغم أن الشعوب والجماهير حاولت أن تقدم
ما تستطيع وان لم يكن كافيا ولا على مستوى المعركة. فكانت هذه الحالة دافعا كبيرا
للتفكير الجاد برسم ملامح المستقبل العربي والفلسطيني في ظل هذا الصراع المصيري
وعلى اصداء سيناريوهاته المستقبلية. في ظل هذه الأجواء وانطلاقا من حصيلة النضال
الفلسطيني لخمس سنوات متواصلة( 2000-2005) ، والتحول النسبي في النظام الدولي،
وتراجع تأثير تداعيات الحادي عشر من سبتمبر نسبيا، وفي ظل النجاح في حشر المشروع
الصهيوني ودفعه للرحيل عن غزة عام 2005، فقد ظهرت الحاجة الملحة لرسم السيناريوهات
المحتملة والبحث في شروط تحققها وانعكاساتها ، وذلك من قبل الخبراء العرب في شئون
الصراع والشئون الدولية العامة ، وبتنوع بين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين
وعلماء الاجتماع اضافة إلى الاعلاميين والمشاركين في صناعة القرار السياسي العربي
في بعض المفاصل، وبمساهمة فاعلة من جامعة الدول العربية . وقد تمكن مركز دراسات الشرق الاوسط من تنظيم
مؤتمر عربي كبير لبحث هذا الامر ورسم هذا المستقبل، وبعد ثلاثة ايام من الحوارات
والنقاشات المعمقة والمركزة تمكن المؤتمر من التوصل إلى هذه السيناريوهات استنادا
إلى ستة واربعين بحثا علميا تمت مناقشتها في جلسات المؤتمر العامة ولجانه المغلقة،
وقدم المؤتمر التوصيات العام للسياسات العربية حتى تعمل هذه السيناريوهات لصالح
المشروع العربي . ظروف الأمة
والتطلع إلى المستقبل في السنوات العشر القادمة لا شك ان الظروف القائمة اليوم تلقي
بظلال سلبية على تفكير الناشطين والقادة في الأمة، ولكن القراءة المتأنية تشير الى
مجموعة كبيرة من التحولات التي تمت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية لصالح الامة، كان
من أهمها اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في دورتيها 1987 و2000 ومن ثم اندلاع
المقاومة العراقية ، وتحرير الجنوب اللبناني بالمقاومة، وتراجع الكفاءة الاميركية
عن ادارة العالم ، والانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، وتزايد النفوذ السياسي
للحركة الاسلامية والتيارات العروبية في الوطن العربي ومحيطه، اضافة الى زيادة
الوعي بالتحديات والاستعداد المتزايد لدى قيادات الأمة وشعوبها للعمل وفق رؤية
موضوعية. ان دراسة الواقع واستشراف المستقبل
، وتفهم طبيعة معادلات التغير المتوقعة، تؤكد ان المنطقة والنظام الدولي وطبيعة
الصراع ومخرجاته ستشهد تحولات كبيرة ، وان السنوات العشر القادمة سوف تشكل قاعدة
للصورة الجديدة للمنطقة ولعلاقاتها مع النظام الدولي، وان عام 2015 قد يحمل
المفاجأة الاكبر في انهاء السرطان الصهيوني او تلاشيه او اندحاره على اقل تقدير. خاصة واننا قد رصدنا الفشل
الاسرائيلي في التنبؤ لمستقبل الدولة العبرية، فعندما تم رسم مستقبل اسرائيل عام
2000، لم تتمكن كل الدراسات والتنبؤات الصهيونية من توقع الانتفاضة الفلسطينية
التي اندلعت عام 1987، وعندما تم رسم مستقبل اسرائيل عام 2020 والذي نشر اوائل عام
2000 لم تتمكن كذلك كل هذه الدراسات من توقع اندلاع الانتفاضة والمقاومة عام 2000،
وهذا يؤكد ان القدرة التنبؤية الاسرائيلية في توقعات المستقبل ليست بالقدر الموضوعي
الذي يشيعونه في العالم. وفيما يتعلق بالداخل الاسرائيلي ،
فان عوامل التفجير الاجتماعي والاثني والسياسي في الكيان الصهيوني تتزايد في حالتي
السلم والحرب، وان النجاحات التي حققتها الانتفاضة والمقاومة والحرب ضد اسرائيل تسببت
في تراجع الفكر الصهيوني عن التوسع والعدوان الشامل ، ودفعته للانكفاء على بناء جدران
لا تمثل بعده الايديولويجي، والانسحاب من قطاع غزة، وذلك لحماية كيلنه ومجتمعه، في
ظل تراجع قدرته على الاحتفاظ بالاراضي المحتلة رغم الدعم الدولي المطلق الذي
يلاقيه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وهو ما يشير الى ان هذا الكيان وهذا المجتمع ليس
دولة بالمعنى السياسي المستقر، ولا مجتمع بقاء ونماء، بل إن مستقبله ومصيره مهدد
على الدوام، حيث يشار بشكل خاص إلى عجز الديناميكية الاسرائيلية عن هضم العامل
الفلسطيني أو تصفيته، خصوصا في ظل عجز تنبؤاته عن ادراك الحركة التاريخية لهذا
العامل، وهو ما يسبب عمى الادراك والرؤية الاستراتيجية الصهيونية امام أي تطور
وصمود ومواجهة فلسطينية، وفي حال كان الإسناد العربي جادا فإن العامل الفلسطيني
بالمواجهة المباشرة وبالعمق العربي والاسلامي الفاعل يستطيع وضع مستقبل المكيان
الإسرائيلي على المحك، وهي الحالة التي كشفتها تجربتي انتفاضتي 1987 و2000. ابرز المتغيرات بين يدي سيناريوهات مستقبل الصراع في ضوء المتغيرات التي صاغت الواقع
في الوطن العربي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وشكلت عناصر وموازين قوى
وديناميكيات جديدة، يمكن استشراف الاتجاهات الاستراتيجية لهذه المتغيرات التي تؤثر
في تحولات ومستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي خلال السنوات العشر القادمة، ومن أهم
هذه الاتجاهات:
حيث تشير هذه المتغيرات الاستراتيجية بوضوح كبير الى اننا امام
انعطافة كبيرة قد تشهدها السنوات الخمس القادمة لصالح مشروع الامة في تحرير فلسطين.
السيناريوهات
المحتملة للصراع العربي-الإسرائيلي حتى 2015 تمثل السيناريوهات خلاصة مهمة لأبرز التحولات
الممكنة الوقوع في ضوء التحليلات المستقبلية التي قدمها الباحثون في هذا المؤتمر،
وقد تم حصرها في أربعة سيناريوهات، لكل منها تفرعاته الجزئية من خلال تقدير شروط
التحقق وتحليلها، وبيان مخرجاتها السياسية، والفرص والتحديات التي يخلقها لأي
سيناريو. وتشير العديد من الدراسات والأطروحات إلى أن ثمة
سيناريوهات رئيسية يمكن للتحولات في العقد القادم (2005-2015) أن تصب في أي منها،
وأن في إطار كل منها سيناريوهات جزئية تتعلق بمجال أو جغرافيا أو طرف يمكن أن تؤثر
في إمكانات تحقق السيناريو من جهة، وانعكاساته المختلفة لإخراج الفرص والتحديات من
جهة أخرى. ومن
أهم هذه السيناريوهات الرئيسة:
3- تقدم عملية التسوية السياسية، وذلك على صعيد التسويات الفرعية كما
حصل خلال الاعوام العشر الماضية دون التوصل الى اتفاقات سلام دائم او تحقيق الحقوق
الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو ما سيبقي الانتفاضة خيارا مفتوحا للقوى المناهضة
للصهيونية من جهة، وللجماهير المتضررة من مثل هذه الاتفاقات المجتزأة وغير
الواقعية خصوصا في ظل تجربة اتفاقات اوسلو ووادي عربة وغيرها من جهة أخرى. تجربة المفاوضات في حسم الخيارات ان الدراسة الموضوعية لتجربة
التفاوض العربية مع اسرائيل اثبتت الفشل الكامل، ولم تتمكن عمليات التفاوض ولا
التسويات السياسية ، ولا الاتفاقات والضمانات الدولية من تغيير اتجاهات السياسة
الاسرائيلية ، كما لم تتمكن من اقناع الشارع الاسرائيلي بالرغبة بالسلام، بالعكس
كان الرد الدائم على كل توجه عربي للسلام بتزايد نفوذ اليمين الصهيوني المتطرف في
السياسة الاسرائيلية ، ولذلك فان الدراسة التي اجراها مؤتمرنا دعت الدول التي وقعت
اتفاقات او قامت بعمليات تطبيع وحوارات مع الكيان الصهويني الى اعادة النظر
بموقفها الذي لا ملامح لامكانية نجاحه في خدمة قضية فلسطين يوما من الايام . لم يكن فعل المقاومة الفلسطينية
والعربية مجرد رد فعل في اي مرحلة من مراحل الصراع، وفيما يتعلق بالواقع القائم
اليوم فقد اصبحت المقاومة معلما مهما من معالم الصراع في الجانب العربي ,نظرا لما
انجزته من تحرير جنوب لبنان ودحر الاحتلال في غزة، والاثخان في قواته في الضفة
وغزة، حيث اصبح دورها متعاظما واساسيا، واصبحت تلعب دور التوازن في الرعب وفي
الفعل الصهيوني. ولذلك فان مسالة المقاومة الفلسطينية والعربية
تعد عاملا مهما وحاسما في بلورة اتجاهات الحسم للصراع لصالح المشروع العربي
والحقوق الفلسطينية، وهي الاداة الفاعلة في السيناريو الرابع المتوقع للصراع
العربي-الاسرائيلي عام 2015 القاضي بتقدم المشروع العربي، وهو ما يفرض اعتمادها
خيارا استراتيجيا مفتوحا وفاعلا، وهي التي تمكنت من شل القدرة العسكرية
الإسرائيلية غير التقليدية والتقليدية بعيدة المدى، وهو برنامج قابل للتطور
والنماء فلسطينيا كما أثبتت التجربة، ويتطلب توفير المحضن الوطني والعربي له
ولنتائجه وتداعياته، وهو أداة منازلة فاعلة ومؤثرة عربيثا مع المشروع الصهيوني
تعتبر اقل كلفة من أي حرب خاضتها الدول العربية مع اسرائيل سابقا، وان كانت نتائجها
اكثر تاثيرا في تحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. دور الاحزاب والحركات السياسية العربية في حسم الخيارات إن الاهلية القائمة اليوم للاحزاب
والحركات العربية والاسلامية في الحكم والمشاركة في القرار السياسي لا تقل قوة
وقدرة عن الانظمة القائمة، ولذلك فان النظرة
الموضوعية ، خصوصا فيما يتعلق بالصراع تشير إلى أن الحركات الاسلامية والقومية
والوطنية أثبتت الكفاءة الاكثر في سياسات وبرامج مواجهة المشروع الصهيوني ، فيما
اخفقت مختلف الاتجاهات العربية الحاكمة في هذه المواجهة ، بل عملت على تعطيل دور
هذه الحركات في التصدي لهذا السرطان العدواني التوسعي في بعض الاحيان ، ولذلك فإن
الورقة تثق بالكفاءات والقدرات العربية أنها تستطيع ان تحقق للامة الكثير في حال
حررت ارادتها السياسية واتخذت المنهج العلمي والموضوعي في التخطيط والتعامل مع
المستقبل . وأمام هذه الأحزاب
الكثير من المبادرات التي يمكن أن تساعدها في تحقيق هذا الأمر، ومنها على سبيل
المثال:
1.
تشجيع اعتماد الانتفاضة والمقاومة
والمقاطعة خيارا استراتيجيا عربيا مفتوحا لدعم الشعب الفلسطيني ومحاصرة اسرائيل
2.
تشجيع السياسات العربية الرسمية على
اعادة النظر بتجاربها لصالح تطوير التجربة والالتحام بالخيار الفلسطيني بالمقاومة
والصمود
3.
تعزيز المؤسسات والهيئات العربية التي
تساعد على تخفيف المعاناة وتداعيات اعمال المقاومة والصمود الفلسطيني
4.
تعزيز
فكرة احترام خيار الشعب الفلسطيني، واحترام إفرازات الانتخابات التشريعية، حيث
يمكن للأحزاب أن تقوم بهذا الدور مع أصدقائها، وشبكات العلاقات التي تملكها، من
رسميين وشعبيين، في الغرب أو في العالم العربي.
5.
الضغط
من خلال البرلمانات والأطر الحزبية والسياسية على الجانب الرسمي العربي، من أجل
العمل على فكّ الحصار السياسي والاقتصادي عن السلطة.
6.
ترتيب
لقاءات وأنشطة في البلدان العربية كافة، عن التجربة الديموقراطية الفلسطينية،
ودعوة السياسيين الفلسطينيين المنتخبين للمشاركة فيها.
7.
تشجيع
المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، وخلق حراك
اقتصادي عربي يساعد الفلسطينيين على التخلص من الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، حتى
لا تكون التجربة الفلسطينية درساً للمواطن العربي كي لا يختار من لا تختاره
الولايات المتحدة وإسرائيل، بل ليكون التعاطي العربي مع نتائج هذه الانتخابات
درساً للولايات المتحدة وإسرائيل لاحترام الناخب العربي وإرادته.
8.
حثّ
وسائل الإعلام العربية على تناول التجربة الفلسطينية بالتحليل والتغطية، لتعزيز
التوجه الديموقراطي لدى المواطن العربي عموماً، كبديل عن العنف والإرهاب من جهة،
وبديل عن الحكم اللاديموقراطي من جهة أخرى. والتوقف عن النفخ في ابواق اميركية
وصهيونية تتناقض مع المصالح العليا للأمة العربية والشعب الفلسطيني وربما إثارة
الفتنة في الداخل الفلسطيني بسبب احتلافات ايدولوجية أو سياسية مؤقتة وعابرة. إن تقدم
نفوذ التيارات السياسية المناهضة لإسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة سوف يعمل
على تغيير المعادلات القائمة ويخدم اتجاه حسم الصراع لصالح الحقوق العربية، ولذلك
فإن تقدم التيار الإسلامي والعروبي الذي يعادي الحركة الصهيونية وإسرائيل إنما يصب
في الخانة الايجابية لصالح المشروع العربي في مواجهة إسرائيل خلال السنوات العشر
القادمة، من جهة أخرى تشير الكثير من
الدراسات إلى ان الواقع العربي سوف يشهد حركة احتجاجات واضطرابات تعبر عن رفض
الفشل الذي منيت به برامج وسياسات الحكومات العربية المعنية بالصراع، والتي لم
تتمكن من تحقيق اي من وعودها باحقاق الحقوق العربية، ويتوقع تزايد التراجع
الاميركي الدولي بدءا بالعراق وليس انتهاء بمنظمة التجارة الدولية، وفيما يتعلق بالظروف الدولية ، فان مصالح الدول
الكبرى هي التي تقف خلف سياساتها، وتؤثر التغيرات السياسية في منطقتنا تاثيرا
بليغا على مصالح هذه الدول ، خصوصا في حال حدوث تطورات دراماتيكية في نوعية الحكم
والسياسات المتبناة في ظل تقدم التيار الاسلامي والعروبي شعبيا، ولذلك فان النظام
الدولي سوف يتجه الى التعامل الاكثر ايجابية مع حقوقنا في حال تشكيل حكومات من النوع
المستقل والمعادي للصهيونية والذي عندها سيؤثر كثيرا على مفاصل مصالح هذه الدول. لذلك فإن
مجمل المتغيرات الفلسطينية والعربية والدولية تعمل على محاصرة اسرائيل وتدفع
بانهاء احتلالها للاراضي المحتلة وربما تحجيم خطرها او ازالته حسب المعطيات
والظروف، فالسيناريو المتوقع يشير الى تراجع المشروع الصهيوني وتقدم المشروع
العربي بدرجة مرضية نحو حسم اكثر للصراع مستقبلا وخلال السنوات العشر القادمة. والأبرز
في المتغيرات الحاسمة لهذا الخيار والسيناريو هو تزايد نفوذ القوى السياسية
العربية المناهضة لإسرائيل في الحكم، وتزايد فرص اندلاع الانتفاضة الفلسطينية
الثالثة ربما في غضون 3-6 سنوات، وتزايد فرص المواجهات المسلحة مع الاحتلال سواء
عبر المقاومة في الداخل، او عبر حروب استنزاف محدودة تؤثر على معنوياته واستقرار
وتماسكه الاجتماعي وتدفعه للاستجابة النسبية للضغط، وهو ما يعني في المحصلة تقدم
المشروع العربي على حساب المشروع الصهيوني. ومن اجل بلورة مشروع سياسات وبرامج وخطط عربية
وفلسطينية فاننا نسعى إلى عقد ورش العمل المتخصصة في هذا المجال في مختلف البلاد
العربية، وقد بداناها في القاهرة في 23 شباط/ فبراير الماضي مع جامعة القاهرة
وبرعاية الامين العام لجامعة الدول العربية ، واليت تهدف إلى توفير الادوات
الكفيلة بصياغة مشروع عربي متكامل للمواجهة والحسم والتحرير وفق المعطيات
التحليلية والسيناريوهات المحتملة والامكانات المتاحة والمتوفرة على مختلف المستويات العربية والفلسطينية الرسمية
منها والشعبية .
كشف تحليل
الورقة وتوقعاتها عن الامكانات والمعطيات الاستراتيجية المتوفرة أمام الامة
العربية لمواجهة المشروع الصهيوني، كما أظهرت حجم التأثير الذي أحدثه تحرك العامل
الفلسطيني في الصراع عبر الانتفاضة والمقاومة وتنظيم الحياة السياسية مؤخرا على
تطوير واقع الأمة من جهة، وعلى وضع المشروع الصهيوني في مأزق من جهة ثانية، وشل
القدرة العسكرية التقليدية الثقيلة وغير التقليدية للعدو الصهيوني ، وتوتير الواقع
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الكيان الإسرائيلي، وهو ما يمثل فرصة سانحة
للامة لتشجيع هذا العامل واسناده ودعمه لتحقيق مزيد من الاندحار للمشروع الصهيوني.
كما كشفت الورقة ان محالوات التسوية
السياسية الفاشلة مع العدو الصهيوني لا تخدم المشروع العربي ولا القضية الفلسطينية
وانها قد تسببت بضر بالغ على القضية وعلى الشعب الفلسطيني، وان تقدم التيار
العروبي والاسلامي المناهض للمشروع الصهيوني للمشاركة في القرار السياسي العربي
انما يشكل رافعة مهمة لحشد الامكانات في معركة دحر المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين
وانهاء السرطان الصهيوني في الوطن العربي. واشارت الورقة إلى دراسات
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع والتي تصب في في المحصلة في تحولات
وانعطافات كبيرة لصالح الأمة العربية وضد المشروع الصهيوني، وكشفت ان اختيار الشعب
الفلسطيني بنسبة 74 % من الاصوات لخيار المقاومة والممانعة والصمود رغم ما يسبب له
هذا البرنامج من معاناة انما يشير إلى القدرة الكامنة المتوفرة لتطوير وسائل
وادوات المعركة وربما ساحاتها، وفتح المجال لاسناد العامل الفلسطيني لتحقيق الحسم
خلال السنوات العشر القادمة لصالح الأمة، وهو ما يلقي بالمسئولية على الأحزاب
العربية بكل اتجاهاتها لتوفير الاسناد والدعم اللازم ، وتوقير الحاضنة العربية ،
والعمل على حماية المقاومة والشعب الفلسطيني من الظلم الدولي. وكشفت الورقة ان المحاولات الدولية
لخنق المقاومة الفلسطينية بعد استلامها لزمام السلطة الفلسطينية يستند إلى غياب
الاسناد العربي الحقيقي للشعب الفلسطيني، حيث ان مجمل المساعدات الدولية السنوية
لهذا الشعب لا تصل إلى اكثر من مليار ونصف المليار دولار، وهو ما يمثل قيمة الهدر
فقط في ميزانيات الدول العربية الغنية، ولا يشكل اكثر من 5 % من قيمة الهدر في
ميزانيات الدول العربية ، والتي يمكن توفيرها بجهد محدود لدعم واسناد الشعب
الفلسطيني الذي يدافع عن الامة وعن
حياضها، ويعيق تقدم المشروع الصهيوني إلى عواصمها ومصالحها ونفطها وبحارها...الخ .
ورأت الورقة ان للاحزاب العربية دورا حاسما في تفعيل الدعم والاسناد الرسمي
والشعبي في المجالات السياسية والاقتصادية والاعلامية والبشرية والدبلوماسية
وغيرها ، حتى يمكن للعامل الفلسطيني توفير البيئة المناسبة لحسمك الصراع مع
المشروع الصهيوني خلال السنوات العشر القادمة بالتكامل مع العامل العبي والاسلامي
. |
||
|
---|