|
تحليل
السياسة الخارجية
الأوروبية والمحدد الأمريكي*
شهدت
السياسة الخارجية الأوروبية مع بدايات العام الجديد محاولات للخروج على الطوق
الأمريكي وعلى الأخص فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فقد نجح الاتحاد الأوروبي
بإدخال منظومة واسعة من الدول العربية تحت سقف إعلان برشلونة لعام 1995 فيما عرف
بالحوار اليورو- متوسطي، هذا إضافة إلى جهود دول الاتحاد الأوروبي الفردية في
إبرام اتفاقيات عسكرية متعددة المستوى والنوع مع عدد من الدول العربية أيضا.
ويذكر أنه منذ تشكل الاتحاد
الأوروبي عام 1992 شرعت المفوضية الأوروبية بتشكيل بنية أولية لمؤسسة أوروبية تقوم
على شؤون الأمن والسياسة الخارجية، غير أن هذه المؤسسة لم تتمكن من التوصل إلى
سياسة اوروبية خارجية موحدة ومفصلة، بل سعت إلى التوفيق النسبي بين مواقف دول
الاتحاد المتناقضة والمتباينة حسب الموضوع، بما في ذلك السياسات الأوروبية تجاه
الشرق الأوسط.
ولعبت العلاقات
الأوروبية-الأمريكية دورا مهما في تحديد السقف الذي يذهب إليه الاتحاد في رسم
سياساته المستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة، فلم يتمكن الاتحاد
الأوروبي من فرض توجهاته الخاصة إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث اضطر للوقوف
خلف السياسات الأمريكية بشكل عام مع بعض التميز المحدود الذي أبدته كل من فرنسا
وبريطانيا ولجنة الأمن والسياسة الخارجية، خصوصا تحت قيادة خافيير سولانا، من جهة
أخرى فإن الأوروبيين يعلنون أنهم يقومون بدور مكمل للدور الأمريكي في عملية السلام
وعلى الأخص فيما يتعلق بالدعم الاقتصادي، لكن الدور السياسي والأمني الأوروبي لا
يزال محظورا من الناحية العملية بسبب التحفظ الأمريكي من جهة، وبسبب الرفض
الإسرائيلي الدائم له من جهة أخرى، سواء في ظل حكومات العمل أو الليكود.
ويبرز ضعف
الدور الأوروبي هذا عندما يتعلق الأمر بعد القدرة على استصدار قرار دولي بإدانة
الخروقات الإسرائيلية الفاضحة لحقوق الانسان في فلسطين، أو عندما يتعلق الأمر
بالتعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية وعمليات المقاومة، حتى دفع الاتحاد الأوروبي إلى وضع منظمات
فلسطينية سياسية مقاومة على قائمة المنظمات الإرهابية بضغط من الولايات المتحدة
وإسرائيل. وبرغم الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في بلورة مشروع خريطة الطريق
لحل الدولتين غير أن عضوية الاتحاد الأوروبي في اللجنة الرباعية الدولية لخارطة
الطريق لا يمثل إلا اسهاما فكريا ومصدر نصائح للتوجهات الأمريكية التي تقود هذه
اللجنة كما أثبتت تجربة السنوات الثلاث الماضية.
وعلى صعيد آخر لم ينجح الاتحاد
الأوروبي وعدد من دوله الصناعية ( فرنسا والمالنيا) في ثني الولايات المتحدة عن
التدخل العسكري في العراق، بل انقسم موقفه إزاءها لتشارك دولة صناعية عضو فيه في
العدوان العسكري ذاته، واضطر أن يساهم مع الولايات المتحدة عبر الحلف الأطلسي في
احتلال أفغانستان، فيما لم يتمكن الاتحاد من تعديل المسار الأمريكي المتطرف
بإجراءاته القاسية في ظل ما يسمى "الحرب على الإرهاب" ، وخصوصا ضد
الحركات الإسلامية المعتدلة في المنطق
ورغم من نجاح الاتحاد الأوروبي
النسبي ( وخاصة أعضاء الـ
G8 من
أعضائه) في تعديل بعض توجهات المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير غير أنه وقف
بكل ثقله خلف المشروع الجديد، رغم أن ما يحملهخ انما يمثل مشروعا أمريكيا بالأساس،
حيث جاء البيان الأمريكي-الأوروبي المشترك في 24/8/2004 داعما للتوجهات الأمريكية
الأساسية مع تعديلات أو تطويرات غير رئيسية، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية
هي قائد المشروع في التطبيق على الأرض.
وبذلك
تشير المعطيات والمؤشرات أعلاه إلى أن السياسة الخارجية الأوروبية وبرغم محاولات
التبلور المستمرة عبر الاتحاد ذاته (اي محاولات تجاوز التباينات الداخلية في
الاتحاد) غير أنها لا تزال تنقاد للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة أو تتعاون
معها أو تدعمها حتى في ظل بعض الانتقادات التي يوجهها الاتحاد أو برلمانييه أو بعض
أعضائه إزاء هذه السياسة الأمريكية، كما أن الاتحاد وعدداً من دوله الرئيسة لا
يزال يعتقد أن الضغط على إسرائيل للانصياع للقرارات الدولية والمجتمع الدولي حتى
في مجال حقوق الإنسان غير ممكن من الناحية العملية إلا من خلال الولايات المتحدة،
وعلى الرغم من أن الاتحاد يمتلك الكثير من الوسائل السياسية والاقتصادية
والإعلامية بل والعلمية للضغط على إسرائيل -كما يرى الكثير من الباحثين العرب- غير
أنه يعرض عن هذه التوجهات تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي.
العلاقات
التي شرع الأوروبيون بإقامتها مع الحركات الإسلامية السياسية منها (الإخوان
المسلمون وغيرهم) وحركات المقاومة (حماس وحزب الله)، والتي يبدو أنها تمت بتوافق
أوروبي-أمريكي ربما تشكل بداية مشروع جديد لسياسات أوروبية خارجية جديدة قد تؤثر
على السياسات الأمريكية من جهة، وقد تساهم في الضغط على إسرائيل لصالح المزيد من
الاستجابة للحقوق الفلسطينية والالتزام بإعلان حقوق الإنسان وبعض القرارات الدولية
ذات الصلة من جهة أخرى. ويعتقد بأن هذا التحول لا زال في بداياته، وتعد محددات
نتائجه كثيرة ومتداخلة واحيانا متناقضة، لكن الحقيقة الأبرز في أسباب تشكله الأولي
هي صمود الشعب الفلسطيني في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية وتصاعد انتفاضته
ومقاومته، وتزايد تنامي التأييد الشعبي للحركات الإسلامية والقوى المناهضة
للسياسات الأميركية في المنطقة، وفشل سياسات العزل والتهميش والتشويه التي تبنتها
الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة تجاه هذه القوى على مدى السنوات الخمس
الماضية، حيث لعبت هذه المتغيرات الدور الأساسي في دفع عملية التحول وتشكل
ميكانيكية متطورة ومتفاعلة زمنيا لصالح التغير الذي أشرنا إليه آنفا.
إذن يبدو
أننا أمام متغير استراتيجي لم يتبلور بعد في السياسة الخارجية اليورو-أمريكية تجاه
الشرق الأوسط، والذي ربما يحمل سياسة أوروبية أكثر فاعلية وإيجابية ومؤثرة قد تعيد
الحياة من جديد لديناميكيات وتوجهات وبرامج إعلان برشلونة لعام 1995، وهو الذي فشل
في تحقيق أهدافه خلال السنوات العشر الماضية، وكذلك قد تفرز سياسة أمريكية أكثر
اعتدالا قياسا بما هي عليه اليوم، والتي قد تسهم في وضع حد مرحلي للسياسات
العنصرية والعدوانية الإسرائيلية، ويبقى المحدد الأساسي لذلك هو قدرة الفلسطينيين
والعراقيين واللبنانيين اضافة الى الحركات الإسلامية والقوى المناهضة للسياسات الأميركية أن تبلور
مواقف موحدة وعملية وواقعية على الصعيدين العربي والدولي. |
||
|
---|