|
تحليل
أمريكا
وإسرائيل في ورطة* تمر
منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والقضية الفلسطينية والعراقية بشكل خاص في منعطف
حيوي تتداخل فيه الصراعات بين المصالح والقيم الفكرية، فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى
عام 2000 استشعرت القوى المتنفذة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي وبالذات الولايات
المتحدة بأن هذا الحراك السياسي والعسكري المقاوم أصبح يشكل معول تغيير استراتيجي
في التوازن القائم بين هذه القوى من جهة، وفي الفرص المتاحة أمام كل منها لفرض
توجهاتها وسياساتها من جهة أخرى. لقد
حركت الانتفاضة المخزون الفكري والثقافي العربي والإسلامي استناداُ إلى نجاحات
ميدانية، وانكشاف الموقف السياسي للأنظمة الحاكمة الذي عبّر عن ضعف وعجز في آن
واحد معاً، وشكل النجاح الفلسطيني في هزّ البنية الأمنية، وإحداث اضطراب في النظام
السياسي الإسرائيلي مدخلاً جديداً لعملية تغيير سياسي واجتماعي في المنطقة، ربما
تشكل حاجزاً صلباً في وجه الهيمنة والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية بوصفه فرصة
جديدة للنهضة العربية والإسلامية يعيد سباق التنافس الحضاري إلى الساحة الدولية من
جديد عبر بوابة الشرق الأوسط والذي سيكون بالطبع عاملاً حاسماً في إعادة تركيب
النظام الدولي ومؤسساته وعلاقاته المختلفة. ولذلك
كان الاتجاه العام الأمريكي نحو احتواء هذه الإمكانيات الجديدة ومنعها من تحقيق
هذا التحول حيث اتخذت الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية ثلاثة محاور أساسية:
·
تحريك الأنظمة
العربية لاحتواء اندفاعة وتطلعات الشارع العربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني
والداعم لمقاومته المسلحة.
·
السعي لحصر هذه
التحولات في الإطار المحلي الفلسطيني عبر برامج ووسائل فكرية وسياسية تتبناها
النخب المثقفة المؤيدة للغرب في العالم العربي مدعومة بالآلة الإعلامية الغربية.
·
الوقوف الكامل
وراء إسرائيل في إرهابها وعدوانها بل وفي ارتكابها جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني
في محاول لإحداث الضعف والتقهقر في الانتفاضة. كما
شكلت المواقف والسياسات التي تبنتها جيوب التغريب وربما الصهينة في داخل الانتفاضة
ومحيطها العربي عامل هدم وتعويق واستنزاف داخلي على الصعيد الفكري والسياسي
والإعلامي لهذه المقاومة، ناهيك عن المحاصرة المالية والقانونية لضبط الشارع
السياسي ولو بالعنف، وذلك من خلال التماهي الكامل مع الأهداف والتطلعات الأمريكية
والصهيونية آنفة الذكر. وبذلك
نجحت الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية مبدئياً بتحويل الصراع إلى الداخل
العربي والفلسطيني وفرض برنامجها وأفكارها على الإعلام والمواقف أيضاً، خاصة بعد
هجمات 11 أيلول 2001 التي اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة للانفلات من الضوابط
الأخلاقية والقانونية بل وحتى الإنسانية أحياناً وفي فرض برنامجها وأجندتها السابقة
للحدث ليس على منطقة الشرق الأوسط فحسب بل على العالم كله، والذي تمظهر بالحملة
العالمية على الإسلام (الإيديولوجيا العربية وأيديولوجيا الانتفاضة والمقاومة)،
والسعي إلى محاصرة الحركة الإسلامية السياسية، واللجوء إلى أقصى أنواع العنف (ما
يصل إلى حد الإرهاب) في مهاجمة الدول العربية والإسلامية كما حدث في أفغانستان
والعراق. ورغم
من النجاحات التي تحققت باستراتيجية العنف والعدوان الإسرائيلية والأمريكية أمام
العجز والضعف بل والاستجابة القسرية التي وجدتها من معظم الدول العربية والإسلامية
وكثير من القطاعات الثقافية والقوى السياسية، غير أنه بات واضحاً أن الإدارة
الأمريكية تورطت مباشرة في وحل الصراع في المنطقة سواءً بسبب الضغوط الصهيونية
المتواصلة أو بسبب الإغراءات من خلال المعلومات المضللة التي قدمتها جيوب التغريب
والتخريب في المنطقة، وبالطبع فإن الدولة الحاكمة في النظام الدولي (الولايات
المتحدة) وجدت نفسها غير قادرة على الانسحاب من المعركة بجراح نازفة فاتجهت نحو
زيادة التورط من جهة وتوريط العالم معها من جهة أخرى، ورفضت مبدأ التفكير بالخروج
من هذه الورطة بأقل الخسائر، وهو ما ينذر بتصاعد العنف والاضطراب وسيادة شريعة الغاب
في النظام الدولي وربما ملاقاة ذلت المصير الذي لاقته السياسة الأمريكية في فيتنام
قبل أكثر من 30 عاماً. وعلى
نفس الصعيد ورغم التقهقر الذي أبدته إسرائيل أمام الانتفاضة من خلال بناء سور يفصل
الكيان السياسي الإسرائيلي عن الضفة الغربية وغزة في فلسفة تحصن واحتماء وبوصفه خط
الدفاع الأخير عن هذا الكيان انسجاماً مع فكرة الغيتو والقلعة (البسادا)، غير أن
الحكومة الإسرائيلية تصر كذلك على التضحية بأمن مواطنيها وحياتهم عبر استمرار
أعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني وانتظار رد المقاومة عليها، وهو ما ينذر بتزايد
الاضطراب في البنية السياسية والأمنية الإسرائيلية وتداعياتها الاجتماعية
والاقتصادية لمصلحة برنامج الانتفاضة والمقاومة وليضاف العجز والضعف الإسرائيلي
إلى التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان على خريطة الشرق الأوسط والنظام الدولي،
مما يشكل مدخلاً لتغيير مخرجات الصراع مع هذين الطرفين، وهو استنتاج يدعمه العجز
الفكري والأيديولوجي الأمريكي والإسرائيلي عن التعامل مع المتغيرات العالمية
والانسجام مع متطلبات الأمن والسلم العالمي التي تتبناها أكثر من 90% من دول
العالم، لتقف بذلك هاتان الدولتان منبوذتان والكل ينتظر انهيارهما وإن بدا المشهد
غير ذلك في اللحظة الراهنة.
* جواد الحمد، مجلة دراسات شرق أوسطية
العدد
(25)،
خريف 2003 . |
||
|
---|