[TempPage/template.html]
|
||
[TempPage/template.html]
|
التحولات
في العراق وفلسطين مفتاح التغيير في المنطقة تعرضت منطقة الشرق الأوسط خلال الربع
الثاني من عام 2003 إلى تحولات ومتغيرات جوهرية تؤثر على بنية المنطقة
الجيوبولوتيكية من جهة، وعلى وضعها في النظام الدولي من جهة أخرى، وقد تمحورت هذه
المتغيرات على الشؤون الدولية والإقليمية والمحلية على حد سواء.
فعلى الصعيد الدولي
قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق وإسقاط نظامه السياسي دون أي تفويض دولي لها
بذلك لتحقيق أهداف تقول أنها استراتيجية وكمقدمة لتغييرات أكبر في منطقة الشرق
الأوسط، وقدمت في نفس الوقت عبر اللجنة الرباعية الدولية مشروعا سياسيا لإنهاء
الصراع العربي-الإسرائيلي بشقه الفلسطيني، وقد قدمته تحت ما يسمى بـ"خارطة
الطريق"، والتي اعتبرت إطارا للمسار السياسي في المنطقة، في الوقت الذي بادرت
فيه فصائل المقاومة الفلسطينية إلى امتصاص الهجمة الدولية على المقاومة وتحويل
الضغط إلى الجانب الإسرائيلي عبر إعلان تعليق العمليات العسكرية لمدة ثلاثة شهور،
وبُعيد هذا وذاك بدأت الولايات المتحدة بشن حملة إعلامية ضد إيران متعددة الجوانب
بهدف تغيير معادلة التوازن القائمة في البنية السياسية الإيرانية بين التيارين
المحافظ والمعتدل داخليا، وإضعاف التطلع الإيراني الإقليمي من جهة أخرى على محاور
العراق ولبنان وسوريا وفلسطين.
تمكنت الولايات
المتحدة وبريطانيا من إسقاط النظام العراقي السابق بشكل أو بآخر خلال ثلاثة أسابيع
من الاجتياح العسكري للعراق، ولم يكن هذا العدوان مدعوما بقرار دولي، وجاب ملايين
البشر شوارع بلادهم في غرب العالم وشرقه وشماله وجنوبه احتجاجا على التوجه
الأمريكي-البريطاني لمعالجة الأزمة مع العراق بالقوة، لكن الإدارة الأميركية
وبتحالف مع إدارة توني بلير أخذت القرار مبكراً وهيأت له الوضع السياسي في كل من
لندن وواشنطن، وشنت الحرب بالفعل بكل عنف ووحشية مطلع الحادي والعشرين من آذار/
مارس 2003. وقد حصدت الحرب عشرات الآلاف من الضحايا من الطرفين، كان جلهم من
المدنيين العراقيين الأطفال والنساء والشيوخ، ودمرت البنية التحتية لكثير من
المرافق العراقية ، وحسمت القوات الأميركية المعركة على ما يبدو عبر الاختراق
الأمني في الجيش والحرس الجمهوري الذين لم يقاتلا دفاعا عن بغداد عند الهجوم
الأمريكي البري عليها، وبإلقاء القنابل النووية التكتيكية على منطقة المطار وحوله
لتقتل كل ما في طريقها، بعد معركة حاسمة تمكن العراقيون خلالها من تكبيد
الأميركيين ما بين ألف وألفي قتيل حسب مختلف الروايات لمعركة يوم الجمعة 4 نيسان/
أبريل 2003. المهم أن الجيش العراقي والتشكيلات العسكرية الأخرى انهارت أمام الزحف
الأميركي ودخل الأميركيون بغداد في مشهد درامي خيالي صباح التاسع من نيسان/ أبريل
2003 ليعيدوا إلى الذاكرة العربية عدوان واحتلال هولاكو لبغداد عام 1258م مع فوارق
الزمان والممثلين.
وبرغم هذا النجاح
السهل الذي حققه الأميركيون ببضعة آلاف من الضحايا في صفوف قواتهم، غير أن الوضع
الأمني للقوات الأمريكية والبريطانية المحتلة وبعد مرور ثلاثة اشهر على الاحتلال
يعاني من تزايد مقلق ومفجع أحيانا في الهجمات العراقية المقاومة. وعلى عكس كل
التحليلات العربية وبعض الأجنبية فقد مثل المثلث السني معقل هذه المقاومة في وسط
وغرب العراق، والتي اندلعت مبكراً وبشكل مفاجئ، وأصبحت القوات الأمريكية تتعرض
يوميا لمعدلات متزايدة من الهجمات بدأت بعملية أو اثنتين في اليوم كانت قوات
الاحتلال يمكن أن تنسبها إلى فلول النظام السابق، ولكن ارتفاع المعدلات في
أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/ يوليو إلى عشرة أو عشرين وربما ثلاثين عملية مسلحة
يوميا قد حوّل هذه العمليات إلى كابوس أعاد الذكريات العسكرية الأميركية لأبنائهم
صغار السن في الجيش ولعائلات الضحايا مع ما يشاهدونه في أفلام الاستعراض الأميركي
في فيتنام، ولكن دون تحقيق انتصارات مبهرة على رجال المقاومة المجهولين، وهو ما
أعاد ذكريات كوابيس فيتنام الرهيبة والتي لا تزال تلف التاريخ المظلم للولايات
المتحدة. وبدأ البعض الأميركي يحذر من مغبة الوقوع في نفس الفخ، فيتنام الكابوس
وفيتنام وغاباتها المستنقع، وإذ بالمشهد أكثر تعقيداً عسكرياً وأمنياً وجماهيرياً
مما توقع الأميركيون والبريطانيون في العراق، وراحت أمريكا تستنجد بقوات دولية من
دول أخرى تريد استخدامها دروعاً لتلقي الضربات في المدن نيابة عن قواتها، وربما
لتجعل من قواتها وحدات مساندة أو داعمة فقط تتمركز خارج المدن.
وتوافقت هذه
التطورات الملفتة للنظر مع هروب متواصل لآلاف الجنود الأميركيين عبر كردستان
وإيران، كما توافقت مع تذمر خافت الصوت في صفوف القوات المرتزقة التي ظنت الحرب
نزهة وعمليات كوماندوز بطولية محدودة، كما توافقت مع بعض النجاح الأمريكي في تشكيل
بعض الهيئات العراقية وفق اختيارها وبمقاييسها كمجلس الحكم الانتقالي على سبيل
المثال، ولكنها في نفس الوقت ترافقت مع الفشل الذريع الذي مُنيت به القوات
الأميركية ولجان الإعمار بعدم القدرة على إعادة الحياة إلي طبيعتها حتى تلك التي
كانت في ظل النظام السابق، ناهيك عن تبخر الوعود بالحرية والاقتصاد والرفاه،
وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين.
وراحت القيادة الأمريكية تلغي المؤسسات وتحل
الأجهزة الرسمية للدولة العراقية دون بناء البدائل أو على الأقل قبل أن تتمكن من
بناء البدائل، مما أوجد فراغاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وجعل حياة العراقيين
صعبة وغير مستقرة، بل إن بعض من لم يكن يؤيد النظام السابق ربما ترحم على تلك
الأيام للحظة.
وفي ظل الإصرار على تحقيق المكاسب الأنانية لكل من بريطانيا
وأميركا في العراق رفضت الدولتان إشراف الأمم المتحدة المباشر على العراق، وإنما
قبلاها كشماعة لتغطية بعض الجوانب عبر ممثل لها في العراق يتميز بالأناقة لكنه لا
يملك أي صلاحيات خارج الإدارة الأميركية، كما أن المفاهيم الإنسانية والحضارية في
التعامل مع الشعب العراقي لم تلبث أن فضحتها منظمة العفو الدولية(AMNESTY
INTERNATIONAL) بتقريرها حول انتهاكات قوات الاحتلال الأميركي لحقوق الإنسان في
العراق، سواء على الحواجز أو في السجون والمعتقلات أو في الهجوم المسلح والعنيف
على أي موقع تصيبه بعض الشبهات بإيواء بعض من يعترضون على الاحتلال، طبعا من
المفهوم جيدا أن هذا السلوك يعبر عن الارتجال من جهة، ويعبر عن عدم الأهلية لقوات
الاحتلال لاحترام الاتفاقات الدولية بهذا الخصوص -حتى بعد أن تمكنت الولايات
المتحدة من إضفاء الشرعية على احتلالها للعراق عبر قرار مجلس الأمن الدولي
بالاعتراف بها كقوة احتلال- من جهة أخرى. المهم أن قوات الاحتلال والإدارة المدنية
المرافقة لها، أدركت أنها قد وقعت في مستنقع يتسع ويزداد عمقا يوما بعد يوما، كما
أدركت أن المقاومة العراقية ليست من فلول النظام السابق، حيث تقودها تيارات
إسلامية معروفة بعدم انسجامها مع النظام السابق، بل هي مستفيدة من انهياره من
الناحية الأيديولوجية، إضافة إلى تيارات مستقلة أخرى تمثل رد الفعل الطبيعي على
الاحتلال وإن كان ثمة فلول فهي محدودة الحجم والتأثير، ولذلك فإن التعامل مع هذه
المقاومة ربما يمثل تحديا كبيرا أمام القوات الأميركية خلال الأشهر القادمة، حيث
قد يتسبب تفاقم أعمالها المسلحة واسعة النطاق إلى دفع صنّاع القرار الأميركي
لإعادة النظر باحتلال قواتهم للعراق، خاصة في ظل تزايد الكفاءة لدى المقاومة على تغطية
أعمالها والتعبير عن نفسها عبر وسائل الإعلام. المخرج إذن ليس في استمرار
الاحتلال وفرض النظام السياسي والدستور وفق الرؤية الأميركية على الشعب العراقي،
إنما المخرج في تطبيق مفهوم الحرية الذي
اعتبره الرئيس بوش المبرر الأهم للحرب بعد فشل إدارته في إثبات عدم مصداقية
الادعاءات الأميركية والبريطانية حول أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي منح الشعب
العراقي حق تقرير مصيره بنفسه وبمساعدة الأمم المتحدة عبر انتخابات عامة تفرز
قيادة عراقية مؤقتة تعد لمرحلة الدولة الديمقراطية المستقرة.
****
أميركا غير مؤهلة كحكم
على أصداء الانهيار
العراقي وخلال أقل من ثلاثة أسابيع سلمت الولايات المتحدة النسخة المعدلة الثالثة
من خطتها للسلام في الشرق الأوسط، والتي سميت بخارطة الطريق إلى الطرفين الفلسطيني
والإسرائيلي يوم 30/4/2003، والتي اعتبرت اللجنة الرباعية الدولية مرجعية مؤسسية
تقودها الولايات المتحدة لدفع الأطراف إلى تطبيق الخارطة، وقد ركزت الخارطة في
مرحلتها الأولى التي تستمر إلى نهاية العام 2003 على الجانب الأمني المتعلق بوقف
أعمال الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية في مقابل عودة القوات الإسرائيلية إلى
مواقعها قبل اندلاع الانتفاضة في 28 أيلول/ سبتمبر عام 2000، كما ركزت على ضرورة
إحداث تغيير بنيوي سياسي داخل السلطة الفلسطينية لتهيئة الظروف لبناء الثقة وتطبيق
علمية السلام وإنهاء الصراع.
الخطة التي تعرضها
الخريطة تعتبر المقاومة وفصائلها الضحية الأولى التي يجب أن يقدمها الفلسطينيون
لتحقيق أي إعادة انتشار إسرائيلية محدود في الضفة والقطاع، وبرغم أن السلطة قد
نفذت على صعيد الشق السياسي والإصلاحات ما يصل إلى 80% من المطلوب في الخارطة قبل
تسلمها، غير أن ذلك لم يكن إلا مشجعا للطرف الأميركي والإسرائيلي للضغط من أجل
تقديم المزيد قبل أن تنفذ إسرائيل أي التزام رئيسي من جانبها.
أمام الضغوط
الأميركية تحمست السلطة للتفاهم مع مختلف فصائل المقاومة -وعلى الأخص حركتي حماس
والجهاد الإسلامي- على بعض قواعد العلاقة لتفويت الفرصة على نجاح الضغوط الإسرائيلية
والأمريكية في إشعال الفتنة الداخلية بين القوى الفلسطينية والسلطة، وبالفعل
تبلورت بعض الأفكار والتوجهات والمقترحات خلال حوارات أجراها أبو مازن رئيس
الوزراء الفلسطيني نهاية أيار/مايو 2003 في قطاع غزة، وتسربت العديد من هذه
التوجهات إلى الإعلام، ولكن الأمر لم يرق للجانب الإسرائيلي والأمريكي واللذان
اعتبارا ذلك معيقا لتطبيق الشق الأمني بتدمير هذه المنظمات على يد قوات الأمن
الفلسطينية، وفي ظل الصعوبات التي تواجه
الواقع الفلسطيني من جهة والتحفظات الإسرائيلية والتعقيدات التي وضعتها على
تطبيقها لبعض المطالب من جهة أخرى، فقد دعت الولايات المتحدة إلى قمتين
عربية-أميركية في شرم الشيخ يوم 3 حزيران/يونيو 2003، وإسرائيلية-فلسطينية برعاية
أميركية وحضور أردني في العقبة يوم 4 حزيران/يونيو 2003، وذلك بهدف إعادة تعريف
خارطة الطريق كخطة أمنية موجهة ضد المقاومة والانتفاضة الفلسطينية. وبالفعل فقد
حصلت الولايات المتحدة من المجتمعين العرب في شرم الشيخ على ما أرادت، وخاصة ما
يتعلق بوقف دعم الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية ودعم حكومة أبو مازن بدلا من ذلك،
والتأكيد على البعد الأمني للخارطة، كما تمكنت مع إسرائيل من دفع الطرف الفلسطيني ليقدم
التزاماته الأمنية بدقة وعلنية أمام العامل دون أن يشير إلى أي مطالب أو مكاسب
فلسطينية مطلوبة، في الوقت الذي لم يقدم فيه شارون أي التزامات ذات قيمة، وطالب
بأهم ما تحتاجه إسرائيل وهو الأمن ووقف العلميات المسلحة وأعمال الانتفاضة.
وقد تسبب الخطاب الذي ألقاه السيد محمود عباس في
العقبة بأزمة فلسطينية جديدة، اضطر لاتخاذ عدة تدابير وتوضيحات متتابعة للخروج
منها، وذلك ليس مع حماس والجهاد فحسب بل مع حركة فتح ذاتها، ومع المعتقلين بكل
فصائلهم، وتمكن الطرف الفلسطيني وخلال ثلاثة أسابيع من الحوار من تجاوز أزمة العلاقات
الداخلية، التي عملت إسرائيل على تفجيرها بعمليات اغتيال نفذتها بُعيد قمة العقبة،
وقد نجحت هذه الحوارات بعد تدخل الجانب المصري والأوروبي لدى الفصائل الفلسطينية،
وهو ما أسفر عن إعادة الحوار إلى مجراه بين الطرفين، ومن ثم قيام حركتي حماس
والجهاد ومن بعدهما حركة فتح بتعليق العمليات العسكرية المسلحة ضد قوات الاحتلال
لمدة ثلاثة شهور وذلك في 29 حزيران/ يونيو 2003.
لقد عبرت هذه الخطوة من جانب المقاومة الفلسطينية عن إدراك عميق لطبيعة السياسات الإسرائيلية وللتركيبة السياسية الحاكمة في إسرائيل، حيث راهن الإعلان على نزع فتيل أي مواجهة فلسطينية من جهة، وسحب أي تبريرات لدى الأمن الفلسطيني للاعتداء على أي فصيل، ولإضعاف برنامج التحريض الأمريكي والإسرائيلي على حركتي حماس والجهاد على وجه التحديد، ما جعل الكرة بالفعل في الملعب الإسرائيلي وللضغط عليه لتحقيق انسحابات، ولكن الإعلان كان مشروطا بالإفراج عن كافة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وكذلك وقف كافة أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ونظراً لظروف الإعلان الأحادي من جانب هذه الفصائل وفي ظل بعض التفاهمات مع السلطة والأطراف الوسيطة الأخرى فقد اعتبرت هذه الشروط برنامج عمل للسلطة وللأطراف الأخرى الحريصة على صمود الهدنة، وبرزت هذه الشروط في مختلف الحوارات واللقاءات التي جرت، غير أن الانحياز الأميركي إلى الجانب الإسرائيلي حال دون تطوير هذه الهدنة إلى إنجازات ملموسة على الأرض تحقق لها الصمود الزمني، وتتزايد التساؤلات حول المدى الذي ستصمد فيه في ظل رفض إسرائيل الاستجابة لها، ورفض الجانب الأمريكي الضغط على إسرائيل لتحقيق هذه الشروط.
إن الاعتماد على
الضغط الأميركي على إسرائيل هو أمر غير عملي لاعتبارات مهمة أبرزها:
وبرغم ذلك فقد انعكس
إعلان تعليق العمليات على الموقف الأميركي إذ توقفت الحملة على حماس بشكل عام
والمطالبة بحظرها وتفكيكها والقضاء عليها، إلى المطالبة بتفكيك إمكاناتها العسكرية
فحسب، فيما اعتبر الاتحاد الأوروبي موقف حماس بالذات استجابة مشكورة لنداءاته
ولجهوده، وهو الذي وقف في وجه الولايات المتحدة برفض وضع حماس على قائمة المنظمات
الإرهابية. لكن ذلك لم يحوّل هذه الخطوة إلى إطار للضغط على الجانب الإسرائيلي،
وتراهن السلطة وفصائل المقاومة على خرق الجانب الإسرائيلي لها بشكل أو بآخر، وفي
رصد دقيق للشهر الأول من الهدنة يمكن ملاحظة قيام إسرائيل بأكثر من ثمانين خرقا
متعدد الأنواع شمل إطلاق النار والاعتقال والاعتداء على الأرض والأماكن المقدسة
والحصار وفرض حظر التجول وتجريف الأراضي وتدمير المنازل، فيما لم تفرج إسرائيل إلا
عن حوالي ثمانمائة أسير فلسطيني من اصل ثمانية آلاف، وهم من الذين لا حكم عليهم،
أو قاربت محكومياتهم على الانتهاء، ومن غير المعتقلين على خلفيات عمليات عسكرية،
وهذا مخالف للشروط التي وضعتها كل من حماس والجهاد وفتح على الالتزام بالهدنة.
لقد تمكن
الفلسطينيون من فرض الهدنة على إسرائيلي برغم حاجتها العملية إليها، وتمكنوا من
تكبيل قواتها العسكرية نسبيا، كما حققوا تفهماً عربياً ودولياً مهماً لموقفهم في
هذه المرحلة، وفتحوا المجال للضغوط على إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، وهو اعتبر
دخولاً في المعركة الإعلامية بين الطرفين، يبدو أن الطرف الإسرائيلي قد أعد لها
العدة وبدأ يحقق النتائج بعد زيارة شارون الثامنة إلى واشنطن نهاية تموز/ يوليو
2003، فيما حقق الفلسطينيون بعض الانفراج الدولي والتوافق الداخلي، لكنه لا يبدو
أن إعدادهم للمعركة الاستجابة يتناسب مع الإمكانات المتاحة بين أيدهم وقد قدموا ما
طلب منهم، فيما يماطل الإسرائيليون بتقديم أي شئ، ويستجيب الفلسطينيون للمسائل
الهامشية التي يشغلهم بها الإسرائيليون في الأعلام وفي الاجتماعات، ويشمل ذلك
بالطبع السلطة وفصائل المقاومة على حد سواء. وخلاصة القول أن الطرف الأمريكي لا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني وقد تحولات الولايات المتحدة إلى دولة احتلال كما إسرائيلي إلى حد ما، وان الهدنة يجب أن تحقق نتائجها تباعاً، وفي ظل مضي شهر عليها ثمة فرصة سانحة لمختلف الفصائل والسلطة لشن حملة إعلامية دولية وعربية ضد إسرائيل تهدد بإنهاء الهدنة في حال استمرار عدم الاستجابة للشروط الفلسطينية والتي هي في معظمها إنسانية.
****
استثمار الانتصار الأميركي في العراق
في ظل
التغيير الذي تمكنت الولايات المتحدة من إحداثه في العراق في النظام السياسي وربما
الاجتماعي والاقتصادي، وفي ظل الهدوء الذي اتسمت به الجبهة الفلسطينية في مقاومتها
للاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل تصاعد المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، أدركت
الولايات المتحدة أن توجهها لإحداث تغيير واسع في المنطقة قد أصبح مواتياً، حيث
بدأت بالضغط على سوريا لمنع أي دور مهم له في العراق قد يعرقل الخطط الأميركية، أو
أي دور قد يعطل الهدوء على الجبهة الفلسطينية في الداخل، ودورها هي وإيران في
الشأن اللبناني الداعم لحزب الله كتنظيم عسكري فاعل وحاسم في الشان اللبناني
الداخلي، ويهدد الأمن الإسرائيلي الشمالي، كما شعرت أن الوقت قد حان كذلك لإعادة
بناء التوازن السياسي القائم داخل إيران بين المعتدلين والمحافظين لصالح المزيد من
الاعتدال وفق الرؤية الأمريكية، خاصة وأن ثمة جيوب وربما متنفذين في البنية
الإيرانية قد اقتربوا من السياسة الأميركية في المراحل الأخيرة، من جهة أخرى لا
تريد الولايات المتحدة أن تعطي الفرصة لإيران لأخذ دور مهم لها في العراق حتى لو
كان ذلك متوافقاً مع التوجهات الأميركية في دعم المقاومة السلمية بدل المسلحة ضد
القوات الأميركية، ذلك أن إيران لاعب ثقيل الوزن وله نفوذ واسع في جمهوريات آسيا
الوسطى وعلى علاقة وثيقة مع الاتحاد الروسي، ما يجعل إدخالها في أي برنامج من هذا
القبيل عملية معقدة قد تؤثر على طبيعة النتائج المتوخاة، كما أن دور إيران بالدعم
السياسي والإعلامي وغيره للقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة ربما يُعد عامل قوة
وتهديد تملكه إيران ضد التوجهات الأميركية، وهو ما ترى واشنطن ضرورة تعطيله.
وعلى الصعيد الإقليمي تعتقد واشنطن أن جزءاً
مهماً من صمود سوريا، مرده إلى طبيعة علاقات التحالف التي تربطها بإيران، وان
الضغط على سوريا لدفعها نحو الاستجابة للمطالب الأميركية لا بد أن يسبقه إضعاف
الحليف الإيراني، وبالطبع فإن التقدم العسكري الذي بدت ملامحه في الأفق لدى القوات
المسلحة الإيرانية وإرهاصات بناء ترسانة أسلحة نووية ما يجعل إيران دولة نووية،
يشكل قلقا استراتيجيا لدى الولايات المتحدة على الصعيدين الإقليمي والدولي من
الدور الإيراني الممكن في هذه الحالة، ولذلك شرعت الولايات المتحدة بُعيد انتهاء
الحرب في العراق لشن حملة إعلامية ودبلوماسية واسعة النطاق ضد إيران، ومارست
الضغوط العديدة على الدول ذات العلاقة القوية معها وعلى الأخص الاتحاد الأوروبي
وروسيا والصين لوقف مساعداتها العسكرية و من جهة، ولتشجيعها على الاستجابة للمطالب
الأميركية في الشرق الأوسط من جهة ثانية، كما نجحت بتحريك أو استثمار أو تشجيع
القلاقل الداخلية في إيران (مظاهرات الطلبة) بهدف إشغال إيران بمشاكلها الداخلية
وربما إحداث نوع من التغيير في التوازن القائم سياسيا، ما يجعل إيران خاضعة لعملية
تحول سياسي واجتماعي لا يخدم دورا إقليميا أو دوليا مهما، وهو ما يوفر الفرصة
لتحييد إيران على أقل تقدير، وبرغم الاستجابات الإيرانية المختلفة لبعض المتطلبات
المستجدة غير أن الأمريكيين وجدوا في ذلك مندوحة لمزيد من الضغط لتحقيق دائرة أوسع
من الاستجابة والتجهيز للتغييرات الأمريكية في الشرق الأوسط وفي النظام الدولي،
وهو بالضبط ما اعتادت عليه الإدارة الأميركية طيلة عقد التسعينات من القرن العشرين
والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
وخلاصة القول أن تحييد إيران عن عمليات التغيير
في المنطقة أو دفعها للتوافق مع البرنامج الأمريكي بمختلف جوانبه يعد إطارا
استراتيجيا مهما لتغيير منطقة الشرق الأوسط وتقوية الموقف الأمريكي في النظام
الدولي.
***
خلاصة المشهد والمرحلة لقد أصبحت كل من العراق وفلسطين نقطتي الفصل في طبيعة تكوين المنطقة ومستقبلها، وهما النقطتان الأكثر سخونة سياسياً وعسكرياً، وهما النقطتان اللتان تعبران عن تطلعات الأمة في التحرر والاستقلال، كما أنهما تمثلان النقطتان الأكثر خطورة والأقوى في تشكيل بنية المنطقة وعلاقاتها الدولية، خاصة وأنهما تواجهان الحلف الأمريكي الإسرائيلي في وقت واحد، ويبدو أنه من سوء طالع الولايات المتحدة أن دخلت المنطقة تحت هذا التصنيف كقوات احتلال، في الوقت الذي كان وضعها في المنطقة حرجاً بسبب دعمها لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وإن محاولاتها المتسرعة لقطف ثمار انتصار لم يكتمل في العراق بالضغط على إيران وسوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية، ودخولها في حرب إعلامية مع المملكة العربية السعودية، وضغطها على المسائل الدينية والأيديولوجية والتعليمية في العالم الإسلامي، وتعبئتها للشعب الأمريكي لمعاداة الإسلام بوصفه مصدر العنف والإرهاب في الشرق الأوسط حسب استطلاعات الرأي العام فيها، يشير إلى تخبط وهستيريا في الإدارة الأميركية يبدو أنها تحاول عبرها التغطية على مشاكلها الداخلية من جهة، وعلى فشلها في إثبات صحة نظرياتها إزاء العراق وامتلاكه للسلاح النووي، وفشلها في القضاء على تنظيم القاعدة الدولي المعادي لها، وفشلها في إعادة البناء والاستقرار والإعمار في أفغانستان وبوادر فشلها في ذلك في العراق، حيث تشغل الإعلام والرأي العام بمسائل خارج دائرة التقييم والتوجيه والمحاسبة المعتادة في الولايات المتحدة، لكن ذلك وفي نفس الوقت يفتح ملف العداء ليتسع للعالم كله إلا قليلا خلال عقود قليلة قادمة، وهو ما يمكن التذكير بأهمية وقفه حتى من قبل القادة الأمريكيين في الإدارة الحالية لما يشكله من خطر على الأجيال القادمة وعلاقاتها الدولية، وذلك دون الانخداع باللحظة التاريخية الراهنة للهيمنة والسيطرة الأميركية التي قد تدوم بضع سنوات أو عقود لكنها في النهاية لا بد من أن تضمحل على قاعدة وسنة الحضارات ونظريات صعودها وهبوطها الغربية منها والإسلامية على حد سواء، ولعل في انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية بشكل متسارع ودراماتيكي مثالاً تاريخياً حديثاً، فهل من عقلاء يتفهمون ويفهمون، ويتخذون الخطوات التي تعيد الأمور إلى نصابها والمسيرة الإنسانية الحضارية إلى مسارها الصحيح نحو الحرية والديمقراطية والتعددية الحضارية والسياسية، واستبعاد اللجوء إلى العنف والهيمنة على الآخرين بالقوة.
* جواد
الحمد، مجلة دراسات شرق أوسطية، العدد
(24)، صيف 2003 .
|
[TempPage/template.html]
|
[TempPage/template.html] |
---|