|
تحليل
المبادرة العربية بين الواقع العربي والرفض
الإسرائيلي*
وقد جاء هذا الهجوم الإسرائيلي الشرس كما يبدو رداً على المبادرة السلمية
التي تحمس لها القادة العرب، وتبناها مؤتمر القمة باعتبارها مبادرة يمكن أن تُظهر
النوايا الحسنة للدول العربية، والرغبة الأكيدة لديها في تحقيق السلام في المنطقة،
وخاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية
والتي هزت العالم، وترتب عليها أول صراع في النظام العالمي يتحدى الولايات المتحدة
في عقر دارها. ومن المعروف أن القمة انعقدت في ظروف عربية ودولية بالغة الخطورة والحساسية
في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ذبح وإبادة وتشريد منذ قيام انتفاضة الأقصى
في أيلول 2000 بعد زيارة شارون إلى المسجد الأقصى، وما يتعرض له العراق من تهديدات
ومخاطر، ثم ما يعانيه الوطن العربي من حالة الانقسام والضعف، وغياب الرؤية
المشتركة تجاه أهم القضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية. حاولت القمة
العربية من خلال مقرراتها توجيه رسالة إلى العالم والغرب خاصة للتأكيد على أن حل
المشكلة الفلسطينية هو الأساس في حل جميع مشكلات الشرق الأوسط، وجاء مشروع السلام
في القمة ذاتها مؤكداً رغبة الدول في السلام ومكملاً للكفاح البطولي للشعب
الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا الكفاح الذي أثبت قدرة غير مسبوقه في
مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأظهر صموداً بطولياً، وقدرة على إحباط محاولات
رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون في تركيع الشعب الفلسطيني وتحقيق أوهامه.
لقد كانت المبادرة المعلنة واضحة ومعبرة عن رغبة تمثل إجماع الدول العربية،
وتدعو إلى السلام مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت في
الخامس من حزيران عام 1967 دون الانتقاص من دعم الشعب العربي الفلسطيني في صموده
وكفاحه على أرضه من أجل نيل حريته وتحقيق استقلاله. وبهذا تجاوزت المبادرة العربية
كل الجزيئات والمحاولات الإسرائيلية بالدخول في تعقيدات المفاوضات والتدابير
الأمنية والإجراءات المؤقتة التي تبنتها خطة تينت وتقرير ميتشل وغيرها.
ويبدو أن هذه المبادرة لم ترَقْ لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وحكومته
المتطرفة، إذ قرر بعد اجتماع طويل مع حكومته اجتياح الأراضي الفلسطينية، ومحاصرة
مقر الرئيس الفلسطيني وفرض العزلة عليه، والإمعان في تدمير المدن والمخيمات
الفلسطينية بصورة بشعة غير مسبوقة، مارست إسرائيل فيها أبشع أنواع الظلم وصنوف
القسوة والتعذيب والإبادة البشرية. وحولت المدن والمخيمات الفلسطينية الى مقابر
جماعية تحت بصر العالم أجمع وسمعه، وما زالت إسرائيل -على الرغم من مرور أكثر من
عدة أسابيع- مستمرة في إعمالها الوحشية وأثبتت أنها دولة خارجة عن القانون. وفي
ضوء نتائج قمة بيروت 2002 ورد الفعل الإسرائيلي الذي يتسم بالحماقة والجنون وعدم
المسؤولية والاستهتار لا بد من أثاره سؤالين مترابطين أولهما: ما هو الموقف العربي
المطلوب، بعد ما فشل العرب في إقناع إسرائيل بمبادرتهم السلمية في قمة بيروت؟
وثانيهما: لماذا ما زالت الولايات المتحدة تصر على دعم إسرائيل هذا الدعم المطلق
على الرغم مما أعلنه القادة العرب من رغبة في السلام؟
وهذان الموضوعان يحتاجان الى نقاش طويل، ولكن باختصار يمكن القول أنه لا بد
للعرب من أن يستعدوا دائماً للأسوأ، ولا بد لهم من البحث عن خيارات أخرى إلى جانب
خيار السلام، فلا يجوز تبني خيار السلام وحده طالما اثبت الطرف الأخر تعنته وعدم
رغبته في السلام. وأما بالنسبة للموقف الأمريكي الأخير فيمكن أن يكون درساً مكرراً
للعرب إذا أرادوا أن يستفيدوا منه، فقد بات واضحاً أنه لا يمكن الاعتماد على
الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل من أجل حل القضية الفلسطينية وإنهاء
الصراع، فقد أثبتت التجارب كل مرة أن أمريكا تقف قلباً وقالباً مع إسرائيل، وحريُ
بالقادة العرب أن يتفهموا أن الاعتماد المطلق على أمريكا لن يأتي لهم بأي نتيجة،
ولا بد من الانطلاق من رؤية جديدة قوامها الاعتماد على الذات، وتعبئة الموارد
وتعزيز القدرات العربية، الأمر الذي يجعل العرب قادرين على الوقوف بندية أمام
القوى الخارجية.
إن إسرائيل لن تفلح مطلقاً في كسر إرادة الشعب الفلسطيني مهما استخدمت من
صنوف القوة والتعذيب، وقد خرج الشعب الفلسطيني من محنته بإرادة وعزيمة أقوى.
إن رفض إسرائيل اللجنة الدولية التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة
ووافق عليها مجلس الأمن الدولي بعد أن وافقت عليها في البداية ، يدل على مدى
استهتار إسرائيل بقرارات مجلس الأمن الدولي التي أصبحت تتميز بالعنصرية وتُفرض على
دول العالم الثالث، بينما إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة ترفض القرارات
الدولية وتستهزئ بالقانون الدولي، بل اعتبر رفضها إهانة للأمين العام للأمم
المتحدة ولمنصبه الذي أكد عدة مرات أمام العالم أنه سيرسل اللجنة، إلا أنه في
الآونة الأخيرة رضخ للرفض الإسرائيلي والضغط الأمريكي .
وإذ قدمت المبادرة العربية إلى الرئيس الأمريكي شخصياً بلقاء القمة بين
الأمير عبدالله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي والرئيس جورج بوش، إلا أن
الولايات المتحدة لا زالت رهينة في إسرائيل، لدرجة الاستخفاف بالرأي العام العربي
والدولي عندما يصور الرئيس بوش أن "شارون رجل سلام" ويتجاهل الحكومات
العربية التي تلهث وراء السلام مع إسرائيل منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ، وعقد اتفاق
أوسلو مع إسرائيل عام 1993 ، والتي لم ينفذ منها إلا الجزء اليسير الذي تراجعت عنه
إسرائيل، ونجد شارون يريد أن يبدأ المفاوضات من نقطة الصفر متجاهلاً أوسلو وما عقد
من بعدها من اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني .
وعلى الرغم من المبادرة العربية والمجازر الوحشية فإن إسرائيل وإدارة
الرئيس جورج بوش تطالب بالتغيير في السلطة الوطنية الفلسطينية وتريد هندسة الواقع
الداخلي حسب إرادتها وأن تفرض ما تريده من شخصيات وتغييرات حسب الرغبة الأمريكية
والإسرائيلية .
وفوق ذلك كله ورغم ما قدمه القادة العرب من مبادرة سلام وإلحاح على الإدارة
الأمريكية ، فإن قادة حزب الليكود وفي مؤتمرهم المركزي الذي عقد في 12 مايو قد
أعلنوا أنهم يرفضون إقامة الدولة الفلسطينية ، وإزالة المستوطنات والانسحاب من
القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وعليه فما هي الدولة الفلسطينية التي يدعو بوش
لها والدول العربية ، إذا كانت جامعة شارون ترفض الحقوق الفلسطينية وجعلهم في
دولتهم أو دولة حسب التفصيل الإسرائيلي.
لقد وصل الاستخفاف الأمريكي والإسرائيلي بالدول العربية أن حكومة بوش تصر
على إسقاط نظام الرئيس العراقي في بغداد، وها هي إسرائيل وقيادتها تصر على تغييرات
في السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادتها قبل مباشرة أي نوع من المفاوضات ، ولعل هذا
أسوأ زمن في التاريخ العربي أن تفرض إسرائيل والولايات المتحدة القيادات التي
تريدها ضاربة عرض الحائط بالشرعية السياسية لهؤلاء القادة وإرادة شعوبهم، فالتغيير
والقيادة لسياسة في أية دولة من صلاحيات شعوبها وليست رغبة أمريكية وإسرائيلية ،
وإذا طالبت إسرائيل بتغيير السلطة وأمريكا بإسقاط الرئيس العراقي فلسنا ندري من
تطالب بتغييره غداً، إذا علمنا أن أمريكا قد علمتنا في تاريخها الدبلوماسي بأنه
ليس لها أصدقاء بل إنما لها مصالح، وقد بدأت بالشاه وماركوس ونوربيجا، وهم من
أصدقائها الأعزاء الذين خدموها طوال حياتهم ثم انقلبت عليهم. وإن السلام مع القوة أفضل من السلام مع الضعف ، والمبادرة العربية تحتاج
إلى القوة التي تفرضها ولسنا ندعو إلى الحرب وإنما ندعو إلى إعادة بناء النظام
الإقليمي العربي الذي انهار ، وندعو إلى عودة التضامن العربي، وإلى فرض المقاطعة
على إسرائيل سياسياً واقتصادياً حتى تنصاع إلى القرارات الدولية وأن توافق على
المطالب العربية، أما تقديم المبادرات دون
قوة تفرضها أو تلازمها فإنه يبقى السلام المطروح مجرد أوهام في ظل صلف إسرائيل
ورفضها للقرارات الدولية واستهتارها بالدول العربية .
*
أ.جواد الحمد، مجلة دراسات شرق أوسطية،العدد
(18)،
شتاء 2001/2002 . |
||
|
---|