|
تحليل
إسرائيل
تشن حرب إبادة
والعرب
ألقوا بأوراقهم بيد الغرب*
تسارعت
وتيرة العنف والعدوان الصهيوني وتسريبات سيناريوهات التدمير والإرهاب الرسمي
المنظم من قبل الجيش الصهيوني خلال شهر تموز/يوليو بشكل لم يسبق له مثيل، صحيح أن
شارون يُعدّ "بارون" الإرهاب التقليدي التاريخي في التاريخ المعاصر
للصهيونية، وهو اليوم يقف في المحكمة بتهم جرائم الحرب، لكنه أصر على أن يكون
الضحية التي تدفع ثمن إرهاب وتدمير وجود الشعب الفلسطيني في فلسطين لصالح الأجيال
الصهيونية القادمة كما يعتقد شارون، وصحيح أن التوقعات بأجواء التسخين العسكري قد
رافقت أيام استلام أرئيل شارون لرئاسة الوزراء في الكيان الصهيوني، غير أن حجم
وتتابع عمليات الإرهاب والمدى الذي تذهب إليه في التدمير قد بدت ملامحه تتكاثر،
ونتائجه تخرق كل النظم والأعراف والوثائق الدولية وحتى الاستعمارية، ومع ذلك فان
رد الفعل العربي والدولي لم يزل ينتظر حنان وإنسانية شارون وعقلانيته ليتخلى عن
هذا البرنامج، أو ينفذه على مراحل غير
مثيرة ليكتفي بإنجاز البعض منه بدلاً من تنفيذه كاملا، هذا ما تدل عليه المواقف
العربية الصامتة والمتفرجة.
لقد
أرسل شارون رسائل متتالية للعرب ضارباً عرض الحائط ببياناتهم واجتماعاتهم ومصالحهم
سواء كانوا من دعاة أوسلو أو وادي عربة أو كامب ديفيد أو غيرهم، فهو يضرب جنوب
لبنان، ويقصف القوات السورية في البقاع، ويقتل جندياً مصرياً على الحدود، ويوقف
التجارة الأردنية مع الضفة الغربية، ويعلن أن الأردن جزء من إسرائيل الكبرى التي
يؤمن بها، ويهدد العراق وإيران بل وباكستان، ويدعم أعداء العرب والمسلمين ويتبناهم
في كل الأرض، ومع ذلك فلم تصل الرسالة إلى العرب بعد، ويبدو أن القراءة العربية
لطبيعة الوجود الصهيوني وأهدافه ووسائله وتاريخه وتوجهاته لا زالت بحاجة إلى إعادة
نظر ودراسة من جديد.
لقد ساد الاعتقاد بأن معرفة العدو الصهيوني
بمكوناته المختلفة وارتباطاته الدولية أصبحت من المعلوم بالضرورة في السياسة
العربية، وعلى الأقل لدى الأجيال المخضرمة في الصراع، لكن ثبت أن هناك الكثير مما
ينبغي على العرب تعلمه عن هذا العدو، خاصة ما يتعلق بتوجهاته نحو هذه الأمة وحدود
هذه التوجهات وضوابطها، ناهيك عن أدواره في تشجيع استنزاف الأمة وتفتيتها وامتصاص
ثرواتها وتقتيل أبنائها وإيقاع الفتنة فيما بينهم.
لقد أعلن شارون بوضوح لا لبس فيه:
-
أنه ماضٍ في
تدمير البنية الفلسطينية التحتية.
-
وأنه سيقوم باغتيال النشطاء الذين تعتقد أجهزته
انهم يتمتعون بوضع قيادي مهم في الانتفاضة والمقاومة.
-
وأنه لن يقبل بالتدخل الأوروبي
أو الدولي في الميدان ولا في المفاوضات مع الفلسطينيين.
-
وأنه لن يجلس إلى
طاولة التفاوض إلا بعد استسلام الشعب الفلسطيني وتوقفه عن مقاومة الإرهاب الذي تمارسه
أجهزة الاحتلال الإرهابية.
وقد برر توجهاته وقدم
له الدعم وروّجه في العالم ولدى العرب سيء الذكر شمعون بيريز، الذي طالما تغنى
بالسلام والوئام بين العرب واليهود في المنطقة، وكم سوّق نفسه طوال عقد كامل من
الزمن لدى الرسمية العربية بوصفه رجل السلام الأول في إسرائيل، والتي بدورها رحبت
به وسوقته بين شعوبها التي لم تقتنع لحظة بهذه الأكاذيب اليهودية، وبهذا الدور
الذي يقوم به بيريز اتحد اليهود في فلسطين على برنامج شارون بقواهم الأهم، مما
يعني أن الصراع مع الدولة اليهودية لا زال يتمحور حول الأسس الأولى للصراع، تلك
التي تسبب بها اغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني فيها، وتشريد الشعب
الفلسطيني، واستمرار الاعتداء على الأراضي العربية الأخرى، وتهديد الأمن والسلام
في المنطقة على يدي قادة العصابات الصهيونية على مدى العقود الخمسة الماضية.
لقد تمكن الجانب الإسرائيلي
من تحقيق أحد أركان استراتيجيته القائمة على الاستفراد بالجانب الفلسطيني لأول مرة
منذ اندلاع الصراع، حيث يرفض أي شكل
جماعي من أشكال التفاوض مع العرب، ويصر على أن يواجه الجانب الفلسطيني وجها لوجه،
ويستخدم الإدارة الأميركية عاملا ضاغطا عليه عند اللزوم، وبذلك فقد خرجت القوة
العربية من معادلات الصراع في حسابات شارون وزبانيته، كما خرجت الأمم المتحدة من
المعادلة كذلك عبر تعطيل القرارات الدولية ذات الصلة، وتمكن من تحويل الصراع من
شكله الدولي والإقليمي إلى الشكل المحلي، وفي ظل انشغال العالم العربي بالكثير
من القضايا المحلية والإقليمية الأخرى فقد اكتفى العرب بالوقوف وراء المطالب
الفلسطينية الضعيفة إعلاميا، وإدانة وشجب تصرفات إسرائيل، وفي نفس الوقت الإصرار
على أن على الفلسطينيين أن يتدبروا أنفسهم
مع الإسرائيليين بالمفاوضات لأن هزيمة إسرائيل عسكريا أصبحت ضرباً من ضروب المستحيل،
وان العرب لا يميلون إلى محاربة إسرائيل وتقديم التضحيات من اجل تحرير فلسطين وإعادة
الشعب الفلسطيني إلى دياره، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بمقولة الحبيب بورقيبة
عام 1964 التي خاطب فيها الفلسطينيين قائلاً: إن العرب لن ينفعوهم وعليهم التفاهم
مع الإسرائيليين مباشرة.
إن هذه التوجهات والمواقف لا تمثل إلا صمتا
مطبقا وتخاذلا عن نصرة الأهل والأشقاء، كما تعبر عن سطحية في فهم الصراع وأبعاده،
ناهيك عن الجهل في أصول إدارة الصراع واحتمالات حسمه المستقبلية، وان هذه
التوجهات لا تستند إلى التجارب التراكمية خلال الخمسة عقود الماضية سواء على
المستوى الفلسطيني أو العربي أو على صعيد التجربة السياسية في التعامل مع هذا
الصراع.
وتشير هذه المعطيات
المؤسفة إلى مكمن الخطورة الناجم عن الاستفراد الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني
سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا، حيث تحول الشعب الفلسطيني إلى أسير في سجن كبير
من جهة، وتضعف قوته المعنوية من جهة اخرى، وتضغط عليه لقبول اشتراطات العدو
المجحفة بحقه وبحق الأمة من جهة ثالثة، كما أنها تجعل من إسرائيل قوة إقليمية عظمى
تحميها وتدعمها الولايات المتحدة ويؤيدها المجتمع الدولي الغربي على اقل تقدير،
وهو ما يعني بداية سيادة العصر الإسرائيلي في المنطقة، وانتهاك الأمن القومي
العربي والأمن القطري بطبيعة الحال، وتعرض الأمة لبرامج الضغط السياسي والأمني
والاقتصادي المتتابعة، وإبقاء أساس الصراع والحرب قائمة ببقاء الاحتلال، ومنع
الفلسطينيين من تنفيذ حقهم في العودة، كما سيتسبب هذا بالكثير من الإشكالات
الأمنية والسياسية الداخلية في الأقطار العربية سواء من قبل القوى الحية في الأمة أو
من قبل القوى المعادية لها المندسة تحت العباءة الإسرائيلية التي تعمل لصالح جهاز
الموساد الإسرائيلي، كما حصل في عملية الاغتيال الفاشلة التي قامت بها مجموعاته الإرهابية
في الأردن عام 1997 ضد السيد خالد مشعل مسؤول حركة حماس، وكما ساهمت في الفتن
المندلعة في عدد من الأقطار العربية الأخرى، وكما تعمل على الوقوف ضد الحق العربي
دوما في المحافل الدولية ...الخ .
تعتبر الإمكانات
العربية المتاحة للمواجهة كبيرة ومتعددة إذا توحدت، وتتزايد قوتها إن توفرت الإرادة
السياسية، وشجاعة القرار، واستيعاب ووضوح طبيعة المرحلة واحتمالاتها المستقبلية،
والعرب هم الطرف المعني بتحرير فلسطين وليس الفلسطينيين وحدهم لاعتبارات سياسية
وتاريخية ودينية متعددة، ويتحمل العرب هذه المسئولية سواء كان الجانب
الفلسطيني قويا أم ضعيفا، وها هو الشعب الفلسطيني يواجه الاحتلال بإمكاناته
المتواضعة ويقلب موازينه الامنية، ويدفعه إلى التخبط في بداية منظورة للتفكير
بالهروب من الجحيم إذا ما استمرت المقاومة والانتفاضة لعامين آخرين، وهو ما
يعيد النظر في العديد من مسلمات السياسة العربية الرسمية المتعلقة باحتمال الدعم
العسكري الشامل للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لبرنامج اجتثاث لا مبرر لأي عربي أن
يقف متفرجاً حياله أمام الله والأمة والتاريخ.
أصبح المطلوب اليوم
الإسناد بمفهومه الشمولي، واقله مشاغلة الجانب الصهيوني على الجبهات العربية الأربع
التي يمكن أن تعيد له كابوس حرب الاستنزاف العربية في الفترة 1967-1973، وتدعم
برنامج الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال، حيث أن الكلفة الأمنية والعسكرية
والمالية بل والبشرية، ناهيك عن متعلقات الأمن القطري والقومي والأمن الاقتصادي،
ستكون لصالح الجانب العربي إذا تمكن الشعب الفلسطيني من هزيمة إسرائيل كما هزمتها
المقاومة اللبنانية في نيسان/إبريل 2000.
وإذا كان ثمة مبرر
لتشجيع الدور الأميركي أو الأوروبي للضغط على إسرائيل في المراحل السابقة، فلم تعد
هناك مبررات منطقية قوية للاتكاء على هذه الأدوار المنتظرة بعد العجز الذي انكشف أوروبيا
، وبعد الانحياز الذي تكرس أميركيا، وبعد الانتهازية الإسرائيلية لهذه الظروف في
استمرار تنفيذ برنامج الإرهاب والحرب والإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين العزل من
الأطفال والشيوخ والنساء.
وعلى الرغم من
البطولات والإنجازات التي قدمتها الانتفاضة لتفعيل الصراع واستنزاف العدو فإن
الحسم يستلزم موقفا عربيا شجاعا يتجاوز عجز الكهول إلى عزيمة الشباب برؤية سياسية
ثاقبة لطبيعة المتغيرات وحركتها التاريخية ورياحها التغييرية التي تتناول الداخل
العربي كما تطال خارجه، ولتحويل اهتمام المجتمع الدولي من الضغط على الجانب العربي
وابتزازه إلى الضغط على الجانب الإسرائيلي، وتحويل المعركة السياسية الدولية لصالح
الحق العربي ونصرة الشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته بوصفها طريقا مشروعا للتخلص
من الاحتلال ومواجهة عنفه وإرهابه.
إن الزمن لا يرحم والوقت
يمر بسرعة البرق ولا مجال لطول انتظار، فالعدو يقوم بعمله ويطبق برنامجه وتوجهاته
يوميا، والمطلوب هو سرعة الاستجابة العربية لإنقاذ فلسطين وشعب فلسطين قبل فوات
الأوان، لأن الإرهابي شارون يستخدم الوقت في محاولة كسر شوكة الانتفاضة والمقاومة،
ولا يفوت يوماً واحداً، وقد تمكن من اغتيال ما يربو على 45 شهيدا من النشطاء
العسكريين والسياسيين والتنظيميين في الانتفاضة من التنظيمات الأربعة الأساسية
المقاتلة(فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ومن رجال الأمن الفلسطيني ذاته.
بين يدي هذا التحليل
وفي ظل هذه التوجهات العامة المقترحة يمكن تقديم اقتراح عاجل، لا يغني عن برنامج
واسع ومتماسك استراتيجيا ووحدويا، هذا الاقتراح هو:
-
اتخاذ قرار
عربي جاد بمقاطعة الكيان الصهيوني ووقف كل الاتصالات معه.
-
عزل إسرائيل دوليا، ومقاطعة كل اجتماعات تحضرها.
-
حظر دخول أفرادها ومسؤوليها
وبضائعها إلى الأرض العربية.
-
العمل على إيجاد تحالفات
دولية جديدة للامة العربية لا تجعل الولايات المتحدة قدرا لا مفر منه.
-
تقديم الدعم الأمني
والعسكري والمالي والبشري والفني المتعدد الأوجه إلى الشعب الفلسطيني وكل فصائله
المقاوم.
ويجب ألا
تقبل أي استثناءات من قبل أي جانب عربي يبررها بخدمة
القضية الفلسطينية وهي تخدم مخططات العدو وبرنامجه وتضر بالشعب الفلسطيني وقضيته
سياسياً وأمنياً ومعنويا، والله من
وراء القصد.. |
||
|
---|