|
تحليل
الولايات المتحدة والنظام العالمي
بعد انفجارات 11 أيلول 2001*
بعيداً عن تحديد الجهات أو
الأشخاص أو الدول التي تقف وراء الهجوم على مدينتي نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر
2001 ، فمن المؤكد أنها جهات متضررة من سياسات الولايات المتحدة الخارجية أو
الداخلية وتعاديها، وقامت بعملها هذا على سبيل الانتقام والضغط لتغيير السياسات من
جهة أخرى.
لقد فاجأت الشعب الأمريكي هذه
الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها أكثر من 5000 أمريكي، ولا شك أن حجم الصدمة
الأمنية والسياسية مفهوم جداً، فالمرء يتعاطف بشعوره الإنساني مع أهالي الضحايا
الذين لم يتخيلوا أن يحدث ذلك في يوم من الأيام، حيث تنعم أمريكا بأمن داخلي نسبي
منضبط ومعقول، فيما اكتشف الشعب الأمريكي أن أرواح أبنائه ليست في مأمن حتى وهي في
مكاتبها داخل نيويورك من اعتداءات معادية للولايات المتحدة ، ذلك ما جعل الكل
يتساءل لماذا ؟ وما هي الدوافع؟ وبدأ استشعارها مثل القابعين تحت الإرهاب والعنف
خاصة في فلسطين. لقد تسببت الهجمات التي تعرضت
لها مدينتي نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من شهر أيلول/سبتمبر 2001، إلى تدمير
رمز القوة الاقتصادية الأمريكية مركز التجارة الدولية في نيويورك، وتدمير جزء من
رمز القوة العسكرية الأمريكية، وزارة الدفاع الأمريكية (The Pentagon) في واشنطن، بتداعياته
المختلفة على المستوى الداخلي الأمريكي وعلى النظام الدولي والإقليمي وخاصة في
الشرق الأوسط وفي علاقة العالم العربي والإسلامي مع الغرب.
وكما قال بول كيندي،
أستاذ التاريخ البريطاني ومؤلف كتاب بروز وانهيار الدول العظمى، إن يوم الثلاثاء
الحادي عشر من أيلول 2001 يعتبر نقطة فاصلة في تاريخ الولايات المتحدة ونهاية
اعتبارها قوه عظمى وحيدة تهيمن على النظام العالمي.
لقد تعرضت الولايات المتحدة إلى هجوم في عقر دارها وعلى
مراكزها الحيوية، ما يتطلب إعادة نظر جذرية بنظرية الأمن الأمريكي التي كانت تركز
على الأخطار القادمة من الخارج، حيث أنفقت المليارات على مبادرة الدفاع
الاستراتيجي SDI
والإنفاق على مبادرة الدرع الصاروخي الذي تبناها جورج بوش
الابن حالياً.
لقد أدت هذه الهجمات إلى خسائر باهظة تقدر بمئات المليارات،
حيث قدرت قيمة خسائر سوق الأسهم WALL STREET
في نيويورك خلال الأسبوع الأول بعشرات المليارات من
الدولارات، إضافة إلى انهيار شركات الطيران الأمريكية والاستغناء عن حوالي 145 ألف
وظيفة فيها، الأمر الذي دفع حكومة الولايات المتحدة إلى تقديم 15 مليار كمساعدة
عاجلة لهذه الشركات، كما أدى الهجوم إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد الأمريكي، وتقلص
النمو الاقتصادي إلى النصف، إضافة إلى الأضرار المباشرة الناجمة عن الاعتداء والتي
وصلت إلى 60 مليار دولار.
ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والمعنوية، التي هزت مكانة
الدولة العظمى في العالم، فإن هجمات نيويورك وواشنطن أثبتت مرة أخرى فشل
الاستخبارات الأمريكية وأسطورتها، والتي تعرضت سابقاً لهزات مثل فشلها في تنبؤ
انهيار الاتحاد السوفيتي، وما تعرضت له من اختراقات من أجهزة الاستخبارات الأجنبية
وخاصة الروسية والصينية.
وانعكست هذه الهجمات أيضاً على منظومة القيم
الأمريكية،وعلى الأخص فيما يتعلق بتعرض العرب والمسلمين لاعتداءات قد تؤثر على
النسيج الاجتماعي الأمريكي الذي يعاني أصلاً من بوادر التصدع، خاصة في ظل شعور
الأقلية السوداء التي يقدر عدد سكانها بـ 35 مليون نسمة بنوع من الظلم والتمييز،
إضافة إلى الأقليات من أصول إسبانية وصينية ويابانية، مما سيؤثر بلا شك على الوضع
الداخلي والسياسة الداخلية الأمريكية.
ومن جهة أخرى فإن
هذه الهجمات قد تنقل معركة الولايات المتحدة مع أعدائها إلى داخلها ، مما يجعل
المواطن الأمريكي يزيد من اهتمامه بالسياسة الخارجية وممارسات الولايات المتحدة
الأمريكية عبرها، لأنه سوف يكتشف أن هذه السياسات قد أثرت على سلوكه وأمنه اليومي
.
وكان السؤال،لماذا الولايات المتحدة بالذات؟ ولماذا لم تتعرض
الدول الصناعية الغربية الأخرى لهذا الهجوم؟ إن ذلك يشير إلى فشل السياسة الخارجية
الأمريكية والتي تمارس دور الشرطي العالمي، وتتجاهل حقوق دول العالم العربي
والإسلامي،وتغض الطرف عن الأنظمة غير الديمقراطية والتي تقوم بلجم الحريات في كثير
من هذه الدول، فقد فشلت سياستها في أمريكا اللاتينية وفي آسيا وفي أفريقيا والشرق
الأوسط، وحتى وصل الأمر إلى تذمر الأصدقاء الأوروبيين من هذه السياسة، وبعد أن
كانت شعوب العالم العربي والإسلامي تتمنى أن تعيش الحياة الأمريكية والقيم
الديمقراطية والحرية وإعادة تكافؤ الفرص، أدت سياسة الولايات المتحدة الخارجية إلى
تبرم هذه الشعوب من سياستها التي تميزت بالازدواجية بين الداخل والخارج،
وديمقراطية الانتقائية التي تتبناها الولايات المتحدة، مما عمق مشاعر الإحباط من
سياسة الولايات المتحدة عند الشعوب الفقيرة والمظلومة!
أما على المستوى
الإقليمي، وخاصة في الشرق الأوسط، فان النقطة المحورية في فشل السياسة الأمريكية
هي استمرار الكارثة الفلسطينية من خلال استمرار تأييد الولايات المتحدة المطلق
لإسرائيل الجهة المعتدية على الفلسطينيين، فالولايات المتحدة لم تستعمر الدول
العربية والإسلامية، بل لقد نظرت هذه الدول إلى الولايات المتحدة كداعم ومساند لها
خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. إن إسرائيل كانت ولا زالت معضلة الولايات
المتحدة ومأزقها في الشرق الأوسط، وذلك لما تمارسه من إرهاب الدولة اليومي ضد
الفلسطينيين، لقد غضت الولايات المتحدة الطرف عن هذا الإرهاب، وقامت بتأييدها من
خلال استعمال سلاحها و طائرات(
F16 ) الأمريكية بالهجوم على المدن الفلسطينية، مما أدى إلى سقوط مئات
الأبرياء، الأمر الذي عكس شعوراً شعبياً عارماً ضد ازدواجية المعايير الأمريكية
وعدم مصداقيتها في مقاومة "الإرهاب"، "فالإرهاب" واحد وهو قتل
الأبرياء الآمنين، وقد أفقدها دعمها المطلق للإرهاب الإسرائيلي المتواصل تعاطف
شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وهي التي لها علاقات استراتيجية حيوية مهمة مع
العرب أهم من إسرائيل وأمنها، حيث البترول والموقع الاستراتيجي، ثم إن السياسة
الأمريكية تجاهلت تطبيق القيم الإنسانية وفرضت الحصار الشامل على الشعب العراقي
لأكثر من عشر سنوات، كما فرضت الحصار جزئياً على دول عربية وإسلامية أخرى، مثل
السودان وليبيا وإيران، ولا شك أن كل ذلك أدى إلى إحباط هذه الشعوب من عدالة سياسة
أمريكا في العالم.
أما على صعيد النظام
الدولي، فإن رد فعل الولايات المتحدة العاطفي والمتسرع على هذه الهجمات، وتوجيه
الاتهامات بأوسع نطاق، والاعتداء على شعب أفغانستان المسلم وانتهاك أرضه وسيادته،
دون تقديم أدلة على تورط أطراف
بعينها
بشكل قاطع وخاصة ضد حركة طالبان. إن رد الفعل العسكري الأمريكي يعيد إلى الأذهان
مقولة صراع الحضارات التي أعلنها الأمريكي صموئيل هنتنجتون من جانب الولايات
المتحدة، ولا شك أن بوادر انقسام النظام العالمي بدا واضحاً عندما فرضت أمريكا
مقولة جون فوستر دلاس في حمى الحرب الباردة عندما قال أن سياسة الحياد الإيجابي لا
أخلاقية، وأمريكا تقول الآن إما معي، أو مع "الإرهاب"، في محاولة لفرض
مفهومها الخاص للإرهاب الذي لا يحظى باتفاق دولي كما اتضح في اجتماع الجمعية
العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2001 .
إن تصريح الرئيس
الأمريكي جورج بوش بأنه يشن حرباً صليبية، والتي لا يمكن أن تكون زلة لسان لرئيس
أمريكي معروف عنه ميوله إلى التيار المحافظ اليميني في الحزب الجمهوري، يعكس وضعاً
خطيراً على النظام الدولي، وهو تقسيم العالم إلى حضارات متصادمة والتركيز على
استهداف الحضارة الإسلامية، ولقد زاد الطين أن رئيس وزراء إيطاليا المليونير بر
لسكوني قد تبنى فكرة الرئيس الأمريكي عندما اعتبر الحضارة الغربية متفوقة على
الحضارة الإسلامية بقوله (يجب أن ندرك تفوق حضارتنا التي تضم نظاماً للقيم منح
الشعوب ازدهاراً واسع النطاق في البلاد التي تحتضن هذه القيم، وتضمن احترام حقوق
الإنسان والدين، هذا الاحترام بالتأكيد غير موجود في الدول الإسلامية).
إن هذه التوجهات
لزعماء المعسكر الغربي تعكس أزمة حضارية في النظام الدولي لا يمكن أن تؤدي إلى
الاستقرار والسلام الدوليين، خاصة عندما يتجاهل طرف حقوق الطرف الآخر، فأين هي
حقوق الإنسان والقيم التي تسمح بقتل الأبرياء والأطفال في عالم الجنوب، عالم
الفقراء .
إن السياسة الدولية
بعد إحداث أيلول 2001 لن تكون مثل ما كانت قبله، وبالتأكيد سوف يتعزز الرأي القائل
بالعزلة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شك أن سياسة الولايات المتحدة
وكذلك أوروبا سوف تتغير على المدى البعيد إذا أرادت أن تعيش في عالم يسوده السلام
والتعاون، وإذا أخذنا مقولة بول كنيدي بأن الإمبراطورية تتراجع عندما تحسب توسعها
في العالم من زاوية الربح والخسارة، ولئن فعلت فإن الولايات المتحدة سوف تتبع من
سبقها من إمبراطوريات، وستتراجع هيمنتها على العالم، وسيتجه العالم إلى تعددية
الأقطاب، لكن كل ذلك سوف يتحدد بعد نهاية الأزمة الحالية التي تقوم على خطة أمريكية
لمكافحة ما تسميه "بالإرهاب" الدولي مركزة على الجانب العربي والإسلامي
دون غيره. ويعتمد هذا التحليل كذلك على نتائج الرد العسكري الأمريكي ضد أفغانستان،
فهل تتورط بفيتنام أخرى؟ هل تريد الهيمنة على بترول بحر قزوين؟ أم تريد السيطرة
على أوراسيا وحافة اليابسة التي اعتبرها منظرو الجيوستراتيجية أنها تتحكم في مصير
العالم؟ إن الأشهر القادمة ستشهد تغيرات وتحولات دولية جذرية، خاصة فيما يتعلق بتأسيس قواعد جديدة للسياسية الدولية، فإذا لم تقم هذه التحولات على قواعد العدل والمساواة، ومبادئ القانون واحترام الحضارات والدين، فإنها سوف تتعرض مستقبلاً إلى الظروف التي سادت الفترة ما قبل معاهدة وستفاليا (1648)، وهي اندلاع الحروب الدينية والتي سيكون ضحاياها من الأبرياء في كل مكان .
* جواد الحمد، مجلة دراسات شرق أوسطية العدد
(17)، خريف 2001 .
|
|
|
|
---|