|
تحليل
البنية
السياسية
في دول الخليج ودور النخبة
(
رؤية تحليلية مستقبلية)*
ملخص
الورقة
تتناول الورقة تشكيلات البنى السياسية
الحاكمة في الخليج، وتنوعاتها الداخلية، على صعيد بنية القبيلة والحزب الحاكم
والمؤسسة الدينية المسيطرة ، وتحلل بشيء من التركيز عناصر القوة الكامنة في كل
بنية، كما تستعرض نقاط التشابه والاختلاف بين هذه البنى، وتتناول الورقة من جهة
أخرى أنواع النخب غير الحاكمة في هذه الدول، وتستعرض آليات مشاركتها في النظام
السياسي على صعيدي التعيين أو الانتخاب الشعبي.
وحول
مستقبل النخب المثقفة في هذه الدول في البنية السياسية تستعرض الورقة الفرص
المتاحة أمامها إلى جانب القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى، والتي تشير الورقة
إلى محدوديتها نسبياً، وتتناول بشيء من
الاستقراء إمكانات التحول والتغير في وضعها الاجتماعي والسياسي خلال المراحل
القادمة.
وتطرح
الورقة رؤية أولية لمحاولة الخروج من الفصام القائم بين الأكاديمي والسياسي أو بين
المثقف والسياسي في المجتمعات العربية عموماً وفي منطقة الخليج بشكل خاص، وتحدد
بعض الإجراءات والمستلزمات المساعدة على نجاح الفكرة والمشروع الخاص بها لزيادة
دور النخب المثقفة في العملية السياسية في دول الخليج الثمانية( دول مجلس التعاون
الخليجي الستة، العراق ، إيران) .
المحتويات
النخب السياسية
والمثقفة
أولاً: البنى
السياسية الحاكمة في الخليج
أ-
العناصر
والمكونات
ب-
الآليات
الأساسية
ج-أوجه التشابه
والاختلاف
ثانياً: النخب
المثقفة في الخليج
أ-
تصنيفها
ب-
آليات مشاركتها
في السلطة
ثالثاُ: مستقبل
النخب المثقفة في البنية السياسية
أ-
الفرص المتاحة
ب-
فرص المستقبل
ج- إمكانات التحول في
وضعها الاجتماعي والسياسي
لا تزال منطقة الخليج
العربي/ الفارسي تعد من اكثر من مناطق العالم سخونة على جداول أعمال الدول
الصناعية والكبرى في النظام الدولي، لاعتبارات الموقع الجيوستراتيجي والإمكانات
الهائلة من الطاقة اللازمة لبناء الحضارية الإنسانية، بمخزون يصل إلى ثلثي ما يملكه
العالم مع نهاية القرن العشرين، وهي بذلك تعد من أهم قواعد المصالح الحيوية
للحضارات الإنسانية الغربية والشرقية على حد سواء، وربما الأهم في بعض مراحلها،
ولعل تجربة قطع النفط العربي فقط عن الغرب إبان حرب أكتوبر وما تفتق عنها من أزمات
صناعية عالمية مؤشر على المكانة العالية التي تحتلها منطقة الخليج، وبعد قيام
الثورة الإسلامية في إيران وسقوط إمبراطورية الشاه الحليف الاستراتيجي للولايات
المتحدة في الخليج تزايد القلق العالمي والأميركي على وجه الخصوص من التحكم العربي
والإسلامي الكامل بمخزون الخليج من الغاز والنفط ، ناهيك عن استمرار الأهمية
الجيوسياسية التي يتحلى بها باعتبار المحيط العربي من جهة، والمحيط الإسلامي
الحيوي من جهة أخرى، أي بوصفه بحيرة عربية-إسلامية مغلقة.
وبرغم هذه الأهمية
التي يحتلها، وبرغم تعامل العالم معه وفق برامج واستراتيجيات عسكرية وسياسية واقتصادية
غير أن دوله لم تتمكن بعد من بلورة آلية للتنسيق فقط بين برامجها الاقتصادية
والسياسية والعسكرية إلا بشكل محدود على صعيد دول مجلس التعاون الخليج، خاصة وان
العلاقات الخارجية الاقتصادية والسياسية وسياسة التسلح العسكري لا تزال مستقلة في
معظم مكوناتها لدى أعضاء هذا المجلس، فيما تمكنت العديد من دول العالم ذات المصالح
الأقل حيوية وأهمية للعامل الصناعي من بلورة مكونات اقتصادية على الأقل، اصبح لها
وزنها وتأثيرها في مفاوضاتها وعلاقاتها مع الدول الصناعية . ويمكن القول إن دول
الخليج الثمانية تتواجد في منظمات أوسع للتنسيق وهي الأوبك على الصعيد العالمي
والأوابك على صعيد الدول العربية المنتجة للنفط، غير أنها لم تتمكن من تشكيل تكتل
مستقل داخل أي من هذه المنظمات فيما بينها، وهو ما يجعل دورها وتأثيرها السياسي
والاقتصادي والاستراتيجي على صعيد المحيط الجيوسياسي محدوداً، وبل ومحكوما أحياناً
بعلاقاتها مع دول خارج المنطقة وعلى الأخص مع الولايات المتحدة .
لقد تسبب هذا الوضع
غير الطبيعي في العلاقات الخليجية الداخلية في تحول بعض الخلافات الحدودية البسيطة
أو المذهبية الضيقة إلى عوامل تفجير مستمر ومجال لاستنزاف الثروات والطاقات وتضييع
الفرص وتراجع الدور والأهمية السياسية العالمية ، وان النظر الدقيق إلى حجم الحروب
والنزاعات المسلحة التي نشبت خلال العقدين الأخيرين وحجم الاستنزاف الاقتصادي من
الثروات الاستراتيجية وانعكاسها الهائل على التقدم والحضارة والتنمية الاقتصادية
يشير إلى خطورة الواقع القائم في علاقات دول الخليج على مستقبل الأجيال القادمة
وعلى المشروع النهضوي الحضاري العربي-الإسلامي، وانعكاساته السلبية على البرنامج
الوطني والقومي لهذه الدول بعيدا عن مواجهة التهديدات والأخطار الحقيقية
والاستراتيجية التي تواجهها، وعلى الأخص فيما يتعلق بالتخلف الحضاري، والمشروع
الصهيوني التوسعي، والهيمنة الغربية على القرار السياسي والاقتصادي، وهي انعكاسات
ما كان لها أن تتطور بهذا الحجم من السلبية لو أن شكلاً من أشكال التنسيق أو آلية من آليات التفاهم كان قائما.
إن حجم التهديد الخارجي المشترك وخطورته ،
وحجم الأطماع الدولية في ثروات المنطقة يحتم على دول الخليج التوجه نحو بناء دور
سياسي واستراتيجي فاعل في البنية العربية والإسلامية ، والذي لا يتحقق دون التوصل
إلى رؤية إقليمية مشتركة لدوله تقوم على قاعدة التنسيق وحل النزاعات بمختلف
أنواعها بالطرق السلمية المتفق عليها داخلياً. لكن العقبات التي تحول دون مثل هذه
الخطوة النوعية تمثل مجرد أوهام في معظمها، وتدفع بها الآلية الإعلامية الغربية
والمصالح الأنانية للدول الصناعية وربما بعض المنتفعين من هذا الوضع غير الطبيعي،
إن الخلاف على مساحة من الأرض أو جزيرة من الجزر أو على خلافات مذهبية دينية لا
يمكنه أن يعدل الاشتراك في مواجهة الأخطار الخارجية التي تهدد الجميع، كما انه غير
مؤهل لوقف عمليات التنمية الاقتصادية واستنزاف الأموال والجهود ، ناهيك عن خطورته
في بناء الحواجز النفسية المانعة لتحقيق المصالح للأجيال القادمة، إن قراءة أسباب
ودوافع الخلافات والنزاعات السابقة والقائمة، ودراسة الحواجز النفسية القائمة،
والتطلع نحو مستقبل المنطقة ودورها الاستراتيجي يجعل من العزف على أوتار الخلافات
والعداوات عملاً غير مشروع، كما ليس عمليا قوميا ولا إسلامياً، بل انه لا ينطلق من
المصلحة الوطنية لأي من هذه الدول العربية والإسلامية، ولا يعني ذلك إغفال التحليل
للعامل الخارجي ودوره الفاعل وأثره السلبي على هذه العلاقات ، غير أن الإرادة
المحلية لهذه الدول تبقى المسئولة عن سلبيات الوضع القائم، حيث يتضح من قراءة
مواقف ومدخلات مختلف دول الخليج إزاء الخلافات والنزاعات أن أياً منها ليس راغبا
بالاستمرار في هذه النزاعات، وأنها جميعاً تدرك أنها غير مستفيدة من استمرارها،
كما أنها جميعاً تعلم وبدقة حجم الخسائر التي تمنى بها بغض النظر عن نهاية الخلاف
والنزاع على مختلف الصعد، ما يشير إلى أن
الإرادة المحلية والإقليمية في الخليج
بالتالي تتمنى التحول نحو التنسيق والتكامل وربما اكثر من ذلك ، لكن الجميع ينتظر
والطامعين فيهم والخائفين من دور مهم للجميع والمنتفعين من هذا الواقع يؤخرون جميع
دول الخليج عن التقدم خطوة كبيرة وحقيقية نحو واقع عربي-إسلامي متعاون ومتكامل
لدول الخليج ، الذي يمكن أن يمثل محورا فاعلاً على صعيد النظام الدولي وعلى صعيد
المواجهة مع المشروع الصهيوني والهيمنة والعدوان الروسي المتواصلين على المسلمين
في منطقة القفقاز وقزوين، وعلى صعيد تحقيق الأمن الذاتي الداخلي في الخليج مما قد
يسبب إغلاق آلاف مصانع السلاح في الغرب ، ويرفع مستوى البطالة فيها، ويقلل من
دخلها القومي وبالتالي من رفاهية شعوبها . ويدفع بالجهود والثروات والسلاح نحو
البناء والتقدم العلمي والتقني ويشكل مدخلاً مهماً من مداخل عودة الدور الريادي
للأمة الإسلامية على صعيد النظام الدولي. والذي قد يبدأ بتفعيل مؤسستي منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية كأطر
إقليمية دولية، خاصة في ظل تزايد الاستجابة لفلسفة العولمة في شقها الاقتصادي وما
يتبعه من تحولات ثقافية وفكرية وسياسية تحتاج الأمة فيها الى بلورة موقف واحد
ورؤية مشتركة، ولا شك أن التواصل شبه المقطوع بين النخب المثقفة والاقتصادية
الإيرانية ومثيلاتها العربية يشكل إحدى الروافع المفقودة لهذه التوجهات المتاحة،
وبرغم أن لقاءات المثقفين تساهم في تفهم وفهم المشكلات ، وتدفع بها الى جدول أعمال
صناع القرار السياسي والاقتصادي، غير أن المسؤولية تقع على أكتاف النخب السياسية
الحاكمة وأصحاب راس المال لبلورة توجهات هذه الدول، ويكون للنخب المثقفة
والاقتصادية بلقاءاتها وحواراتها دورا في صياغة علاقة عربية-إيرانية متوازنة، ويضع
الأسس لدفعها نحو الريادة دون التردد والاستنزاف الداخلي وتضييع الفرص، والوقوع في
شرور الفتن .
إن الموقع الاستراتيجي
والدور المحوري لكل من إيران والسعودية والعراق في المنطقة والعالم ، والأهمية
النفطية لدول الخليج ودول بحر قزوين مستقبلاً، والدور الإيراني في تطوير آليات عمل
البنك الإسلامي للتنمية، وتزايد الطلب العالمي على الغاز كأحد بدائل النفط، تشكل
منطلقات مناسبة لتطوير العلاقات العربية-الإيرانية على صعيد النفط والتجارة
والاستثمار والتكنولوجيا الحديثة، وحشد الإمكانات لمواجهة الأخطار الخارجية التي
تهدد العالم العربي والإسلامي وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والخليج على وجه
التحديد، ويشكل الإعلان الرسمي الإيراني
عن التوجه نحو سياسية إزالة التوتر في العلاقات الخارجية الإيرانية مدخلاً معقولاً
لبداية مرحلة جديدة في هذه العلاقات، يبدو أن بعض دول الخليج التقط رسالته مبكراً.
إن بناء عملية تكاملية
اقتصادية وسياسية واستراتيجية بين دول الخليج المختلفة يمكن أن يشكل حماية فاعلة
لعدم تعرض ميزانيات هذه الدول للصدمات بسبب الاعتماد الكبير على قطاع النفط في
البنية الاقتصادية، وان تشابه هياكلها ومستويات نموها لا يشكل مانعا أمام التبادل
الإقليمي والتداخل الصناعي والتجاري، وذلك في حال تبني سياسات أساسية أبرزها:
-
اعتماد سياسة
التخصصات في الإنتاج والتجارة
-
اعتماد سياسة الارتباط بين مجموعات الشركاء
الاقتصاديين المتجانسين
-
فتح المجال وتشجيع الحوار والتواصل بين مؤسسات
المجتمع المدني
-
تطوير دور مراكز الأبحاث في جمع الأكاديميين
والنخب المثقفة بالنخب السياسية الحاكمة والنخب الاقتصادية الرأسمالية في دول
الخليج المختلفة وبالتعاون مع أطراف عربية أخرى تؤيد هذه التوجهات التكاملية .
النخب
السياسية والنخب المثقفة
في
ضوء التشخيص الذي قدمته الورقة لواقع العلاقات السياسية والاقتصادية السائد بين
دول الخليج الثمانية، والذي يتمثل بعلاقات غير حميمة، وغياب برامج التنسيق
المشترك، وضعف التوجه نحو التكامل الاقتصادي ومواجهة الأخطار الخارجية المشتركة،
ما جعل الدور المشترك عربيا وعالمياً وإسلاميا غائباً تماماً، فإن الورقة ترى أن
علاقات النخب المثقفة والاقتصادية تتأثر بشكل كبير بعلاقات النخب السياسية الحاكمة
في هذه الدول، وهو ما يبرز الضعف الذي تقوم به هذه النخب على الصعيدين المحلي
والخليجي، والذي بات أمرا معوقاً لتقدم هذه الدول ذاتها من جهة، ولتحرير علاقاتها
الداخلية من جهة ثانية، ولإطلاق دورها الريادي في السياسة الخارجية من جهة ثالثة ،
ما افقد المؤسسات الإعلامية والثقافية القدرة على التنسيق محليا وإقليمياً
وعالمياً، وزاد من سمك الحاجز المذهبي، وحاجز التباين القومي، وحاجز المصالح
الخاصة في العلاقات الخارجية لكل منها…
وتعد دراسة بنية النخب السياسية الحاكمة في كل منها ودور النخب المثقفة في السياسة
والحكم مدخلاً من مداخل التحول الممكنة في هذه التركيبة غير المستقرة لعلاقات دول
الخليج وموقع النخب المثقفة والاقتصادية في السياسة الخاصة بكل منها والمشتركة
فيما بينها، وهو ما تعتقد الورقة أهمية الوضوح والبساطة في تناوله بعيدا عن
التعقيدات والحساسيات المذهبية أو القومية
أو المصلحية المؤقتة أو حتى المتعلقة بحجم السيطرة والتحكم للنخب الحاكمة في دولها
. خاصة في ظل المحاولة الموضوعية لتشخيص الأمر وتلمس إمكانات التحول المتاحة أمامه
خلال المرحلة القادمة( 2000-2010) في القرن الواحد والعشرين وفي مدخل الألفية
الثالثة . ولتسهيل الدراسة فقد تم تقسيم هذه الدول الى وحدات ثلاث: دول مجلس
التعاون الخليجي، العراق، إيران.
أولاً: البنى السياسية
الحاكمة في دول الخليج
للوهلة
الأولى يعتقد معظم الباحثين أن ثمة تباين كبير في شكل وهيكل النخب السياسية
الحاكمة في دول وحدات الخليج الثلاث، غير أن الملاحظة المدهشة أن الوحدات الثلاث
تشترك في أن راس الحكم فيها نمط محدد، أو أنه الأكثر فاعلية ونفوذاً بحكم الدستور
والقانون، فبينما تعد المؤسسة القبلية هي وحدة الحكم الأولى في دول مجلس التعاون
الستة، نجد أن المؤسسة الدينية هي الفيصل الفعلي في الحكم في إيران، وان المؤسسة
الحزبية تسيطر على مقاليد الحكم والنفوذ في العراق، ما يجعل امتياز كل بنية سياسية
على غيرها منطلقاً من التفاصيل وليس من رأس الهرم، وجل هذه الدول يقيم مؤسسات
دستورية تحظى بشيء من المشاركة في الحكم، لكنها جميعا خاضعة لتوجهات وسياسات
المؤسسة راس الهرم ( قبيلة، دينية، حزب).
إن
هذا التبسيط في تحليل شكل النظم الحاكمة في دول الخليج الثمانية إنما يهدف الى
سهولة التحول نحو جسر الخلافات بينها من جهة ، والى التشابه الذي وجد في دور النخب
المثقفة من جهة أخرى، وذلك بالطبع لا ينفي الفوارق التفصيلية أيضا والتي يلحظ
تأثيرها في بعض التباينات في مخرجات النظم الحاكمة وأحياناً في مدخلاتها، غير أن الشكل الجامع لهيمنة مؤسسة بعينها بشكل
أو بآخر يلقي بظلاله على طبيعة العلاقات التي تملك القوى والنخب الحاكمة فرضها في
حال كانت مصالحها وإرادتها السياسية تتطلب تبني اتجاه معين.
إن هذا الاستنتاج أو
الملاحظة مبنية على دراسة هيكلية في شكل السلطة السياسية والقوانين الناظمة
للممارسة السياسية في إطارها، كما تعتبر تأثير البنى الاجتماعية ونسيجها القائم،
وتأخذ بعين الاعتبار الإرث الديني والقومي لكل منها ودوره السياسي خلال مراحل تأسيس
هذه الدول، آخذاً بالقياس النسبي الابتعاد أو الاقتراب من مفهوم الديمقراطية
الحديثة في العملية السياسية.
أ- العناصر والمكونات
تتشكل البنية السياسية
في دول مجلس التعاون الخليجي وفق تحول القبيلة الى مؤسسة سياسية أو
مؤسسة حكم يتمحور حولها العمل السياسي في البلاد بشكل كامل، والتي يشكل فيها زعيم
القبيلة أو شيخها موقع التوقير والاحترام والسمع والطاعة ورأس الدولة، والتي تعتبر
رأيه نافذاً وغير قابل للنقض من قبل أي مؤسسة أخرى( باستثناء الكويت)، ويقوم عميد
العائلة أو شيخها الذي يرث الحكم عمن سبقه من أب أو أخ أو غير ذلك بتعيين أفراد
أسرته في المناصب الحساسة ومن يثبت ولاؤهم لهذه القبيلة من الأفراد أو العائلات
الأخرى، وتملأ المناصب والمواقع الأخرى في الدولة بكفاءات وطنية ووافدة غيرها حسب
الحاجة وعلى نفس القواعد في الإدارات العليا.
ويتمحور
النشاط السياسي في جمهورية إيران
الإسلامية حول المؤسسة الدينية ذات النفوذ الكبير في النخب الحاكمة
والمجتمع، والمرجعية الأهم في الاختيار بين المصالح العليا للدولة، ويشكل رجال
الدين في إيران المرجعية السياسية الأعلى والتي تمثلت بمنصب قائد الثورة على قاعدة
ولاية الفقيه الخاصة بالمذهب الشيعي، وهو الرجل الأول والاهم في صنع القرار في
إيران الى منصب رئيس الجمهورية، ويتمتع قائد الثورة بولاء كبير من مؤسسات الحكم
المختلفة، كما يحسب حسابه في التوجهات السياسية المختلفة بالدولة حتى من قبل رئيس
الجمهورية.ويجري تعيينه من قبل هيئة دينية خاصة وحسب مواصفات دينية علمية محددة
بالدستور. وتعتبر فتواه أو أوامره غير قابلة للنقض من قبل مؤسسات الدولة.
أما في جمهورية العراق فان
نظام الحزب السياسي الحاكم وفق قانون "الحزب القائد" الصادر عام 1974
يسود العملية السياسية فيه، حيث يكون الرئيس الشخصية الأقوى في الحزب، والذي يملك
السلطة الكاملة للتعيين والطرد من المناصب حسبما يرى فيه مصلحة الحكم والدولة،
ومصلحة الحزب، ويحيط به العديد من قيادات الحزب الأقوياء، ويوزع المناصب الأخطر
على الذين يثبتون الولاء للحزب وللرئيس، ويتقاسم الحزبيون في البلاد بقية المناصب
الإدارية والعلمية والفنية مع غيرهم من أبناء الشعب وربما الاتجاهات الأخرى غير
المعادية للحزب وللقائد، ويعد أمر الرئيس نافذاً لا تملك أي من مؤسسات الحكم
الأخرى الاستدراك عليه أو وقفه بوصفه معبرا عن مصالح البلاد والحزب .
ب- الآليات الأساسية
لا
تمتع البنية السياسية بدول مجلس التعاون الخليجي بنمط التغيير
الشعبي أو ما يسمى بالتعبير عن إرادة الأمة عبر الانتخاب أو الاختيار، لكنها أعطت
الفرصة وبتطور متفاوت للحضور والمشاركة الشعبية في القرار السياسي بالتعيين في
معظمها وبالانتخاب في الكويت فقط، ويعد الأمير أو رئيس الدولة أو الملك قائد
البلاد وزعيمها ، فيما يقوم بتشكيل مجلس للوزراء لإدارة شئون الحكم، ويتبعه مجلس
للشورى لأصحاب الخبرة والرأي في المجتمع بشورى معلمة، أو ببرلمان منتخب مباشرة من
الشعب وقراراته ملزمة كما في حالة الكويت. ولا تتمتع المجالس الشورية بصلاحية
الاستجواب وطرح الثقة والعزل أو المحاسبة للوزراء أو المسئولين الكبار في الدولة
عن أعمالهم، عدا مجلس الأمة الكويتي، لكن القائد الأول للبلاد لا يخضع لأي نوع من
هذه الاستجوابات، بل ذاته مصونة وفق الدستور.
بينما مثلت التجربة
الإيرانية بعد الثورة الإسلامية عام 1979 نموذجا جديداً في منطقة
الخليج خلط بين المشاركة الشعبية بمعناها العام وبين مرجعية المؤسسة الدينية التي
يتميز بها المذهب الجعفري عن غيره بين المسلمين، فيما عرف بـ "ولاية
الفقيه"، حيث يتواجد رجال الدين في مختلف مستويات القيادة السياسية، وخاصة في
مجالس صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام وولي الفقيه الذي يختاره مجلس الخبراء،
بينما يتمثل التطور الفعلي في إجراء الانتخابات العامة لرئيس الجمهورية الذي ير أس
المجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس الوزراء، وانتخاب مجلس الشورى الذي يختص
بالسلطات التشريعية في الدولة. ومع ذلك فان هذه الآليات الأساسية لتوزيع السلطات
في الدولة محكومة بالضوابط الدينية التي تضعها المؤسسات الدينية في البلاد .
أما
في العراق فيتم تعيين أعضاء المجلس الوطني العراقي من قبل قيادة
مجلس الثورة منذ عام 1968، ويقوم المجلس
الوطني بمراقبة شئون الأمة، ويدير البلاد حكومة عسكرية يوجهها مجلس قيادة الثورة
الذي يرأسه رئيس الجمهورية، ولا يخضع المجلس ولا الوزراء ولا رئيس الدولة
للانتخابات العامة، وتجري انتخابات خاصة داخل الحزب القائد لتحديد الأمين العام
فيما يجري انتخاب رئيس مجلس قيادة الثورة من قبل أعضائه والذي يكون حكماً رئيساً
للجمهورية، كما يتمتع مجلس قيادة الثورة بصلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة ويعد
السلطة الأعلى في البلاد.
وبرغم
صدور قانون"إصلاح النظام القانوني" الذي يعدل الكثير من هذه البنى غير
أنه لم يطبق نظراً لإعلان حالة الأحكام العسكرية منذ عام 1980 بسبب دخول العراق في
حروب متعددة، ويطبق الحكم الذاتي في منطقة كردستان منذ عام 1975 بقانون خاص، ما
يمثل حالة فريدة للأقلية الكردية في الدول الأربع التي تتواجد فيها في المنطقة.
ج- أوجه التشابه والاختلاف بين هذه النظم
-
الاختيار
والتعيين
تتباين وحدات الخليج
الثلاث فيما بينها من حيث المنطلقات المكونة للحكم بين دينية وقومية حزبي وقبلية
عائلية، كما تتباين درجة قناعة وإيمان هذه الدول بالمشاركة الشعبية وشكل العلاقة
بين الحاكم والمحكوم، ففي حين يسود البعد الديني مكونات العلاقة والتحكم بنظام
الانتخاب والاختيار ، يسود كذلك الولاء للقبيلة وزعيمها بشكل مطلق، تماماً كما
يسود الولاء للثورة ولقائدها ، وذلك لم يمنع البعض من إدخال بعض التحسينات على
نظام الاختيار الشعبي لقطاعات تبقى خاضعة في النهاية لتوجيهات وهيمنة وسيطرة رأس
الهرم في كل دول الخليج، الأمر الذي يمكن اعتباره مكونا مشتركاً لهذه الدول مع
تباين درجة الاقتراب من حرية الاختيار والتدخل فيها أو التعيين بشكل مطلق، وتعمل
كل من الكويت وإيران والعراق على تطوير تشريعاتها بما يسمح بزيادة حجم ونوع
المشاركة في كل منها برغم تفاوتها . ما يؤكد أن التدخل في الاختيار والتعيين
المباشر لا زالا سمة لمختلف دول الخليج على تفاوت ملحوظ بينها . وهو ما يجعل
مشاركة النخب المثقفة في السلطة السياسية والحكم متفاوتاً بشكل ربما اكبر من تفاوت
النظم ذاتها .
-
المرجعية
الأعلى
لكل دولة من دول
الخليج مرجعية أعلى لا تتمثل باختيار الأمة الحر المباشر، ففي الوقت الذي يعتبر
زعيم القبيلة أو رئيس الجمهورية هو المرجع الأعلى في دول مجلس التعاون والعراق فان
قائد الثورة (ولي الفقيه) هو المرجعية الأعلى في إيران، وذلك من خلال ترأس كل منهم
لمجلس يطلق عليه صفة المرجعية الأعلى لكنه غير خاضع للنقض.
-
المحاسبة
والمراقبة والخلع
تستبعد
النظم السياسية الحاكمة في الخليج جميعاً فكرة الخلع من الحكم عبر الاختيار
والاقتراع الشعبي المباشر برغم وجود آلية أخرى بعضها معقد، بينما تتيح الفرصة
للمساءلة والمراقبة فيها جميعاً، فيما لا تتيح فرصة المحاسبة والاستجواب وربما طرح
الثقة إلا إيران والكويت لما دون رأس الهرم عادة.
ثانياً: النخب المثقفة
في دول الخليج
تمثل
النخب المثقفة في الخليج إفرازا طبيعياً
لتطور المجتمعات فيها، ولانفتاحها على العالم والجوار، كما تعتبر من أهم ثمرات
الامتيازات النفطية في هذه الدول، وتتوزع هذه النخب بين المشاركة في تولي إدارة
الحكم والسياسة، وبين النضال للمحافظة على الوضع القائم الذي يحفظ حضورها في
السلطة السياسية بشكل أو بآخر. فيما تعمل قطاعات أخرى على إحلال وضع جديد تعتقد
انه اكثر إنصافا وعدلاً، وتعتقد بأنه سوف يتيح لجميع أفراد المجتمع الفرص
المتكافئة في المشاركة في السلطة وإدارة البلاد وربما تداول السلطة، وتحارب هذه
الفئات احتكار السلطة بيد فئة معينة بغض النظر عن مكوناتها وبرامجها سواء على أسس
القبيلة أو المؤسسة الدينية أو الحزب القائد، ما يجعلها في حالة نضال سياسي داخل
البلاد على قاعدة التغيير والتطوير والإصلاح . وتتمثل بأشكال مختلف اختلاف الأنظمة
السياسية الحاكمة، حيث تعمل عبر المؤسسات الثقافية والأكاديمية والإعلام والعلاقات
الشخصية مع المؤثرين في الدولة في معظم هذه الدول، فيما يتحول بعضها إلى أشكال
متباينة من العمل الحزبي غير المشروع غالباً في العراق، فإنها تنتشر في صفوف
التيارات الإصلاحية والمحافظة بين رجال الدين والسياسة في إيران، وتتشكل بأفراد
متميزين داخل المجتمع في معظم دول مجلس التعاون الخليجي يرتبط بعضهم بطبقة التجار
والأثرياء، وبعضهم بطبقة علماء الدين وبعضهم بطبقة العائلات المنافسة حجماً
وتاريخاً ومكانة للعائلات الحاكمة . وتغيب تشكيلات الأحزاب السياسية عن جميع دول
المنطقة .
أ- تصنيفاتهـا
تتمتع منطقة الخليج بشكل عام باهتمام
ملحوظ بالتعليم العام والجامعي، وقد شهدت دوله المختلفة مراحل تطور مهمة على هذا
الصعيد أثمرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين عشرات الآلاف من النخب المثقفة
في مختلف ميادين المعرفة العلمية والإنسانية، ويوجد حاليا ما يزيد عن خمس
وثلاثين جامعة في دول الخليج الثماني تتوزع بين وحداته الثلاث بالتساوي
تقريباً، فيما امتازت الإمارات العربية المتحدة بقانون الجامعات الأهلية الخاصة
على بقية دول الخليج .
وتشكل الجامعات مصدر التطوير الثقافي والعلمي في
البلاد إلى جانب أنظمة البعثات العلمية إلى الخارج خاصة لطلبة الدراسات العليا في
مختلف التخصصات والعلوم، وبرغم التفاوت في الاهتمامات العلمية بين دول الخليج،
وتفاوت مستوى ومعدلات الرعاية الرسمية من قبل الدولة للدراسات العليا خاصة غير أن
تطورات بل وقفزات شهدتها المنطقة على صعيد النخب المثقفة عددياً ونوعياً . وقد
انعكس هذا التطور على واقع النخب الحاكمة كما انعكس على غيرها، إذ أصبحت العديد من
المناصب تحظى بخريجي الدراسات العليا في مختلف العلوم الإدارية والعسكرية
والسياسية والاقتصادية بين أبناء الطبقان أو المؤسسات الحاكمة، ليكون بعضهم من
حملة شهادة الدكتوراه والماجستير وغيرها، وهي ظاهرة تنافس ربما تزيد من حجم
التقارب المطلبي والمصلحي والفكري بين النخب الحاكمة والنخب السياسية والمثقفة غير
الحاكمة وربما المعارضة في بعض هذه الدول .
وتتوزع النخب المثقفة في دول الخليج
الثماني على مجالات أساسية أربعة:
1-
النخب السياسية
العلمية والممارسة
2-
النخب الاقتصادية العلمية والممارسة
3-
النخب الثقافية والدينية والاجتماعية
4-
النخب العلمية التقنية المتميزة
ب- آليات
مشاركتها في السلطة
تطرح النخب المثقفة
أهمية المشاركة الشعبية في الانتخاب والاختيار والتي تفرز أجهزة تراقب وتحكم قواعد
أسس التعيين العادلة في مناصب الدولة العليا، وتحدد السياسات وفق مصلحة البلاد لا
وفق مصلحة حزبية أو قبلية أو لرجال الدين. وعلى الأخص فيما يتعلق بالتحكم بالمال
العام واختيار قيادات المناصب العليا المهمة في الدولة، والعلاقات الاستراتيجية
والخارجية وبرامج التطوير والتحديث الحضاري.
وتتمثل مشاركة النخب
السياسية والأخرى في السلطة السياسية عبر المؤسسات والأطر المتاحة في كل دولة من
خلال مدخلين أساسيين:
1-
التمثيل الشعبي
حيث تتاح الانتخابات الحرة المباشرة
2-
التعيين والاختيار في المؤسسات الاستشارية أو
القيادية العليا في الدولة بقرار من جهة صناعة القرار ووفق مصالحها .
غير أن الحال القائم وبنسبة تصل إلى 90% يجعل من النخب المثقفة بمختلف أنواعها أداة من
أدوات تكريس الحكم والسلطة وخدمة برامجها وتوجهاتها سواء بالمساهمة المباشرة أو
غير المباشرة، ما يجعل وضع النخبة رهن القرار السياسي في راس الهرم في الدولة .
وقد
تسبب هذان المدخلان للمشاركة في السلطة إلى خلق طبقات وتجمعات مصالح محددة جديدة
في هذه المجتمعات فرزت على أساس الرهان الشعبي وما يسمى بالرهان على الإصلاح من
الداخل ، وهو ما اضعف عملياً إمكانات تجمع هذه النخب في برنامج واحد يمكنه من قطع
المسافات الزمنية اللازمة للإصلاح أو التطوير أو التغيير بوقت اقصر بكثير مما هو
عليه الحال، وبالطبع يصب هذا التشتت والتمحور في المصالح الذاتية للنخب الحاكمة
على المدى القصير. لكن نظراً لحجم الاستنزاف الذي يتطلبه من النخب ذات الرهان
الشعبي والأخرى المراهنة على الإصلاح من جهة، وبين النخب الحاكمة وكل من هذه
الفئات فانه لا يعمل لصالح النخب الحاكمة على المدى المتوسط أو البعيد، وبالتالي
لا يصب في المصالح الحيوية لهذه الدول ولشعوبها، ما يستلزم المبادرة إلى توحيد
جهود النخب أو فتح الحوارات بينها وبين النخب الحاكمة لتوجيه طاقات الإصلاح
والتغيير بشكل منظم ومنسق وبما يحفظ مصالح الجميع النسبية ، وما يشهده العالم من
تغيرات ديمقراطية دراماتيكية يشير إلى حجم الأخطار الناجمة عن التغافل عن مثل هذه
الظواهر التي ربما أصبحت من مسلمات مدخل القرن الواحد والعشرين .
ثالثاً: مستقبل النخب
المثقفة في البنية السياسية
أ-
الفرص
المتاحة
أن الفرص المتاحة
للنخب المثقفة تنحصر على الأغلب في التحصيل العلمي والأكاديمي، والتجارة والثراء،
والتأثير بصورة متفاوتة في الحياة الاجتماعية ومحدودة في الحياة السياسية، وربما
تتاح لها فرص التحالف مع النظام الحاكم ومؤسساته المختلفة . وهي لا شك فرص ومهمة
ومؤثرة في الحياة العامة، وتلبي جزءا من طموح الأفراد في هذه النخب، لكنها لا تزال
قاصرة عن استيعاب عشرات الآلاف من المثقفين من جهة، وغير معبرة عن حجم التطور
والتقدم الذي يجتاح هذا القطاع في ظل العولمة والانفتاح العالمي وتقدم التكنولوجيا
بكافة مجالاتها، كما لا يلبي الطموحات الشعبية التي تنميها هذه النخب في القطاعات
الاجتماعية المختلفة، وهو ما يجعل هذه الفرص تتسم بالقصور والمحدودية وأنها غير
مقنعة على صعيد موضوع البحث والمشاركة في السلطة .
ب-
فرص المستقبل
تتطلع هذه النخب إلى
تطوير آليات التمثيل الشعبي المحدودة القائمة من خلال :
-
ممارسة
الانتخاب الشعبي الحر عبر صناديق الاقتراع
-
وتقليل تدخل فئات معينة قبلية كانت أو دينية أو
حزبية في آليات الإفراز الشعبي أو مشاركتها اختيار التمثيل، وذلك لا ينفي بالطبع
الجانب الفني في إدارة الدولة والمتعلق بالأعمال الاستراتيجية الخاصة، والعلاقات
الحساسة والمعلومات الوطنية المتعلقة بالمصالح الحيوي أو مواجهة الأخطار.
-
العمل على رفع مستوى الوعي السياسي العام في
المجتمع وخاصة تطوير القدرة والجرأة في التزام الواجبات والمحافظة على الحقوق
ومحاسبة المسئولين علناً.
-
تطوير أنظمة
العمل السياسي والسماح بتعدد الأحزاب، وتوسيع دوائر المشاركة في السلطة أو التأثير
المباشر فيها . دون الاحتجاج بالتفاوت الاجتماعي بين بلادنا والنظم الغربية، حيث
يمكن لهذه النخب بمختلف تشكيلاتها التوصل إلى آليات حزبية وعمل سياسي منفتح يتناسب
مع قيمنا ومتطلباتنا مع المحافظة على أساس المشاركة وإشاعة القسط بين الناس .
ت-
إمكانات التحول في وضعها الاجتماعي والسياسي
لا
شك أن ما أشرنا إليه من تطور واقعي في النخب الحاكمة على صعيد التعليم والتطور
والانفتاح وتراكم التجربة، ومراقبة ما يجري من حولنا من تغيرات دراماتيكية غير
منضبطة تعطي الفرصة لتدخل الآخرين ، وما يمثله قطاع النخب المثقفة من رصيد وطني
تفاخر به الدول الحديثة، يؤكد أن مشاركة النخبة المثقفة في إدارة دفة البلاد وفي
الحياة السياسية العامة، وتحمل جرأتها وتطلعاتها وأفكارها التطويرية المتنورة
كثمرة من ثمار جهود هذه الدول بتعليم أبنائها إنما يصب في مصلحة النخب الحاكمة
ذاتها، ويقرب مصالحها من مصالح الأمة العامة بل يوحد فيما بينها، وينشئ عوامل
الاستقرار ويعطي الفرصة لصرف الجهود نحو التقدم والتطور والبناء الحضاري .
وتشهد
عمليات التطوير في مجتمعات الخليج فرصاً متجددة لهه النخب لأخذ زمام المبادرات على
أيدي بعض المتفهمين في النخب الحاكمة ومؤسساتها، ما يجعل المسئولية على عاتقهم في
بلورة البرامج اللازمة لإحداث النقلة ووضع الأصابع على مفاصلها الأهم، وهي عملية
تبدو قصيرة المدى إذا احسن الحشد العلمي والإعلامي والسياسي لها، دون الحاجة
لتضييع الوقت في النقد والمهاترات والاتهام، وبمحاولة جريئة وجادة للتعامل الواقعي
مع المفردات القائمة واحترام مصالح الآخر لا العمل على إلغائه تماماً، وتجاهل قوته
ونفوذه .
أن دور النخب المثقفة لا زال دون الطموح المطلوب في كل دول منطقة الخليج برغم
التفاوت في الحجم والنوع، وان على النخب الحاكمة أن تأخذ بعين الاعتبار حجم
التغيرات التي تجتاح العالم خلال العقد الأخير، وأن عليها أخذ العبرة من النظام
السياسي الذي يحقق النجاح في حشد كل الطاقات لمصلحة الجميع، وليس عليها الانتظار
الطويل لإعطاء المبرر للنخب المثقفة والقوى السياسية والشعبية للقيام بعمليات جراحة
سياسية قد تؤدي إلى عدم الاستقرار وخسارة كل الأطراف وتضرر مصالح الأوطان والأمة ،
وتعيق الدور الحضاري لدول المنطقة، والعاقل من اتعظ بغيره، وما حصل في الجزائر مجرد
سيناريو لكابوس لا يرحب به أي عاقل في العالم الإسلامي وبالتأكيد في جميع دول
الخليج ، وان الحرية والمشاركة السياسية، والمساواة بالفرص بين المواطنين أساس
النجاح وإعانة للاقتصاد والاستقرار والتقدم والرفاه وتحقيق المصالح الوطنية
والقومية والإسلامية العليا لجميع دول الخليج .كما أن هذا التحول يشكل عاملاً
فاعلاً في تجاوز الخلافات التاريخية والحدودية والشخصية والمذهبية في المنطقة
لمصلحة دور خليجي رائد على صعيد الأمة العربية والإسلامية يعيد للامة بعضاً من
هيبتها وحضورها، ويدفع بأقاليمها الأخرى نحو التقدم والتحرر ومواجهة الأخطار
والأطماع الخارجية بكفاءة واقتدار .
. |
||
|
---|