|
ورشة
كلمة الافتتاح
ورشة
جواد الحمد
الزملاء الحضور،، نرحب بكم اليوم اجمل ترحيب في ورشة العمل الاولى هذه حول " الحراك السياسي في اسرائل وابعاده الامنية والاجتماعية والاقتصادية"، والتي تعد باكورة الحورات والمناقشات وورش العمل التي يعقدها مركزنا حول الشئون الاسرائيلية الداخلية، ونخص بالترحيب الزملاء الخبراء القادمين من الاراضي المحتلة عام 1948، والذين يمثلون صورة مشرقة من صور الصمود الفلسطيني في وجه محاولات التهويد والشطب الصهيوني المتواصلة لاكثر من خمسة عقود من الاحنلال. الاخوة والاخوات،، ان المركز يتطلع من خلال هذا البرنامج الذي يشكل جزءا من عمل وحدة الدراسات الاسرائيلية المتخصص، الى ادراك طبيعة ديناميكيات الحياة السياسية في اسرائيل وتفاعلاتها تاثرا وتاثيرا في المجلات الاقتصادية والاجتماعية والامنية ، وهو بذلك يهدف الى تحقيق رؤية حقيقية واقعية لطبيعة الدولة والمجتمع وعلاقاته الداخلية ، حيث يستطيع العرب من خلال ذلك تحديد آليات التعامل مع المشروع الصهيوني من هذه الزاوية ، ونظرا لما فرض على المنطقة من متغيرات جوهرية ازاء طبيعة الصراع الاسرائيلي-العربي منذ اواسط القرن الماضي فقد اصبح هذا الادراك من ابرز المهمات التي يفترض ان تضطلع بها مراكز البحث والجامعات ، خصوصا في ظل الحماسة التي يبديها بعض العرب للتعايش مع الدولة العبرية، وكذلك في ظل تصاعد المقاومة والانتفاضة الفلسطينية عبر العشرين سنة الماضية باشكال ومستويات مختلفة . الزملاء الكرام، لقد نجح مركز دراسات الشرق الاوسط في انشاء وحدة للدراسات الاسرائيلية منذ اكثر من ثلاثة اعوام، غير ان بواكير انجازاتها المتميزة قد سادت عملها في العامين السابقين، وهي الوحدة التي تقف خلف المتابعات الدقيقة لما يجري في اسرائيل على مختلف الصعيد، ولذلك فهي تصدر تقريرا اسبوعيا بعنوان " شئون اسرائيلية في اسبوع" ، وكذلك تصدر تقريرا يوميا بترجمة نصية لاهم ما يرد في الاعلام الاسرائيلي المسموع والمرئي وعلى مختلف القنوات، كما تعمل على الانتهاء من قاعدة بيانات الكترونية واسعة تتعلق بالشئون الاسرائيلية اضافة الى تطوير مكتبة اساسية تخدم هذه الاهتمامات . اننا اليوم وبحضور هذه النخبة المتميزة من الفلسطينيين الخبراء في الشئون الاسرائيلية من مواطني الاراضي المحتلة عام 1948 اضافة الى نخبة مهتمة ومتخصصة في هذه الشئون من زملائنا في الاردن نتمنى ان تنجح الورشة في رسم صورة وجوهر طبيعة الحراك السياسي في اسرائيل ومعادلاته وتأثيراته وابعاده الامنية والاقتصادية والاجتماعية، وكلي أمل بان يتركز الحوار على مواضيع الورشة وعناوين جلساتها كما عودتمونا، حتى نتمكن معا من الاستفادة من الورشة واثراء موضوعها في آن واحد. الاخوة الحضور ،، ان هذه الورشة التي دعيت لها نخبة محدودة من المهتمين، هي باكورة فكرة ومشروع تبناه المركز عبر وحدة الدراسات الاسرائيلية لعقد العديد منها، ربما بمعدل ورشتين في كل عام باذن الله ، حيث من المتوقع ان تكون الثانية في نهاية العام الحالي او بداية العام القادم . ختاما،، لا يسعني الا ان ارحب بضيوفنا الأعزاء من فلسطين المحتلة عام 1948، وبزملائنا من الأرادن بمختلف تخصصاتهم، كما اتقدم بالشكر الجزيل للاخوة في مركز مدار الفلسطيني المتخصص بالشئون الاسرائيلية في رام الله على جهودهم المقدرة في التحضير لهذه الندوة كفكرة ومحاور ومشاركين، واخص بالذكر الآنسة ميشساء الحوراني المديرة التنفيذية للمركز، حيث نتمنى ان نساهم معهم في بلورة بعض الاعمال المشتركة في المرحلة القادمة على مختلف المجالات المتعلقة بالشئون الاسرائيلية . الشكر موصول للجميع ومرحبا بكم في رحاب مركزنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . السادة المشاركون
ورشة
أولاً: السادة رؤساء الجلسات
ثانياً: السادة مقدمو أوراق العمل
ثالثاً: السادة المعقبون
الحراك السياسي في إسرائيل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والأمنية
تقرير الورشـــة الحراك السياسي في إسرائيل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والأمنية عقد مركز دراسات الشرق الأوسط في التاسع من تموز/ يوليو ورشة علميةً بعنوان (الحراك السياسي في إسرائيل في أبعاده الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية)، شارك فيها عدد من الخبراء والمختصين في الشؤون الإسرائيلية من الداخل الفلسطيني*، وعدد من الأكاديميين** والمهتمين بالشؤون الإسرائيلية من الأردن. وقد تناولت الورشة ثلاثة من المحاور الأساسية في مقاربتها للحراك السياسي في إسرائيل، أولها التأثيرات الاقتصادية في الحراك السياسي في إسرائيل. وثانيها التأثيرات الاجتماعية والثقافية على الحراك السياسي في إسرائيل. وثالثها: أثر الأمن على الحراك السياسي في إسرائيل. وفيما يلي ملخص لأهم ماورد في الورشة من أوراق موزعةً على المحاور الثلاثة أعلاه: المحور الأول: التأثير الاقتصادي في الحراك السياسي في اسرائيل تم التأكيد بأن إسرائيل تشهد منذ أوائل التسعينات تحولاً كبيراً في اقتصادها له كبير الأثر على الحراك السياسي في إسرائيل. أبرزها: تفكيك دولة الرفاه، وتراجع تدخل الدولة في الحياة العامة وتقديم الخدمات. ومن ثم تطور جذب الاستثمار لصالح الفئات الغنية على حساب الفقيرة. وأخيراً تزايد الفجوة بين الطبقة الفقيرة والغنية ساهم في تفاقمها كل من حكومة نتنياهو (1996- 1999) وحكومة براك (1999- 2001). وفي عهد حكومة شارون (2001- ) تم خفض الدعم الوطني لخدمات التأمين الصحي بحوالي 18-20%. وأُشير في سياق الورشة إلى دراسة أكدت ارتفاع دخل المنتمين إلى الطبقة 10% الأعلى في المجتمع الإسرائيلي بـ + 5%، وإلى انخفاض دخل المنتمين إلى الطبقة 10% الأدنى في المجتمع بـ - 5%. وأشير إلى أن مشكلة الفقر كانت تعد الثانية خطراً بعد الأمن عام 2003، أما في العام 2004 فقد أضحت مشكلة الفقر هي الأخطر وهي مدخل الخطر الأمني. ومع هذا يُلحظ بأن الجمهور الإسرائيلي قد وصل إلى قناعات بقبول الأمر الواقع، وتواضعت فعاليات الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل في العقد الأخير رغم استمرار السياسة الاقتصادية التي تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ومنه فقد استنتج الباحثون ما نقلته هآرتس بتاريخ 15/09/2005 "بكلمات أخرى من يحلم أن الوضع السيىء يؤدي إلى ثورة اجتماعية، يمكن أن يكتشف أنه ليس لها جنود". وفي هذا السياق أُكد على سيادة ثقافة الالتفاف على المؤسسة أو بمعنى لآخر سيادة الفساد في إسرائيل مؤكداً بأن ما يوازي 22% من الدخل القومي المعلن أو ما يعادل 100 مليار دولار أمريكي هو اقتصاد غير رسمي في إسرائيل لا يدخل في حسابات الدخل القومي، وهو جزء من التفسير لتحمل الجمهور الإسرائيلي للسياسات الحكومية الاقتصادية وتكيفه معها بحيث لا تتحول إلى حراك سياسي. ويُضاف إلى ما سبق جملة من الأسباب تفسر غياب الاحتجاج وعدم فاعلية الجمهور الإسرائيلي إزاء السياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، من أبرزها: × عدم تبلور وعي طبقي واضح في الييشوب (الاستيطان الإسرائيلي قبل الدولة) ولا في إسرائيل رغم اتساع الفجوات بين الشرائح الغنية والشرائح الفقيرة. وسيادة "عقلية الحصار" العسكرية والسياسية ودورها في تحييد وتجميد مشاعر الإحباط لدى الجماعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي. × عجز الهستدروت عن دفع الاحتجاج الاجتماعي إلى الأمام. فهي لم تفعل قدراتها لوقف الهجمة ضد العمال والشرائح الفقيرة. وبدل أن تشكل حاجزاً دفاعياً للعمال للعاطلين عن العمل فقد قيدت نفسها بالتعاون مع حكومة اليمين. × فعالية الجمعيات الاجتماعية العاملة في إسرائيل فقد قامت في العقد الأخير ملا يقل عن ألف جمعية خارج إطار المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بهدف العمل ضد السياسة الاقتصادية والاجتماعية الجديدة للحكومة ومساعدة المحتاجين مما يخفف من حدة الفقر والحاجة ويضعف الاندفاع نحو الاحتجاج. × التحول البنيوي في الاقتصاد الإسرائيلي وعلاقات العمل عبر التحول نحو الشركات التي توفر العمالة مما أضعف العمال أمام الشركات وأضعف احتجاجاتهم خاصة مع تزايد العمالة الأجنبية. × رغم أن السياسة الاقتصادية الجديدة قد أضرت بشكل واضح بالطبقة الوسطى، إلا أنها مع ذلك ليست مستعدة بعد للانخراط في الاحتجاج لأن وضعها ما زال جيداً. وعليه فقد وجدت هذه الطبقة في حزب شينوي فرصة للاحتجاج وتغيير السياسة الحالية. × يتواجد في أسفل السلم الاجتماعي الشرقيون، المهاجرون الجدد والعرب. بينما ينشط المهاجرون العرب داخل جماعتهم فإن معظم اليهود –الشرقيين والحرديديم والمهاجرين- لا يرغبون في أن يتماثلوا مع اليسار الإسرائيلي. وهذه هي المشكلة الأساسية في الاحتجاج في إسرائيل والمتمثلة بالتماثل بين الاحتجاج الاجتماع وبين الاحتجاج السياسي. وتناول القسم الثاني من هذا المحور أثر الأوضاع الاقتصادية على الانتخابات البرلمانية في إسرائيل. وتم توضيح أنّ النظام السياسي الإسرائيلي بدى ثابتاً حتى عام 1977، رغم التحولات الاجتماعية والاقتصادية. شهدت انتخابات عام 1977 نوعين من التحول في أنماط التصويت كانت لها أثر كبير على إحداث الانقلاب السياسي: - تحول الشباب من التصويت لحزب العمل إلى التصويت لصالح الحركة الديمقراطية للتغيير "داش" وحزب الليكود. - تحول الشرقيين من التصويت لصالح حزب العمل للتصويت لحزب الليكود. وترسخ هذا النمط لاحقاً في انتخابات عام 1992 عندما صوت ثلثا الشرقيين لصالح حزب الليكود. يتضح مما ورد في الورشة بأن الانتخابات البرلمانية في إسرائيل قد أبرزت دور الاقتصاد في الحراك السياسي. فالشرقيون الفقراء يصوت 20% منهم لصالح شاس، في حين يصوت الأغنياء من نفس الفئة لصالح الليكود و1% فقط لصالح شاس. ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي تقوم به شاس والمتمثل بتوفير وظائف اقتصادية مهمة جداً خاصة في مجال التعليم مما يوضح تصويت معظم النساء الشرقيات لصالح حزب شاس لاشتغال عدد كبير منهن في مؤسسات الحزب التعليمية. وقد طُرح في هذا السياق التساؤل التالي: لماذا لم يحدث الحراك السياسي في التسعينات؟ ولماذا يصوت المتضررون من السياسات الاقتصادية الشرقيون لليكود وأحزاب اليمين؟ ويمكن الإجابة بأن إسرائيل قد أقامت دولة الرفاه في الضفة وغزة عوضاً عن دولة الرفاه التي تم تفكيكها في الدولة العبرية مما دفع عشرات الآلاف من سكان بلدات التطوير داخل إسرائيل من الشرقيين بالهجرة إلى المستوطنات لتتحول إلى مدن معظم سكانها من الشرقيين. ويشكل هذا ما يدفع الشرقيين للتصويت لصالح الليكود وأحزاب اليمين في الانتخابات البرلمانية. وقد أُلمح إلى توقع توجه الشرقيين والمتدينين نحو اليمين المتطرف مبتعدين بذلك عن الليكود، وفي هذا السياق توقع حيدر إلى اندفاع حزب شاس الشرقي نحو اليمين المتطرف. وفي المقابل أمكن الإشارة إلى تقارب مواقف كل من العلمانيين وغير الشرقيين من اليهود، مما يزيد من أشكنازية الليكود على وجه الخصوص. واتضح في نهاية معالجة هذا المحور من الورشة تزايد القناعات لدى العديد من الأوساط الإسرائيلية اليسارية، وخصوصاً الأكاديمية منها بأن الاحتلال هو سبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وفي حال تم التخلص منه فسوف تتنحسن الأوضاع، ويمثل هذا الاتجاه عدد من الكتاب الذين يحسبون على تيار ما بعد الصهيونية وأبرزهم: يوآف بيلد، عادي أوفير. وفي مقابل هذا الاتجاه أشير إلى رأي مغاير ظهر حديثاً في الأوساط الأكاديمية ويمثله البروفيسور من جامعة حيفا داني غويتاين الذي يرى بأن الاحتلال هو حاجة إسرائيلية لأنه يثبت العلاقات القائمة في إسرائيل وهي لصالح الأغنياء ويخدم الفقراء في مجال الاستيطان، ويدعو إلى التغيير من داخل إسرائيل بدايةً حتى يمكن التخلص من الاحتلال. المحور الثاني: التأثير الاجتماعي والثقافي على الحراك السياسي في اسرائيل تم التأكيد بدايةً على أن المجتمع الاسرائيلي ليس مجتمعاً عادياً ولا تنطبق عليه كل نظريات السوسيولوجيا الغربية التي تتناول المجتمع في الدولة المعاصرة وذلك: أولا: لأن المجتمع الإسرائيلي يتفرد بأنه مجتمع أكثرية مواطنيه من المهاجرين والسكان الأصلانيون يشكلون أقلية قومية فيه. ثانياً: لأن هذه الدولة أقيمت على أنقاض شعب آخر ما زال حياً وحاضراً بقوة في وطنه وعلى أرضه وهذا يفرض على الإسرائيلي حالة متواصلة من القلق والتوتر والخوف وفي أحيان مساءلة الضمير والتأنيب. ثالثاً: لأن كل عناصر وحدة هذا المجتمع العضوية قابلة للتفكك ويحاول أن يبني وحدته على عامل خارجي واحد هو: العدو أو الخطر الخارجي. رابعاً: لأن هذا المجتمع بلا ثقافة واحدة، بل هو خليط من الثقافات التي لا يجمعها سوى أصولية دينية وأيديولوجيا عنصرية وعوامل سياسية وتاريخية أفرزت شكلاً جديداً من أشكال الهيمنة الثقافية في المجتمع الواحد. وأشير إلى أن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع متطور وعصري وحداثي بكل المقاييس العصرية، وإسرائيل دولة قوية عسكرياً واقتصادياً وحضارياً، وفيها فضاء واسع للديمقراطية وحرية التعبير (لمواطنها اليهودي طبعاً)، ويمكن القول بأن إسرائيل قد نجحت بأن تغرز في وعي المواطن الإسرائيلي اليهودي أن هذا الكيان هو ملجأ اليهودي الأخير وأنه المكان الوحيد على الكرة الأرضية الذي يضمن له العيش الكريم والحرية والطمأنينة والسلام، رغم أن هذا المكان، في حقيقة الأمر، هو الوحيد الذي لا يوفر لليهودي الأمن والسلام الحقيقيين. وتمثل أحد الأسئلة الأساسية في سياق هذا المحور بـ: كيف نجحت إسرائيل سياسياً واجتماعياً وفكرياً ببناء هذا الكيان القائم على تناقضات لا حصر لها؟ إن إسرائيل قد نجحت فقط لأنها رفضت أي مقولة أخلاقية لوجودها، والإسرائيليون كجماعة يفاخرون بكل شيء، بالحداثة والديمقراطية والرقي العلمي لكنهم لا يفاخرون بأخلاقيات عامة وشمولية وكونية إلا تلك المبتدعة والتي في حقيقتها ليست أخلاقية لكنهم يروجونها للعالم بأنها أخلاقية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها، "طهارة السلاح"، الأسطورة التي روجت لها الصهيونية في العالم بعد النكبة وكأنها حافظت على طهارة السلاح الاسرائيلي ولم ترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين، ومفهوم آخر هو حرب سلام الجليل، العدوان على لبنان عام 1982، والقنبلة النووية لحفظ السلام في المنطقة، وغير ذلك من المفاهيم التي هي في أساسها ليست أخلاقية؛ فلا السلاح يمكن أن ينعت بالطهارة ولا الحرب تضمن السلام ولا القنبلة الفتاكة، ولكن إسرائيل ابتدعت هذه المفاهيم أولاً للمشاركة في الخطاب الأخلاقي العالمي الذي انتشر بعد الحرب العالمية الثانية وثانياً، وهو الأهم، لابتداع أخلاقيات تنسجم ولا أخلاقيتها، أي أخلاقيات ليست أخلاقية لإبطال القانون الأخلاقي العام والشامل وتحويله في أحسن الحالات إلى مقولة نسبية. ويُلاحظ أن لليمين الاسرائيلي أجندة واضحة سياسياً واجتماعياً، فهو اليمين الذي يواصل منذ عام 1977 سياسة الخصخصة والسوق الحرة والارتباط المباشر برأس المال العالمي وتطبيق أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية بإقامة "قاعدة للغرب في الشرق العربي"، وهو اليمين التوسعي النيوكولونيالي الذي يرى في السلام العادل والشامل في المنطقة نهاية المشروع الصهيوني. وأما حزب العمل الوريث التاريخي للقيادة "العمالية" التي أقامت الكيان الاسرائيلي، تحقيقا للأهداف الصهيونية من جهة لكن عرضه على العالم منذ إنشائه كمجتمع تتحقق فيه عدالة اجتماعية (بين اليهود)، فقد ساقه التناقض بين الفكر الكولونيالي وبين الفكر الاشتركي، وبين تعريف الصهيونية على أنها حركة تمحور قومي وبين كونها حركة تحرر قومي (وهي ليست كذلك)، ساقه إلى إيثار التعريف الأول والتخلي عن الثاني، ولذلك فقد الحكم لمن هو أكثر خدمة للمصالح الكولونيالية وأقرب إلى الفكر القومي الشوفيني والغيبي. على هذا الفكر تشكل الإدراك الإسرائيلي والوعي الجماعي الاجتماعي والثقافي الذي يوجه الحراك السياسي الإسرائيلي خاصة في ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط. ومن هنا يأتي الإدراك الاسرائيلي لفكرة السلام والأمن يقوم على زعم صهيوني رائج وهو "العالم كله ضدنا" وأن اللاسامية ظاهرة خالدة ولذلك فان البقاء اليهودي، في رأيهم، مشروط بالتفوق اليهودي، الحضاري والاقتصادي والأمني، أي أن السلام الإسرائيلي هو ذلك الذي يضمن هذا التفوق، وقد غرس هذا الزعم في الذهن الإسرائيلي حتى أصبح مركباً مركزياً في العقلية السائدة التي تقطع اليمين واليسار على حد سواء، وقد وظفت الصهيونية كل الكوارث التي حلت باليهود لتأسيس هذا الزعم، خاصة ما حدث في القرن العشرين ومع بداية نشاط الحركة الصهيونية، وقد تجاهلت، لا بل أنكرت، أن اليهود في خلال ألفي عام انسجموا كلياً في المجتمعات التي عاشوا فيها واندمجوا في هذه المجتمعات ومن حافظ على يهوديته، فقد كانت بالنسبة له ديانة وعقيدة وليست قومية. وقد لفتت الورشة الانتباه إلى أن الحركة الصهيونية صاغت روايتها التاريخية على فكرة الضحية الأبدية التي يسكنها خوف وهمي لا مبرر له، ويجعل هذه "الضحية" تتصرف بشكل لا عقلاني لأنها تعيش حالة ليست عقلانية، ولذلك يشكك الإسرائيليون بكل أفكار السلام التي لا تأتي من "أنبيائهم" الجدد، إنهم لا يدركون عمق العقيدة الغيبية الواهية المسيطرِة عليهم والتي تجعلهم يتحدثون عن السلام بمفاهيم الحرب وعن الأمن بمفاهيم القوة وينظرون إلى الآخر بأنه لا يتجاوز كونه قوة مهددة لبقائهم ووجودهم كيهود، ولذلك فإنهم سيبقون بحاجة إلى القائد الجنرال وإلى سلاح الجو المتطور وإلى القنبلة النووية وإلى دولة إمبريالية تسندهم. وخلصت الوشة إلى أن القيادات الإسرائيلية منذ بن غوريون وحتى أريك شارون معنية بتكريس حالة الخوف في أذهان الإسرائيليين، لأن التعامل مع شعب خائف ومتوتر يمنحهم كل الفرص لنشر فكر غيبي رجعي لاعقلاني يخدم مصالحهم ومصالح حلفائهم، ذلك أن اللاعقلانية تقبل السلوك اللاعقلاني بيقينية مطلقة. اختتمت معالجة هذا المحور بطرح سؤالين أساسين يُطرحان دائماً في سياق الحديث عن الثقافة الإسرائيلية.. هل هي متعددة الثقافات؟ وهل توجد سياسة ثقافية لإسرائيل؟ ورداً على السؤال الأول أمكن التعليق بأنه رغم اللغة العبرية هي اللغة الأساس، ولكن في اسرائيل تشكيلة من الانتماءات الثقافية، فهي تجمع أكثر من 50 قومية ولغة.. حسب برنامج بن غوريون، كان يجب أن تنصهر هذه الثقافات في ثقافة واحدة وهي الثقافة العبرية الإسرائيلية الجديدة. لم ينجح بن غوريون في عملية الصهر. وإسرائيل مازالت ثقافياً تعتبر تشكيلة من الثقافات وهي غير متجانسة وتهيمن عليها ثقافة سلطوية هي الثقافة الأشكنازية، أي ثقافة يهود شرق أوروبا. وفي هذا السياق فإن الثقافة الإسرائيلية تقوم منذ نشأتها حتى اليوم على ثلاث قيم أو على ثلاثة مركبات أساسية هي: اليهودية كدين وقومية، الصهيونية كفكر وأيديولوجيا والثقافة الغربية كحضارة. وإجابةً على السؤال الثاني أعلاه تم التأكيد على أنه لا توجد سياسة ثقافية لإسرائيل، أي أنه ليس هناك برنامج ثقافي سياسي لحكومة إسرائيل من عام 1948 وإلى اليوم، ولكن يوجد هناك ثقافة مسيّسة... الثقافة الإسرائيلية هي ثقافة مسيّسة لأنها وضعت لتخدم السياسة... وهذا واضح في مناهج التعليم، واضح في تعريف الثقافة الإسرائيلية واضح في المؤسسات الثقافية التي قامت لترعى الثقافة الإسرائيلية. المحور الثالث: تأثير الأمن على الحراك السياسي في إسرائيل أكدت المداخلات حول المحور الثالث بأن إسرائيل بعد قيامها في أعقاب أحداث عام 1948 وما واكبها من مجازر في حق الشعب الفلسطيني ونهب لممتلكاته وسرقة لأراضيه، قد أشغلت دوائر الأمم المتحدة، والدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن بمسألة أمنها، وذلك على مدار نصف قرن من الزمان. ولُوحظ بأن عقدة الأمن تاريخية يعيشها الإسرائيليون، أشكناز وسفارديم مؤيدون ومعارضون للسلام مع العرب والفلسطينيين، نشأت إبان الفترة النازية في أوروبا، إضافة إلى "كوابيس الخوف" في الخمسينات من العرب الذين رأت إسرائيل أنهم يسعون لتدميرها وإزالتها عن الوجود. وأُشير إلى أن إسرائيل تنطلق في إصرارها على مبدأ الأمن من مجموعة من الأسباب أو المخاوف من أهمها: خطر وقوع هجوم مباغت تشنه الجيوش العربية يوماً ما ضد إسرائيل، تستخدم خلاله الضفة الغربية وقوات السلطة الفلسطينية كعامل إسناد. وتحوّل الدولة الفلسطينية يوماً ما إلى دولة معادية لإسرائيل تسعى لتحقيق طموحات الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية وإعادة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم. وعقد الدولة الفلسطينية تحالفات معادية لإسرائيل مع قوى إقليمية تعادي إسرائيل أصلاً. وأخيراً إمكانية تواصل المقاومة الفلسطينية تنفيذ عمليات عبر أراضي الدولة الفلسطينية. ولخصت المداخلة الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية بعد الحرب العالمية الثانية بعدد من النقاط أبرزها: × اعتبار الأراضي التي حصلت عليها إسرائيل عبر قرارات الأمم المتحدة وبالقوة عام 1948-49 لا توفر الأمن الاستراتيجي لدولة إسرائيل، ولا تلبي الحقوق التاريخية لليهود في فلسطين. × رفض الالتزام بتنفيذ كل قرار للأمم المتحدة يمس بأمن دولة إسرائيل، وعدم توقيع أي اتفاقيات ومعاهدات دولية أو إقليمية يمكن أن تعرضه للخطر. × تكريس وتعزيز وجود إسرائيل وأمنها بنقل العدد الممكن من يهود العالم إليها وتهجير الفلسطينيين. × الاعتماد في الحفاظ على أمن الدولة على القوى الذاتية أولاً وأخيراً، واعتبار العوامل الخارجية الأخرى فرعية مساعدة. × رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وممتلكاتهم في إسرائيل، واعتبار عودتهم خطراً استراتيجياً على هوية دولة إسرائيل ووجودها. × إخضاع العلاقات الخارجية (الدولية والإقليمية) لدولة إسرائيل لصالح تعزيز أمنها وتحقيق أهدافها الإستراتيجية وبناء التحالفات وعقد الاتفاقات على هذا الأساس. وقد تم التركيز في مقاربته المحور الثالث على أثر الأمن في المفاوضات والاتفاقات العربية-الإسرائيلية، ومن ثم انعكاسات الأمن على برامج الحكومة الإسرائيلية. في تناول الموضوع الأول أُكد على أن مراجعة الاتفاقات العربية الإسرائيلية المؤقتة منها، والدائمة مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية قد حققت لإسرائيل مطالبها الأمنية، وفرضت نصوصاً تنتقص نوعاً ما من سيادة الأطراف العربية فيما يخص حجم وحرية حركة قواتها العسكرية. وحصلت إسرائيل مقابل كل اتفاقية سلام أبرمتها مع العرب أو الفلسطينيين من الأمريكيين والأوروبيين على مساعدات متنوعة وضخمة كان على رأسها المساعدات العسكرية وتوقيع اتفاقيات أمنية. في المقابل أُكد على أن العرب قد فشلوا في إقناع الرأي العام العالمي بعدوانية إسرائيل وفشلوا في تعرية دعاواها الأمنية، وهذا يعني نجاح إسرائيل في تسويق شعارها الأمني وإقناع العالم به. وفي التطرق إلى الموضوع الثاني اتُفق على أن الجانب الأمني كان ولا يزال أحد المركبات الهامة والأساسية في برامج حكومات إسرائيل المتتالية، منذ تأسيسها إلى اليوم. مركزاً على برامج آخر حكومتين في إسرائيل: حكومة نتنياهو (1996- 1999) وحكومة براك (1999- 2001). ذُكر هذا السياق بأن براك قد أكد في برنامجه السياسي كثيراً على الجانب الأمني في بعديه القومي والشخصي و نص برنامج حكومته على لآتي: "تعمل إسرائيل على وضع حد للصراع العربي- الإسرائيلي بالطرق السلمية من خلال الإصرار على أمنها القومي، والحفاظ على مصالحها الأمنية والإستراتيجية. السلام لن يأتي إلا من خلال: قوة جيش الدفاع الإسرائيلي ودولة إسرائيل، وعنصر الردع لدى الدولة". وذُكر أيضاً أن شارون هو الآخر قد ركز في برنامجه السياسي على الجانب الأمني حيث جاء فيه ما يلي: "تكون المهمة الأعلى للحكومة الجديدة هي ترسيخ أمن إسرائيل والسعي نحو استقرار يسود في المنطقة (وهذا يعني): ستعمل الحكومة من أجل توفير الأمن القومي والشخصي لكل مواطن. وستكافح (الإرهاب) والعنف بلا هوادة. وستطالب الفلسطينين بنبذ العنف و(الإرهاب) والتصدي له. وستهتم الحكومة بترسيخ وتعميق متانة جيش الدفاع الإسرائيلي وباقي أجهزة الأمن الإسرائيلية، والسعي نحو تقوية قدرة إسرائيل على الردع من أجل منع اندلاع الحرب والدفاع عن الدولة". واختُتمت المعالجة بالإشارة إلى المفاهيم والمصطلحات التي ترتكز إليها الاستراتجيته الأمنية الإسرائيلية، بعضها ذات علاقة بوجود إسرائيل في المنطقة كدولة يهودية وآخر بالمحيط العربي والإقليمي والدولي، ومنها: الإرهاب كان منذ مائة عام وسيبقى الى الأبد، الإرهاب وليس الاحتلال هو السبب، لا يجب على الفلسطينيين تحقيق أي مكسب جراء عنفهم، إن ما يمنع التسوية هو إصرار الفلسطينيين والعرب على تدمير إسرائيل ورفض التسليم بحقها في الوجود، العرب يبذلون جهوداً للحصول على السلاح النووي. * شارك في أعمال الورشة من الداخل الفلسطيني أ. د. عزيز حيدر أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في الجامعة العبرية في القدس، أ. سلمان ناطور مدير معهد إميل توما في حيفا ورئيس تحرير مجلة دراسات إسرائيلية الصادرة عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في رام الله، أ. د. إبراهيم أبو جابر مدير مركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم، ومدرس العلوم السياسية سابقاً في جامعة بن غوريون في النقب. ** كما شارك في أعمال الوشة من الأردن أ. د. نظام بركات أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، و د. عامر الحافي من كلية الدراسات الفقهية والقانونية في جامعة آل البيت، أ. د. أحمد نوفل أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أ. د. محمود أبو طالب أستاذ الدراسات العبرية في الجامعة الأردنية، أ. جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط. |
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
---|