تبدو الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط مؤشراً على
التغيير القادم في هذه المنطقة، سواء كان على الجانب العربي،
أو على الجانب الإسرائيلي، ولمعرفة الواقع الذي تعيشه إسرائيل،
وتوقّع تغيّر هذا الواقع مستقبلاً في السنوات الثمان القادمة،
فإنه لا بد من الدراسة والتحليل وتقديم الرؤى التي ترصد الحالة
الإسرائيلية على جميع الأصعدة: السياسية والاجتماعية والعسكرية
والاقتصادية والعلاقات الدولية لها، فتبين ما آلت إليه إسرائيل
على تلك الأصعدة، وما هي الحالة المتوقعة التي تسير إسرائيل
نحوها.
من أجل ذلك عقد مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان ندوة بعنوان
(إسرائيل اليوم ومستقبلها حتى العام 2015م) داعياً إليها
باحثين متخصصين في شؤون إسرائيل الداخلية والخارجية، ومشاركين
أيضاً دارسين ومراقبين لإسرائيل والمنطقة.
هدفت الندوة إلى الوصول إلى تناول طبيعة التحوّلات التي جرت
على إسرائيل دولة ومجتمعاً منذ إنشائها إلى الآن. وهدفت إلى
تقديم قراءة مستقبلية لطبيعة ملامح هذه الدولة ومكوّناتها على
مختلف المستويات، وإلى تبيان طبيعة المعادلة التي دخلت فيها
علاقاتها الإقليمية والدولية في ظل تقدم برنامج المقاومة
الفلسطينية والعربية والإسلامية.
تناولت الندوة بالدراسة والتحليل والمناقشة والتلخيص واقع
إسرائيل ومستقبلها في الجوانب الاستراتيجية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الخارجية، وحاولت رسم
مشهد متوقع لتلك الجوانب لتشكيل رؤية صحيحة عن مستقبل
إسرائيل وتحديد سياسات التعامل معها خدمة لمشروع الأمة
العربية وقضية فلسطين.
كانت الندوة موزعة على يومين، وفي كل يوم جلستان نقاشيتان.
وطرحت في كل جلسة ثلاثة أوراق عمل، مع المناقشات والمداخلات
والتساؤلات في نهاية كل جلسة، ثم جلسة ختامية في نهايتها.
يتناول هذا التقرير الندوة بكافة جوانبها، ولذلك فسوف يتم العرض
على خمسة محاور:
المحور الأول: ملامح الواقع الإسرائيلي القائم: الواقع السياسي
والاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي والعلاقات الدولية.
المحور الثاني: التحولات المتوقعة لذلك الدافع بجميع جوانبه.
المحور الثالث: العوامل المؤثرة في الدافع والمستقبل.
المحور الرابع: الدور العربي الممكن لدفع التحولات إيجابياً لصالح
العرب.
المحورالخامس: السيناريوهات المتوقعة وإمكانات تحققها.
المحور الأول: (ملامح الواقع الإسرائيلي القائم: الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والاستراتيجي والعلاقات الدولية).
تعاني إسرائيل اليوم أزمة متعددة الجوانب تعود إلى فشل متراكم في
سياستها واستراتيجياتها العسكرية، واعتماد اقتصادها نسبياً على غيرها،
وتفكك مجتمعها، وضعف علاقاتها الدولية.
أهم ما يُشار إليه في مجال السياسة أن إسرائيل لا تريد السلام
أبداً، وتتفاوض مع الفلسطينيين والعرب على الأساس الذي تريده من
حيث الزمن والنتائج فهي تُفاوض وقتاً طويلاً دون أن تعطي نتائج أو
تفعل شيئاً على الأرض.
وصلت الندوة في هذا الأمر إلى أن عملية السلام ماتت وانتهت
إسرائيلياً، وأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين مستحيلة، وهذا ما
أشار إليه كل زعماء إسرائيل من بن غوريون إلى أولمرت، وهم يربطون
بين حلم اليهود في إقامة دولتهم الكبرى وبين مشروع أمريكا ( الشرق
الأوسط الكبير) أو ( الشرق الأوسط الجديد )، فهم جميعاً يسعون إلى
ترسيم الحدود وإبقاء الأوضاع على ما يريدونه من جانبهم فقط.
يساعد الفكر الصهيوني في بقاء سياسة إسرائيل على ما هي عليه، إذ
هو يرفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رفضاً مطلقاً وينادي
بالتوطين لتصفية القضية، ويُلحظ مُضِيُّ السياسة وفقاً لهذا
الفكر.
وللمؤسسة العسكرية دورها في سياسة إسرائيل، فهي- أي المؤسسة- تتمتع
بدرجة كبيرة من الاستمرارية والاستقلالية والتماسك، إلى جانب
القدرة على التغلغل في مناحي إسرائيل الحياتية، ويغذي ذلك الفكرُ
اليهودي العقدي والثقافي في التركيز على القوة والقتال لتحقيق
الأهداف، ولذلك فساسة إسرائيل يستعينون بهذه المؤسسة كلما دعت
الحاجة، أو كلما عجزت السياسة عن الوصول إلى الأهداف، فيبقى الباب
العسكري مفتوحاً أمام أي حدث.
ومع أن هذا هو حال المؤسسة العسكرية إلاّ أن الأحداث في السنوات
القليلة الماضية كشفت تطوّرات مهمة تجاهها، إذ إنها واجهت صعوبات
كبيرة في البقاء على ما هي عليه، فلم تعد قادرة على توفير الأمن
للإسرائيليين من الداخل أوالخارج، ولا تستطيع إجراء تغييرات أو
تحسينات في بنيتها البشرية أو الفنية، إذ يعزف كثير من
الإسرائيليين عن الخدمة، وأصبح الإنفاق عليها يُثقل كاهل الاقتصاد
الإسرائيلي.
والاقتصاد الإسرائيلي مثقل بالأعباء لسببين: الأول استنفاد الأموال من
المؤسسسة العسكرية وأجهزة الأمن وأنظمة الأمن وطبيعة الحياة
الإسرائيلية ذات الدخل العالي، والثاني الاعتماد الكبير لهذا الاقتصاد
على المساعدات الأمريكية والأوروبية الخارجية وتبرعات الجاليات
اليهودية.
أما ما يخص الجانب الاجتماعي فإن إسرائيل اليوم تعيش أزمة اجتماعية
عميقة تتمثل بالبعد اليهودي وبالبعد العربي.
تخشى إسرائيل الهاجس الديموغرافي والجغرافي، إذ إن اليهود الموجودين فيها
منقسمون ومتعارضون من حيث الجنس والثقافة، ثم إنها لا تعتمد في زيادة عدد
مواطنيها اليهود على الزيادة الطبيعية ولادة داخل الدولة، بل تعتمد على
الهجرة التي تتعرض كثيراً للإشكاليات والمصاعب، فعدد اليهود المهاجرين
إليها يتناقص والمهاجرين عنها يتزايد.
وفي حال زاد عدد اليهود فإن هذا يعني الحاجة إلى الأرض لإسكانهم مما يعني
وجود لإشكالية أكبر من الأولى، إذ تسعى إسرائيل في سبيل حلها إلى التضييق
على العرب داخل إسرائيل والعنصرية ضدهم وربما طردهم وترحيلهم، أو تبادل
الأراضي والسكان. فإسرائيل كيان استعماري كولنيالي إحلالي يسعى إلي فصل
أهل الوطن الأصليين عن أرضهم وبلادهم واستبدال يهود بهم، مما يثبت بأنها
دولة استيطان إثنوقراطية.
من هذا، فإن علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية تأخذ الطابع الأمني
والمصلحة الاستراتيجية في المقام الأول، إذ تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على
تمكّنها وقوتها في مواجهة أي تحدّ خارجي يؤثر على وضعها الداخلي، ولذلك
تصنع علاقات مع الدول العربية بهدف التطبيع والاقتصاد، وتعمل على استمرار
العلاقة قوية مع أمريكا وأوروبا بهدف الحفاظ على مكانتها عالمياً، وتفتح
خطوطاً مع الصين وتركيا في كافة المجالات، للفائدة العسكرية والأمنية
والاقتصادية.
إن ذلك كله يتم عبر عقيدة إسرائيلية استراتيجية ترتكز على قاعدة الأمن
القومي الذي يشكل جزءًا مهماً في سياسة إسرائيل للحفاظ على هذا الكيان، فهو
منذ قام وإلى الآن يعتمد على الوصول إلى الأهداف عن طريق القوة العسكرية
والحروب، وعن طريق القتل والمجازر.
المحور الثاني: (التحولات والسيناريوهات المتوقعة لهذا الواقع في جميع
جوانبه)
على الجانب السياسي وفي مجال التسوية هناك حراك عربي نحوه، إلاّ أن إسرائيل
لن تتعامل معه بجدّية سواء من حيث الوقت والزمن- إذ هي تسير تجاه التسوية
ببطء شديد-، أو من حيث النتائج، إذ لن تعطي إسرائيل للعرب أو الفلسطينيين
شيئاً سوى النتائج الشكلية، بل سترفض إسرائيل أي تسوية مؤدية إلى إخلال في
عمقها الاستراتيجي أو الأمني أو الجغرافي أو الديموغرافي.
ويدعّم هذا السيناريو أو التحول المتوقع ما حصل مؤخراً في غزة من سيطرة
حركة حماس عليها، فالإسرائيليون لن يسمحوا بإقامة دولة فلسطينية جانب دولة
إسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك ستواصل إسرائيل سياستها المتشددة تجاه حماس،
ومحاصرة الواقع الفلسطيني في غزة أو الضفة مع إبقاء العزل بينهما، إلا أنه
يمكن إعطاء الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح والسيادة وبحدود مؤقتة، ما يعني
تصفية القضية بعدم الحديث عن القدس مثلاً أو حق العودة للفلسطينيين.
وهنا وعلى الصعيد الاستراتيجي سياسياً وأمنياً فإن إسرائيل ستخلق ظروفاً
إقليمية تسعى منها إلى أن تخرج قوية أمام إيران أو سوريا أو حزب الله أو
المقاومة الفلسطينية، لتفرض شروط التسوية التي تريدها، وهذا يعني أنها
ستدخل مباشرة في الصراع مع إيران أو سوريا إذا لم تقدّم لها أمريكا واقعاً
يعطي كيانها أو مواطنيها الأمن والاستقرار، لا سيّما بعد حدوث تحوّل قوي
سلبي في قوة الردع الإسرائيلي بعد حرب تموز 2006م مع حزب الله. ولذلك
ستحاول إسرائيل إعادة إنتاج منظومة الردع العسكري من جديد بالاعتماد على
إعادة بناء التفوق العسكري المرهون بالردع النووي وتعزيزه للوقوف بقوة أمام
الخطر النووي الإيراني، أو أمام الخطر السوري المتعاظم.
ستعمل إسرائيل- في سبيل حل هذه الإشكاليات- على تفتيت قضايا مركزية وملحة
في الشرق الأوسط ليتسنى لها العمل- لصالحها- على كل الجبهات، وإن كان
النظام الدولي يفرض في كثير من الأحيان اللجوء إلى الطرق الدبلوماسية.
ومع كل هذا ستبقى إسرائيل تعاني مأزقاً استراتيجياً وهاجساً وجودياً يفرض
عليها التفكير دائماً بالردع واعتماد المؤسسة العسكرية لحل أزماتها.
من جانب آخر من المتوقع أن يؤثر العامل الاقتصادي على واقع إسرائيل
ومستقبلها، إذ إن زيادة أعباء الإنفاق العسكري وزيادة التضخم سيجعل
إسرائيل تتخلى عن جزء من ميزانية الدفاع، وستعوّض ذلك بزيادة الارتباط
الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر في المنطقة من خلال
الاندماج في العملية السياسية، أو أن تتكفل أمريكا بكل المساعدات للكيان
الإسرائيلي.
ورغم معارضة بعض الساسة الإسرائيليين نسبيا لهذا الدعم الذي يؤدي إلى ضعف
اقتصادي أكبر داخل الدولة بسبب الاعتماد على العون الخارجي إلاّ أن إسرائيل
ماضية فيه، وستسعى للتخلص من هذا العبء عبر اتصال مع دول تفتح لها أسواقها
وتتعاون معها اقتصادياً مثل الصين وتركيا وبعض الدول العربية الخليجية أو
المغربية.
ستعاني إسرائيل حياة مستقبلية أكثر سلبية في تركيبتها الاجتماعية
الداخلية، إذ ستسعى إلى تأمين مواطنيها اليهود بالجغرافيا، ولكن ذلك
سيكون على حساب مصادرة الأراضي والتعامل بعنصرية ضد مواطنيها العرب،
مما يشكل واقعا سياسيا وديموغرافياً صعباً عليها.
ثم إن هناك تفاوتاً بين معيشة اليهود في المدن وبينها في المستوطنات،
ولذلك سيولّد هذا نقمة أكثر على الدولة والحكومات، مما يعني حراكاً
اجتماعياً سيئاً تجاه الدولة، يُضاف إلى مشكلاتها الخارجية.
وإضافة إلى ذلك يتوقع أن يتحول المجتمع اليهودي ولو بشكل بطىء من مجتمع
معبّأ ومجهّز لخدمة الدولة عسكرياً إلى مجتمع غربي، مما يحدث تبدّلاً في
المعايير وشروخاً وانقسامات داخل المجتمع من جهة، وبينه وبين حكوماته من
جهة ثانية.
وفي جانب علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية فإن المرشح للحدوث هو أن تسعى
إسرائيل لفتح علاقات جديدة مع بعض الدول مثل المغرب العربي والخليج والصين
وتركيا وغيرها لكسب الفوائد الاقتصادية من جهة، وللاتصال والتطبيع من جهة
ثانية، مما يُكسبها حضوراً وواقعاً، وتوفيراً لعوامل تأمين وجودها كياناً
طبيعياً في المنطقة يمكن قبوله والتعامل معه، وإذا حصل ذلك فإنها ستتربع
على عرش قيادة المنطقة وستقوم بدور ريادي يمكّنها من فرض أجندتها.
رغم ذلك كله إلاّ أنه في الجانب المقابل يتوقع أن تتغير المعادلة القائلة:
إن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب، إذ لم تعد إسرائيل اللاعب الوحيد
على مسرح الشرق الأوسط عند صياغة السياسات الأمريكية، بالإضافة إلى أنه من
المحتمل أن تتصاعد الدعوات الشعبية والحزبية الأوروبية والأمريكية القائلة
بإنهاء العلاقة مع إسرائيل وعدم دعمها، ما يعني الابتعاد عن إسرائيل وعدم
الوقوف إلى جانبها في المحافل الحزبية ومؤسسات المجتمعات المدنية.
المحور الثالث: ( العوامل المؤثرة في الواقع والمستقبل )
·
على الصعيد الاستراتيجي:
بدأت إسرائيل تتراجع استراتيجياً بسبب ظروف داخلية وخارجية،
إذ إن مشاكل إسرائيل الداخلية المتمثلة بالعامل الديموغرافي وهجرة
اليهود من إسرائيل وليس إليها، وعدم تحقق الأمن لمواطنيها بسبب عمليات
المقاومة الفلسطينية والحرب الأخيرة مع حزب الله، وعدم القدرة
المعنوية أو المادية في تحقيق أهدافها التي تريدها، ومشاكلها الخارجية
– المتمثلة بصعود قوي لبعض القوى الممانعة في المنطقة مثل إيران وسوريا
وحزب الله والحركات الإسلامية حولها-، وعدم تحقيق الأهداف الأمريكية في
العراق أو أفغانستان، كل ذلك أثر في الواقع الذي تعيشه إسرائيل، فقد
تحددّت أهدافها وتراجعت من إسرائيل الكبرى إلى البقاء في حدود فلسطين،
بل إلى إقامة جدار عازل تريده ضد الفلسطينيين، ولكنه عازل لها أيضاً.
ثم إن العمق الإستراتيجي الجغرافي الضعيف عند إسرائيل يعني بقاءها في
حالة من الخوف من جيرانها وأنها في مرمى الهدف.
·
على الصعيد العسكري:
تعاني المؤسسة العسكرية الإسرائيلية اليوم من إخفاقات كثيرة في
تحقيق أهدافها ضد محيطها، وتخفق أيضاً في تحقيق الأمن لمواطنيها، وسبب
هذا يعود إلى عدة نقاط:
أولاً:
ضعف الوازع القتالي عند الجندي الإسرائيلي موازنة مع ما كانت عليه
الأحوال في العصابات اليهودية عند نشوء إسرائيل وحروبها القديمة.
ثانياً:
نمو حركات المقاومة وقوّتها العقدية والعسكرية ضد إسرائيل، مما يعني
وضع حدّ وإرباك للقوة العسكرية الإسرائيلية التي كان يُعتقد بقوّتها
وردها وأنها الجيش الذي لا يهزم.
ثالثاً:
بدء الحديث إسرائيلياً بأن المؤسسة العسكرية تستنفد الاقتصاد
الإسرائيلي دون الوصول إلى الأهداف المرجوّة.
رابعاً:
بدء استقرار النظام السياسي الإسرائيلي، وقدرة المؤسسات السياسية على
استيعاب العسكريين بعد إنهائهم للخدمة.
خامساً:
فشل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في حل المسائل عسكرياً، سواء ضد
حركات المقاومة الفلسطينية، أو ضد حزب الله، مما يعني اللجوء إلى
السياسة أكثر من الحلول العسكرية.
·
على الصعيد الاقتصادي:
إن الاعتماد في إسرائيل على الدعم الأمريكي وغيره قد ساعد في
إبقاء اقتصاد إسرائيل الأساسي ضعيفاً وغير متطور، بالإضافة إلى عدم
تحقيق نجاحات اقتصادية متوقعة مع الدول المجاورة التي عملت معها
إسرائيل عقودا اقتصادية، لا سيما بعد النجاح في مقاومة التطبيع من قبل
مؤسسات المجتمع المدني في مصر مثلاً أو الأردن أو بعض دول الخليج أو
تركيا.
إن أي حرب خاضتها إسرائيل، أو أي مقاومة أو انتفاضة فلسطينية داخلية قد
سببت ضربة اقتصادية لإسرائيل، مما يعني أن أي عمل عسكري من إسرائيل أو ضدها
يوصل إلى مشاكل اقتصادية كبيرة، وربما إلى انهيار في كثير من الجوانب
الاقتصادية، مثل السياحة، أو الصناعة التي تعتمد في كثير من الأحيان على
أيد عاملة فلسطينية.
·
على الصعيد الاجتماعي:
ما زالت إسرائيل تعيش واقعاً اجتماعياً وديموغرافيا حرجاً،
فالتناقضات الثقافية والفكرية بين أطراف المجتمع الإسرائيلي على
أشدّها، ومسألة الهجرة من إسرائيل بدأت تشكل حجر زاوية في المعادلة
الديموغرافية، وبقاء العرب في داخلها مع تزايد في النسبة يعني هاجساً
ديموغرافياً آخر. هذه الأمور وغيرها عوامل مؤثرة في كيان إسرائيل
سلباً، مما يعني الضعف والخوف على المستقبل.
·
على الصعيد الدولي:
من العوامل المؤثرة سلباً في واقع إسرائيل ومستقبلها في
علاقاتها الإقليمية والدولية:
·
عدم نجاح التطبيع مع كثير من دول المنطقة ودول العالم أيضاً.
·
بروز تيارات وطنية عربية وإسلامية رافضة للمشروع الصهيوني، وامتداد هذه
التيارات في الشارع العربي والإسلامي بكثافة.
·
دعوة كثير من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب في أوروبا وأمريكا إلى
مقاطعة إسرائيل سياسياً واقتصادياً.
·
رفض إسرائيل لأي تسوية حقيقية مع الفلسطينيين، وأنها لا تريد السلام،
مما يعني التشكيك بنواياها الحقيقية والخوف من أهدافها.
·
بروز قوى إقليمية تحدّ من قوة تل أبيب، وتقف أمامها.
·
عدم نجاح أمريكا في الوصول إلى أهدافها في العراق وغيرها أدى إلى
وضع إسرائيل في موقف ضعيف.
المحور الرابع: (الدور العربي والفلسطيني الممكن لدفع التحولات
إيجابياً نحو القضية
الفلسطينية، وضد إسرائيل)
إن حالة مثل هذه تعيشها إسرائيل مدعاة للاستغلال والاستفادة والبدء بفعل
يُنهي هذا الصراع، ويوجد للقضية الفلسطينية حلاً نهائياً، سواء كان ذلك من
جانب العرب والمسلمين عامة أو من جانب الفلسطينيين خاصة. ويكون هذا على
كافة الصعد.
فإذا كانت إسرائيل اليوم تتراجع وتعاني من أزمات سياسية واقتصادية
واجتماعية وعلاقات مع كثير من الدول، فإن هذا يعني أن يقف العرب في مقابل
ذلك نحو التقدم سياسياً واقتصادياً وعلاقات مع دول العالم لفرض الرؤية
العربية تجاه القضية الفلسطينية.
وإذا كانت إسرائيل اليوم مصممة على رفض مبادرات السلام– حتى العربية منها–
فإن المُضي في طريق التسوية يعني عدم الوصول إلى الأهداف؛ لأنه ركض وراء
سراب تضعه إسرائيل لكسب الوقت وتصفية القضية لصالحها.
إن عدم نجاح المشاريع الأمريكية الصهيونية في المنطقة يعزّز من فرص تغيير
الواقع نحو مزيد من تقوية الموقف العربي تجاه قضاياه، وإضعاف إسرائيل على
كافة الصعد، ولذلك على العرب أن يستفيدوا من هذا الواقع.
عندما تعيش إسرائيل واقعاً اجتماعياً أو سياسياً سيئاً يضعفها فإن على
الجانب المقابل– العرب والفلسطينيين– أن يعمل على عكس ذلك بتقوية العلاقة
مع الشعوب، وبناء سياسة قوية تقوم على معتقداته وتاريخه ليشكل بذلك قوّة
أمام عدوّه الإسرائيلي.
إن الوصول إلى حالة من التوافق بين حركات المجتمع الفلسطيني وقواه الممانعة
للمشروع يعني المضي في الطريق الصحيح نحو دولة فلسطينية لها كيانها، ونحو
وقف لإسرائيل وعدوانها.
إذا كانت مقوّمات الكيان الصهيوني قد ارتبطت– بداية– بالدعم السياسي المالي
الخارجي فإن عناصر انهيارها تحمل العناصر الخارجية ذاتها، إضافة إلى أهمية
دور المقاومة في ردع هذا الكيان وتحقيق إنجازات للقضية الفلسطينية.
استطاعت إسرائيل بالتكيف والتحرك وتوظيف كل الأدوات والوسائل أن تحقق
كثيراً من الأهداف لا سيما في مجالات علاقاتها الدولية، ومن هنا فإن
العرب مطالبون بفتح مجالات التعاون والاتفاق بينهم، بالإضافة إلى تقوية
العلاقات مع دول وقوى عالمية مثل روسيا والصين وأوروبا– لا سيما
ألمانيا وفرنسا- للوصول إلى تقوية الموقف العربي تجاه إسرائيل.
وفي هذا الأمر أيضاً تسعى إسرائيل دوماً إلى حل مشاكلها عبر الطرق
العسكرية، وقد أوجدت نجاحات كثيرة جرّاء هذا الأسلوب، وفي المقابل يسعى
معظم العرب والفلسطينيين إلى أسلوب مغاير للأسلوب العسكري، مما أوجد
إخفاقات عربية كثيرة، ولكنهم عندما استخدموا القوة في حروبهم، أو في
انتفاضتهم ضد إسرائيل حققوا نجاحات أكثر من نجاحات إسرائيل، وهذا يعني أن
يبقى الخيار العسكري مطروحاً عربياً أو فلسطينياً للحصول على الحقوق.
المحور الخامس: (السيناريوهات المتوقعة وإمكانات تحققها حتى عام 2015م)
السيناريو الأول:
ضعف إسرائيل وتراجعها وتقدم العرب والمسلمين.
السيناريو الثاني:
قوّة إسرائيل وفرضها على الإقليم مقابل تراجع العرب والمسلمين.
السيناريو الثالث:
وجود حراك إقليمي على كافة الصعد دون تغيير جوهري في الصراع.
·
إمكانات التحقق:
السيناريو الأول:
ضعف إسرائيل وتراجعها وتقدم العرب والمسلمين.
تمر إسرائيل اليوم في أصعب لحظات كيانها لما تعانيه من أزمات داخلية
وخارجية، ولما آلت إليه الحالة الأمريكية الداعمة لإسرائيل في المنطقة،
والأحوال مرشّحة لمزيد من الأزمات والإخفاقات إسرائيلياً وأمريكياً، سواء
على المستوى السياسي أو العسكري، بل إنها تبتعد قليلاً قليلاً عن أهداف
الحركة الصهيونية التي أوجدتها وسعت إلى فرضها في العالم.
وفي المقابل تقوى الحالة العربية والإسلامية في فلسطين وفي خارجها، فقد
استطاعت المقاومة الفلسطينية واللبنانية إحراج إسرائيل سياسياً وعسكرياً،
وما زالت، وأقنعت كل العالم وكل المفاوضين بأن الوصول إلى تحقيق الأهداف
والضغط على إسرائيل لفرض أمر واقع عليها هو بالمقاومة وليس بالسلام، إذ إن
إسرائيل لا تريد السلام، بل تسعى إلى تقويض أي فرصة له.
والحال في حركات المقاومة مثلها في محيط إسرائيل الخارجي سواء على مستوى
بعض الأنظمة، أو على مستوى حركات الشعوب، فقد بدأ يصعد نجم إيران وسوريا
دولتين ممانعتين للكيان الصهيوني في المنطقة، وقد بدأت الأحزاب في معظم
أقطار العرب- وخصوصاً الأحزاب الإسلامية– تأخذ موقعاً سياسياً واجتماعياً
مؤثراً بشكل كبير في المنطقة، مثل الإخوان المسلمين في مصر، والحركة
الإسلامية في الأردن، وحزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان.
ولذلك يرى هذا السيناريو مزيدا من التراجع الإسرائيلي حتى 2015م، ومزيدا من
التقدم السياسي أو العسكري في بعض الجانب العربي الإسلامي.
السيناريو الثاني:
قوّة إسرائيل وفرضها على الإقليم مقابل تراجع العرب والمسلمين.
نظراً للدعم الذي تلقاه أسرائيل من أمريكا وكثير من دول العالم سواء على
الصعيد السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، ونظراً لضعف العرب والفلسطينيين
في التوحد حول موقف يدعم قضيتهم، وكذلك سيطرة أمريكا على المنابع السياسية
الاقتصادية عند الأنظمة العربية وفرض رؤى أمريكية إسرائيلية عليها، كل هذا
يساعد على تحقق هذا السيناريو بأن تقوى إسرائيل وتكون الرائدة في المنطقة،
إن لم تتربع على عرش قيادة الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى أمريكا لفرضه على
المنطقة بكل ما أوتيت من قوة ذاتية أو مساعدة من أنظمة المنطقة نفسها.
إن
هذا السيناريو محتمل لما تعيشه المنطقة الآن من فرض أجندة أمريكية، في
تقسيمها وتشتيتها، وعدم السماح لأي نوع من أنواع الوحدة الميدانية أو
السياسية في الأرض العربية أن تتحقق، أو عدم السماح بنشر ديموقراطية حقيقية
تصل فيها القوى الممانعة لأمريكا وإسرائيل إلى السلطة في أي بلد عربي، حتى
لو كانت مواجهة ذلك عبر القمع والقتل والفوضى الخلاّقة.
السيناريو
الثالث:
وجود حراك إقليمي على كافة الصعد دون تغيير جوهري في الصراع.
من
المحتمل أن تبقى الأمور على ما هي عليه جوهرياً في الصراع العربي
الإسرائيلي مع وجود حراك سياسي أو عسكري، فقد تعمل إسرائيل على خلق حرب مع
سوريا مثلاً دون نتيجة على الأرض سياسياً أو عسكرياً.
وقد
تبقى المفاوضات قائمة بين إسرائيل والمفاوضين العرب والفلسطينيين، ولكن مع
مماطلة من الجانب الإسرائيلي لكسب مزيد من الوقت، وجود حراك إقليمي على
كافة الصعد دون تغيير جوهري في الصراع.ودون إعطاء الفلسطينيين أي شيء
جوهري.
ولكن
هذا السيناريو يواجه تحديات كبيرة لما تشهده المنطقة كلها من تحرّكات
وصراعات مرشحة للانفجار في أي لحظة ودون مرور وقت طويل حتى يحدث أي تغيير.