برنامج الحفل قاعات جبري للاحتفالات (السبت 12/3/2011)
****************************************************************************** كلمة الأستاذ جواد الحمد – مدير المركز
أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة، الأساتذة والخبراء، الزملاء الكرام يسعدني في هذا المساء أن أعبر عن سعادتي الغامرة بالتئام جمعكمم هذا، معبرين عن وحدة البلاد ومفكريها، ومعبرين عن احتفائكم ببلوغ مركزكم مركز دراسات الشرق الأوسط عامه العشرين، ومؤكدين على ثقتكم به وبإنجازاته، وبرغم أنني أشعر في كل عام بنفس العشور، غير أنني في هذا العام، ونحن نبلغ العشرين من العمر كمؤسسة فكرية وطنية وعقل مفكر وصرح للبحث العلمي والتفكير الاستراتيجي والمستقبلي، أنظر سريعا إلى المسيرة على أنها كانت مليئة بالعطاء من كل منكم ومن كثير من زملائكم من أبناء الأردن والأمة العربية، وأنها كانمت مليئة بمحطات انعطاف كان للمركز دوما دوره الأساسي في تقدير الموقف ورسم مسارات المستقبل ودراسات السيناريوهات المتوقعة للأحداث وتطوراتها، كما كان دوما يطرح سياسات مقترحة للتعامل معها، فمنذ انطلاقته عام 1991 وهو يعالج الانقسام الكبير الذي أصاب الأمة العربية، في حرب الخليج الثانية التي نجمت عن احتلال العراق للكويت، وما تلاها من تدخل أجنبي لا زلنا نعاني من أثاره السلبية حتى اليوم، وما تلا ذلك من محاولة دولية أمريكية جادة لتصفية القضية الفلسطينية عبر عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي توجت مراحلها بتوقيع اتفاقي أوسلو ووادي عربة وتفاصيلهما، وما كان لهما من آثار مدمرة كذلك على القضية الفلسطينية وعلى الأمن القومي العربي، وبل والأمن الفكري والسياسي والقطري لمجموع الأمة العربية. وبتكامل مع المراقبة والدراسات السياسية للتحولات، وقلبها القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي، تناول المركز القضايا الاقتصادية التي أصابت المنطقة، بدءا من برامج الخصخصة وعضوية منظمة التجارة الدولية، ومرورا بالعولمة، ثم الاستثمارات الأجنبية، وفي عام 2009 تابع المركز بقوة ومثابرة، وجمع الخبراء للبحث في كيفية التعامل مع الأزمة المالية الدولية في العالم وانعكاساتها على الوطن العربي. وعلى الصعيد الاستراتيجي، فقد تابع باهتمام الانعكاسات الاستراتيجية لعمليات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتوقيع اتفاقات سياسية وأمنية معه، وكذلك تابع التحولات داخل الكيان الإسرائيلي واتجاهاتها المستقبلية، الاقتصادية منها والسياسية والأمنية والاجتماعية، وتابع ببالغ الاهتمام الاختراقات التي نالت الأمن القومي العربي عبر البحر الأحمر ونبه الدول العربية المشاطئة له، من خلال الندوة التي عقدها سابقا، وتابعتها قيادات العالم بطريقة مباشرة وغير مباشرة كما علمنا لاحقا، وقدم رؤيته المستقبلية لكيفية حفظ الأمن القومي العربي وحماية البحر الأحمر بوصفه بحيرة عربية وفق القانون الدولي. وفي ظل تراجع الاهتمام الفلسطيني والدولي بحق عودة اللاجئين والركون على عملية سلام عقيمة عبر أوسلو ووادي عربة، في الوقت الذي أنجزت فيه المقاومة اللبنانية تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، حيث عقد المركز ندوة- صدرت لاحقا في كتاب- في بيروت بالتعاون مع مركز لبناني بعد يوم واحد من الانسحاب الإسرائيلي، وقدم رؤيته لهذا التحول، وعقد المركز مؤتمرا نوعيا يعد الأول من نوعه في العالم لبحث قضية الشتات واللاجئين الفلسطينيين في 13/9/2000، وقدم رؤية استراتيجية جديدة لمتابعة تطبيق حق العودة، والوقوف في وجه إلغائه، وساهمت هذه الرؤية في بلورة وقائع وتصورات لاحقة وفق متابعتنا، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية عام 2000، وبعد أسبوعين من انعقاد هذا المؤتمر، عكف المركز على دراسة المتغير وتداعياته والأطراف المعنية به، وقدم رؤاه المتعددة لكيفية استثمار الانتفاضة وتوقعات حراكها الذي قدم للقضية وللأمة خدمة استراتيجية غير مسبوقة. وبعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 ، وفي ظل الجنون الذي تبنته الإدارة الأمريكية وإعلانها لما سمي بالحرب على "الإرهاب" وحشدت فيها رغبة ورهبة الكثير من الحكومات العربية والإسلامية، بل والسلطة الوطنية الفلسطينيية، فقد اهتم المركز بتناول الجوانب التشريعية والقانونية والسياسية لانعكاسات هذه السياسة، وما تجره على العالم من أزمات عانى من كثير منها ولا يزال، والتي يمثل احتلال أفغانستان وتدميره، واحتلال العراق وتدميره، أحد أبرز إنجازاتها، وما تسبب ذلك من خلل كبير في الوضع الاستراتيجي للأمة العربية والإسلامية، ولكن الفشل الذريع الذي منيت به الإدارة الأمريكية في تحقيق مراميها ببناء شرق أوسط جديد يتبع لتوجهاتها وسياساتها ويحارب نفسه، فقد قدم الكثير العديد من الدراسات والندوات وحلقات النقاش لتناول مختلف جوانب هاذا التحول الكبير، وكان قمتها مؤتمره الكبير في نوفمبر عام 2005 حول سيناريوهات الصراع العربي- الإسرائيلي حتى عام 2015، والذي قدم رؤية وتوصيات واستراتيجيات للأمة تعينها على تحقيق هزيمة المشروع الصهيوني وإضعاف الهيمنة الدولية، وقد استشعر عدد من الزملاء واقعية التوجهات فيما لم يؤيد البعض مثلها، وخاصة من السياسيين العرب الذي قابلناهم لتسليمهم نسخة الرؤية الاستراتيجية وهم يستخدمون مقاييس لم تعد قائمة يومها، وها نحن اليوم بعد خمس سنوات فقط، بل وبعيدها بأشهر شهدنا انعطافات التحول بفوز قائمة المقاومة في الانتخابات الفلسطينية لعام 2006، كمتغير يخدم مشروع الأمة في التحرير والنهضة، ولذلك أصدر المركز الكثير من الدراسات المتعلقة بهذ المتغير، وعقد الكثير من الندوات وحلقات النقاش للمساهمة في رسم خطى المستقبل بما يحقق مصالح الأمة وينهي العدوان الصهيوني عليها، وفي ظل الانقسام العربي بين معتدلين ومتطرفين وفق رؤية الإدارة الأمريكية وما تبناه العرب بعد ذلك، وإدراكا لمخاطر تنامي المقاومة في لبنان على حدود فلسطين الشمالية وسيطرتها على القرار السياسي للسلطة وإدارته في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد قامت إسرائيل بشن حرب على لبنان عرفت بحرب تموز 2006، وتمكنت المقاومة من هزيمتها فيها هزيمة نكراء لا تزال آثارها على جيشها حتى اليوم. وبرغم الوقوع الفلسطيني في فخ الاحتراب الداخي، وبرغم محاولات المركز إلى جانب الكثيرين الإسهام ببلورة رؤية وطنية فلسطينية وعربية لحماية القضية والمقاومة، غير أن تصاعد التوتر بين الطرفين وبتدخل أمريكي سافر وحضور إسرائيل متواصل، لم يتمكن الطرفان الفلسطينيان من التوصل إلى وضع مستقر تسبب بانقسام تعاني منه القضية أيما معاناة، ولم تنجح علمية المفاوضات مع إسرائيل بتحقيق أي شيئ يخفف من حدة هذا الانقسام، في ظل ذلك شنت إسرائيل حربا ضروسا على قطاع غزوة لإسقاط المقاومة وهزيمتها، لكن إسرائيل لم تتمكن فيها من تحقيق نصر عسكري، بل بادرت إلى إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، وسحبت قواتها التي كانت قد اجتاحت القطاع، فيما اعتبر الهزيمة الثانية لإسرائيل في عامين، وهو ما تسبب بعملية تقهقر نفسية وأمنية للجيش الإسرائيلي، وقدم المركز كذلك كثيرا من الرؤى والدراسات والندوات لهذا الموضوع بجوانبه المختلفة. واستشعارا لغياب مشروع سياسي وبرنامج ورؤية سياسية موحدة للأمة فقد دعا المركز إلى مؤتمر كبير في عام 2009 للبحث في طبيعة مشاريع التغيير الجارية في المنطقة، المعادية منها والمقاومة للعدو الخارجي، وشارك فيه طيف متكامل من المجتمع العربي، وتوصل إلى رؤية استراتيجية لطبيعة مشاريع التغيير ومخاطرها وكيفية التعامل معها، حيث تبين بوضوح الحاجة الماسة إلى مشروع عربي موحد ببعديه القومي والإسلامي للتعامل مع هذه المشاريع وحماية الأمة من أخطارها، ووزع رؤيته ونشرها وأوصلها إلى مئات الأيدي من صناع القرار الشعبي والرسمي في العالم العربي. وبرغم هذه الأحداث الجسام لم يتوقف المركز عن متابعة الشأن المحلي الأردني في كافة المجالات: الديمقراطية والإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، ورسم مستقبل الدور الإقليمي للأردن، وعلاقات الحكومة الأردنية مع الحركة الإسلامية وحركة حماس الفلسطينية، ومشاكل التنمية الاجتماعية والسياسية في البلاد، وغيرها من المفردات والتفاصيل التي تصب في مصلحة خدمة البلاد وتطويرها، ودفعها إلى الأمام، حيث أسهم المركز بوضوح في بلورة توجهات شعبية وسياسية واقتصادية حكومية وغيرها، ولذلك فقد كان المركز دوما في قلب المتغيرات المحلية والفلسطينية والإسرائيلية والعربية والدولية التي تهم بلادنا، وكان له إسهامه في ذلك، وقدم الأدبيات العلمية الرصينة التي تصلح للاستناد إليها. وحقق المركز قفزات نوعية في إدارته الداخلية وتشكيلاته الهيكلية، الفنية منها والإدارية في ظل كل هذه العمليات والأنشطة والتفكير المستمر، وبانفتاح على العالم وعلى مكونات المجتمع المحلي والعربي المختلفة، ودون أخذ مواقف سلبية من أي شخص أو جهة أو دولة بسبب تنباين رؤيتها عما يتوصل إليه المركز من رؤى بمشاركتكم ومساهماتكم. واليوم ونحن نحتفل بالذكرى العشرين لإنشاء المركز وقد أصدرنا عشرات الأبحاث والمطبوعات، وعقد عشرات الندوات والمؤتمرات، وكتبنا عشرات الرؤى والتحليلات، فإننا نعيش اليوم في جو عاصفة التغيير الشامل والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي كله. ويقف المركز كذلك، وكما كان دوما، في موقع المراقب والراصد والدراس للمتغيرات التفصيلية والعامة التي تتضمنها عمليات التغيير الجارية، فهي ثورة فكرية كما هي ثورة على الظلم والاستبداد، ويبدو أن عاصفة التغيير قد حكمت المسار بأن من يكون في قلبها ينال الأمن والأمان، وأن من يقف في طريقها فليس له مستقبل، وقد عقدنا لذلك، وبشكل سريع جدا، ندوة تبحث التحولات واتجاهاتها، للإسهام في ترشيد الرأي ورسم المستقبل، وسنقوم بعدد آخر منها لاحقا. كما يعد المركز لعدد من الإصدارات التي تشرح وتحلل وتستشرف المستقبل، خلال هذا العام بوصفه عام التغيير، وذلك بتغيير لغة الخطاب وتغيير مقاييس التقييم والتحليل والبحث في قراءة المستقبل وتفهمه، وهو ما سيكون لكل منكم إسهامه الممميز منذ اليوم. الحفل الكريم وبرغم الجراح والشهداء الذين يتساقطون في أنحاء الوطن العربي دفاعا عن الحرية والكرامة وابتغاء التصحيح والتغيير، غير أن أمثالكم من المفكرين والباحثين يجب أن يتعمقوا في النظر إلى كُنْه وحقيقة المتغيرات وليس إلى ظواهرها، وأن يدرسوا بجد هل دخلت الأمة اليوم عصر الاستقلال والتحرر الحقيقي والحرية والعدالة والديموقراطية؟ وكيف يمكن أن تحافظ على هذه الاندفاعة بعيدا عن تدخل قوى الشد العكسي أو القوى الأجنبية وحلفائها وعملائها، وهل بالفعل ما تقوم بعض الحكومات من إصلاحات شكلية أو تعهدات بالإصلاح يمكن أن يعيق عملية التغيير.! وما هي الرؤية المناسبة لمن يرى أن يكون جزءا من عملية التغيير والتغيير الإيجابي من النخب الحاكمة والسياسية، وأعتقد أن هذه مسئولية كبيرة تقع على عاتقنا نحن معشر من ندعي أننا المثقفون والباحثون والخبراء في هذه الأمة العظيمة والشعب العظيم. حفظ الله الأمة، وحفظ الله الأردن وشعبه آمنا مستقرا، وهدى الله نخبه إلى تبني التحول والتغيير الجماعي بعيدا عن الخلاف والاختلاف، جزئيا وشكليا، وهدى الجميع إلى مقاييس جديدة ومقاربات جديدة وأفكار جددية تحقق النماء والتنمية والإصلاح والتغيير لنكون سندا للأمة بمشروعها الجديد وبفكرها الجديد وبصورتها الجديدة قبل نهاية العام 2011. مرحبا بكم، وحياكم الله وإلى مزيد من البذل العطاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
****************************************************************************** كلمة مجالس المركز/ د. محمد خير مامسر
في كلمة مجالس المركز تحدث ممثل مجلس الأمناء الدكتور محمد خير مامسر/ العين ووزير التنمية الاجتماعية الأسبق عن مسيرة المركز خلال سنواته العشرين، حيث أثنى على هذه المسيرة العلمي البحثية الرائدة في وطننا العربي، وذكر إنجازات المركز العلمية والبحثية، مؤكداً على حرص المركز لتقديم أعماله وفعالياته وفق المنهجية العلمية في الدراسات والأبحاث، والإدارة الناجحة لها. كما أشار مامسر في كلمته إلى حجم الأعمال التي أنجزها المركز، سواء على صعيد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش، أو على صعيد الإصدارات والدراسات والنشرات، وكذلك التقارير التي يترجمها المركز من العبرية ليرصد من خلالها الحراك السياسي والاستراتيجي في إسرائيل، حيث أصدر المركز أكثر من 1430 نشرة يومية في ذلك، من خلال رصده لعدد من الإذاعات ومحطات التلفزة الإسرائيلية، وأكثر من 367 تقريراً أسبوعياً، إضافةً إلى جهده في تبني مشروع جائزة البحث العلمي لطلبة الجامعات الأردنية، والتي تستمر في دورتها الثالثة عشرة في هذا العام 2011، مشيراً إلى دورها في رعاية أبناء الجامعات الأردنية وتوجيههم نحو البحث العلمي. وفي ختام قوله أثنى مامسر على المركز بإدارته وفريق عمله، وتمنى للمركز دوام التقدم، داعياً نفسه والحضور إلى دعم مسيرته لتحقيق مصالح مجتمعنا ووطننا وأمتنا. ****************************************************************************** كلمة الداعمين الرئيسيين/ الأُستاذ سالم البرقان رئيس مجلس إدارة البنك العربي الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة، الحضورَ الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، إن مما لا شك فيه أن البحث العلمي والتطور المعرفي من أهم روافد تقدم الأمم والحضارات، بل إن الأمم التي لا تولي البحث العلمي مكانته التي يستحق تعد من الأمم المتخلفة حضاريا ومعرفيا، ولقد مرت على الأمة الإسلامية عصور كان فيها البحث العلمي والتأليف والترجمة عنوان التقدم والحضارة، وهي تعاني ما تعانيه اليوم من تراجع حضاري وتخلف مادي بسبب الإعراض صفحا عن البحث العلمي وإهمال البناء المعرفي الحقيقي. إن الأمم التي تحفل بالبحث العلمي وتهتم بالدراسات والإحصائيات تصل لمستوى ينعكس فيها البحث العلمي على منهج حياة المجتمع كله أو أغلبه؛ فتجد أحاديث أفراده تعتمد التوثيق والمرجعية، ولا تلتفت إلى إحصائيات هلامية أو أخبار مكذوبة.. وإننا نرنو إلى اليوم الذي نرى فيه دائرة أبحاث ودراسات في كل مؤسسة مصرفية إسلامية، بل في كل مؤسسة عامة أو خاصة، بل ونتطلع الى اليوم الذي نرى أثر تدريس مادة البحث العلمي في المدارس والجامعات على الواقع العملي للحياه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في الأردن. السادة الحضور وفي مجال الاقتصاد الإسلامي عامة والمصرفية الإسلامية خاصة فإن الخطوات الهامة التي خطاها هذا العلم كانت نتاجا ملحوظا للبحث العلمي المتمثل في الرسائل الجامعية والمؤتمرات العلمية وورشات العمل، والبحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي- وإن كان لم يصل المستوى المأمول- إلا أنه اليوم يشكل رافدا مهما في استحداث المنتجات ومواكبة العصر. إن ما يقدمه مركز دراسات الشرق الأوسط من خدمات بحثية رصينة ودراسات عميقة يعد خطوة على طريق استئناف تقدم حضاري عنوانه البحث العلمي والابتكار، وما جائزة البحث العلمي لطلبة الجامعات إلا دليل واضح على الاهتمام ببناء جيل متعلم يعتمد البحث العلمي والدراسات عنوان تقدمه المعرفي. أيها الحضور الكرام ولقد كانت رسالة البنك العربي الإسلامي الدولي وما زالت داعمة وراعية للعلم وأهله، ومستمرة في أداء دوره الفاعل في تنمية المجتمع المحلي من خلال دعم الفعاليات والأنشطة التي تنمي وتعزز المهارات البحثية لدى طلبة الجامعات في كافة التخصصات العلمية، فقد أخذنا على أنفسنا عهداً في بذل أقصى الجهد في تحفيز أداء أبنائنا الطلبة على مواصلة البحث العلمي في مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية لاكتشاف الطاقات المبدعه وتوظيفها واستثمارها بما يخدم وطننا وأمتنا. من هنا جاءت رعاية البنك العربي الإسلامي لجائزة البحث العلمي التي أطلقها مركز دراسات الشرق الأوسط منذ عام 1998 التزاما من البنك برسالته المشجعة للبحث العلمي والدراسات والأبحاث. ونحن نأمل أن يصل التنسيق بين البنك والمركز مستوى تكون فيه الأبحاث الفائزة والمشاركة في المسابقة مفيدة للبنك العربي الإسلامي خاصة وللمصرفية الإسلامية عامة، بما ينعكس على أداء المصارف الإسلامية وجودة خدمتها. ومن الخطط المستقبلية للبنك في دعمه البحث العلمي دراسة تبني الطلبة المتفوقين في دراسات الاقتصاد الإسلامي، وإنشاء مجلة متخصصة في الاقتصاد الإسلامي، ودعم نشر الرسائل الجامعية والكتب المهمة في الاقتصاد الإسلامي. اسمحو لي في النهاية أن أتقدم بالشكر الجزيل لمركز دراسات الشرق الأوسط لاستضافته لنا في هذا الحفل الكريم، وأن أشكر لكم هذا الجهد الطيب في ترسيخ المنهجية العلمية في البحث العلمي ونشر الأبحاث والدراسات، لكم ولكل القائمين على هذه الجائزة، وأرجو لها التقدم والحصول على الاهتمام والعناية التي تستحق.. شاكراً لكم حسن استماعكم وأرجو الله أن يحفظكم ويحفظ أردننا الغالي تحت ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه. وفقكم الله ورعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ****************************************************************************** د. وليد عبد الحي /أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليروك
الثورات الشعبية والسياسية في الوطن العربي وانعكاساتها المستقبلية في الدراسة التي أنجزتها في نهاية عام 2009 حول مستقبل المكانة الإقليمية لإيران عام 2020 ونشرها أحد مراكز الدراسات الجزائرية كتب ما يلي في صفحة 480 من الدراسة ما نصه حرفياً (على أساس أنني في عام 2020) "ونظراً لتغير القيادة السياسية في مصر وما تلاها من اضطرابات واسعة بعد عام 2011، أكدت إيران وقوفها ضد المحاولات الخاريجة لا سيما من بعض الدول الغربية للتأثير على استقلال مصر، لا سيما مع اختلال موازين القوى السياسية الداخلية في مصر لصالح التيارات المناهضة للسياسة الأمريكية". ستسعى المحاضرة لتناول النقاط التالية: أولاً: السمات العامة للثورات العربية المعاصرة 1. طغيان الشعار الداخلي وغياب الشعارات الخاصة بالقضايا الخارجية، إذ يلاحظ أن الشعارات التي رددها أو كتبها الثوار في المدن التونسية أو المصرية أو اليمنية أو البحرنية أو غيرها طغى عليها الشأن الداخلي، وهو ما يدفع للتساؤل: هل ذلك دليل على ذكاء من الثوار لضمان تأييد دولي وعدم إثارة الدول الأجنبية لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا وتسهيل المهمة الداخلية، أم أن هناك تحول في الاهتمام الشعبي من الشأن العربي إل الشأن القطري؟ والملاحظ أن القذافي يسعى لقلب هذه المعادلة إذ يركز في خطاباته وأحاديثه على البعد الخارجي (موضوع الهجرة الإفريقية، القاعدة، موضوع أسعار النفط، الاستقرار في البحر المتوسط) كما يحاول آخرون في دول اخرى ذلك. إن المقارنة بين شعارات الثورة الإيرانية عام 1979، وشعارات الثورات في أوروبا الشرقية مع الثورات العربية الآنية كان يشير لبروز البعد الخارجي في شعارات الثورات. إن الاعتقاد بأن هناك انفصال بين القدرة على التغيير الداخلي في غياب حقيقي لتحديد الموقف بشكل حاسم من العلاقة مع القوى المركزية في المجتمع الدولي مثير للقلق. 2. ثورات دون قيادات واضحة، من الصعب تحديد حزب أو حركة سياسية أو شخصية مركزية كقيادة ظاهرة لهذه الثورات، سواء في تونس (رغم نوع من دور نسبي لاتحاد الشغل)، وفي مصر واليمن والبحرين وليبيا، مع تباين في مستوى غياب القيادة من دولة لأخرى، ومشاركة أحزاب وقوى سياسية معروفة سابقا ضمن الطيف. لكن الإصرار من قبل الثوار في تونس على إسقاط بقايا النظام واجتثاث النظام في مصر يشير إلى أن الأمر ليس عشوائياً، وكل ذلك يطرح الاحتمالات التالية: - أن الشارع هو القائد - أن القوى الحزبية تحرك الخيوط من الخلف - يد خفية لا يراد كشفها - كل هذه لكن ذلك لا ينفي أن احتمالات نشوب الخلاف في مرحلة لا حقة يبقي قائماً. 3. التداعي السريع من منطقة لأخرى: إن انتقال الثورة من بلد عربي لآخر بهذه السرعة وبقدر من الايقاع المتشابه يشير إلى ما اعتبره بعض الباحثين الغربيين على أن فكرة العروبة بالمعنى الثقافي والآيديولوجي ما تزال حية، وان انتقال نموذج التغيير الناجح لم ينتقل للجوار غير العربي لا سيما الإفريقي (التشاد أو النيجر أو مالي أو السنغال أو إيران ... إلخ). ويبدو أن المساندة الدولية اللاحقة للمطالب العامة (بقدر ما) لعبت دوراً في إغراء القوى السياسية العربية الراغبة في التغيير إلى الحركة، فقد تراوحت مواقف الدول المركزية في المجتمع الدولي بين التأييد ولو متأخراً أحياناً وبين عدم الاعتراض على حدوث التغيير، غير أن مقارنة هذه المواقف بالموقف من انتخاب حماس، أو التغيير المتمثل في إزاحة الحريري لصالح قوى 8 آذار، يدفع إلى ضرورة التمحيص في الأمر بشكل أقل انفعالاً. 4. تباين مستوى العنف من حالة لأخرى: (مصر وتونس)، والميل لمستوى من الحرب الأهلية، والرغبة في التغيير لسقف لا يشمل النظام، ودول منهكة من حرب أهلية، ودول تمر بصمت. مقابل هذه السمات المربكة للباحث أو المراقب، نجد سماتا أخرى تدل على شمولية هذه الثورات، وهي: 1. اتساع قاعدة المشاركة الشعبية عددا ومساحة: فالثورات امتدت إلى معظم التراب الوطني في أغلب الدول، كما شارك فيها شرائح مختلفة من الطبقات (نجيب سويرس، ونوارة نجم)، والمثقفين (من كل التيارات)، والأديان (مسلمون ومسيحيون)، والمذاهب (السنة والشيعة)، والأعراق (العرب والبربر والأكراد). 2. دور المؤسسة العسكرية لاحق للعمل الثوري وليسا سابقاً: عند المقارنة بين هذه التغييرات التي جرت في الوطن العربي في الخمسينيات والستينيات مع هذه الثورات، نجد أن المؤسسة العسكرية كانت سابقاً تبادر بالحركة وتسعى للتأييد الشعبي، بينما نجد أن هذه الثورات بدأت شعبية تماماً وسعت إلى جذب المؤسسة العسكرية إلى صفها. ويبدو أن النمط الجديد في هذه الثورات يؤسس لنظم أكثر ديمقراطية، نظراً للدور اللاحق للمؤسسة العسكرية، شريطة أن تبقى القوى المدنية يقظة من تجيير الحركة للمؤسسة العسكرية. 3. شمولها لأنماط مختلفة من النظم السياسية (نظم ملكية، ونظم جمهورية، نظم فقيرة اقتصادياً ونظم ثرية، نظم عسكرية ونظم مدنية، نظم مرتبطة بفرنسا ونظم مرتبطة بالولايات المتحدة ونظم يصعب تصنيفها على هذا الأساس)، لعل ذلك يكشف أن الفروق بين الأنظمة السياسية العربية هي فروق شكلية. 4. تضييق الخناق على الأجهزة الأمنية، إذ يبدو أن الحالة التي انتهى لها جهاز الأمن المصري وسجن وزير الداخلية المصري وتوجيه تهمة القتل لوزير الداخلية التونسي، وإعلان وزير الداخلية الليبي عن انضمامه المبكر للثورة رغم قسوة هذا الوزير سابقاً، تشير إلى بدء مرحلة تأسيس قواعد لحرية سياسية وفكرية تتجاوز الآفاق الضيقة للنظرة الأمنية للحياة العربية. ثانياً: التصور الأمريكي والإسرائيلي للثورات تشير الأدبيات السياسية الصهيونية في نظرتها إلى الحركات السياسية العربية إلى نوع من التعالي وطغيان فكرة القصور المجتمعي العربي عن الفعل الإيجابي لدى الفكر الصهيوني، ويمكن اعتبار كتاب العقل العربي، لرفائيل باتاي، المرجع المثالي في هذا الجانب، فهذه الحركات العربية في منظور الفكر الصهيوني ليست إلا حركات إما "إرهابية" أو "رجعية" أو "يسارية متطرفة" أو "ليبرالية" أو "اصوليه اسلامية" يطوقها مجتمع عربي متخلف، وتحركها قوى خارجية (السوفييت في السابق، وإيران في الوقت الراهن)، والمجتمع العربي لا يستطيع أن يكرر نموذج ثورات أوروبا الشرقية نظراً للتباينات العرقية والمذهبية والقبلية. وقد تكون نظرية "ليون فيستنغر" حول عدم الاتساق المعرفي (Cognitive Dissonance) والتي سبق للباحث الإسرائيلي "يهودا بن مائير" أن طبقها على السلوك السياسي الإسرائيلي هي الأكثر قدرة على تفسير الموقف الصهيوني من الثورات العربية المعاصرة. وتقوم نظرية "فيسنغر" على فكرة أساسية هي أن الفرد يميل للتحايل المعرفي إذا تناقض الواقع مع النظرية التي يتبناها، بأن يقوم "بصناعة" تفسير للظاهرة يتسق مع نظريته. وعند نقل هذه النظرية للثورات العربية المعاصرة، نجد أن الفكر الصهيوني من خلال ما كتبه أغلب الباحثين الإسرائيليين في مراكز دراساتهم أو التحليلات الصحفية أو التلفزيونية أو على مواقع الإنترنت كان مستبعداً حدوث الثورات أولاً، ومستبعداً انتشار هذه الثورات ثانياً، ومشيراً إلى أن الحركات الإسلامية وإيران هي التي تقف وراء هذه الحركات مستفيدة من اضطهاد سياي وفقر اقتصادي، بل إن التقرير السنوي لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2010 لم يُشر في أكثر من 300 صفحة لأي مؤشرات على عدم استقرار أية دولة عربية. ومن خلال تتبع ما ينتجه الكتاب الإسرائيليون، تبين بأن تقديرات هؤلاء الباحثين وتقديرات المخابرات الإسرائيلية عند بداية الاضطرابات قامت على فرضية راسخة هي أن النظام المصري قادر على البقاء وتجاوز الأزمة، ويبدو انهم نقلوا هذا التقدير الى الولايات المتحدة التي تحدثت وزيرتها هيلاري كلنتون عن " استقرار النظام المصري" في بداية الأزمة. ويبدو أن الفكر الصهيوني كان أسير صورة رسمها للمظاهرات العربية السابقة وقدرة الانظمة العربية في الغالب على كبحها، دون قراءة عمق التراكمات المتمثلة في التغيرات التي أصابت المجتمع العربي خلال الفترة عام 1973 حتى عام 2011 (وهي إشكالية يبدو أن الكثير من العرب أيضا لم يتمكن من تلمسها بشكل دقيق). وأوغل الفكر الصهيوني في عدم اتساقه المعرفي في المرحلة الثانية من الثورات العربية، إذ توقعت الاستخبارات الاسرائيلية وبعض مراكز الابحاث مع بداية الأزمة أن الجيش المصري سيتولى السلطة ولن يكون هناك تغيير دراماتيكي في السلطة، لكن الجيش بدأ يميل الى مطالب الثورة بعد أن حسمت معركة الشارع، وقد تبين ذلك من ما قاله السفير الاسرائيلي السابق في مصر "زيفي مازل" (Zvi Mazel) في بداية الثورة، إذ رأى "مازل" بأن العالم العربي في "شبه ثورة، وأن المصريين يرجمون القارب لكنهم لن يغرقوه"، أي إن ما يجري هو تغير سطحي، وأن الأمر لن يصل لتغير جذري في بنية السلطة. وعند الانتقال الى المستوى الخارجي لسلوك النظام المصري الجديد بشكل خاص والنظم العربية الجديدة بشكل عام، نجد "بول ريفين" (Paul Rivlin) من مركز موشي ديان للدراسات الشرق أوسطية والافريقية يرى أن أي نظام سياسي جديد في مصر سيكون معني بالوضع الاقتصادي ومتابعة قضايا الفساد أولا قبل العناية بالقضايا السياسية الخارجية على المدى القصير وربما المتوسط، وهو ما يعني أن اسرائيل ستكون قادر ة على استثمار هذه الفترة الفاصلة لصالحها. ويتسق مع هذا التوجه ما نقلته نيويورك تايمز يوم 5 مارس/آذار 2011 عن "أوباما" في حديثه لمتبرعين ديموقراطيين يوم الجمعة 4 مارس حيث قال حرفيا: "All the forces that we see building in Egypt are the forces that should be naturally aligned with us. Should be aligned with Israel." البعد المستقبلي دعونا نضع بعض الاحتمالات: على صعيد سياسة الولايات المتحدة: 1- يبدو أن الولايات المتحدة ترى أن عقد الانتخابات البرلمانية بشكل مبكر سيفتح المجال أمام قوى الثورة للفوز، بينما القوى التي تراهن عليها لم تتبلور، لذا فإن تأخير الانتخابات إلى حين تبلور تيارات علمانية وليبرالية قادرة على تضييق حجم التمثيل للحركات الإسلامية والقومية هو الأنسب. لذا أعتقد أن الولايات المتحدة ستضغط باتجاه تأخير الانتخابات، وقد تساندها بعض القوى المحلية، وهو الأمر الذي بدأت بوادره في الظهور. 2- العمل من خلال شخصيات داخلية لمساومة الحركات الإسلامية بين التخلي عن العداء للسلام مع إسرائيل وبين الإقرار بشرعيتهم ضمن النظم السياسية الجديدة من ناحية، وتقليص الحصار الدولي على علاقات هذه الحركات من ناحية اخرى. 3- يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لتوظيف زخم التحولات الديمقراطية للضغط على الأنظمة المعادية للولايات المتحدة بخاصة إيران وسوريا، أي إن الولايات المتحدة تنظر في كيفية مد موجة التظاهر والتغيير السياسي إلى هذين البلدين تحديدا، على أمل النجاح في تغيير نظاميهما بشكل يؤدي إلى القدر من التوازن مع التغيرات غير المواتية للولايات المتحدة في المنطقة(مصر، تونس، وغيرهما). 4- القلق الأمريكي من أن مصر قد لا تلغي المعاهدة المصرية- الإسرائيلية، ولكنها قد تكون أقل ضغطاً على معسكر الممانعة العربية (سوريا، حماس، حزب الله، إيران). وعلى صعيد سياسة إسرائيـل: 1- ستعمل إسرائيل على التأكيد على أولوية الاستقرار على الديمقراطية في المنطقة العربية، إذ إن الشعوب العربية أفسدت على إسرائيل حجة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. 2- القلق الإسرائيلي أن تنتقل حمى الانتفاضات الشعبية إلى الضفة الغربية في أسوأ احتمال، وإلى قطاع غزة في أحسن احتمال كعامل إضافي للضغط على حماس. 3- ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن وزن الرأي العام في القرار السياسي العربي سيكون أكبر منه في المراحل السابقة، حيث إن التوجه يميل إلى اعتبار الرأي العام المحلي أحد محددات صنع القرار، وحيث إن القرار كان فرديا وأقرب الى وجهة النظر الأمريكية والصهيونية فإن المستقبل يشير إلى تضييق المجال أمام القرار الرسمي العربي المتحرر من الاعتبارات المحلية. على الصعيد العام: 1- يلاحظ أن التغيير في المنطقة العربية ترافق مع ظاهرتين مهمتين هما: a. وجود قوى إقليمية تسعى لتشكيل الشرق الأوسط بعيدا عن أي سند خارجي، وهو ما يتضح في السياستين الإيرانية والتركية، ويمكن للثورات العربية أن تساهم في هذا الجانب إذا استعادت مصر دورها التاريخي، رغم أن الطرف الأمريكي يريد لهذا الدور أن يبقى أسير المنظور الأمريكي، وهو ما عبر عنه أوباما بقوله: "إن جيلاً جديداً قد ظهر، ويمكن لمصر الديمقراطية أن تنهض بدورها في قيادة مسؤولة في الشرق الأوسط". b. إن الولايات المتحدة والأنظمة المحلية هي في أضعف لحظاتها منذ انتهاء الحرب الباردة، الأمر الذي من حق القوى الوطنية التي تقود الثورات التفكير في كيفية انتهاز الفرصة، حيث الولايات المتحدة والأنظمة في أضعف لحظاتها. 2- يبدو أن المدى الزمني القصير سيدفع الأنظمة الجديدة التي هي في طور التشكل للانكفاء الداخلي لفترة معينة لترتيب أوضاعها الداخلية، وتحصين ذاتها من احتمال الردة. ومن المؤكد أن الفترة الانتقالية ستطول وتقصر تبعاً لعمق التغيير من ناحية في كل بلد عربي، وتبعاً لمستوى التطور الاجتماعي في هذه الدول من ناحية ثانية. 3- ثمة هواجس حول مدى قبول العسكر بالتراجع للخنادق في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن. 4- أوروبا ستكون أكثر استعداداً للابتعاد أكثر عن إسرائيل، وسيتناسب ذلك مع استمرار التحول في الرأي العام المحلي الأوروبي من ناحية، وقدرة الطرف العربي على الحفاظ على نجاح الحركة الديمقراطية العربية وعدم الانجرار إلى الخلف. 5- أن استمرار النهج الديمقراطي قد لا يكون لصالح الحركات الإسلامية على المدى المتوسط والبعيد، رغم القدرة لدى هذه الحركات على استثمار ما حدث على المدى القصير.
******************************************************************************
وسط حشد من قادة الرأي والفكر والسياسة الأردنيين مركز دراسات الشرق الأوسط يحتفل بذكرى تأسيسه العشرون احتفل مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن، يوم السبت 12/03/2011، بالذكرى العشرين لتأسيسه، وشارك في الحفل نخبة واسعة من شخصيات المجتمع الأردني السياسي والأكاديمي والإعلامي. افتُتح الحفل بقص شريط المعرض الخاص بأنشطة المركز وإصداراته خلال 20 عاما، وذلك من قبل الأستاذ جميل هلسة/ عضو مجلس إدارة النادي الأرثوذكسي، تصحبه ثلة من كبار الشخصيات الوطنية. ومع بدء فعاليات الحفل رحب الأستاذ جواد الحمد/ مدير عام المركز بالسادة الحضور مشيراً إلى سعادة المركز واعتزازه بتواصلهم المستمر مع المركز، حيث أكد أن المركز لم يكن ليصل إلى مستواه العلمي والفني هذا لولا جهودهم وعطائهم، وركز على دور المركز في رصد القضايا الاقتصادية والاستراتيجية التي أصابت المنطقة وتحليلها، ومحاولة التوصل إلى رؤى واقعية وسيناريوهات مستقبلية تأخذ بيد المراقب للأحداث العربية والعالمية إلى مساحة واسعة من الفهم الواضح والدقيق، وأشار في هذا السياق إلى أن المركز قدم رؤى استراتيجية في عدد من القضايا المطروحة محلياً وعربياً، فقد قدم مثلا رؤية استراتيجية جديدة لمتابعة تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى تقديمه رؤية وتوصيات واستراتيجيات تعين على تحقيق هزيمة المشروع الصهيوني وإضعاف الهيمنة الدولية فيما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي حتى عام 2015، وكان آخر هذه الرؤى الرؤية الاستراتيجية التي قدمها المركز حول طبيعة مشاريع التغيير الفاعلة في المنطقة العربية ومخاطرها، وكيفية التعامل معها. وبين الحمد أنه، وبرغم الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة العربية وشعوبها منذ عقدين من الزمان، إلا أن المركز لم يتوقف عن متابعة الشأن المحلي الأردني في كافة المجالات: الديمقراطية والإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، ووضع ملامح لرسم مستقبل الدور الإقليمي للأردن، وعلاقات الحكومة الأردنية مع الحركة الإسلامية وحركة حماس الفلسطينية، وغيرها من المفردات والتفاصيل التي تصب في مصلحة خدمة الأردن وتطويرها، حيث أسهم المركز بوضوح في بلورة توجهات شعبية وسياسية واقتصادية حكومية وغيرها، وكان المركز دوما في قلب المتغيرات المحلية الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية والعربية والدولية ذات العلاقة بالشأن الأردني المحلي، وكان للمركز إسهاماته في ذلك، وقدم الأدبيات العلمية الرصينة التي تصلح للاستناد إليها. وختم الحمد كلمته بالتأكيد على أن المفكرين والباحثين معنيون بتعميق نظرهم في كُنْه المتغيرات وحقيقتها، وليس إلى ظواهرها، وأن يدرسوا بجد هل دخلت الأمة اليوم عصر الاستقلال والتحرر الحقيقي والحرية والعدالة والديموقراطية؟ وكيف يمكن أن تحافظ على هذه الاندفاعة بعيدا عن تدخل قوى الشد العكسي أو القوى الأجنبية وحلفائها وعملائها، وهل بالفعل ما تقوم بعض الحكومات من إصلاحات شكلية أو تعهدات بالإصلاح يمكن أن يعيق عملية التغيير!. وفي كلمة مجالس المركز تحدث ممثل مجلس الأمناء الدكتور محمد خير مامسر/ العين ووزير التنمية الاجتماعية الأسبق عن مسيرة المركز خلال سنواته العشرين، حيث أثنى على هذه المسيرة العلمي البحثية الرائدة في وطننا العربي، وذكر إنجازات المركز العلمية والبحثية، مؤكداً على حرص المركز لتقديم أعماله وفعالياته وفق المنهجية العلمية في الدراسات والأبحاث، والإدارة الناجحة لها. كما أشار مامسر في كلمته إلى حجم الأعمال التي أنجزها المركز، سواء على صعيد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش، أو على صعيد الإصدارات والدراسات والنشرات، وكذلك التقارير التي يترجمها المركز من العبرية ليرصد من خلالها الحراك السياسي والاستراتيجي في إسرائيل، حيث أصدر المركز أكثر من 1430 نشرة يومية في ذلك، من خلال رصده لعدد من الإذاعات ومحطات التلفزة الإسرائيلية، وأكثر من 367 تقريراً أسبوعياً، إضافةً إلى جهده في تبني مشروع جائزة البحث العلمي لطلبة الجامعات الأردنية، والتي تستمر في دورتها الثالثة عشرة في هذا العام 2011، مشيراً إلى دورها في رعاية أبناء الجامعات الأردنية وتوجيههم نحو البحث العلمي. وفي ختام قوله أثنى مامسر على المركز بإدارته وفريق عمله، وتمنى للمركز دوام التقدم، داعياً نفسه والحضور إلى دعم مسيرته لتحقيق مصالح مجتمعنا ووطننا وأمتنا. كما ألقى الأستاذ سالم برقان/ رئيس مجلس إدارة البنك العربي الإسلامي الدولي كلمة الداعمين الرئيسيين للمركز، والتي أكد فيها على أهمية البحث العلمي والتطور المعرفي كأحد أهم روافد تقدم الأمم والحضارات، إذ إن الأمة الإسلامية كانت عنواناً للتقدم والحضارة عندما كانت عنواناً للعلم والتأليف والترجمة. وعبّر برقان عن حاجة كل مؤسسة عامة أو خاصة إلى دائرة أبحاث نقطف من خلالها ثمرة تعلم أساليب البحث العلمي، وثمَّن ما يقدمه مركز دراسات الشرق الأوسط من خدمات بحثية رصينة ودراسات عميقة، والتي تعد خطوة على طريق استئناف تقدم حضاري عنوانه البحث العلمي والابتكار. وأشاد برقان بدور المركز ببناء جيل متعلم يعتمد البحث العلمي والدراسات عنوان تقدمه المعرفي، وذلك من خلال جائزة البحث العلمي لطلبة الجامعات التي ينظمها المركز بالتعاون مع عدد من الجامعات الأردنية، وبدعم من مؤسسات وجهات أردنية، على رأسها البنك العربي الإسلامي الدولي. وفي سياق الحديث عن دور مؤسسات المجتمع الأردني في دعم البحث العلمي والمهارات البحثية أكد برقان أن رسالة البنك العربي الإسلامي الدولي كانت وما زالت داعمة وراعية للعلم وأهله، ومستمرة في أداء دوره الفاعل في تنمية المجتمع المحلي من خلال دعم الفعاليات والأنشطة التي تنمي وتعزز المهارات البحثية لدى طلبة الجامعات في كافة التخصصات العلمية، وقد أخذ على نفسه عهداً في بذل أقصى الجهد في تحفيز أداء أبنائنا الطلبة على مواصلة البحث العلمي في مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية لاكتشاف الطاقات المبدعه وتوظيفها واستثمارها بما يخدم الوطن والأمة، من هنا جاءت رعاية البنك لجائزة البحث العلمي التي أطلقها المركز منذ عام 1998 التزاما برسالته المشجعة للبحث العلمي والدراسات والأبحاث. وفي ختام كلمته أكد البرقان أن البنك سيستمر في دعمه لهذه الجائزة، كما أعرب عن شكره الجزيل لمركز دراسات الشرق الأوسط وجهوده الدؤوبة في ترسيخ المنهجية العلمية في البحث العلمي ونشر الأبحاث والدراسات. من جهةٍ أخرى، وفي سياق أحداث المنطقة العربية والتحولات غير المسبوقة التي أصابت جذورها قلب الأنظمة العربية، تخلل الحفل محاضرة بعنوان "الثورات الشعبية والسياسية في الوطن العربي وانعكاساتها المستقبلية"، قدمها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك الدكتور وليد عبد الحي. حيث تناول عبد الحي بالقراءة والتحليل ثلاثة محاور رئيسة فيما يخص الثورات العربية المعاصرة: السمات العامة للثورات، والتصور الأمريكي والإسرائيلي لها، وأبعادها المستقبلية. ورأى عبد الحي أن ثَمَّة سمات تدل على شمولية الثورة من حيث اتساع قاعدة المشاركة الشعبية عددا ومساحة، إذ إن الثورات امتدت إلى معظم التراب الوطني في أغلب الدول، كما شاركت فيها شرائح مختلفة من الطبقات والأديان والمذاهب والأعراق، إضافة إلى أنه قد بدا واضحاً أن دور المؤسسة العسكرية كان لاحقاً للعمل الثوري وليس سابقاً، وهذا تماماً عكس التغييرات التي جرت في الوطن العربي في الخمسينيات والستينيات مع هذه الثورات. وفي ذات المحور، عرض عبد الحي لبعض السمات التي تثير تساؤلات مربكة في ذهن المراقب السياسي، وقد كان طغيان الشعار الداخلي وغياب الشعارات الخاصة بالقضايا الخارجية، إضافة إلى صعوبة تحديد قيادات هذه الثورات، أبرز هذه السمات. وكقراءة في التصورات الأمريكية والإسرائيلية للثورات العربية أشار عبد الحي إلى أن الأدبيات السياسية الصهيونية تنظر للحركات السياسية العربية بنوع من التعالي وطغيان فكرة القصور المجتمعي العربي عن الفعل الإيجابي، فنظرة الفكر الصهيوني لهذه الحركات والتحركات العربية ليست إلا على أنها حركات "إرهابية" أو "رجعية" أو "يسارية متطرفة" أو "ليبرالية"، يطوِّقها مجتمع عربي متخلف، وتحركها قوى خارجية. وحول النظريات التي تبنتها إسرائيل فيما يخص الثورات العربية أوضح عبد الحي أن نظرية عدم الاتساق المعرفي، والتي سبق للباحث الإسرائيلي يهودا بن مائير أن طبقها على السلوك السياسي الإسرائيلي، هي الأكثر قدرة على تفسير الموقف الصهيوني من الثورات العربية المعاصرة، وتقوم النظرية على أن الفرد يميل للتحايل المعرفي إذا تناقض الواقع مع النظرية التي يتبناها، بأن يقوم "بصناعة" تفسير للظاهرة يتسق مع نظريته، وعند نقل هذه النظرية للثورات العربية المعاصرة، نجد أن الفكر الصهيوني من خلال ما كتبه أغلب الباحثين الإسرائيليين في مراكز دراساتهم أو التحليلات الصحفية أو التلفزيونية أو على مواقع الإنترنت كان يستبعد حدوث الثورات أولاً، ويستبعد انتشار هذه الثورات ثانياً، ويشير إلى أن الحركات الإسلامية وإيران هي التي تقف وراء هذه الحركات مستفيدة من اضطهاد سياسي وفقر اقتصادي، بل إن التقرير السنوي لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2010 لم يُشر في أكثر من 300 صفحة لأي مؤشر على عدم استقرار أي دولة عربية، ومن خلال التتبع بشكل وثيق لما ينتجه الكتاب الإسرائيليون، يتبين بشكل تام أن تقديرات هؤلاء الباحثين وتقديرات المخابرات الإسرائيلية عند بداية الاضطرابات قامت على فرضية راسخة بأن النظام المصري قادر على البقاء وتجاوز الأزمة، ويبدو أنهم نقلوا هذا التقدير إلى الولايات المتحدة التي تحدثت وزيرة خارجيتها هيلاري كلنيتون عن "استقرار النظام المصري" في بداية الأزمة، ويبدو أن الفكر الصهيوني كان أسير صورة رسمها للمظاهرات العربية السابقة وقدرة الانظمة العربية في الغالب على كبحها. ومن هنا، رأى عبد الحي أنه سيكون هنالك عدة توجهات محتملة أمريكية وإسرائيلية قد تلعب دوراً مهماً في مستقبل الثورات العربية الحالية، فعلى الصعيد الأمريكي رأى عبد الحي أن الولايات المتحدة ترى أن عقد الانتخابات البرلمانية بشكل مبكر سيفتح المجال أمام قوى الثورة للفوز، بينما القوى التي تراهن عليها لم تتبلور، لذا فإن تأخير الانتخابات إلى حين تبلور تيارات علمانية وليبرالية قادرة على تضييق حجم التمثيل للحركات الإسلامية والقومية هو الأنسب، واعتقد أن الولايات المتحدة ستضغط باتجاه تأخير الانتخابات، وقد تساندها بعض القوى المحلية، وهو الأمر الذي بدأت بوادره في الظهور. أما على الصعيد الإسرائيلي فرأى عبد الحي أن إسرائيل ستعمل على التأكيد على أولوية الاستقرار على الديمقراطية في المنطقة العربية، إذ إن الشعوب العربية أفسدت على إسرائيل حجة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. وبعد المحاضرة، تم عرض فيلم وثائقي عن مسيرة المركز في عشرين عاما، واستعرض الفيلم قصة بداية المركز وتأسيسه والمحطات التي مر بها صعوداً وتطورا حتى وصل إلى هذه المرحلة الفنية والإدارية والعلمية. وبعد ذلك تم إشهار كتابين للمركز أولهما "معركة غزة.. تحول استراتيجي في المواجهة مع إسرائيل"، وثانيهما "مستقبل وسيناريوهات الصراع العربي- الإسرائيلي". وانتهى الحفل بتكريم نخبة من الضيوف وزملاء المركز والداعمين الرئيسيين له، حيث تفضل الدكتور عبد الباري دُرة/ رئيس جامعة الشرق الأوسط السابق والأستاذ جواد الحمد مدير المركز، بتقديم الدروع والهدايا لضيف الحفل وللزملاء الأكثر إسهاما في أنشطة المركز لعام 2010، وللجهات الأردنية الداعمة، على إسهامهم المتميز جميعا في دعم أنشطة المركز مادياً ومعنوياً، ثم جرى سحب على أرقام الحضور وتقديم الهدايا التذكارية لمستحقيها. ثم تفضل الدكتور محمد أبو حمور/ وزير المالية بقطع كعكة الحفل لهذا العام، وتصحبه ثلة من الشخصيات الممثلة عن مجالس المركز الاستشارية والعلمية والفنية والزملاء الحاضرين، ودُعي الحضور الكريم بعدها إلى طعام العشاء على شرفهم. ****************************************************************************** |