|
إشكاليات إعداد الموازنات العامة، وعدالة التوزيع
أقام مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن مساء الاثنين الموافق 25/4/2011 في العاصمة الأردنية عمان، محاضرة علمية بعنوان "إشكاليات إعداد الموازنات العامة، وعدالة التوزيع"، قدّمها كل من المهندس أشرف بدر الدين/ عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس الشعب المصري السابق، والدكتور محمد أبو حمور/ وزير المالية الأردني، وأدارها الدكتور خالد أمين عبد الله/ وزير التخطيط الأردني الأسبق، وعميد كلية العلوم المالية والمصرفية في جامعة العلوم المالية والمصرفية. وقد أكدت المحاضرة على أن الدول العربية تواجه تحديات متعددة وإشكاليات كبيرة في إعداد الموازنات العامة وعدالة توزيعها على مجالات الصرف، أهمها الفساد السياسي بغياب الإرادة السياسية في مواجهة الفساد الإداري والمالي الذي ينتشر في معظم مفاصل إدارات الدول العربية، إضافة إلى العجز على استثمار المنح والمساعدات والإيرادات التي تحصل عليها من الخارج. بدأ المهندس بدر الدين بالتعريف بموازنة الدولة العامة التي تعد وثيقة مالية تشمل جميع الإيرادات الحكومية ومصروفاتها خلال سنة مالية، وتعكس التوجهات الرئيسة للسياسة العامة للحكومة، والتي تمر بمراحل: الإعداد، الاعتماد، التنفيذ، التدقيق ومراجعة التنفيذ وإعداد الحساب الختامي. وبيّن أن هناك مبادئ عدة لإعداد أي موازنة: مبدأ سنوية الموازنة، ومبدأ شمولها، ومبدأ شيوعها، ومبدأ وحدتها، ومبدأ توازنها، وهي تقسَّم أو تبوَّب أيضا بحسب التقسيم الوظيفي الذي يقوم على أساس تقسيم عمليات الإنفاق وفقاً للغرض منها؛ إذ يتم تقسيم الإنفاق العام وفقاً للوظائف التى تقوم بها الحكومة، كالدفاع والأمن القومي، والشئون الاقتصادية، وحماية البيئة، والإسكان والمرافق المجتمعية، والصحة والتعليم، وغيرها. أما التقسيم الإداري فيقوم على تحديد الجهة التي تقوم بالإنفاق أو تُحصِّل الإيراد، ولهذا يتم توزيع الإنفاق العام على الجهات الإدارية للدولة (الحكومة المركزية والهيئات التابعة لها والحكومات المحلية ووحدات القطاع العام وغيرها من الجهات التابعة للدولة)، أما التقسيم الاقتصادي فيعتمد على أساس الطبيعة الاقتصادية للمعاملة، أي هل تتم بمقابل أو دون مقابل، وتتم لأغراض جارية أو رأسمالية. وتعرض بدر الدين للأسس المحاسبية فى تسجيل المعاملات: الأساس النقدي، وأساس الاستحقاق، وأساس الاستحقاق المعدل، والأساس النقدى المعدل، ثم عرض للموازنة العامة فى مصر، في إطارها التشريعي والدستوري، فعرَّف الموازنة في الحالة المصرية بأنها "البرنامج المالي للخطة عن سنة مالية مقبلة لتحقيق أهداف محددة، وذلك في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وطبقا للسياسة العامة للدولة"، وتبدأ السنة المالية المصرية من أول تموز/ يوليو وتنتهي في آخر حزيران/ يونيو من كل عام، والوزارات أو الجهات الفاعلة في إعدادها ولها دور فيها هي: وزارتا المالية والتخطيط (ووزارة التنمية الاقتصادية حالياً)، حيث تقوم هذه الجهات بإعداد مشروع الموازنة، وإعداد قوانين ربط الحسابات الختامية، وإصدار تقارير ربع سنوية لمتابعة الأداء المالي. ومن الجهات الفاعلة التي ذكرها بدر الدين في متابعة الموازنة العامة مجلس الشعب الذي يقرر مشروعها، ويجري التعديلات على اعتمادات بعض الجهات، ويقر الاعتمادات المالية الإضافية خلال العام المالي، ويتابع تنفيذ الموازنة ويقر حساباتها الختامية، إضافة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يقوم بالفحص والتدقيق المالي لنتائج تنفيذ موازنات الجهات المختلفة، وإعداد تقارير محاسبية عن نتائج تنفيذ الموازنة والحسابات الختامية تعرض على مجلس الشعب. وبعد هذا تناول المهندس بدر الدين تفصيلا للموازنة المصرية بعد التعديلات التي أدخلها قانون الموازنة الجديد رقم 87 لسنة 2005 على شكل تبويب الموازنة المصرية أو على أسس تسجيل المعاملات المالية بالإضافة إلى عناصر الموازنة، واستعرض مصروفات وإيرادات مشروع الموازنة للعام 2010/2011 مقارنة بالعام 2009/2010، حيث توزعت المصروفات بحسب التالي: - الأجور والتعويضات للعاملين وقدرت نسبة الأجور والتعويضات إلى إجمالي المصروفات بـ 24%، وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية من حيث حجم المخصصات المرصودة لها من إجمالي المصروفات، وقد أشار بدر الدين إلى أن هناك قصورا في هيكلة هذا الباب وعدم عدالة بالتوزيع، رغم زيادة بلغت 10% عن العام الماضي، إلا أنها لا تكفي لتلبية مطالب شريحة واسعة من المجتمع المصري، إذ لا بد من إصلاح الخلل في هيكل الأجور بحيث لا يقل الأجر الأساسي عن 80% من إجمالي الأجر بدلاً من 20%. - شراء السلع والخدمات قدرت نسبة هذا الباب إلى إجمالي المصروفات بـ 7.2%، وقد تمت زيادة اعتماداته عن العام الماضي بنسبة 2.6%، واقترح بدر الدين توجيه الزيادة في اعتمادات هذا الباب لبند الصيانة الذي أدى تدني اعتماداته سنويا إلى استمرار مسلسل الانهيار في المرافق العامة الواضح في حالة الطرق ووسائل النقل وكافة المنشآت العامة. - الفوائد بلغت حصة هذا الباب من إجمالي المصروفات 23%، وبذلك فإنه يحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم المخصصات المرصودة لكل باب، وهذا بحسب تعبير بدر الدين يمثل أحد مظاهر الفشل الحكومي في إدارة ملف الدين العام، إضافة إلى أن الحكومة باتت تزاحم القطاع الخاص في الاقتراض من الجهاز المصرفي، مما أدى إلى أداء سلبي لهذا الجهاز من خلال تفضيله شراء سندات وأذونات الخزانة والانصراف عن تمويل المشروعات، وبالتالي نقص فرص العمل وسيادة الاقتصاد الريعي. - الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية مثلت اعتمادات هذا الباب المرتبة الأولى من حيث المخصصات، بما نسبته 29.4% من إجمالي المصروفات، حيث تقوم الحكومة بدعم الصادرات والسلع التموينية والموارد البترولية والمزارعين والتأمين الصحي، إضافة إلى دعم الصادرات، وقد أشار بدر الدين في هذا الصدد إلى أنه لا بد من إعادة هيكلة الدعم الذي يوجه في الغالب لجهات وأسماء غير معروفة. - المصروفات الأخرى بلغت نسبة هذا الباب من إجمالي المصروفات 7.9%، وقد تم زيادة هذا الباب في موازنة عام 2010/2011 عن العام الماضي، إلأ أنه يقترح زيادة اعتمادات هذا الباب لتمكين القوات المسلحة من تطهير أرض الساحل الشمالي والعلمين من الألغام المتخلفة عن الحرب العالمية الثانية، إذ إن هذه الأرض تحمل في باطنها ثروات معدنية وبترولية ومياها جوفية يمكن استغلالها في حال أزيلت هذه الألغام. - الاستثمارات العامة بلغت حصة هذا الباب من إجمالي المصروفات 8.6%، وقد تم خفض اعتماداته بنسبة 30% عن العام الماضي، واقترح بدر الدين أن تتم زيادة مخصصات هذا الباب وتوجيهها لقطاعات التعليم والصحة والزراعة والري والإسكان والمرافق، لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الحتمية لهذه القطاعات، وبما يؤدي إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي ومعالجة الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري. ومن جهة أخرى ناقش بدر الدين الإيرادات العامة التي تتأتى من بندين رئيسين: الضرائب، وتمثل ما نسبته 70.3 من إجمالى الإيرادات، وبالتالي فإنها تمثل المصدر الرئيس للإيراد الحكومي، ولذلك كان لزاماً على الحكومة وضع بعض الإجراءات التي تضمن تحصيل هذه الضرائب؛ كمكافحة التهرب الضريبي، ووضع خطة لتحصيل المتأخرات الضريبية واجبة السداد، إضافة إلى تعديل قانون الضريبة على الدخل بحيث يمكن تحصيل ضريبة على الأرباح الرأسمالية مثل تعاملات البورصة خصوصا حركة الأموال الساخنة وعمليات تسقيع الأراضي. والبند الثاني المنح، حيث أورد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في تقريره عن الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2007/2008 أن نسبة الاستفادة من القروض الخارجية لا تتعدى 46%، كما أن نسبة الاستفادة من المعونات والمنح لا يتعدى 78%، لهذا يمكن زيادة الموارد عن طريق تعظيم العائد من المنح والمعونات الأجنبية بالاستخدام الأمثل لهذه المنح ومراعاة الانتهاء من دراسات الجدوى الخاصة بالمشاريع قبل توقيع أي اتفاقيات خاصة بهذه المنح. هذا وقد أورد بدر الدين عدة اقتراحات من شأنها زيادة الموارد العامة للدولة، وكان أهمها: 1- تحصيل قيمة الأراضي الممنوحة مجانًا لكبار رجال الأعمال والمستثمرين. 2- إعادة النظر في اتفاقيات تصدير الغاز الطبيعي المصري وخاصة الغاز المصدَّر لإسرائيل، ما سيوفر عوائد إضافية تصل إلى 18 مليار دولار. 3- إعادة النظر في أسعار تصدير الخامات الأولية والثروات المعدنية ومن أبرزها البترول المصدر لإسرائيل، والذي يتم تصديره بسعر ثابت قدره 6,8 دولارات للبرميل منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد. 4- إلغاء الدعم المقدم للصناعات كثيفة استخدام الطاقة، وإعادة النظر في سياسة دعم المواد البترولية المتبعة حاليًّا، والتي يحصل بموجبها الأغنياء على 80% من اعتمادات الدعم. 5- تحصيل المستحقات الضريبية واجبة السداد، والتي بلغت 60 مليار جنيه في العام الماضي، منها 37 مليار جنيه مستحقة لمأمورية كبار الممولين، ومنها 6,2 مليار جنيه ضرائب مستحقة على المؤسسات الصحفية. 6- مكافحة التهرب الضريبي لزيادة حصيلة ضرائب النشاط التجاري والصناعي. 7- تعديل وتفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار. 8- محاربة الفساد الإداري، وتوفير الإدارة الكفء للهيئات الاقتصادية والشركات العامة. من جهته أكد المحاضر الثاني الدكتور محمد أبو حمور/ وزير المالية الأردني في معرض حديثه أن الرقابة على الموازنة العامة متحققة عند إعدادها وتقديرها، لكن الرقابة الحقيقية المطلوبة هي الرقابة على التنفيذ وعلى الحساب الختامي وعلى ما أنجز من الموازنة وما تم تغييره من بنود وفصول فيها ومناقلات، والذي يبين النفقات والإيرادات الفعلية ومدى واقعية التقدير في كلا الجانبين. وأكد أبو حمور مساعي الحكومة الأردنية لزيادة باب إيرادات الموازنة العامة، حيث إن الأردن كباقي الدول العربية يعتمد على أسهل مورد لضريبة الدخل وهي الضريبة على الرواتب والأجور، لأنها معروفة، وبالتالي يدفع كثير من الناس ضرائب بمستوى واضح ولا يمكن التهرب منها. ومن هنا، فقد ألزمت الحكومة أصحاب الدخل المرتفع بدفعها، بينما أعفت أي مواطن يقل دخله عن 200 دينار شهرياً من هذه الضريبة، وقد جاء هذا الإعفاء لأصحاب الدخل المحدود بهدف تحسين أوضاعهم، إضافة إلى السعي نحو تقليل الكلفة الإدارية على دائرة ضريبة الدخل والمبيعات والمتمثلة بكلفة تحصيل هذه الضرائب والتي قد تكون في كثير من الحالات أعلى من الضريبة نفسها. وأضاف أبو حمور أن الحكومة الأردنية قامت من جهة أخرى بتوحيد قانوني ضريبة الدخل وضريبة المبيعات، بهدف تعزيز عملية تحصيل الضرائب بصورة سليمة لا تسمح بالتهرب الضريبي، خاصة للأثرياء من التجار وغيرهم، وقد زاد التحصيل الضريبي جراء عملية الدمج هذه بشكل حقيقي وملموس دون أي زيادة في معدلات الضريبة. وقد أكد أبو حمور أن الحكومة الأردنية تسعى بكافة الوسائل لتقليص عجز الموازنة المتراكم والمتكرر، سواء من خلال زيادة الإيرادات، أو بتقليل المصروفات، عن طريق اتباع سياسات اقتصادية مدروسة تسعى جاهدة إلى تقليل كلفة الاقتراض الحكومي، بالبحث عن أقل معدل فائدة يمكن للحكومة أن تقترض على أساسه، فمثلاً استفادت الحكومة الأردنية خلال الأزمة المالية من أن البنوك الإسلامية قد كانت الأقل تأثراً بهذه الأزمة، وبالفعل قامت الحكومة الأردنية بالاقتراض من البنك الإسلامي قيمة 100 مليون دينار بمعدل مرابحة جيد. من جهةٍ أخرى، وفي سياق سياسة ترشيد المصروفات، أشار أبو حمور إلى أن وجود قضايا صغيرة قد لا نتنبه لها، وقد تأخذ حجماً كبيراً من اعتمادات المصروفات، كالمؤسسات المستقلة في الأردن، فقد كانت 30 مؤسسة في عامي 2004- 2005، وإذا بها تقفز لتكون 260 مؤسسة عام 2010، بإنفاق يساوي ثلث الإنفاق في الموازنة العامة، وبالتالي فإن دمج المؤسسات وإعادة هيكلتها كان ملحاً للدراسة، وقد تم تطبيق دمج المؤسسات تحت مؤسسة واحدة، مما وفر كثيرا من المخصصات المالية الخاصة بالمصروفات من موظفين ورواتب لا داعي لها. ودعا أبو حمور في السياق نفسه إلى ضرورة إيجاد شراكة بين القطاعين الخاص والعام، تخفيضاً لفاتورة الرواتب التي تأكل نسبة عالية من الإنفاق، فإذا كانت ثمة قدرة لدى القطاع الخاص على تنفيذ المشاريع فلماذا تتولى الدولة تنفيذها وتتكبد في الوقت نفسه التكاليف والرواتب والأجور، وهذا لا يعني أبداً أن الدولة تفقد الولاية العامة، أو أن يأكل القطاع الخاص الوطن؛ إذ يمكن للدولة أن تترك أي نشاط اقتصادي يمكن إدارته على أسس تجارية للقطاع الخاص، مع عدم التخلي عن دورها التنظيمي والرقابي. أما فيما يتعلق بأنواع الاقتصادات، فقد أكد أبو حمور أن الفرصة الآن سانحة لدعم المصارف الإسلامية وتقديم نظام اقتصادي إسلامي متكامل بديلا للأنظمة الاقتصادية، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية التي خلقتها الرأسمالية التي أودت بنا إلى مهالك هذه المالية، ومن هنا فقد اقترحت المحاضرة إقامة حلقة دراسية علمية تقدم نظرية اقتصاد إسلامي معاصرة.
----------------------------------------------------
|
|
||
|
---|