أعلى الصفحة
التقرير الصحفي
خلال ندوة لمركز دراسات الشرق الأوسط
منتدون عرب: العالم العربي بحاجة إلى استعادة دوره ومكانته الدولية في ظل التحوّلات العالمية
نظم مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان، اليوم الثلاثاء 27/12/2022، ندوته السنوية العلمية
تحت عنوان"الدور والمكانة الدولية للعالم العربي، الواقع والمستقبل"
"، بمشاركة باحثين وسياسيين من ست دول عربية، وناقشت الندوة واقع المكانة الدولية للعالم العربي خلال العقدين السابقين، بهدف دراسة ظاهرة الدور والمكانة للعالم العربي وفهم ديناميكيتها، ومحاولة استشراف حركتها ومستويات تأثيرها على دور ومكانة العالم العربي الدولية، وإلى البحث في الإمكانات والقدرات المتاحة للعالم العربي لتطوير المكانة والدور الدولي على المديين القريب والمتوسط.
وأوضح مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بيان العمري، خلال افتتاح الندوة، أن العالم العربي شهد حالة من الانقسام والتشويه، ما فتح المجال أمام القوى الإقليمية والدولية لزيادة نفوذها والتدخل المباشر في المنطقة، وهو ما انعكس على العلاقات العربية البينية والدولية سلبياً، الأمر الذي استدعى التفكير بعقد الندوة الحالية لإيجاد استراتيجية تحدث تحوّلاً من مستوى الضعف والتشتت إلى إعادة الاعتبار للعمل العربي والتنسيق المشترك.
وأشار العمري إلى خطأ الموقف العربي الذي يعتمد على أطراف دولية مؤثرة لفسح الطريق أمام أخذ دور له في النظام الدولي، الأمر الذي يؤكد أهمية بناء رؤية واضحة وتحديد أهداف استراتيجية لعلاقات العالم العربي الدولية والإقليمية، ويؤكد ضرورة تحديد الحلفاء الاستراتيجيين من الأصدقاء السياسيين أو الاقتصاديين وغيرهم، وكذلك الأمر في تحديد الأعداء الاستراتيجيين من المنافسين أو المحايدين.
وأكد أن في الواقع السياسي متسعاً يمكّن لمن أراد أن يأخذ فيه دوراً ما أو يحقق مصلحة هنا ومكسباً هناك، بشرط إيجاد الدولة العربية القائد ودفع العلاقات العربية نحو التكامل والتعاون وإحداث الأثر والتأثير وامتلاك الإرادة واستثمار القدرات وتقديم المزايا التنافسية العربية وتحصين الجبهات الداخلية وبناء الجماعات الوطنية والقومية، وتعزيز الحكم الرشيد، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبحثت الجلسة الأولى التي ترأسها وزير الخارجية الأردني الأسبق جواد العناني، "الدور والمكانة الدولية للعرب، أسباب التراجع وتداعياته، وأسس تحقيقه"، وبيّن العناني أن بعض الكتابات الغربية تشير إلى تغيرات كبيرة حصلت في منطقة الشرق الأوسط، وأن المكوّن العربي ال في المنطقة قد ضعف لصالح قوى أخرى كتركيا وإيران وإسرائيل، وأشار إلى أن تحوّلات المجتمع الإسرائيلي ونتائج الانتخابات الأخيرة قد أظهرت تغيرات تستدعي تغيير الأنظمة العربية القريبة من الإدارة الأمريكية من سياساتها الإقليمية والدولية.
واستعرض مساعد وزير الخارجية المصري السابق عبدالله الأشعل، بعض عوامل تراجع المكانة العربية كانتهاء الحرب الباردة وتحوّل المجتمع الدولي إلى نظام أحادي القطب وافتقاد العرب تدريجياً إلى الوحدة فى الرؤى تجاه الملفات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى التحالف الإسرائيلي الغربي الذي أدى إلى تطور موقف إسرائيل واختراقها للصفوف العربية عبر ما عرف بالاتفاقات الإبراهيمية، ثم التوترات الشعبية في العالم العربي التي أحرجت النظم، والتدخل الدولي والإقليمي في السياسات الداخلية للدول العربية، وتسبب هذه العوامل في تشتيت الموقف العربي الموحد خلال التصويت في مؤسسات الأمم المتحدة، وإفراغ نقاط قوة العرب للتأثير كالاستثمارات الاقتصادية في الغرب من مضمونها، وارتفاع درجة تأثر العرب بالضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
فيما تناول وزير الخارجية السوداني الأسبق مصطفى الأمين، الواقع المحلي للعرب المتمثل في التنازع والتخاصم والتشتت والتسلط والتخلف الاقتصادي والتكنولوجي وعدم وضوح الرؤية داخل الدول العربية وبين مكوناتها الاجتماعية، وبين الدول العربية ومؤسساتها السياسية كالجامعة العربية، ما انعكس سلبا على واقعهم في النظام العالمي وأدى إلى تراجع تأثيرهم على هذا النظام وتحولاته ومجرياته.
ورأى الأمين أن هذا الواقع المتراجع نتج عنه عدة مشكلات، أهمها: التدخل الخارجي واختراق الأمن القومي العربي، والتفرق والتشتت وانعدام الرؤية حول قضايا العرب الرئيسية وعلى رأسها قضية فلسطين والموقف من الصراع العربي الإسرائيلي والتعامل مع الجوار العربي، وعودة السياسات القُطرية من بعض الأنظمة العربية، حتى وإن كانت على حساب الموقف العربي، وعدم القدرة على مواجهة المشكلات الداخلية، وتراجع الثقة بين الشعوب العربية وأنظمتها.
بدوره، استعرض الدبلوماسي الأردني السابق موسى بريزات، أسس تحقيق الدور والمكانة المؤثرة للدول العربية في النظام الدولي، كغياب التراتبية أو الهرمية في النظام الدولي بسبب مبدأ سياسة الدول بصرف النظر عن قدراتها وتفاوت مقوماتها من حيث القوة والتأثير، وبنية النظام الدولي القائمة على أساس اعتبارات "جوهرها القوة"، وعناوينها سياسية واقتصادية وأيديولوجية وتنموية، وحالة الاعتماد المتبادل بين الدول، وندرة الموارد وتنوعها وتأثيرات البيئة الدولية للنظام الدولي على قدرة الدولة وإمكانية ممارستها لأدوارها.
وأشار إلى أنه لا يمكن لأي دولة أن تبقى في النظام الدولي ساكنة بدون أن تمارس دوراً ما لأن طبيعة العلاقات الدولية والنظام الدولي متحركة ولا تسمح بالسكون أو حتى الانعزال، فبنية النظام الدولي الآن بنيوياً تعد في حالة متحركة، وفي حالة من التذبذب وتغيير الاتجاه باستمرار، مما يفتح الفرصة لمن يرغب ويملك الغمكانات والمقومات لتحديد مكانته ودوره في النظام الدولي طور التشكل.
فيما تناولت الجلسة الثانية التي ترأسها أستاذ العلاقات الدولية أحمد البرصان، "عناصر وقواعد تحقيق الدور والمكانة، وآفاقها المستقبلية"، واستعرض فيها الأكاديمي والدبلوماسي العراقي صباح ياسين، عناصر وأدوات تحقيق الدور والمكانة الدولية، والتي رأى أنها تتمثل في إعادة بناء المشروعية الشعبية الدستورية واعتماد آليات التمثيل السياسي عبر صندوق الانتخابات الحرة والنزيهة، وضرورة بلورة مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي تتوافق عليه قوى المجتمع مع النخب الحاكمة، وبناء السلم الأهلي العملي المستند إلى جوهر الاندماج الاجتماعي المعزز بالانتماء إلى المواطنة، ومواجهة محاولات اختراق الجبهة الداخلية وتعزيز الوعي والإدراك الجمعي لمخاطر التهديد للسيادة، وبناء المجتمع على أسس التكافؤ والمساواة، وبناء مشروع مجتمعي تتوافق حوله كافة القوى والنخب العربية لتمكين الدولة، وبين أن عامل الاستقرار يشكل حجر الزاوية في ضمان وجود واستمرار مكانة ودور الدولة الخارجي، حيث أن استقرار الجبهة الداخلية يعد الداعم الأكبر لقدرات الدولة وسياسياتها الخارجية.
في حين تناول الأكاديمي المصري حسن أبو طالب، المسارات المستقبلية الممكنة للدور والمكانة العربية دولياً على المدى المتوسط بهدف إحياء وتمتين دور عربي فى النظام الدولي الجديد الآخذ فى البروز، كتعددية قطبية لا تقتصر فقط على القوى الكبرى، ويسمح بأدوار مهمة ومؤثرة في قضايا النظام الدولي للعديد من القوى الوسيطة، بالإضافة إلى السبل والاستراتيجيات التي تنفذها الدول العربية فرادى أو مجموعات لحماية وتحقيق مصالح مشتركة تسمح بلعب دور دولي فى مجال أو أكثر، مشيراً إلى عدة نقاط كحجم الموارد وطبيعة إدراك القيادات للبيئة الدولية، ومدى المنافسة أو الشراكة او الابتعاد والتنافر كمحددات سلوكية لكل منها نتائج وتداعيات على الأدوار العربية.
ودعا إلى استثمار عناصر القوة التي يمتلكها العالم العربي العربي بأشكاله المتعددة، والاستفادة من مجالات الذكاء الاصطناعي والموارد العربية، و أكد على ضرورة الابتعاد عن الاستقطابات الدولية، وبناء العلاقات البينية المشتركة بينها، وبناء المشاريع التكاملية التي تعزز التعاون وتوّحد المواقف.
ومن جهته، ناقش الباحث الجزائري مصطفى بخّوش، قواعد ومنطلقات إعادة بناء الدور والمكانة العربية دولياً، والتي تبدأ بحسب بخوش من تشخيص صحيح لواقع العالم العربي والوقوف على أسباب تراجعه وتدهور مكانته للتعامل معها، ومعالجة سوء الإدارة والتدبير وغياب الرؤية والتفكير الاستراتيجي، عبر إطلاق حوار شامل في قضاياه وأطرافه يعالج الاستحقاقات الداخلية والتحديات الخارجية، ويضمن القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية، والاتفاق على الرؤية الاستراتيجية للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.
بدورهم، رأى المشاركون في الندوة أن سبب ضعف أداء العالم العربي وتحقيقه مكانة دولية يعود إلى سوء إدارة القدرات والطاقات واستثمار الفرص وغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي، الأمر الذي يستلزم التفكير والتخطيط لبناء دور للعالم العربي وتحقيق مكانة دولية له لما يمتلكه من مقومات وطاقات مادية ومعنوية وإرث حضاري وحاجة عالمية لمساهمة العرب في السياسات الدولية.
وبينوا أهمية رسم آفاق المستقبل عبر معالجة تحديات الوضع الراهن كغياب الأمن وانهيار بعض الدول، وتغيّر البنى المجتمعية والتغير المناخي والأمن البيئي والمائي، ومعالجة الخلافات الداخلية والانقسامات المجتمعية، وتشخيص الواقع بجرأة، وتحديد الدور العربي في النظام الدولي بشكل محدد وواضح، ويعالج التهديد الوجودي من قبل البعض المشاريع الإقليمية.
إضافة إلى ضرورة إيجاد مسار ديمقراطي واضح يعبر عن الإرداة الشعبية، وإتاحة الفرض أمام الكفاءات والقدرات العقلية للنهوض بالواقع العربي، وتعزيز سلطة الدولة والقانون وتقديم القادة المؤمنين بوحدة الأمة، لحماية العالم العربي من التهديدات الخارجية.
وأكدوا أن مشكلة التعلق بالماضي وعدم التفكير الجدي بعناصر قوة الدول العربية تعيق التقدّم والتعاون المشترك، مع ضرورة التخلي عن الخلافات البينية والداخلية ومعالجة الانقسامات العربية، ودراسة نماذج الدول الصاعدة في تحقيق مكانة دولية لها.
وأوصى المنتدون بـإيصال تقارير الندوات إلى الأنظمة العربية واستثمارها في تثقيف الشعوب، وتعزيز فكرة الدولة المركز، ودعوة المراكز البحثية للتوصل إلى رؤية فكرية واقعية لوضع أسس وقواعد انطباق التفكير والتخطيط العربي للوصل إلى المكانة الفاعلة والدور المؤثر، وهو ما أكدت عليه إدارة المركز من خلال ممارسة الضغط الفكري تجاه النخب السياسية بإيصال كافة مخرجات الندوات والمؤتمرات ورؤاها الاستراتيجية إلى أصحاب القرار العربي، إضافة إلى ما يخطط له المركز في ندوته الثانية في الموضوع العام القادم.
|