أعلى الصفحة
التقرير العلمي
المقدمة
شكّلت المواجهة الفلسطينية- الإسرائيلية الأخيرة في أيار/ مايو
2021 نقلة نوعية في المقاومة والمواجهة مع الاحتلال
الإسرائيلي، من حيث ديناميكيتها ومستوياتها وأبعادها، وشكّلت
نتائجها ضربة كبيرة لصورة إسرائيل وقوّتها وأمنها وردعها،
وأظهرت ضعف جبهتها الداخلية.
وكشفت المواجهات في عموم فلسطين عن إرادة عظيمة يتمتع بها
الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، ومؤسساته وشخصياته الوطنية
في فلسطين والشتات، وأن الرؤية الفلسطينية لمشروع تحرري قائمة
وبقوة، وأن الفلسطينيين مصممون على مواجهة إسرائيل، وكان لحشد
الرأي العام العالمي بشتى الوسائل والطرق تأثير هامّ في ذلك.
كما أكدت المواجهة على أن الأمة العربية والإسلامية، ومعها
الرأي العام العالمي، تمتلك إرادة نحو إسناد الشعب الفلسطيني
حال كان فعله موحداً وموجهاً نحو مواجهة الاحتلال.
ومن جانب آخر أظهرت المواجهة القدرات الميدانية والعسكرية
للمقاومة الفلسطينية من حيث وحدة قيادتها وتطوير قدراتها،
وتوفر الحاضنة الشعبية المؤيدة لها، إضافة إلى توفر دعم إقليمي
ودولي شعبي ورسمي يُضعف قدرة الاحتلال على تحريض العالم ضد
الشعب الفلسطيني وتبرير عدوانه عليه.
وتشير نتائج المواجهة إلى إمكانيات متعددة وفرص قوية في
التأسيس لمرحلة جديدة في معادلات الصراع العربي- الإسرائيلي
وإدارته سياسياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً وفكرياً، ولتشكّل
تراكماً في مواجهة الاحتلال ودحره وهزيمة المشروع الصهيوني،
وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بالتحرير والعودة، لا سيما أنّ
مسار مفاوضات السلام واتفاقاته وأشكال التطبيع لم تخلق أي
انسجام أو توافق مع أهداف الاحتلال واستمراره.
ولدراسة الأبعاد الاستراتيجية لهذه المواجهة عقد مركز دراسات
الشرق الأوسط ندوة بعنوان (المواجهة الفلسطينية- الإسرائيلية
2021، الأبعاد الاسترتيجية) تهدف إلى رصد الأبعاد الاستراتيجية
لنتائج المواجهة سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وفكرياً، وعلى
المستويات المتعددة، إسرائيلياً وفلسطينياً وعربياً ودولياً،
وإبراز الفرص المتاحة ما بعد المواجهة فلسطينياً وعربياً،
إضافة إلى محاولة رسم المسارات والأدوات اللازمة فلسطينياً
وعربياً لإدارة الصراع، وتغيير معادلاته لصالح تحقيق أهداف
الشعب الفلسطيني بالتحرير والعودة، وهزيمة المشروع الصهيوني.
شارك في الندوة 15 باحثاً وأكاديمياً وخبيراً استراتيجياً من
الأردن وفلسطين والجزائر والسودان والمملكة المتحدة بأوراقٍ
علميةٍ، إضافة إلى حضور عددد من الباحثين والمتخصصين في القضية
الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي، وتوزعت الندوة على
جلستين، تناولت الأولى الأبعاد الاستراتيجية للمواجهة، وتناولت
الثانية الفرص الاستراتيجية لما بعد المواجهة.
ويشكل هذا التقرير حصيلة أوراق الباحثين والخبراء ومناقشات
المشاركين، وهو يتوزع على 6 محاور رئيسة.
المحور الأول: الأبعاد الاستراتيجية لنتائج المواجهة على
المستوى الإسرائيلي
·
الأبعاد السياسية
عبّرت المواجهة الأخيرة عن تحدٍ استرتيجي رئيسي ومركزيّ
لإسرائيل، يتمثل بأنّ هناك شعباً فلسطينياً حيّاً يستطيع أن
يهبّ بشكل موحد، متجاوزاً اتفاقية أوسلو، رغم جميع الظروف
السياسية التي تحيط القضية الفلسطينية، كصفقة القرن، وموجة
التطبيع، والبطش الإسرائيلي، وتقطيع الوطن إلى أجزاء، وممارسات
الاحتلال وجرائمه المختلفة اتجاه الشعب الفلسطيني.
وثمّة أبعاد مركزية للمواجهة الأخيرة تشكل تحدياتٍ سياسية
واستراتيجية واجتماعية لإسرائيل على النحو التالي:
1-
رغم ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القدس من خطط الأسرلة
والتهويد، اتضح أن القدس بؤرة الصراع، وأن الفلسطينيين والعرب
والمسلمين يعتبرونها خطاً أحمر، وما زال أهلها يدافعون عنها،
ولا يقبلون أن تكون عاصمة موحدة لإسرائيل كما تزعم، ولا يقبلون
بأيّ سيادة إسرائيلية عليها أو على على باب العامود، ولا
بمسيرة الأعلام، إضافة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعانى من
إرباك وتخبّط في إدارة ملف القدس بعد المواجهة الأخيرة، رغم
استمراره ومحاولاته فرض أمر واقع على المدينة المقدسة.
2-
استطاع الحراك الشبابي في القدس وأراضي الـ 48 فرض مواجهة
ميدانية، وتجاوز المعيقات التي تفرضها قيادات فلسطينية تقليدية
تحاول ضبط الشارع والتأثير فيه، ويظهر هنا بروز جيل جديد من
الفلسطينيين يشكل تحدياً لإسرائيل، حيث إن 70% من الفلسطينيين
وُلدوا بعد اتفاقية أوسلو، و50% ولدوا بعد الانتفاضة الثانية.
3-
بدء الحديث على المستوى الدولي عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن
النفس وفي المقاومة، ورفض سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ويظهر
ذلك على سبيل المثال في تقارير معهد ديل كارنيجي الأمريكي،
ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمة بيتسيلم، كما أنه من المتوقع
أن تقوم إسرائيل بصرف الملايين لإعادة دعم روايتها السياسية
عالمياً بعدما تراجع تأثيرها في المواجهة الأخيرة.
4-
من أهم التطورات التي نجمت عن المواجهة الأخيرة الوحدة
الفلسطينية في كامل فلسطين التاريخية، وتجاوز الحديث عن إنهاء
الاحتلال للأراضي المحتلة عام 1967، نحو العودة في الصراع إلى
آثار احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، كما برز الحديث لدى
أكاديميين أمريكيين عن بأن سياسات إسرائيل في فلسطين تمثّل
سياسات عنصرية وليس احتلالاً فقط.
5-
أسفرت المواجهة عن اختراق وعي المجتمع الإسرائيلي بأن الاحتلال
يواجه مقاومة متعددة المظاهر تعبّر عن إرادة شعب مقاوم، يقوم
بتبادل الأدوار والمهمات، ولديه القدرة والقوة على التواصل
والتحرك المشترك.
6-
عبّرت المواجهة عن أن استراتيجية إسرائيل في التطبيع مع دول
المنطقة وتهميش القضية الفلسطينية فشلت؛ حيث لا يمكن تجاوز
القضية الفلسطينية وتهميشها، وأن اتفاقية أوسلو واتفاقيات
السلام مع الدول العربية لا تحقق الأمن لإسرائيل.
ويمكن تلخيص التحدي الاستراتيجي لإسرائيل بـ (فتح الصراع على
فلسطين التاريخية)؛ حيث من الممكن أن يفتح هذا المجال
فلسطينياً لعدم التسليم بقرار التقسيم لعام 1947 على سبيل
المثال.
·
الأبعاد العسكرية والأمنية
تميّزت هذه الجولة باستخدام الطرفين لوسائل جديدة فيها، ورغم
التفوق العسكري لإسرائيل إلا أن المقياس الحقيقي للنجاح هو مدى
قدرة المقاومة على إعادة بناء قوتها العسكرية وقدراتها
القتالية واستثمار المكاسب السياسية التي حققتها.
بدأت المواجهة العسكرية من غزة بقصف أهداف إسرائيلية بتاريخ 10
أيار/ مايو، وحاولت إسرائيل إضعاف القدرات العسكرية للمقاومة
من خلال غاراتها الوحشية التي لم تفرق بين الأهداف العسكرية
والمدنية، واستمرت العمليات العسكرية 11 يوماً، وكانت التصعيد
الأسوأ منذ 2014، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 240 فلسطينياً من
قطاع غزة، ومقتل 12 إسرائيلياً على الأقل وإصابة المئات.
-
التغييرات الرئيسية في استراتيجية وتكتيكات إسرائيل العسكرية
أدخلت إسرائيل مفاهيم عملياتية وتكتيكات جديدة في عملياتها
الأخيرة في غزّة، مبنية على خطة أعدها قائد المنطقة العسكرية
الجنوبية السابق اللواء هيرزي هاليفي
Herzi Halevy،
وهي مبنية على ما يسمى "عقيدة الانتصار"، والتي أقرها رئيس
الأركان الإسرائيلي الفريق أفيف كوخافي
Aviv Kochavi،
وتتمثل بحشد كثافة نيرانية كبيرة من خلال التنسيق بين القوات
المشتركة (جميع الصفوف) وبشكل سريع وحاسم مع توفر استخبارات
دقيقة أفضل من السابق وبهدف التفوق السريع على العدو وسحقه
واستعادة حالة ردع طويلة الأمد.
كما أعلن الاستراتيجيون الإسرائيليون وبوضوح أن الرد القاسي
والحاسم على حماس موجه أيضاً لحزب الله وإيران لردعهم عن
التدخل أو عن أي عمل عدواني مشابه.
ضمن هذا الإطار ولتحقيق الهدف بدأ الجيش الإسرائيلي فوراً
باستهداف قادة حماس العسكريين وخبراء الصواريخ في أماكن
تواجدهم، وتدّعي إسرائيل أنها قصفت عمارات وأبراجاً تأوي عناصر
استخبارات وأسلحة وعناصر بحث وتطوير وقيادات ومراكز قيادة
وسيطرة، مع تبجحها بأنها أعطت إنذارات مسبقة قبل قصفها.
ويدّعي الجيش الإسرائيلي أن الغارات الجوية والعمليات الأخرى
قد أضعفت قدرات المقاومة على إنتاج الصواريخ، وهو ما يصعب
قياسه إلا بمدى قدرة المقاومة وسرعتها في إعادة بناء مشاغلها
ومكونات البرنامج الصاروخي؛ حيث قدرت إسرائيل القدرات
الصاروخية للمقاومة قبل العمليات بـ 13-15 ألف صاروخ معظمها
منتجة محلياً.
كما حاولت إسرائيل جاهدة شلّ منظومة الأنفاق داخل غزة وليس
الأنفاق الحدودية فقط كما فعلت عام 2014، حيث تعتقد إسرائيل أن
منظومة الأنفاق التي تسميها " شبكة المترو" تمتد مئات
الكيلومترات، وهي الركيزة الأساسية في المفهوم القتالي لحماس،
وتستخدمها لنقل المقاتلين والصواريخ والمعدات تحت الأرض في
الهجوم والدفاع، وتدعي إسرائيل أن غاراتها الجوية قد دمّرت
حوالي 100كم من الشبكة، ولا يمكن التثبت من هذا الادعاء إلا في
المستقبل.
على نطاق أوسع، تعتبر إسرائيل أن نظام المعركة لقواتها كان
كافياً للتعامل مع تهديدات على عدة جبهات هي غزة والضفة
الغربية والشمال، كما استدعت إسرائيل حوالي 7 آلاف جندي من
الاحتياط لإسناد منظومتي الاستخبارات والقبة الحديدية بشكل
رئيسي، كما استدعت 20 فصيلاً من قوات حرس الحدود للمساعدة في
قمع الحراك داخل إسرائيل، وإسناد 9 سرايا من الضفة الغربية من
الجيش وُضعت بإمرة الشرطة في الداخل.
ويحاول كل طرف، إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، تجيير وتعظيم
إنجازاته إلى مكاسب استراتيجية، ومع صعوبة تقدير إنجازات حماس
لأن أهدافها اساساً سياسية إلا أن النتائج واضحة من حيث صمودها
في وجه أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وتعطيل الحياة
اليومية في إسرائيل بقصف أهداف في العمق الإسرائيلي وفي تل
أبيب بشكل لم يسبق لقوة مواجِهةٍ لإسرائيل أن فعلتها، سواء من
حيث عدد الصواريخ أو مدياتها.
وعلى الطرف الأخر أبرزت المواجهة نواحي ضعف كبيرة في بنية
إسرائيل، وخاصة المجتمع الإسرائيلي وجبهة إسرائيل الداخلية،
وسلطت الضوء على انعدام العمق الجغرافي لإسرائيل؛ حيث أصبحت
كامل جغرافيا إسرائيل في متناول صواريخ المقاومة.
كما أبرزت المواجهة دور الحرب النفسية والإشاعة في الحروب،
وأثبتت أن القوة الزائدة لا تستطيع بالضرورة الانتصار
بالمعركة، خاصة إذا كانت القوة الضعيفة المواجهة تمتلك الإرادة
والتصميم والقدرة على بناء القوة واستخدامها بشكل صحيح.
المحور الثاني: الأبعاد الاستراتيجية لنتائج المواجهة على
المستوى الفلسطيني
·
الأبعاد السياسية
منذ اتفاق أوسلو استطاع الاحتلال أن يضبط إيقاع العلاقة نسبياً
بينه وبين الفلسطينيين ضمن مجموعة من الضوابط التي أفرزت
العديد من المظاهر السياسية، وبني عليها نتائج استراتيجية، من
أهمها أنه هندس الديمغرافيا الفلسطينية ضمن مجموعات فلسطينية
تمثل أقليات لها مطالب حياتية معينة ومتنوعة "فلسطينيو الداخل،
سكان الضفة الغربية، أهل غزة، سكان القدس، فلسطينيو الخارج"،
ما منحه قدرة ما في التحكم في إدارة الصراع من ناحية، وجعل
الهدف النهائي للعلاقة هو الحكم الذاتي، وليس حق تقرير المصير.
كما أنه جعل الفلسطينين ينتقلون من موضوع التحرير إلى التمسك
بموضوع الدولة، وبشكل غير واقعي، ما مكّن للمشروع الصهيوني من
إقامة دولة واحدة بأكثر من نظام وآلية تحكم، فصل عنصري في 48،
واحتلال في الضفة، وحصار في غزة، وديمقراطي لليهود، وصهيوني
توراتي للمستوطنين في الضفة الغربية.
وأصبحت قدرات أي فاعل سياسي فلسطيني في قيادة الشعب الفلسطيني
معتمدة على وجوده داخل منظومات التحكم الصهيونية من خلال وجوده
داخل السلطة الفلسطينية، والتي يتحكم فيها الاحتلال وفي
منظوماتها الاقتصادية والسياسية والجغرافية.
ولذلك، نُزعت عن الصراع أبعاده القانونية والاخلاقية، فبدل أن
يكون صراعاً مع الاحتلال وفقاً لقواعد العدالة الدولية
والضوابط الناظمة للشعوب تحت الاحتلال، أصبح الصراع إشكاليات
تفاوضية وتضبطه علاقات سياسية.
ولذلك، بُنيت على هذه الضوابط ظواهر حدت من قدرة الشعب
الفلسطيني وقواه السياسية على إحداث التغيير، ومن أهمها غياب
المشروع الوطني المتفق عليه من الكل الفلسطيني، والتكلس في
النظام السياسي الفلسطيني، وعجز الشعب الفلسطيني على اجتراح
نموذج مقاومة تتكامل به مختلف فئات الشعب الفلسطيني، وأصبحت
السلطة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية عبئاً على مشروع
التحرير.
وبناءً على ما سبق، مثّلت المواجهة الاخيرة بين الشعب
الفلسطيني ودولة الاحتلال محطّة فاصلة في الكثير من هذه
الضوابط، وسيكون لها إثر ذلك أبعاد سياسية واستراتيجية على كل
الحالة الفلسطينية.
-
نتائج المواجهه الأخيرة
على صعيد المقاومة الفلسطينية- وخصوصا حركة حماس
حققت المواجهة الأخيرة عدة نتائج أثرت في الوزن السياسي
والقيمة الوطنية الكلية لسلوك وفكر حركة حماس، داخلياً
واقليمياً ودولياً، وذلك من خلال التالي:
1.
تحولت حماس من جزء من المشكلة في النظام السياسي من وجهة نظر
إقليمية ودولية وفلسطينية أحياناً، إلى فاعل أساسي في أي حل
ولا يمكن تجاوزه.
2.
استطاعت حركة حماس تثبيت أن مشروع مقاومتها لا يتمثل في الدفاع
عن حكمها لقطاع غزة، بل إنه يستجيب للقضايا الوطنية.
3.
تحولت حركة حماس إلى قائد لمشروع المقاومة الفلسطينية الحديثة
وبالذات بالنسبة للجيل الفلسطيني الجديد.
4.
خلّدت المقاومة في أذهان الجيل الفلسطيني الجديد فكرة أن
المقاومة تستطيع أن تحقق له آماله وتقف في وجه الاحتلال.
5.
قدمت المواجهة الأخيرة النموذج، فقد صنعت نموذجاً عملياً للشعب
الفلسطيني.
6.
استطاعت حماس أن تتموضع خارج إطار السلطة الفلسطينية،
وتتعدّى دور السلطة الوظيفي من خلال التموضع في برنامج تحرري،
ودون التصادم مع السلطة الفلسطينية.
-
نتائج المواجهه الأخيرة
على صعيد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني
1.
توسيع الدائرة الرمزية التي تتمتع بها القدس ومحوريتها في
الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
2.
أثبتت وحدة الشعب الفلسطيني، وتكامليته في استخدام أدوات نضاله
في مختلف الحيزات الجغرافية التي يتواجد بها الفلسطينيون،
وبشكل غير مسبوق منذ عام 1936.
3.
أعادت البوصلة لفلسطينيي الداخل وما يعانوه من تمييز عنصري،
وصراعهم مع النظام العنصري.
4.
دور الشباب المميز واستثمارهم للعالم الافتراضي سواء في
التحشيد الداخلي أو في تأليب الرأي العام العالمي، فالمواجهة
في أغلبها كانت شبابية بامتياز.
5.
أثبتت قوة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي كأحد الأدوات المهمة
في الصراع مع الاحتلال، وتوظيفها في الدفاع عن حقوق الشعب
الفلسطيني وعدالة قضيته وفي إدانة الاحتلال والدفاع عن شرعية
المقاومة.
6.
الشعور العارم الفلسطيني بقدرة المقاومة على الوقوف في وجه
الاحتلال، حيث إنه وبلا شك تراجعت قوة الردع العسكرية
الإسرائيلية وقوة الردع السياسية.
7.
التفاف الوحدة الشعبية حول الانتصار، والاحتفاء به.
-
نتائج المواجهه الأخيرة
على صعيد النظام السياسي الفلسطيني
رغم أن السلطة الفلسطينية استفادت من المواجهة بعودة الاتصالات
معها، وبالذات من الإدارة الأمريكية، وإعادة الأموال المقطوعة،
إلا أنّه لا يُمكن تجاهل نتائج المواجهة السلبية عليها، ومن
أبرزها:
1.
فقدت القيادة المتنفذة للمنظمة وللسلطة ما بقي لديها من ثقة
وقدرة على التحكم في المشروع الوطني الفلسطيني، بل حتى إنها لم
تعد تمتلك الإمكانية التبريرية لذلك، ففي الوقت الذي لم يستطع
الرئيس الفلسطيني أن يُجري انتخابات في القدس نتيجة للموقف
الاسرائيلي، أتت المقاومة لتشن حرباً من أجل القدس وتحقق
انتصاراً.
2.
لم تعد السلطة الفلسطينية قادرة على إقناع أبناء تنظيم فتح
وبالذات الشباب بدوره، فضلاً عن إقناع الشارع الفلسطيني، وعبرّ
عن ذلك صدور بيانات لحركة الشبيبة الطلابية أثناء المواجهة
طالبت بتوجه الشباب إلى الحواجز وقيادة الفعاليات.
·
الأبعاد العسكرية والميدانية
شهدت المواجهة الأخيرة في غزة تغييرات رئيسية وتطورات في
استراتيجية وتكتيك المقاومة، حيث استخدمت مخزونها الصاروخي
بطريقة غير مسبوقة من حيث سرعة وكثافة الرمي والمديات، وغالباً
ما كانت تطلق الصواريخ من مواقع مختلفة في غزة على الهدف نفسه
داخل إسرائيل، وذلك لإشباع منظومة القبة الحديدية وإبطال
مفعولها؛ حيث أطلقت المقاومة (4300) صاروخ في 11 يوم قتال، ما
يعني (390) صاروخاً كمعدل يومي مقارنة مع أكثر من (4500) صاروخ
على مدى 50 يوماً عام 2014 بمعدل (90) صاروخاً يومياً.
واستخدمت المقاومة أساليب مبتكرة، حيث استهدفت المطارين
الرئيسيين في إسرائيل، وتسببت بإغلاق مطار بن غوريون بشكل
متقطع، واستهدفت القواعد الجوية والبرية الإسرائيلية، كما
استخدمت طائرات مسيّرة انتحارية جديدة، واستخدمت أيضاً غواصات
مسيّرة صغيرة تصل حمولتها لـ (30) كغم من المتفجرات لاستهداف
منصات الغاز البحرية الإسرائيلية، كما نجحت في تفعيل مجموعات
مقاومة الدروع المسلحة بصواريخ ضد الدبابات رغم كثافة القصف
الجوي، والتي اعترفت إسرائيل بنجاحها في 3 عمليات أدّت إلى
مقتل جنود إسرائيليين.
كما أنّ الهبة الشعبيّة في الضفة الغربية والداخل أجبرت
إسرائيل على شن عمليات شرطة وأمن (شين بيت) كبيرة في الداخل،
وزيادة عدد قواتها العسكرية في الضفة الغربية للسيطرة على
الوضع.
ومن الأهداف التي فشلت إسرائيل في تحقيقها في المواجهة
الأخيرة:
1- كسر إرادة المقاومة.
2- تدمير قدرات المقاومة من حيث التسليح.
3- تدمير البنية التحتية للمقاومة ومقومات بقائها واستمرارها
كشبكة الأنفاق وغيرها.
وعبّر عن ذلك تصريحات المقاومة على أنها قادرة على الاستمرار
لمدة 6 أشهر في هذه المواجهة، كما دلّ على ذلك خروج الناطق
باسم الجناح العسكري لحركة حماس (أبو عبيدة) في الساعات
الأخيرة قبيل وقف إطلاق النار، وإعلانه تجهيز المقاومة لضربة
صاروخية هي الأكبر حجماً، تشمل كافة المناطق الإسرائيلية.
فالمقاومة أبدعت في إدارتها للمواجهة، كما لم تحقق إسرائيل
أهدافها على السياق العسكري والاستراتيجي، غير زيادة رصيدها من
استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية ووسائل الإعلام!
·
الأبعاد الاجتماعية والفكرية
لم يتوقف نضال الشعب الفلسطيني للحظة على طول الصراع، وتعدّ
الهبّة الأخيرة مدّاً ثورياً لهذا النضال وفصلاً من فصوله، وما
يحتاجه الشعب الفلسطيني اليوم هو العمل بنَفَس طويل والبناء
على نتائج المواجهة وتحديد الخطوات القادمة، واجتراح نهج نضالي
ثوري مستدام، دون المبالغة في تضخيم الإنجازات والقدرات، فما
زال المشروع الصهيوني قائماً ويعمل لتحقيق أهدافه.
ففي أراضي 48
شكل إعلان إضراب الكرامة يوم 18 مايو/ أيار 2021، والذي استجاب
له الفلسطينيون في كافة أرجاء فلسطين التاريخية، مرحلة جديدة
في توحيد الشعب الفلسطيني، كما أن لإعلان الإضراب من مدينة
يافا، رغم كل ما تعرضت له تاريخياً من استهداف للهوية العربية،
رمزيته، ويعد مفاجأة لإسرائيل.
ورغم سياسات إسرائيل ومحاولاتها في تقسيم الشعب الفلسطيني
وإشغاله بقضايا مختلفة، إلا أن المواجهة الأخيرة فرضت على
الاحتلال إعادة حساباته وسياساته تجاه الفلسطينيين، فقد عملت
إسرائيل على أسرلة الأقلية العربية وطمس هويتها الوطنية
والثقافية بسياسات وقوانين كان آخرها قانون القومية اليهودية،
ولكن المفاجأة الكبيرة كانت فيما يسمى بالمدن المختلطة (اللد
ويافا وحيفا وعكا) ومدن المثلث والجليل والنقب، والتي انتفضت
بشكل غير مسبوق وتصدت للعصابات اليهودية من المتشددين
والمتطرفين، وقد اعتقدت السلطات الإسرائيلية أن مشروع الأسرلة
وإشغال المواطنين العرب في إسرائيل بقضايا المساواة وتحسين
الظروف المعيشية قد أخرجهم من دائرة الصراع الفلسطيني-
الإسرائيلي، ولكن المواجهات الأخيرة أثبتت عمق الانتماء الوطني
لديهم وارتباطهم بقضية شعبهم.
ومن المهم الإشارة إلى أن النخب والقيادات السياسية الفلسطينية
لم تعد تسيطر على الجيل الجديد من الشعب الفلسطيني الذي يسعى
لمواجهة الاحتلال والتحرر منه، كما أن سياسات تدجين
الفلسطينيين باستخدام آليات مختلفة للتحكم بالمناطق الفلسطينية
المختلفة وتقسيم المجتمع والتفريق بين المناطق الفلسطينية لم
تجد نفعاً.
ومن جهة أخرى عبّرت المواجهة الأخيرة عن أنّ استراتيجية السلام
الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للفلسطينيين فشلت في تشتيت
انتباهه لقضيته المركزية وفي كبت طموحه المتطلع لتحرير وطنه.
وعلى مستوى غزة كان أظهرت المواجهة ما يلي:
1-
بناء حالة التفاف شعبي حول المقاومة بتأييدها بصورة كبيرة،
ومنحها غطاءً شعبياً جماهيرياً، ربما زاد عن جولات سابقة.
2-
جسّدت المواجهة بصورة كبيرة حالة الانسجام الفكري بين مختلف
مكونات فصائل المقاومة، لا سيما من خلال غرفة العمليات التي
صهرت كل التباينات الأيديولوجية والفكرية في بوتقة واحدة
للدفاع عن القدس والأقصى.
3-
صدر عن الأوساط الشعبية والجماهيرية من مؤيدي قوى المقاومة
خلال أيام المواجهة مفردات وأدبيات موحدة ذات أبعاد وطنية، ما
كان له أثر في الصمود والتصدي.
4-
تجلّت بعد انتهاء المواجهة مظاهر التضامن الاجتماعي والتكافل
المجتمعي لمحاولة جبر أضرار المهدمة منازلهم وتعويضهم، ولو في
مراحل أولية، ما ساهم في تعزيز الروح الجماعية، وتفويت الفرصة
على العدو في إيجاد شقوق داخلية بين المقاومة وحاضنتها
الشعبية.
5-
بروز خطاب إعلامي فلسطيني وطني شبه موحد، عبر الإذاعات المحلية
والقنوات التلفزيونية التي تكلمت باسم "غرفة العمليات
المشتركة"، ومفردة "المقاومة"، بعيداً عن أسماء الحركات
والفصائل كلٌّ على حدة.
6-
رغم الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريق مشروع التحرير وإنهاء
الاحتلال، إلا أن نتائج المواجهة ولّدت قناعة وحالة شعورية،
على مستوى الشعب الفلسطيني وقواه السياسية وفصائله المقاومة،
وكذلك على مستوى الشعوب والنخب والحركات والأحزاب العربية،
بأنّ إنهاء الاحتلال كلياً أو جزئياً في مدى زمني معقول نسبياً
وتحقيق انتصارات مهمة في المواجهة معه، لم يعد أمراً مستحيلاً
ولا يستدعي ترحيل المهمة للأجيال القادمة.
المحور الثالث: الأبعاد الفكرية الاستراتيجية لنتائج المواجهة
(عربياً وإسلامياً)
·
الاستراتيجية الفكرية التي استندت عليها إسرائيل منذ تأسيسها
1-
التراث العنصري العدائي القائم على إلغاء الآخر- الفلسطيني
والعربي والإسلامي والمسيحي والدرزي، على حدّ سواء.
2-
استناد حل الصراع العربي- الإسرائيلي على مفهوم التفوق
الإسرائيلي الشامل على العرب، ومحاولة تغيير الصورة الذهنية
للصهاينة من أعداء إلى شركاء، وترسيخ فكرة استحالة هزيمة أو
زوال المشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي.
3-
سياسة التفتيت للعرب، لإنهاء فكرة العروبة والأمة العربية
والجامعة العربية، والتعامل ثنائياً مع الدول العربية، وفق
المصالح الثنائية، وإنهاء فكرة الأمن القومي العربي.
4-
إنهاء فكرة وجود المقدسات الإسلامية والمسيحية بالهيمنة
والسيطرة الكاملة عليها، وترسيخ فكرة أن القدس الوحدة هي
العاصمة الأبدية لإسرائيل، وإنهاء فكرة أن القضية الفلسطينية
هي قضية المسلمين، والمسيحيين أيضاً.
·
مساهمة المواجهة في تقديم رؤية جديدة على المستوى العربي
1.
شكّكت بأن القوة الإسرائيلية لا تقهر.
2.
ردّت على الدول العربية التي تفكر في التطبيع دون حل القضية
الفلسطينية، تعبيراً عن بؤسها واستسلامها.
3.
أحيت روح المقاومة لدى الشعوب العربية، والتي خرجت في مظاهرات
غير مسبوقة دعماً للمقاومة.
4.
وجهت رسالة إلى الدول العربية بأهمية إحياء العمل العربي
المشترك، وضرورة التحرك العاجل لمشروع عربي لحل الصراع العربي-
الإسرائيلي وفق حقوق الشعب الفلسطيني.
·
مساهمة المواجهة في تقديم رؤية جديدة على المستوى الإسلامي والدولي
1.
أحيت فكرة الارتباط الوثيق للمقدسات الإسلامية والمسيحية
بالقضية الفلسطينية، وأنها قضية العالم الإسلامي والمسيحي.
2.
نشوء جيل جديد مختلف يمتلك الرواية والأدوات، على سبيل المثال
إبراز نيويورك تايمز لصور الأطفال الشهداء في غزة، حيث أصبحت
إسرائيل متّهمة بأنها تُعامل الفلسطينيين بنفس المعاملة التي
تشتكي بها منهم.
3.
حرّكت المواجهة الأخيرة العالم وأثّرت نسبياً على الموقف
الأمريكي بعد ما كانت القضية الفلسطينية غائبة عن سلم أولويات
الإدارة الأمريكية الجديدة.
4.
عزّزت الصوت العربي الفلسطيني الإسلامي في العواصم الغربية
المنحازة لإسرائيل، مما يضغط لتعديل موقفها.
المحور الرابع: الفرص الاستراتيجية للشعب الفلسطيني ما بعد
المواجهة
·
الفرص السياسية
من أهم الفرص السياسية التي تتيحها نتائج هذه المواجهة
للفلسطينيين:
1.
تبني الاستراتيجية الكفاحية بدل نهج المفاوضات والاتفاقات،
إضافة إلى أولوية وقف التنسيق الأمني.
2.
إنهاء الانقسام، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تحت مظلة منظمة
التحرير، من خلال إجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية
والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني على أسس ديمقراطية لتجديد
الشرعية للنظام السياسي الفلسطيني وتجديد المؤسسات الوطنية
الفلسطينية، إضافة إلى تشكيل لجنة وطنية لإعادة الإعمار في
قطاع غزة، وإسناد من تعرّضوا للأذى جراء المواجهة.
3.
استثمار الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية وفرضها على
الأجندة الدولية باعتبارها قضية شعب يناضل لإنهاء الاحتلال وحق
تقرير المصير.
4.
تعميق بناء حركة تضامن عالمي مع الفلسطينيين من خلال تفعيل
العقوبات على كل المستويات الرسمية والشعبية، والبناء على
التّغير النسبيّ في الموقف الأمريكي، والذي عبّر عنه تحرك
مجموعة من التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي في الكونجرس
لمحاولة منع صفقة أسلحة أمريكية لإسرائيل أثناء المواجهة،
إضافة لخروج مظاهرات غير مسبوقة في كبرى المدن الأمريكية.
وتشير هذه التغيرات إلى أن حالة الجمود وإيقاف شعلة المقاومة
يشكل خطراً على القضية الفلسطينية، وضرورة إبقائها متّقدة، ما
يبقي القضية الفلسطينية حيّة في الوجدان العالمي.
·
الفرص الميدانية
من المنظور الوطني والتحرري العام، فإن المواجهة الأخيرة تأتي
في سياق حركة التحرر الوطنية وهي حرب ممتدة طويلة الامد، لا
تنطبق عليها موازين القوى التقليدية، والمعركة لن تحسم بالضربة
القاضية وإنما عبر تسجيل نقاط استراتيجية في سجل ميدانيّ يأخذ
بالاعتبار معاني الصمود والبقاء والثبات للفلسطينيين، ومرادفات
العدوان والاعتداء ونزع الشرعية عن إسرائيل كدولة احتلال، ولعل
تجارب حركات التحرر الوطنية في فيتنام والجزائر والهند والعديد
من الدول الآسيوية والإفريقية دليل حاضر على مثل هذا التوجه
الاستراييجي بمضامينه الشعبية الجامعة.
وقد رسمت الوحدة الميدانية الفلسطينية في هذه المواجهة وصور
التلاحم الفلسطيني في أراضي 48 والقدس والضفة مع غزة ملحمة
فلسطينية غبر مسبوقة، وكان لها الأثر الأبرز في وقف العدوان
الإسرائيلي على غزة والقبول بوقف إطلاق النار، ويمكن استثمار
هذه الصورة وهذه الوحدة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي بعدم
الاستفراد بالفلسطينيين في الضفة أو القدس أو غزة، وإجباره على
إعادة حساباته تجاه الفلسطينيين كأصحاب قضية واحدة.
المحور الخامس: الفرص الاستراتيجية للعالم العربي في إدارة
الصراع مع المشروع الصهيوني
لم تغادر القضية الفلسطينية ومركزيتها ضمائر الشعوب العربية
يوماً، على الرغم من تراجع موقعها وأولويتها لدى الجانب الرسمي
العربي، وخاصة بعد الربيع العربي وارتداداته التي أثقلت كاهل
الشعوب العربية بأعباء أمنية ومعيشية في المحيط الفلسطيني،
خاصةً في سوريا ولبنان، وإلى حدٍ ما في مصر، ونتيجةً للحروب
والانقسامات الداخلية في العالم العربي من ليبيا إلى العراق،
إضافة إلى وصول إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم في
الولايات المتحدة من 2016-2020، وما تلا ذلك من موجة تطبيع بين
دول عربية وإسرائيل، دون أي اعتبارات لحقوق الفلسطينين، ما
عمّق الأزمة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
ورغم ما سبق أعطت المواجهة الأخيرة بارقة أمل جديدة للشعوب
العربية التي انتفضت نصرة للقدس ولحقوق الفلسطينيين، ما كان
مفاجئاً، وكأن فلسطين لم تغب عن الوعي العربي.
وتشكل نتائج هذه المواجهة فرصة استراتيجية لدول الطوق، وخاصة
مصر والأردن، للعمل على إعادة القضية الفلسطينية إلى محور
الأحداث في المنطقة، بعد أن تخلت دولة الاحتلال ومنذ مدةٍ
طويلة عن كل مفردات السلام التي رافقت توقيع اتفاقيات السلام
العربية؛ فما زال الاحتلال الإسرائيلي مستمراّ بسياساته
ومشاريعه، في الاستيلاء على الأرض، وبناء المستعمرات، وفرض
القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وضم الجولان، وخطط ضم أراضي الضفة
الغربية، وعليه لم يعد هناك مبرر للطامعين بالسلام مع دولة
الاحتلال التي لا حدود لأطماعها.
وتتلخص الفرص الاستراتيجية للعالم العربي في إدارة الصراع مع
المشروع الصهيوني بما يلي:
1. مغادرة مربع اتفاقيات السلام، وليس بالضرورة بإلغائها
رسمياً ولكن بإلغاء آثارها عملياً، والعمل بموجب المصالح
الوطنية في مواجهة المشروع الصهيوني سياسياً وإعلامياً
وقانونياً، وبناء القوة الرادعة وتعديل ميزان القوى، فالمشروع
الصهيوني خطر على كل الدول العربية وليس على فلسطين وحدها، ولا
بدّ من المواجهة مهما حاول البعض تأجيلها، فهذا المشروع لن
يكتمل إلا على أنقاض شعوب هذه المنطقة.
2. دعم وحدة الشعب الفلسطيني ونضالة بدلاً من اتخاذ مواقف
داعمة لطرف دون آخر.
3. دعم الشعب الفلسطيني مادياً وإعلامياً وسياسياً ومعنوياً،
بما يتيح له مواجهة الاحتلال بشكل مستمر، الأمر الذي سيرفع من
كلفة الاحتلال إلى مستويات تؤثر تأثيراً مباشراً على المشروع
الصهيوني.
4. مغادرة العديد من المفردات التي فرضتها بعض المسارات، مثل
القدس الغربية والشرقية والأراضي المحتلة عام 1967، وإرجاع
الأمور إلى نصابها، ففلسطين كلها محتلة من النهر إلى البحر،
حيث لم ينفع الاستجداء، فلا الصهيونية غيرت نهجها ولا المجتمع
الدولي طبّق الشرعية الدولية.
5. إنشاء صندوق لدعم فلسطين في كل دولة عربية، على غرار ما
تقوم به العديد من الدول الأجنبية وفي مقدمتها الدول الأوروبية
لدعم الدول التي تتعرض لأزمات.
المحور السادس: المسارات والأدوات اللازمة لمواجهة الاحتلال
ودحر المشروع الصهيوني
·
فلسطينياً
يلزم الفلسطينيين رؤية استراتيجية جديدة لإدارة المواجهة
والصراع، ولتعتمد على سياسة فتح المسارات، والتخلي عن
استراتيجية الخيار التفاوضي الوحيد التي اعتمدها النظام الرسمي
العربي، ومن ضمنه السلطة الفلسطينية، لصالح العمل بمسارات
متوازية متكاملة، وتقوم هذه الاستراتيجية على الدعائم والركائز
التالية:
1) مسار سياسي متوافق عليه وطنياً، ويمكن اعتماد وثيقة الوفاق
الوطني الفلسطيني لعام 2006 التي توافقت عليها مختلف القوى
الفلسطينية كبرنامج سياسي مشترك للتحرك خلال المرحلة القادمة.
2) مقاومة شعبية نشطة ومستدامة في الضفة الغربية والداخل
الفلسطيني المحتل عام 1948.
3) مقاومة مسلّحة في قطاع غزة والمناطق الخاضعة لاحتلال كامل
في الضفة الغربية.
4) دور حيوي ونشط لفلسطينيي الشتات في مسيرة النضال
الفلسطيني والمواجهة مع الاحتلال.
وإن اعتماد هذه الاستراتيجية فلسطينياً يستدعي التحرك في
المسارات التالية:
1. إنجاز ملف المصالحة الفلسطينية كمدخل لتحقيق الوحدة
الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني، وقطع الطريق على تدخلات
الأطراف الخارجية التي تضغط من إجل إدامة حالة الانقسام خدمة
لمصالحها في إضعاف الموقف الفلسطيني.
2. تحقيق الشراكة الوطنية وتكامل الأدوار في مواجهة الاحتلال
بين مناطق الوجود الفلسطيني بما يتناسب مع معطيات كل ساحة
وظروفها.
3. إعادة النظر في مواصلة الالتزام باتفاقيات أوسلو من طرف
واحد، ووقف مسار التنسيق الأمني وتجريمه وطنياً.
4. تشكيل لجنة وطنية مشتركة للإشراف على جهود إعادة الإعمار،
وعدم السماح بتحوّلها إلى قضية خلافية تنافسية تعزّز الانقسام
وتغذي التناقضات.
5. تفعيل دور المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج كحاضنة
لتنسيق الجهود والتحركات الشعبية لفلسطينيي الشتات.
6. اعتماد المقاومة، بكل أشكالها، خياراً استراتيجياً لمواجهة
الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير حاضنة سياسية عربياً وإسلامياً
لدعمها والدفاع عنها، وتوفير غطاء قانوني لشرعية عملها ومواجهة
محاولات إدانتها بالإرهاب.
7. إطلاق إطار وطني لتنسيق جهود المقاومة يطوّر صيغة غرفة
العمليات المشتركة التي حققت حضورا جيدا خلال السنوات الماضية،
ويسهم في إضفاء بعد وطني لا فصائلي على المقاومة.
8. تقييم مسار المواجهة الأخيرة مع الاحتلال، لمواصلة جهود
تطوير إمكانات المقاومة وقدراتها التي شهدت تطوّرا نوعياً
ملحوظاً فاجأ الاحتلال، والعمل على تعزيز نقاط القوة التي
أظهرتها المواجهة ومعالجة أي اختلالات تحتاج إلى الاستدراك
والمعالجة.
9. الحفاظ على معادلة الردع التي حققتها المواجهة الأخيرة،
وعدم السماح لجيش الاحتلال بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
10. الحفاظ على عنصر المبادرة ونقل المواجهة إلى ساحة العدو،
وتجنّب المواجهات الدفاعية إلا عند الضرورة، وربط المقاومة
باستمرار بالقدس والقضايا الوطنية العامة وتجنّب ربطها بالحصار
والأوضاع المعيشية والإنسانية.
11. بلورة تصور لتفعيل مقاومة شعبية مستدامة في الضفة الغربية
تتجاوز الهبات الموسمية، والبناء على الحراك الجماهيري القوي
والواسع خلال المواجهة الأخيرة.
12. وضع آليات لإدامة الحراك الشعبي في الداخل الفلسطيني
المحتل عام 1948، وإنهاء حالة التعايش الوهمي التي حرص
الاحتلال على تكريسها فيما مضى ويسعى لإعادتها خلال الفترة
القادمة.
·
عربياً ودولياً
1. استثمار نتائج المواجهة الأخيرة التي استقطبت الاهتمام
الإقليمي والدولي، من أجل تعزيز مكانة القضية الفلسطينية
وتأكيد عدم إمكانية تجاوزها والقفز عنها عبر اتفاقيات تطبيع
عربية إسرائيلية.
2. تطوير العلاقة مع الدول العربية والإسلامية، وطمأنتها إلى
أن حالة النهوض الميداني والشعبي فلسطينياً لا تهدد استقرار
تلك الدول السياسي والأمني، بل تشكّل عامل قوة لأمنها ولموقفها
السياسي.
3. الاستفادة من زخم التأييد الشعبي عربياً وإسلامياً من أجل
إطلاق إطار عربي شعبي لتفعيل جهود مواجهة التطبيع وتنسيقها.
4. تطوير العلاقة الفلسطينية مع الأردن إلى مستوى الشراكة
الاستراتيجية في مواجهة خطر الاحتلال الصهيوني على فلسطين
والأردن، والتوافق على رؤية مشتركة في الدفاع عن القدس والتصدي
لمشاريع الترانسفير والتوطين والوطن البديل.
5. التحرك دولياً لإدانة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً
وقانونياً في المؤسسات الدولية والمجالس البرلمانية، وتكريس
صورة إسرائيل كدولة احتلال وعدوان.
6. استثمار حالة الوعي والتعاطف الشعبي الدولي مع الشعب
الفلسطيني خلال المواجهة الأخيرة لبناء لوبي شعبي دولي داعم
لعدالة القضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني في الحياة
الكريمة وضاغط على الحكومات الغربية لاتخاذ مواقف أكثر عدالة
وتوازناً.
7. التواصل النشط مع التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي
الأمريكي ومع الحركات الشعبية والشبابية التي اتخذت مواقف
مميزة خلال المواجهة الأخيرة، للتأثير في مواقف الإدارة
الأمريكية من أجل تبني مواقف أكثر توازناً وأقلّ انحيازاً في
دعم الكيان الصهيوني.
... انتهى
|