وأشار المتحدثون خلال الندوة التي أقيمت صباح اليوم الأربعاء في مقر المركز
بحضور ثلة من الشخصيات السياسية والأكاديمية إلى ضرورة إنهاء حالة الانقسام
الفلسطيني وإعادة بناء البيت الفلسطيني وعلى رأسها منظمة التحرير
الفلسطينية لتشمل الفلسطينيين بمختلف أماكن وجودهم وتفعيل دور فلسطينيي
الشتات والداخل، مع استمرار دعم المقاومة بكافة أشكالها.
وأكد جواد الحمد رئيس المركز على الحاجة لمشروع وطني فلسطيني جامع بعد ما
مرّ به المشروع الفلسطيني من أزمات متعددة، وتعرض لكثير من الضغوط
والتدخلات الدولية، مع استمرار اختلاف في رؤى القوى الفلسطينية للمشروع
الوطني الفلسطيني واختلاف في البرامج، مع التأكيد على أن القاعدة الأساسية
للمشروع الوطني الفلسطيني هي إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين الفلسطينيين
وحق تقرير المصير، وتحقيق ذلك بمختلف الوسائل المتاحة، وأن يستوعب المشروع
الوطني الفلسطينيين في الضفة وغزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام
1948، وفي الشتات.
فيما أشار طاهر المصري رئيس الوزراء الأردني الأسبق والذي ترأس الجلسة
الأولى للندوة إلى ما تعيشه القضية الفلسطينية من تحديات، ومن أبرزها تراجع
الاهتمام بها في ظل ما يمر به العالم العربي من صراعات، واعتبر أن الحديث
عن مشروع وطني فلسطيني يتطلب دراسة المشروع الصهيوني ومراحل تطوره لتحديد
آليات مواجهته، والعمل على معالجة حالة الانقسام الفلسطيني لما يمثله هذا
الانقسام من مصلحة لإسرائيل، مؤكداً أن أي مشروع وطني فلسطيني يجب أن يضمن
الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بما في ذلك تحقيق حق العودة كاملاً، إضافة
إلى حق تقرير المصير، مع عدم الاتكاء على انتظار الدعم العربي الرسمي لهذا
المشروع.
واستعرض صبري سُمَيرة أستاذ العلوم السياسية أسباب وتداعيات جمود المشروع
الوطني الفلسطيني، مشيراً إلى مشروعين أحدهما تاريخي جوهره تحرير كامل
فلسطين، وإقامة دولة مستقلّة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشريف، ولن يتم
ذلك إلا بالقوة المسلحة، إضافةً إلى مشروع واقعي قائم على بذل أقصى الجهود
لاستنقاذ أقصى ما يمكن استنقاذه من حقوق فلسطين والفلسطينيين.
وأشار سُميرة إلى عدة أسباب لجمود المشروع الواقعي، أبرزها اختلال ميزان
القوى الإقليمي، وتحالفات إسرائيل مع قوى دولية، مقابل انقسام القوى
الفلسطينية والعربية، ما أدى إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية لدى
النظام العربي، وضعف النصير العربي والإقليمي للمشروع الفلسطيني إقليمياً
ودولياً. كما أشار إلى جهود إسرائيل وحلفائها دولياً وعربياً في إفشال
تبلور مشروع واقعي يلقى قبولاً دولياً وإقليمياً وشعبياً، إضافة إلى حالة
التراجع المؤسسي الفلسطيني في تحصيل حقوق اللاجئين الفلسطينيين، أو في
تمثيل الفلسطينيين حول العالم.
وحول متطلبات بناء مشروع وطني فلسطيني أكد الكاتب والمحلل السياسي عاطف
الجولاني على ضرورة الاتفاق على رؤية وطنية جامعة تنسجم مع الحقوق والثوابت
الوطنية للشعب الفلسطيني، والتوافق على برنامج سياسي يمثٍّل القواسم
السياسية المشتركة التي تلتقي عليها أطراف العمل الوطني، ومنها وثيقة
الوفاق الوطني عام 2006، مع تحديد أهداف منطقية للمشروع الوطني، واعتماد
آليات عمل كفؤة لتحقيق تلك الأهداف، والتوافق على شكل الإطار أو المرجعية
التي تتبنى حمل المشروع الوطني وتنفيذه، وإعادة تفعيل دور المنظمة
ومؤسساتها وتوسيع تمثيلها.
وحول متطلبات نجاح هذا المشروع أكد الجولاني على ضرورة تعزيز ثقافة الشراكة
الوطنية، وتحقيق مفهوم المواطنة والجماعة الوطنية، والعمل على بناء جسور
الثقة بين أطراف العمل الوطني والعمل على تعزيزها، وتجنّب منطق التخوين
والتجريم والاتهام، وإعلاء قيمة المصالح الوطنية العليا وتقديمها على
المصالح الفئوية الضيقة، مع تفعيل دور الشتات الفلسطيني وفلسطينيي الأراضي
المحتلة عام 1948 في المشروع كجزء أصيل لا مساند، وتوفير الدعم العربي
الرسمي والشعبي، وتحقيق المزيد من التعاطف على المستوى العالمي مع حقوق
الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ومن جانبه، رأى عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية أن المشروع الوطني
الفلسطيني غائب عن خطابات القوى السياسية الفلسطينية وبرامجها، مشيراً إلى
عدم وجود إطار ناظم لتوجهات منظمة التحرير الفلسطينية، ورأى أن مشروع إقامة
دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ليس مشروعاً وطنيا كونه لا يلبي الحقوق
الوطنية وطموح الشعب الفلسطيني، معتبراً أن أي مشروع وطني يجب أن يكون
قائماً على حق تقرير المصير وحق العودة ويتضمن حكماً إقامة دولة فلسطينية
بسيادة كاملة.
وأكد قاسم على أولوية إعادة بناء الإنسان والمجتمع الفلسطيني بوصفه المدخل
الأساسي لبناء المشروع الوطني الفلسطيني، وبناء الثقة المتبادلة بين القوى
الفلسطينية، وبلورة العمل الجماعي.
وبدوره أكد سلمان أبو ستة الباحث والمؤرخ الفلسطيني على ضرورة إعادة بناء
المشروع الوطني الفلسطيني في ظل عدم وجود مشروع قائم حالياً، مع الاستناد
للمؤسسات الفلسطينية القائمة وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني ممع ضرورة
المبادرة بإعادة انتخابه بما يمثل كل الفلسطينيين، وأشار إلى أن أكثر من
نصف الشعب الفلسطيني عاجز عن الحركة وغير مفعَّل، ومن هنا تأتي أهمية تفعيل
دور فلسطينيي الشتات، مع استمرار دعم المقاومة بكافة أشكالها.
وأوضح رائد نعيرات أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس
أن لدى الشعب الفلسطيني إجماعاً على الهدف الأساسي لأي مشروع وطني فلسطيني،
ويتمثل بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، مع وجود قناعة بأن مسار
التسوية لن يقود إلى قيام الدولة الفلسطينية، إضافةً إلى التوحد على تبني
المقاومة الشعبية بكافة أشكالها للتخلص من الاحتلال ولإقامة الدولة
الفلسطينية، مما يتطلب إعادة بناء البيت الفلسطيني ومنظمة التحرير
الفلسطينية لتشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني.
فيما أشار هاني المصري مدير مركز مسارات في نابلس إلى وجود اختلاف حول
المشروع الوطني الفلسطيني مما يتطلب حواراً وطنياً شاملاً للاتفاق حول
معالم هذا المشروع ووضع ميثاق وطني جديد يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني
والاتفاق على استراتيجية سياسية ونضالية، وتوظيف الفرص السياسية المتاحة،
معتبراً أن اتفاق أوسلو قسّم الشعب الفلسطيني، وأن معالجة الانقسام
الفلسطيني تُشكٍّل أولويةً وضرورةً وطنيةً … كما أكد على ضرورة استمرار
المقاومة الشعبية بكافة أشكالها وتوفير الدعم العربي والإسلامي للقضية
الفلسطينية، ووضع أسس المشاركة السياسية بين مختلف أطياف الشعب الفلسطيني
مع إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
فيما أكد رئيس لجنة العودة في أحزاب المعارضة جميل طليب على ضرورة وجود
قيادة موحدة للشعب الفلسطيني ومعالجة الانقسام الداخلي، وتفعيل سبل مواجهة
الاحتلال مع التحرر من تبعات اتفاق أوسلو، وعدم الاستسلام لحالة الواقع
العربي المنكفئ على ذاته، معتبراً أن حق العودة يمثل أساساً للمشروع الوطني
الفلسطيني.
ومن جهة أخرى، شدّد ربحي حلوم السفير الفلسطيني الأسبق على وجود حالة من
التعثر والوهن لحقت بالمسيرة النضالية الفلسطينية المعاصرة بعد اتفاق
أوسلو، مع وجود عوامل ناجمة عن الأوضاع الملتهبة في الإقليم وفي بعض الدول
العربية ذات تماس مباشر بالشأن الفلسطيني، حيث دعا إلى إعادة بناء وتفعيل
منظمة التحرير الفلسطينية وهيكلة مؤسساتها على قاعدة الميثاق القومي
الفلسطيني المُقَّر في القدس عام 1964، والمُعَدَّل عام 1968، وما نصّ عليه
من الثوابت الوطنية التي لا يملك أحد أن يقفز عليها تحت أي مُسوٍّغات أو
ذرائع، وذلك انطلاقاً من إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني عبر اتنخابات
ديمقراطية حرة.