ملخصات أوراق العمل
الجلسة الأولى: العلاقات العربية- الأمريكية والروسية
الورقة الأولى
العلاقات العربية- العربية ودورها في العلاقات العربية الدولية
د. مجدي حماد
يضع تحليل العلاقات العربية- العربية وتحديد دورها في العلاقات
العربية الدولية، في اعتباره أن النظام العربي يتميز بكثافة
التدخلات الآتية من النظام العالمي، بالنظر إلى الموقع الجغرافي
الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الموقع الذي
احتلته إسرائيل كجسم نابع من نظام القمة الدولي إلى النظام العربي.
غير أن الأكثر أهمية وخطورة، هو ما تفعله الدول العربية ذاتها، كما
يتضح من تحليل عدد من السياسات والتوجهات ذات الصلة؛ أولها- تهافت
الدولة العربية، بعد أن أخذ النظام العربي يفقد خاصيته العربية
بفقدان القدرة عبر قواه الأساسية التي كانت تلعب دور قاطرة النظام،
أو نقطة الثقل في التفاعلات الأساسية فيه،
الدور الذى كان يحدد جدول أعمال النظام وأولوياته، وكيفية إدارة
أنماط السياسات فيه، وفي المنظفة.
وثانيها– التناقضات العربية- العربية التي أصبحت تحتل الأولوية على
التناقضات العربية الغربية، ومن ضمنها التناقضات العربية-
الإسرائيلية.
وثالثها– تساقط الجوامع المشتركة، حيث فقد الوطن العربي الإحساس
بهويته، بل وتملكته نزعات القبائل المتحاربة.
ورابعها– أزمة الفعالية، التي توضحها الفجوة الكبيرة والمتسعة
باطراد بين التعهدات التي تقطعها الدول العربية على نفسها في
مؤسسات النظام العربي، وبين تنفيذها بالفعل.
ورابعها– الجماهير العربية، ففي إطار تحليل الأزمة الاستراتيجية
العامة التي يتعرض لها الوطن العربي، تبدو الجماهير العربية غائبة
عن الفعل السياسي .. من ثم التساؤل: لماذا يكون الأمر على هذه
الشاكلة؟ هكذا يجرى تحليل مرحلة غياب وتغييب الجماهير العربية، منذ
مطالع السبعينات من القرن الماضي، ثم مرحلة العودة ورد الاعتبار،
بخاصة بعد تطورات "الربيع العربي"
وتداعياته،
التي جاءت
لتؤكد أمرين على جانب كبير
من الأهمية: أولهما – كسر حاجز الخوف لدى الجماهير العربية، وثانيهما – إدراك الشعوب العربية أن الثورة ممكنة، بل إنها الممكن
الوحيد في مواجهة نظم الدكتاتورية والفساد والتبعية.
وخامسها– المنظومة الرأسمالية العالمية، التي أصبحت تشكل، دون أي
تحد خارجي يذكر، قلب النظام العالمي كله، وتقبض بإحكام على الدفة
الموجهة لمساره، بمكوناتها
الثلاثة: الدول الرأسمالية السبع المتقدمة؛ والشركات متعددة
الجنسية؛ والمؤسسات الاقتصادية العالمية (صندوق النقد الدولي،
والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية)؛
حيث إن الترجمة المباشرة لهذا التوجه الرأسمالي تجاه الوطن العربي
تنصرف عملياً، ومن الناحيتين الاقتصادية والسياسية، إلى تصفية
الصراع العربي الغربي باعتباره الصراع الأساسي في المنطقة، وفي
سياق ذلك تجري تصفية الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره الصراع
المباشر، بحيث تتحقق الهيمنة المباشرة للمركب الامبريالي –
الإسرائيلي، وتسقط القومية العربية وتتلاشى وتندثر.. مرة واحدة
وإلى الأبد.
وفي الخلاصة فإن النظام العربي –في الوقت الذي تشتتت جهوده وطاقاته
خارج حدوده وداخلها– لم يواجه من قبل خطر الانفراط من داخله،
لكن الزلازل التي تعرّض لها طوال العقود الأربعة الماضية،
واستمرارية تداعياتها المدمرة، تؤكدان أن التحدي الأكبر الذي
سيواجه هذا النظام هو تحدي الانفراط من الداخل. وهذا هو المعنى
الحقيقي للقول بأن مشروع النهضة العربية برمته يواجه نوعاً من
تحديات المصير: يكون أو لا يكون.
الورقة الثانية
واقع العلاقات العربية الأمريكية وآفاقها المستقبلية
د. أسامة عبدالرحمن الدوري
بدأ تغلغل النفوذ الأمريكي في البلاد العربية على شكل
تجارة مع بلدان المغرب العربي وسواحل عُمان ومسقط ومصر والعراق،
ومنذ البداية رافق ذلك الأسلوب الدبلوماسي والتهديد تارة أخرى (حرب
1804-1805 مع طرابلس الغرب). ثم بدأ التغلغل الثقافي الامريكي قبل
الحرب العالمية الأولى سواء بإرساليات تبشيرية ومدارس، ومطبعة،
وبعثات آثاريه.
وبعد الحرب العالمية الأولى أعجب العرب بمباديء الرئيس ودرو ويلسون
الأربعة عشر التي كان ظاهرها طيباً وباطنها خدمة للمصالح
الأمريكية. ثم برزت مسألة امتيازات النفط التي أصرت الإدارة
الأمريكية على حصول شركاتها على نصيب من تلك الامتيازات سواء
بالعراق أو العربية السعودية ثم دول الخليج العربي الأخرى. ورافق
ذلك عقد معاهدات مع بعض دول المنطقة، ومنها معاهدة 1930 مع العراق.
بعد الحرب العالمية الثانية برزت إلى السطح المشكلة الفلسطينية
التي وقفت واشنطن ومنذ البداية إلى جانب ما بات يعرف بإسرائيل
واعترفت بها.
أدى بداية الحرب الباردة، ومحاولة واشنطن والغرب جذب بعض الدول
العربية إلى جانبهم، وضمان الهيمنة الأمريكية أكثر، أدى إلى تشكيل
ميثاق بغداد 1954، ثم إعلان الرئيس أيزنهاور مشروع الدفاع عن الشرق
الأوسط تحت ذريعة حماية العرب من المدّ الشيوعي.
جاءت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ليوضع العرب والمسلمين في دائرة
الإرهاب، وارتفع صوت الرئيس بوش الابن بأن العراق واحدا ممن سماهم
في "محور الشر" ، كل ذلك أدى إلى الاحتلال الأمريكي المباشر لمناطق
عربية أو هيمنة عسكرية وتدخل مباشر، كما حدث في العراق عام 2003،
فهيمنت واشنطن على المنطقة العربية هيمنة مباشرة، وبهذا يمكن القول
إن الرئيس بوش الإبن آمن وخلال فترتيْ حكمه بعسكرة السياسة
الخارجية الأمريكية.
واللافت للانتباه أن سياسة الرئيس أوباما لم تعتمد على القوة
العسكرية الغاشمة، واقتنع أن القوة لوحدها لا تستطيع حماية بلاده،
ولهذا امتنع عن استخدام القوة والتدخل العسكري بالصورة التي
استخدمها سلفه، كما حدث في العراق. ولكن على أرض الواقع استمر
التدخل العسكري في ليبيا ومن ثم في سوريا واليمن، والآن في حرب
تحرير الموصل من سيطرة داعش.
وفيما يخص القضية الفلسطينية أعلن أوباما حق الفلسطينيين بإقامة
دولتهم وهذا يمثل رؤية أمريكية جديدة، ولكن هل سارت واشنطن بخطى
متقدمة في هذا المجال؟.
تمثل تدخلات واشنطن في معظم البلدان العربية الآن دليل واضح
إلى الصورة التي وصلت إليها العلاقات العربية الأمريكية.
لا يملك العرب أي مركز قوة في الوقت الحاضر يمكن أن يلعب
دوراً في تعديل مسار العلاقات العربية الأمريكية. ولهذا فإن افضل
وسيلة امام العرب هو الاهتمام ببناء القدرات العلمية والتقنية
والاهتمام بالتعليم، ومن جهة أخرى على العرب أن يدركوا أن عصر
النفط بدأ يذوي ولا بد لهم أن يتجهوا لبناء اقتصاد خارج مظلة
النفط، ويجب أن يفكروا بشكل جدي بالمستقبل.
وهناك من يرى ان واشنطن لم تعد تعط لعلاقاتها مع العرب
أولوية، بل ذهبوا بعيداً إلى المحيط الهادي وآسيا لأن مستقبل
الولايات المتحدة الأمريكية هناك.
الورقة الثالثة
العلاقات العربية الروسية
د. خالد العزي
تُعدّ العلاقات العربية- الروسية قديمة جديدة ربطتها المصالح
الاقتصادية والتجارية والثقافية طوال القرن الماضي نتيجة الظروف
الجيوسياسية التي فرضتها طبيعة الموقع الجغرافي والديمغرافي للدول
العربية من جهة، والحاجة الملحة للدول الغربية للوصول والسيطرة على
هذه البقعة الجغرافية من جهة أخرى، والتي تفرضها مميزات عدة.
فالعالم العربي يرتبط تاريخياً بعلاقات دينية مع روسيا الأرثوذكسية
التي لم تكن غريبة عن العالم الإسلامي، نظراً لوجود أقلية مسلمة
داخل الاتحاد الروسي ولمجاورتها لدول إسلامية في شرق ووسط آسيا.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي ووقوع الدولة الروسية في أزمة
اقتصادية وسياسية تراجع الاهتمام بالأصدقاء القدامى من قِبل الدولة
الروسية الحديثة حيث كان للعرب نصيباً من هذا الإهمال في الأجندة
الروسية.
وانطلاقاً من المصالح الاقتصادية بدأت روسيا تتوجه من جديد نحو
العالم لاستعادة دورها السياسي في الحلبة السياسية الشرق أوسطية.
كان العالم العربي جزءاً أساسياً من التفكير الدبلوماسي الجديد
الذي بدأ يديره الرئيس بوتين من أجل ربط مصالح اقتصادية جديدة
لحلفاء جدد.
فالعلاقات بدأت تُرمّم بطريقة سريعة بين العالم العربي وروسيا حيث
بدأ العرب ينظرون إلى روسيا كونها الجسر الحضاري والثقافي الرابط
بين الشرق والغرب في ظلّ القرية الكونية الجديدة.
كانت زيارات بوتين المتكررة إلى دول العالم العربي، ولاسيما إلى
دول الخليج العربي التي تركت صداها القوي على المنطقة العربية
وروسيا والعالم، مما ساعد في إحياء العلاقات العربية- الروسية؛ حيث
نشطت الزيارات المباشرة بين العرب والروس، وفتحت آفاقاً جديدة في
العلاقات الروسية- العربية التي كانت مقفلة بوجه الاتحاد
السوفياتي.
ولكن الحديث عن هذه العلاقات التي لم يُكتب لها الاستمرار في زخمها
الطبيعي بسبب دخول العالم العربي في مرحلة الربيع العربي الذي أربك
الروس ووضعهم في حيرة بسبب التغيير الذي يعيشه العالم العربي.
الجلسة الثانية: العلاقات العربية- الأوروبية
الورقة الأولى
العلاقات العربية مع الاتحاد الأوروبي
(الاتحاد المغاربي- دول مجلس التعاون الخليجي)
د. محمد بوبوش
شهدت العلاقات العربية- الأوروبية منذ السبعينيات من القرن الماضي
مراحل عدة بدأت بإطلاق ما سمِّى الحوار العربي- الأوروبي الذي
انطلق إثر الأزمة البترولية الأولى. وانطلقت الشراكة الأوروبية
المتوسطية "يوروميد" أو مايسمى بـ "عملية برشلونة" في شهر تشرين
ثاني/ نوفمبر سنة 1995، وهدفت إلى تعزيز العلاقات بين الاتحاد
الأوروبي والبلدان العشر التي تقع حول البحر الأبيض المتوسط في
المشرق والمغرب العربي أي الجزائر، ومصر، وإسرائيل، والأردن،
ولبنان، وليبيا، والمغرب، والأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا
وتونس، من خلال زيادة وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في
المنطقة العربية.
كما وضع الاتحاد الأوروبي آليات خاصة لتمويل المشاريع في البلدان
المعنية، للوصول إلى الهدف النهائي المتمثل بإنشاء المنطقة
الأوروبية العربية للتجارة الحرة بحلول عام 2010 من خلال سلسلة من
اتفاقيات الشراكة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وبعض هذه الدول،
حلت محل اتفاقات التعاون المبرمة في سنوات السبعينيات من القرن
الماضي.
تنقسم الدراسة إلى جزأين رئيسين: الأول يتعلق بعلاقات المغرب
العربي كتنظيم إقليمي مع الاتحاد الأوربي، ومن خلاله تعرض للمحاور
الآتية: الاتحاد المغاربي في سياسات الاتحاد الأوربي من خلال تطور
الشراكة بين الجانبين منذ عقد الستينات إلى اليوم في مختلف
المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. أما القسم الثاني من
الدراسة فيتناول الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، من
خلال تشخيص المصالح والأهداف الأوروبية في هذه المنطقة، ومجالات
التعاون بينهما.
دخلت العلاقات الأوربية مع الاتحاد المغاربي في مأزق بسبب بعض
الجمود الذي وقعت فيه السياسات الأوروبية، بوصفها مُوجهة بالأساس
صوب التجارة والأمن، غير مكترثة اكتراثاً كافياً بمسألة التنمية
المشتركة، ولا التكامل الإقليمي، ولا دعم ديمقراطية حقيقية في
المنطقة. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي
والمغرب العربي لما يربو على خمسين عاماً، فإن عدم وجود رؤية طويلة
المدى، وعدم كفاية الموارد وقصور الوثائق الرسمية، كل ذلك يُفسر
إلى حدٍّ كبير عدم استطاعة الاتحاد الأوروبي دفع عجلة النمو في
المغرب العربي.
على أن بلدان المغرب العربي تتحمل جزءاً كبيراً من
المسؤولية لإخفاقها في تناول التحديات الاقتصادية، ومعالجة اختلال
التوازن الإقليمي والاجتماعي، وتسوية ما بينها من خلافات،
وانصرافها عن تحقيق التكامل الإقليمي، وعدم استجابتها لتطلعات
مجتمعاتها. وعليه، فالإخفاق في انتشال بلدان المغرب العربي مما
تعانيه من ركود اقتصادي وضعف سياسي مسؤولية يتحملها كل من الاتحاد
الأوروبي وبلدان المغرب العربي جميعاً.
وقد أفضت هذه الإخفاقات، من كلا الجانبين، إلى ظهور حالة من التشكك
والإحباط، فمن العجز عن سدِّ فجوة الثراء بين الاتحاد الأوروبي
وبلدان المغرب العربي؛ إلى مضي معدلات الفقر والجهل في ارتفاعها في
جُل بلدان المغرب العربي، فضلاً عن بطالة العنصر الشبابي التي ما
فتئت تمثل الوقود لحالة الغضب والإحباط والثورات والرغبة في الرحيل
وهجر الأوطان.
وتخلص الدراسة إلى ضرورة أن يصلح الاتحاد الأوروبي سياساته في
منطقة المغرب العربي، من أجل مصلحته هو أولاً، ثم من أجل مصلحة
المغرب العربي. كما أن على بلدان المغرب العربي نفسها أن تتجاوز
عاداتها القديمة، فتُسوي خلافاتها وتنفتح في أنظمتها السياسية،
ليُشارك فيها الجميع، وتُنوع اقتصاداتها وأسواقها الخارجية، وتدعم
التكامل الإقليمي فيما بينها.
ظلت
العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي دون مكانة
مجلس التعاون الخليجي الاستراتيجية، وأهمية مصالح الاتحاد الأوروبي
واستثماراته المالية.
فعلى الرغم من توقيع اتفاقية التعاون بين
الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي عام 1988، فإن المفاوضات
حول اتفاقية تجارة حرة لم تُحسَم بعد، كما يصعب فهم انعدام التوافق
الاستراتيجي الذي بات يُمثِّل خطورة على كلا الجانبين.
الورقة الثانية
العلاقات العربية- البريطانية
(بريطانيا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: قراءة في موقف مجلس
العموم البريطاني)
د. أديب زيادة
شكّل القرار الذي اعتمده مجلس العموم البريطاني في الثالث عشر من
تشرين أول/ أكتوبر 2014 حول الاعتراف بدولة فلسطين تطوراً نظر له
المراقبون بعين الأهمية نظراً للعامل الجيوسياسي الذي تتمتع به
بريطانيا. فالأخيرة حليف استراتيجي لإسرائيل، وهي لها بمثابة
المؤسس والراعي الذي خدم الحركة الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل
أكثر مما فعله غيرها من الدول الصديقة في النصف الأول من القرن
الماضي تحديداً. وعندما تخرج مثل هذه الدعوة من قبل مشرّعي دولة
(وعد بلفور)- على الرغم من المحاولات الصهيونية المحمومة لثنيهم عن
ذلك- فهي بلا شك تحمل من الدلالات والمعاني ما ينبغي الوقوف عليه.
فبعد أن كانت الدعوات التي تُدِين إسرائيل وتنعتها بالوقوف وراء
تخريب مساعي التسوية السياسية في المنطقة مقتصرة على حركات شعبية
ونقابات واتحادات، انتقلت الحركة الاحتجاجية ليصل صداها بقوة إلى
قُبّة البرلمان.
عمدنا في دراستنا هذه إلى الوقوف على خلفيات هذا الحراك الرمزي
والهام وتفحص دلالاته ومآلاته، كما تمّ تناول ما جاء على ألسنة
كافة النواب المتحدثين في جلسة القرار المتعلق بالاعتراف بالدولة
الفلسطينية في مجلس العموم البريطاني وعددهم ثلاثة وأربعون نائباً
كعينة نقاش تمثيلية لما تم في سائر البرلمانات الأوروبية، علماً
أنّ مداخلات هؤلاء النواب شكّلت وثيقة تاريخية أخذت هذه الورقة على
عاتقها قراءتها بعناية، وتفكيك عناصرها والوقوف على المعاني التي
تختفي خلفها. دار محور الحديث حول وجهتيْ نظر إحداهما تؤيد
الاعتراف بالدولة الفلسطينية والأخرى تُعارضها حيث تسلّح كل من
الفريقين بدلائل وبراهين دعا من خلال استعراضها الآخرين لتأييد
وجهة نظره.
وبفضل استخدام منهج تحليل مضمون الخطاب تم استجلاء طبيعة تلك
المواقف والتفصيل فيها وتصنيفها، والخلوص إلى جملة من الاستنتاجات
أهمها أن إسرائيل -كدولة تحركها هواجسها الأمنية- آخذة بفقدان
صورتها على المستويين الرسمي والشعبي في بريطانيا، حيث بلغ مستوى
الحنق لدى الساسة البريطانيين جراء التعنت الاسرائيلي مستوى غير
مسبوق، وهو ما جرّأ النواب على اللجوء إلى تأييد هذه الخطوة وفي
ذات الوقت توجيه انتقادات جريئة بحق إسرائيل.
دعت الدراسة في خلاصتها إلى البناء على هذا التطور الإيجابي لدفع
الساسة إلى الكفّ عن الكيل بموازين مختلفة عبر الضغط على إسرائيل
بالعقوبات، وإقناع أولئك الساسة في الوقت ذاته بحق الشعب الفلسطيني
في المقاومة من أجل نيل حقوقه.
الورقة الثالثة
العلاقات العربية- الفرنسية
د. أحمد سعيد نوفل
مرّت العلاقات العربية الفرنسية بمراحل مختلفة، من احتلال فرنسا
واستعمارها أجزاء شاسعة من الوطن العربي في المشرق والمغرب، إلى
موقفها المتميز من الصراع العربي-الإسرائيلي ، مروراً بمشاركتها في
العدوان الثلاثي على مصر وانتهاء بمبادرتها ليس بحكم الجوار
الجغرافي لأوروبا مع أطراف الصراع، بل من أجل أن تحافظ على مصالحها
في المنطقة. خاصة أن أوروبا هي الساحة التي انطلقت منها الحركة
الصهيونية في مشروعها الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، لأنه من
دون الدعم الذي قدمته لها، ما كان من الممكن أن ترى إسرائيل النور.
وكان الصراع على فلسطين منذ الحروب الصليبية حتى قيام إسرائيل يقع
في سلم أولويات الدول الأوروبية.
ينقسم البحث إلى ثلاثة أجزاء، يعالج الجزء الأول التطور التاريخي
للعلاقات العربية- الأوروبية، والجزء الثاني، تطور موقف المجموعة
الأوروبية من الصراع العربي- الإسرائيلي، والجزء الثالث توجهات
الاتحاد الأوروبي نحو القضية الفلسطينية وعملية السلام منذ مطلع
التسعينات وحتى عام 2016، وصولاً إلى مستقبل العلاقة العربية
الفرنسية، والمبادرة التي قدمتها فرنسا باسم الاتحاد الأوروبي لحل
القضية الفلسطينية.
وخلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات ومن أبرزها، رغبة فرنسا في
الحفاظ على العلاقات الخاصة التي تربطها مع الدول العربية خاصة
النفطية، وعدم تعريض هذه العلاقات للتوتر بسبب الصراع
العربي-الإسرائيلي، وإعطائها الأفضلية في سياسات الاتحاد الأوروبي
في الشرق الوسط. ومحاولة فرنسا تزعم سياسات الاتحاد الأوروبي مع
الدول العربية بسبب عدم اتفاق دول الاتحاد على موقف موحد من
القضايا والمشاكل التي تعصف بالدول العربية؛ كالأزمات في ليبيا
وسوريا والعراق واليمن. وعدم وجود ضغوط عربية على الجانب الفرنسي
والتي تتبع في سياستها الموقف الأمريكي لتطوير العلاقات العربية
الفرنسية لصالح الطرفيْن. وتشجيع فرنسا، الحوار
الفلسطيني-الإسرائيلي، وعقد المؤتمرات المتخصصة للبحث عن حلول
للمشاكل التي تواجه عملية السلام. كان آخرها دعوتها إلى عقد مؤتمر
دولي في العاصمة الفرنسية. كما أكدت الدراسة على لعب فرنسا ودول
الاتحاد الأوروبي دور الممول المادي للجانبين الفلسطيني
والإسرائيلي، من أجل أن تبقي على نفوذها في الشرق الأوسط، لكي تعوض
الخسارة عن الدور السياسي المحدود الذي تلعبه عِبر الدور الاقتصادي
الداعم لعملية السلام .
كما خلص الباحث إلى التأكيد على محاولة فرنسا التنسيق مع الولايات
المتحدة والأمم المتحدة وروسيا للعب دور مشترك في عملية السلام في
الشرق الأوسط، وهذا الموقف هو الذي أدى إلى تشكيل اللجنة الرباعية
التي وضعت خطة خريطة الطريق. كما أكّد على أن فرنسا تريد أن تقوي
علاقاتها مع الدول العربية، والاستفادة منها في تنشيط دورها في
تسوية القضية الفلسطينية، وهي في الوقت ذاته لا تريد فصل التعاون
الاقتصادي الأوروبي- العربي عن الدور السياسي الفرنسي في الشرق
الأوسط.
أعلى الصفحة
الجلسة الثالثة: العلاقات العربية- الأفريقية
الورقة الأولى
العلاقات العربية- الأفريقية
(الحالة النيجيرية)
د مصطفى بنموسى
يقف الباحث في العلاقات العربية- النيجيرية، على واقع غير منطقي
يتمثل في وجود
مفارقة محيرة،
فالقواسم المشتركة المتعددة تُوفِّر فرصاً كبيرة للوصول بالتعاون
المشترك إلى مستويات عالية، لكن واقع العلاقات الاقتصادية
والسياسية والثقافية لايزال بعيداً جداً عن استثمار هذه الفرص،
وترجمتها إلى معطيات وأرقام يستفيد منها الجانبان.
من هذا المنطلق تساءلت –هذه الورقة– عن أسباب هذا الضعف وتجلياته
وتداعياته على المنطقة العربية والإفريقية، وذلك في
محاولة للبحث عن أنسب الحلول والمقترحات لإعادة التوازن والحيوية
إلى العلاقات العربية- النيجيرية.
يرى الباحث أن مشهد العلاقات العربية- النيجيرية يُعاني مجموعة من
الاختلالات، من قَبِيل ضعف التعاون السياسي بين الجانبيْن نتيجة
غياب العقلانية في المنطلقات التي تحكم علاقات الدُوَل العربية
بنيجيرية، إلى جانب ضعف التعاون الاقتصادي نتيجة التشابه الكبير في
البنى الاقتصادية ذات الطبيعة الريعية بين الطرفيْن، وضعف
الاستثمارات والمساعدات العربية التي يتم ضخها في الاقتصاد
النيجيري.
كما
عرض هذا البحث
العراقيل والصعوبات التي تقف حجر عثرة في وجه تطوير العلاقات بين
الجانبين النيجيري والعربي، من قبيل: التأثير
السلبي للنفوذ الدولي الخارجي على هذه العلاقات، وتردّي
الوضع العربي، أضف إلى ذلك تأثير البعد الأمني على هذه العلاقات
خاصة مع وجود جماعة "بوكو حرام"
التي باتت
تشكل تهديداً كبيراً لنيجيريا وللدول العربية على السواء.
ولتجاوز هذه العراقيل والصعوبات وصولاً بالتعاون إلى مستوى
التطلعات، وترجمة القواسم المشتركة بين الطرفيْن إلى مواقف سياسية
وأرقام اقتصادية يرضى عنها الجميع.
يقترح البحث
مجموعة من الحلول والمقترحات من أبرزها: تفعيل العمل الدبلوماسي
الجماعي من خلال تفعيل الاستراتيجية العربية الإفريقية المشتركة
2011-2016، وتركيز الدول العربية على ترسيخ التعاون مع نيجيريا في
مجموعة من المجالات ذات الأهمية الكبرى مثل المجال الاقتصادي،
والاهتمام بالبعد الأمني في ظل الصراعات التي تمزق دولة نيجيريا،
والاستعانة بآليات تنشيط التبادل الثقافي والتعاون الإعلامي لتقوية
العلاقة بين الطرفيْن.
الورقة الثانية
العلاقات العربية مع الاتحاد الإفريقي
(جدلية الهوية وتحديات واقع دولي متحول)
د حمدي عبدالرحمن
يعكس تاريخ العلاقات والتفاعلات العربية الإفريقية في العصر الحديث
على الدوام معضلة الهوية والانتماء وإشكالية تغليب الاعتبارات
السياسية والأيديولوجية على المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة
للطرفين. لذلك، لم يكن غريباً أن تسعى بعض الزعامات الإفريقية مثل
الرئيس باندا في ملاوي والرئيس موبوتو في زائير (الكونغو
الديموقراطية حالياً) إلى محاولة الفصل بين العروبة والأفريقانية
في حركة الوحدة الأفريقية بحيث تصبح الرابطة الإفريقية بعد
الاستقلال خاصة بدول جنوب الصحراء الكبرى، وذلك رداً على إنشاء
الجامعة العربية وانضمام دول إفريقيا العربية إليها.
وقد واجهت مسيرة العلاقات العربية الأفريقية في إطارها المؤسسي
تحديات كبرى أفضت إلى وجود فترة انقطاع تاريخي خلال العقود الثلاثة
الماضية، فمصر التي احتضنت قمة العرب والأفارقة الأولى في القاهرة
عام 1977 وكانت خلف جهود انعقاد قمة سرت الأفروعربية الثانية عام
2010 لم تحضر قمة الكويت عام 2013 إلا بوجهها العربي فقط. وقد
أسهمت التحولات الإفريقية والإقليمية والدولية في أعقاب مرحلة
الحرب الباردة في تعميق القطيعة بين العرب والأفارقة حيث طرحت أزمة
الهوية والقومية بشكل حاد. وتسعى هذه الدراسة إلى طرح بعض القضايا
والإشكاليات العامة التي ترتبط بمنظومة التفاعلات العربية
الأفريقية في إطار الاتحاد الإفريقي. كما تهدف كذلك إلى اقتراح عدد
من المداخل والأطر التي يمكن من خلالها تجاوز أزمة المواقف العربية
تجاه الاتحاد الأفريقي سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة. على أن
الدراسة تثير كذلك بعض التساؤلات حول تأثير ثورات الربيع العربية
على خطاب ومؤسسات العلاقات العربية الإفريقية في إطار الاتحاد
الإفريقي.
ولعل الافتراض الرئيسي الذي تقوم عليه هذه الدراسة يتمثل في أن
تراجع مباديء وأيديولوجيات الوحدة في كل من الوطن العربي وإفريقيا
(العروبة والأفريقانية) بالإضافة إلى تحولات النظام الدولي في
مرحلة ما بعد الحرب الباردة (التكالب الدولي الجديد على الموارد
الطبيعية) قد أثر بصورة سلبية على العلاقات العربية بالاتحاد
الإفريقي. وعليه فقد خلصت الدراسة إلى القول بأن
نجاح القمم الأفروعربية في تأسيس شراكة استراتيجية جديدة بين العرب
والأفارقة رهن بمدى نجاحها في عدم تسييس العلاقة بين الطرفين
وتدشين حوار استراتيجي جديد يناقش كافة القضايا ذات الاهتمام
المشترك على قدم المساواة. ولعل ذلك كله يفرض علينا ضرورة تبني
شعار "التوجه جنوباً" نحو أفريقيا للانطلاق معاً نحو آفاق جديدة
للنهضة والرقي. فهل نتعلم من أخطاء الماضي ونواجه تحديات الحاضر
لتحقيق حلم الأفروعربية مرة أخرى؟
الورقة الثالثة
العلاقات العربية مع جنوب أفريقيا
(نموذجا مصر والخليج)
د. بدر حسن شافعي
تتناول هذه الورقة العلاقة بين جنوب أفريقيا باعتبارها أحد أقطاب
القارة السمراء، والتي كانت في لحظة تاريخية محطّ اهتمام العالم
أجمع بسبب سياسة الفصل العنصري (الأبارتيد)، فضلاً عن كونها بعد
ذلك نموذجاً يُحتذى به في عملية التحول الديمقراطي والعدالة
الانتقالية، وبين كل من قطبيْن عربييْن، الأول هو مصر باعتبارها
القطب العربي المنافس لها في أفريقيا، ودول الخليج الست، باعتبارها
تكتل اقتصادي كبير في القارة الآسيوية.
وتسعى هذه الورقة إلى الإجابة على عدة تساؤلات رئيسية بشأن عدد من
المواضيع؛ ومن أبرزها: المحددات "المقومات" الذاتية لكل طرف التي
يمكن أن تشكل عنصر جذب للطرف الآخر
من ناحية، كما تشكل دافعا لكل طرف للقيام بدور نشط في علاقاته
الدولية بالأطراف الأخرى. ومجالات هذه العلاقة، وما يستتبعه ذلك من
سؤال حول طبيعة العلاقة؟ هل هي علاقة تنافسية أم تكاملية أم هي
علاقة تابع بمتبوع؟. والتحديات التي تواجه تدعيم هذه العلاقات،
تحديات خاصة بالتنافس والهيمنة الإقليمية "حالة مصر وجنوب أفريقيا"
أو بوجود تنافس من فواعل أخرى "الدول الأوربية والولايات المتحدة
في الخليج"، و"الصين، الهند، اليابان، إيران، تركيا" في أفريقيا.
وأخيراً مستقبل العلاقات بين الجانبين.
وفي هذا الإطار تم تقسيم الورقة لمبحثين أساسيين، وخاتمة. الأول
يتضمن العلاقات المصرية بجنوب أفريقيا. والثاني: العلاقات الخليجية
مع جنوب أفريقيا. وقد تضمن كل مبحث ثلاثة مطالب أساسية، الأول
يتعلق بمحددات "مقومات" العلاقة، والثاني يرتبط بمجالاتها، أما
الثالثة فيتحدث عن أبرز التحديات .
وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج، ومنها أن العلاقة بين هذه
الأطراف الثلاثة لا تحظى بالأولوية لأسباب عدة منها السبب الجغرافي
"البعد المكاني"، والذي جعل جنوب أفريقيا تُركز أولوياتها الخارجية
على دول الجنوب باعتبارها المجال الحيوي لها، في حين تُركز مصر على
الدائرة النيلية ودول شرق أفريقيا، وإن تراجع هذا الاهتمام بعد ذلك
بسبب انكفاء الرئيس الأسبق حسني مبارك على الشأن الداخلي، وما تبع
ذلك من تغييرات في مصر أدت إلى مشاكله اقتصادية لا تنتهي، وخاصة في
الوقت الحالية. أما دول الخليج، ففضلاً عن اهتمامها بالعلاقة مع
الغرب والولايات المتحدة، ناهيك عن القضايا الإقليمية الملتهبة
حولها في سوريا، والعراق، واليمن، فإن اهتمامها بأفريقيا يكاد
يقتصر على منطقة الشرق الأفريقي لعدة اعتبارات منها الاعتبار
الجغرافي، فضلاً عن الاهتمام الأمني المتمثل في التغلغل الإيراني
الداعم للحوثي في دول هذه المنطقة.
الجلسة الرابعة: علاقات العالم العربي مع دول آسيا وأمريكا
اللاتينية
الورقة الأولى
العلاقات العربية- الصينية
د. عمار جفال
منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، شهدت العلاقات العربية الصينية
نقلة كمية ونوعية كبيرة جدا مع غالبية الدول العربية، و يرجع ذلك
إلى توافر مجموعة عوامل أهمها: أولا/ تبلور سياسة القوة الناعمة
التي توجهت إليها الصين في سياستها الخارجية كخيار استراتيجي شامل
يؤطر العلاقات الدولية للصين و يميز سلوكها مع الدول و الفضاءات
الجيوسياسية، ثانيا/ تغير الظرف الدولي نحو زوال القطبية.
ثالثاً/ توجه العلاقات الدولية نحو أولوية العلاقات الاقتصادية و
المبادلات التجارية على حساب الاعتبارات الأيديولوجية، و تخلي
الصين عن الدعوة لنشر الشيوعية والانعكاسات الايجابية لهذا التوجه
الجديد على ازدهار العلاقات الصينية وتطورها مع بلدان عديدة منها
السعودية و بلدان أخرى. رابعا/ الطفرة الاقتصادية التي شهدتها
الصين ودفعتها بقوة إلى البحث عن الموارد الأولية عبر القارات،
وفي مقدمة هذه الموارد: النفط و الغاز. و بالنظر إلى المكانة
الحاسمة لاحتياطيات الوطن العربي من هذه المواد،. خامساً/ توجه
الدول العربية طوال العشريتين الماضيتين إلى إدخال إصلاحات
اقتصادية داعمة لتطوير اقتصاد السوق، و تزامن دلك مع انضمام الصين
إلى منظمة التجارة العالمية الأمر الذي سمح بإزالة العديد من
العراقيل أما الاستثمار و التجارة البينية.
انطلاقاً من هذه التحولات والمؤشرات الواعدة، تهدف الورقة إلى
مناقشة وتحليل العناصر الرئيسية في للعلاقات العربية الصينية وآفاق
تطورها و ذلك ضمن المحاور الرئيسية التالية:
-
مناقشة أهم أوجه التوافق و التقارب بين سياسات وتطلعات الطرفين
العربي و الصيني
-
محاولة تقديم عرض معمق لحجم تطور العلاقات بين الطرفين واتجاهاته
الجغرافية الهامة و هي: مجموعة الدول العربية بشمال إفريقيا،
مجموعة الدول العربية الخليجية.
-
دراسة الحالة السودانية التي عكست رغبة الصين في انجاز نموذج ناجح
للعلاقات مع الصين
أخيراً خلاصة واستشراف لآفاق تطور العلاقات الصينية العربية على
ضوء المعطيات السالفة الذكر.
أثبتت الصين أنها قادرة على تقديم نموذج تعاون جديد مع الدول
العربية يختلف عن الممارسات التقليدية للقوى الكبرى بالمنطقة،
يتمحور حول المزج بين مكونات القوة الناعمة وما تتضمنه من ربط بين
الجانب السياسي المحدد بالمبادئ الخمسة للسياسة الخارجية الصينية
وفي مقدمتها مبدأ عدم التدخل واحترام سيادة الدول والجانب
الاقتصادي المركز على التنمية وخدمة مصالح الطرفين. وهو ما يتوافق
تماماً مع تطلعات الطرف العربي.
ورغم العوامل السياسية والحوافز الاقتصادية المساعدة جدا لتطور
العلاقات بين العرب والصين، لا زالت هذه العلاقات من حيث الكم
محدودة مقارنة بنسبة ارتباط الدول العربية بقوى اقتصادية أخرى وفي
مقدمتها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لكن الملاحظ أن
العلاقات الاقتصادية للدول العربية مع الصين تميزت بسمات واعدة،
ومن أبرزها الوتيرة السريعة لطور العلاقات الاقتصادية كماً ونوعاً،
وتنوع العلاقات الاقتصادية و توازنها ما بين الاستثمار التنموي
والتجارة، وروح المغامرة الاقتصادية التي أبدتها المؤسسات الصينية
بالاستثمار في قطاعات مهمشة ومناطق نائية وغير آمنة مثل ما هو
عليه الحال في السودان مثلاً. وتغليب الأهداف الكبرى على الحسابات
الاقتصادية الصرفة بالدفع دائما نحو استثمارات مربحة للطرفين.
وفيما يتعلق بآفاق العلاقات الصينية العربية، يخلص الباحث إلى عدد
من الأمور، ومن أبرزها:
-
حاجة الصين الماسة لنفط العرب وتطور ورداتها منه إلى حوالي نصف
حاجياتها، مؤشر هام يدفع بالعلاقات مستقبلاً إلى المستوى
الاستراتيجي والحيوي ويساهم في بناء محور استثماري واعد خاصة مع
دول مجلس التعاون وفي مقدمتهم السعودية.
-
لاعتبارات جغرافية تتعلق بموقع الدول العربية بشمال إفريقيا بين
السوق الأوربية- الإفريقية، واعتبارات تعاونية تتعلق باتفاقيات
التبادل التجاري المبرمة بين بلدان شمال إفريقيا والاتحاد الأوربي
وإفريقيا والعالم العربي، تتجه التطلعات الاقتصادية للطرفين إلى
انجاز مناطق تنمية اقتصادية في هذه البلدان، وبالفعل بدأ العمل في
مصر بمشروع منطقة شمال قناة السويس، كما يحتمل الشروع في إنجاز
مشاريع مماثلة بالمغرب والجزائر وتونس و ليبيا لاحقاً. ومن شأن هذه
المناطق أن تحول دول المنطقة إلى أقطاب تصنيع وتصدير.
-
فتح مشروع إحياء طريق الحرير الذي أطلقه الرئيس الصيني في خطابه
بالجامعة العربية في كنون ثاني/ يناير 2016 آفاقاً رحبة لتطور
العلاقات بين الصين والعرب على المدى البعيد. ويتضمن الشق البري
(طرق وخطوط سكك حديدية ..الخ) والشق البحري (تطوير وتأمين الخطوط
البحرية)، ويهدف المشروع بخططه الطموحة إلى تنمية رواق واسع ومكثف
من الهياكل القاعدية البرية لخدمة الزراعة والصناعة والتجارة
والتكنولوجيا بين الصين وأوروبا عبر الفضاء الجغرافي
العربي.
الورقة الثانية
العلاقات العربية- اليابانية
د. مسعود ضاهر
لم تعد اليابان المهزومة في
الحرب العالمية الثانية دولة عسكرية. لذا تمسكت اليابان بالحلول
الدبلوماسية وليس العسكرية للنزاعات التاريخية الموروثة في الشرق
الأوسط. وشجعت على التفاعل وليس الصدام بين الحضارات. وتبنت
"سياسة القوة الناعمة" التي تستند إلى الطاقة الإبداعية
الكامنة لدى الشعوب، وأبرزها التراث الثقافي، والقدرة على التواصل،
وتنشيط قطاع الخدمات المدنية، وتطوير المؤسسات الاجتماعية، ومعالجة
قضايا الاندماج الاجتماعي، وحماية "التنوع ضمن الوحدة"
لتجاوز الانقسامات بأشكالها المتنوعة.
فتطورت العلاقات العربية- اليابانية بوتيرة متسارعة في
العقد الأول من القرن العشرين إلى أن تضررت كثيراً من الانتفاضات
الشعبية لعام 2011 والتي ادخلت منطقة الشرق الأوسط في مرحلة بالغة
الخطورة. وليس من شك في أن التفاعل الإيجابي بين العرب واليابانيين
ودول آسيوية أخرى بات حاجة ملحة لكلا الجانبين. إذ تلعب المقولات
الثقافية دورا أساسيا في تطوير الحوار الشمولي، ومفاهيمه،
وتوصياته. وذلك يتطلب قيام مؤسسات ثقافية عربية ذات تمثيل عربي
شمولي تعنى باستمرار عملية الحوار بصورة تدريجية ومتصاعدة، وتضم
الغالبية الساحقة من الباحثين العرب المهتمين بتجربة التحديث
اليابانية.
وهي تولي أهمية خاصة للعناصر الشابة من الباحثين العرب الذين تلقوا
علومهم في اليابان، ولديهم خبرة واسعة في دراسة المجتمع، والدولة،
والتاريخ، والثقافة، والفلسفة، والعلوم، وغيرها من مشكلات البحث
العلمي العربي حول القضايا النظرية المشتركة. وقد ولد جيل جديد من
المترجمين العرب واليابانيين الذين يتقنون اللغتين العربية
واليابانية بشكل جيد، ومن القادرين على ترجمة الروائع أو الدراسات
العلمية اليابانية إلى العربية وبالعكس. وليس من شك في أن العرب
مقصرون جدا في هذا المجال. فغالبية الترجمات عن القضايا المشتركة
بين العرب واليابانيين ما زالت تتم عبر الترجمة عن ترجمات أوروبية.
ونجحت
اليابان في إقامة علاقات تفاعلية وثيقة مع الدول العربية على قاعدة
مؤسسات مالية وتجارية واقتصادية عملاقة، واستفادت على الدوام من
ثورات العلم والتكنولوجيا والاتصالات لتبني علاقات تجارية متينة مع
دول العالم، ومنها الدول العربية.
وحرصت الدبلوماسية اليابانية على تعزيز علاقاتها مع جميع الدول
العربية. وهي تقدم مساعدات مالية وتقنية وفنية لمنظمة التحرير
الفلسطينية، وبعض الدول العربية. وتساهم في تقديم الدعم اللوجستي،
والمالي، والتنموي في كثير من المجالات، لعدد كبير من الدول
العربية.
وتزايد
عدد المراكز الثقافية والجامعات والمعاهد اليابانية التي تدرس
اللغة العربية وآدابها، وتاريخ العرب، ومبادئ الإسلام، والنظم
الإسلامية، والقضايا الإسلامية الكبرى، والحركات الإسلامية،
القديمة منها والمعاصرة.
وشهد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين اهتماما متزايدا من
النخب العربية واليابانية .فقدموا تاريخ شعوب الشرق الأوسط
وثقافاتها بعيون يابانية وليس غربية. ونبهوا إلى وجود مجالات واسعة
للتعاون المثمر بين المستعربين اليابانيين والباحثين العرب
المهتمين بتطوير العلاقات العربية– اليابانية في المجالات
الأكاديمية، والثقافية، والفنية، وبناء فضاء ثقافي آسيوي مشترك
تتحدد فيه معالم الثقافات الآسيوية، ومنها العربية، المؤهلة لبناء
قرن آسيوي بامتياز، والمشاركة في قيام عولمة أكثر إنسانية. ولعب
الباحثون اليابانيون دورا أساسياً في إقامة حوار عميق حول أفضل
السبل الواجب اعتمادها من أجل الارتقاء بالعلاقات المشتركة مع
العرب نحو مستقبل أفضل.
ودعا المتنورون العرب إلى تطوير تطوير الأنظمة السياسية في الدول
العربية، وترسيخ قيم العدالة والحرية والمساواة بين المواطنين في
الحقوق والواجبات. فالتفاعل الإيجابي
بين العرب واليابانيين لن يبقى أسير علاقات اقتصادية وحيدة الجانب
بل يؤسس أيضا لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد لأن كل التوقعات نشير
إلى أن
القرن الواحد والعشرين سيكون آسيويا بامتياز. علما أن الثقافة
العربية مكون أساسي في الثقافات الآسيوية منذ أقدم العصور. وهي
مدعوة اليوم إلى الحوار الإيجابي معها من موقع الندية للتخلص من
تبعيتها المزمنة للثقافات الغربية.
الورقة الثالثة
العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية
(البرازيل والأرجنتين وفنزويلا)
د. صدفة محمد
استهدفت الدراسة استعراض مختلف جوانب العلاقات العربية اللاتينية،
من حيث: أسس ومرتكزات هذه العلاقات، ومستوياتها، وأبرز القوى
الفاعلة فيها، وقضاياها ومجالاتها. بالإضافة إلى العلاقات الدولية
لدول أمريكا اللاتينية وانعكاساتها على موقفها من القضايا العربية.
فضلا عن مستقبل هذه العلاقات وأبرز التحديات التي تحول دون تطورها،
ومسارات التحرك المقترحة للارتقاء بها.
وفي هذا الإطار، تناولت الدراسة أسس ومرتكزات العلاقات العربية
اللاتينية، وأبرزها: الموروث التاريخي والثقافي والبشري المشترك،
الذي يعود إلى القرن التاسع عشر من خلال تواجد كبير لمواطنين
لاتينيين من ذوي أصول عربية. وكذلك اتفاق رؤى الجانبين حول عدد من
مبادئ السياسة الخارجية، وأهمها: احترام الاستقلال الوطني، حق
الشعوب في تقرير مصيرها، عدم التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية
للدول الأخرى. فضلا عن الاهتمام بإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب من
جهة، وبناء نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة من جهة أخرى. وكذلك
الدعم القوي الذي تبديه دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية
وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
رصدت الدراسة مستويات التعاون العربي اللاتيني (الحكومي، والشعبي).
على المستوى الرسمي- الحكومي، يتم التعاون في إطار قمة الدول
العربية ودول أمريكا الجنوبية والاجتماعات الوزارية المنبثقة عنها،
ومن خلال العضوية المشتركة في المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية،
وكذلك تنسيق المواقف في إطار المنظمات متعددة الأطراف. بالإضافة
إلى التعاون الثنائي بين دول المنطقتين. ويتم التعاون على المستوى
غير الرسمي - الشعبي، من خلال القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع
المدني، فضلا عن دور الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية.
توصلت الدراسة إلى أن هناك عدد من القوى القائدة والمحركة للتعاون
المشترك بين الطرفين؛ إذ يبرز دور دول مجلس التعاون الخليجي وبخاصة
السعودية والإمارات وقطر في الجانب العربي، والبرازيل وفنزويلا
والأرجنتين وكذلك المكسيك في الجانب اللاتيني. وأوضحت الدراسة أن
العلاقة بين الطرفين لم تعد تقتصر على الأبعاد الجيو- سياسية، بل
أضحت تتضمن أبعادا جيو- اقتصادية، وكذلك اجتماعية وثقافية، فضلا عن
التعاون في قطاعات مهمة مثل الطاقة النظيفة والبيئة والتغير
المناخي والتكنولوجيا والأمن الغذائي وغيرها.
رصدت الدراسة حضور كبير وبارز لمجموعة من القوى الإقليمية في
أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها إيران وإسرائيل، فضلا عن علاقتها
القوية ببعض القوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا. مما كان له
انعكاسات واضحة على مواقف دول أمريكا اللاتينية المؤثرة من بعض
القضايا العربية المهمة، وبخاصة الأزمة السورية.
في هذا الإطار، خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج الرئيسية، منها:
عدم تطور العلاقات العربية اللاتينية بالقدر الكافي، وهو ما يتضح
في تدني حجم التبادل التجاري بين الطرفين، والذي لا يتجاوز في أفضل
التقديرات 4 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية لكل منهما، فضلا
عن اختلاف رؤى الطرفين حول عدد من القضايا المهمة. ويأتي في مقدمة
المعوقات التي تحول دون تطور العلاقات العربية اللاتينية؛ تفاقم
المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية داخل دول المنطقتين،
والبعد الجغرافي وعدم كفاية وسائل النقل والروابط اللوجيستية، إلى
جانب التحديات الثقافية واللغوية، وحداثة الاهتمام الرسمي
بالعلاقات بين الجانبين.
وأكدت الدراسة على أن الحاجة لتكثيف الدول العربية لجهودها الرامية
لتطوير العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية خلال المرحلة الراهنة
تبدو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى من أجل التقليل من التأثيرات
السلبية التي يمكن أن تحدثها التغيرات السياسية الراهنة في أمريكا
اللاتينية (التحول إلى اليمين) على العلاقات مع الدول العربية، وأن
الارتقاء بهذه العلاقات يتطلب العمل على إنجاز خطط ومشروعات حقيقية
تسهم في تحقيق منافع مشتركة للطرفين، وتقوية الأطر المؤسسية
للعلاقات العربية اللاتينية، إلى جانب تكثيف حركة التبادل التعليمي
والثقافي والعلمي. وكذلك الدخول في شراكات مع التحالفات والمنتديات
التي تنخرط فيها بعض الدول اللاتينية المؤثرة وبخاصة البرازيل في
إطار مجموعة البريكس والإبسا.
أعلى الصفحة
|