كلمات الافتتاح
كلمة الافتتاح الأولى
النائب الأستاذ عبد الهادي المجالي/ رئيس التيار الوطني
الإخوةُ في مركزِ دراساتِ الشرقِ الأوسطِ المحترمون...
الأخواتُ والإخوةُ الحضور المحترمون...
ماذا نقصِدُ بالشراكةِ السياسية؟ هل نقصدُ إبداءَ الرأيِ وإسداءَ النُصحِ..
فقط؟ أمِ المشاركةَ في صناعةِ القرار، ومِن ثمَّ المشاركةَ في تنفيذِه..؟
كما نسألُ: أيٌّ مِنَ القُوى المجتمعيةِ والسياسيةِ نُريدُ شراكتَها: أحزاب؟
نقابات؟ أم مؤسساتِ مجتمعٍ مدني؟ على ما في هذا المفهومِ مِن اتساع..؟
إن كان الأمرُ كذلك، فما هيَ المعاييرُ والأسسُ التي تُمهِّدُ لهذِهِ الشراكةِ عند
الطرفين: السلطةُ والقوى السياسيةَ والمجتمعِيَّة..؟
في البدءِ، وقبل إجابةِ تلك الأسئلة، لابد من التأكيدِ على حقيقةٍ تاريخيةٍ، وهي أن
فترةَ النضال العربي لتحقيقِ الاستقلال، أبرزتْ العديد من الأحزابِ القويةِ التي
قادتْ نضالاً معتبراً لـ"كنسِ" الاستعمار، ونجحتْ في تحقيقِ شراكاتٍ ذات صلةٍ
بالناس، وحتى مع قُوى داخلَ السلطة لإنجاحِ تلك النضالات، وبرزتْ آنذاك العديد من
الأحزابِ القوميةِ والبعثيةِ واليساريةِ الفاعلةِ والتي أحدثتْ الكثير من الفروقاتِ
الواضحةِ في المسارِ النضاليِ التحرري.
لكن بعد ذلك، وعندما تولتْ بعضْ من هذه الأحزاب والقوى السياسية الحكم، أو شاركت
فيه كقوة رئيسية، لم تنجحْ لا في بناءِ شراكاتٍ مع القُوى السياسية خارجَ السلطة،
أو مع القاعدةِ الاجتماعيِّ، وبدا انها فشلتْ في مقاربةِ الحلولِ للمشكلاتِ
اليوميةِ والمعيشية، وحتى مع المشكلاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ الكبرى، فأصاب تلك
الأحزابَ وقواها ما يمكن وصفه بالشللِ الذي أفضى إلى إقصاءِ الآخر، وإلى قدرٍ كبيرٍ
من التضييقِ عليه في مساحةِ الشراكةِ معه، لنجد أنفسنا الآن نُعاني من معضلةِ
الشراكةِ وغيابِها.
وبالعودةِ إلى تلك الأسئلة، فان الضرورةَ تُحتمُ إجابتَها، لأنَّ في إجابتِها
مدخلُنا المهمُّ في فهمِ الشراكةِ السياسيةِ في الوطنِ العربي: فهمِ واقِعِها،
وفهمِ مآلاتِها، وبأيِّ الاتجاهاتِ تسير، والأهم، فهمُ البيئةِ الموضوعيةِ التي
تتحركُ خلالَها، وما إذا توافرتْ شروطُ الشراكةِ عند أطرافِها، ومدى استعدادِ كلّ
طرفٍ لتقبُّلِ الآخر، ومدى إيمانِهِ بتداولِ السلطةِ، واحترامِ مفهومِ الأغلبيةِ
والأقلية.
واقعيا، لم تُؤمن الأنظمةُ في العالمِ العربيِّ بعدُ بالشراكةِ السياسيةِ كما
تقتضيها المعاييرُ والاشتراطاتُ اللازمةُ والمُلزِمَة، فتلكَ الأنظمةُ ترزحُ تحت
سيطرةِ الرغبةِ الشديدةِ في الهيمنةِ على القرارِ بكلِّ أشكالهِ، ولا يُسعِفُها
التفكيرُ العقلانيُّ على الانخراطِ في شراكاتٍ مع الآخر، وتقبلِّ برنامَجِهِ ووجهةِ
نظرهِ، لأنّها لا تؤمِنُ بسدادِ أيِّ رأيٍ إلاّ رأيَها، ولا تؤمنُ بأنَّ الشعوبَ
يُمكِنُها أنْ تُفرِزَ قُواها القادرةَ على القيادة، والمشاركةِ في إدارةِ الحكم.
لذلك؛ فأكثرُ ما تحرِصُ عليهِ تلكَ الأنظمة، أنْ تصوغَ دساتيرَها، وقوانينَها،
وتُديرَ بيئاتِها السياسيةِ على النحوِ الذي يضمنُ لها تلكَ الهيمنة، أكانت هيمنةً
مُطلقةً لا شراكَةَ لأيِّ طرفٍ فيها، أو هيمنةً مدروسةً ومنتقاة، تستحضِرُ قوى
سياسيةً بعينِها لتُشارِكَها، ديكوريا، في اللعبةِ السياسية، وتكون مُطمئِنةً لها..
ولإبقائِها ضمنَ النطاقِ المرسوم، فقد أوجدتْ تلكَ الأنظمةُ كلَّ أسبابِ ضعفِ تلك
القوى، وبالتالي أخذت- أي تلك القُوى- تُشاركُ في اللعبةِ من موقِعِ الضعفِ لا
القوةِ، ما جعلَ تأثيرَها هامشيّا، يخدِمُ شرعيةَ الأنظمةِ ولا يخدِمُ صالحَ الناس.
وإذا ما نظرنا؛ في واقعِ أغلبِ - ولن أقولَ جميعَ- الدولِ العربيةِ، وقيَّمْنا،
سياسيا، طبيعةَ الشراكاتِ فيها، نجدُ أنَّ التشوهاتِ والاختلالاتِ مميزةٌ لها،
ونكتشفُ أنَّ مسألةَ الشراكةِ السياسيةِ، بمعناها الحقيقي، ليست في ذهنيةِ
أنظِمَتِها..
بل تعملُ، باستمرار، لتأكيدِ ألاَّ شرعيةً ناجزةً إلا شرعيتُها، وأنَّ تركَها
هامشاً للقُوى السياسيةِ كي تتحرك، ليس من قبيلِ إدراكِ الحاجةِ لحركةٍ مؤثرةٍ منها
تُعينُها على تصريفِ شؤونِ الدولة، وتساعدُ في صياغةِ برامجِها للنهوضِ وإدامةِ
التقدمِ، وإنما لغاياتٍ إعلاميةٍ- سياسيةٍ مقصدُها الأساسُ إحداثُ اختلالاتٍ في
البناءِ الفكريِّ وإرباكِ الوعي، بما يضمَنُ ألا تصبحَ هناك حالةٌ فكريةٌ متماسكةٌ
أو حالةُ وعيٍ عميقةٍ ترفضُ الواقعَ الراهن، وتتحركُ لتفرضَ واقعا متخَيَّلا.
وفي كلِّ مرةٍ، وأقصدُ في سنواتٍ عديدةٍ سابقةٍ، صعدت فيها قوى سياسية، في اكثر من
بلدٍ عربيّ، وفُرِضتِ الشَّراكةُ على الأنظمة، إلاّ وانتكسَتِ التجرِبةَ..
ليس لأنَّ تلكَ القوى لا تحملُ برامجَ أو رؤيةً، وإنما لأنَّ الأنظمةَ آنذاك لم
تحتمِلْ هذِهِ الشراكات، فأوجدَت كلَّ الظروفِ لتنقلبَ على تلك التجارب؛ ما أدخلَ
العالمَ العربيَّ في حالاتِ مدٍّ وجزرٍ بينَ القُوى السياسيةَ والأنظمة، ولأن
القُوى السياسيةَ لم تُجذِّرْ ذاتَها فقد فشِلتْ في مجابهَةِ ظروفِ دحرِها، وفشلت-
لاحقا- في إنتاجِ وإبداعِ الجديدِ من الأنماطِ السياسيةِ التي تُوسِّعُ مِن
تأثيرِها وتزيدُ من حاضِنَتِها الشعبية.
فإذا لَمْ تحدُثِ الشَّراكاتُ السياسيةُ الحقيقية، وليس الديكورية، في فترةِ صعودِ
القُوى السياسية، اليساريةِ والقوميةِ، فإنَّ الواقعَ الراهنَ لن يقلَّ في صعوبتِهِ
عن ذلكَ الواقعِ الفائت، والمعضلةُ الحقيقيةُ أنَّ الأنظمةَ العربية كلَّها،
تقريبا، دخلتْ عصرَ الديمقراطية، أو بالأصحِّ أنها أخذتْ مِنَ الديمقراطيةِ قشرتَها
الخارجية(...) وخشِيَتْ مِنْ أنْ تبنيَ مضامينَها العميقة، لأنَّ في تلكَ المضامينِ
تك
مُنُ الشَّراكةُ الحقيقيةُ والصَّلبَة، وتتوزعُ المهامُّ والمسؤوليات.
الأخوات، والإخوة،،
منذُ ما سُميَّ "الربيعَ العربي" جرتْ مياهٌ كثيرةٌ من تحتِ الجسرِ، سقطتْ أنظمة،
وتزحزحتْ أخرى، وأخرى لا زالت تقاومُ التغيير، والأفُقُ فيها كلِها غامض، وتعتريها
حالةٌ من عدمِ اليقين.
وفي هذا "الربيعِ" تظهَرُ حقيقةٌ جليةٌ لا يُمكِنُ إنكارُها، أو التجاوزُ عن
مدلولاتِها، وهي أن الشارعَ الذي تحركَ لم يكنْ شارعَ القُوى السياسيةِ، بكلِّ
تصنيفاتِها، كان الذي تحركَ شعوبٌ تجاوزتِ الأحزابَ وكلَّ القُوى السياسية، وخرجتْ
تبحثُ في البدايةِ عن الشَّراكةِ..
..نلحظُ أنَّ بعضَ الأنظمةِ استجابتْ لمطلبِ الشراكة، وبعضَها قاومتْ هذا المطلبَ
وتصدَّتْ له، فأُريقَ الدم، وهي، أي الأنظمة، إما سقطتْ أو على وشك.
إن التجاوزَ الشعبيَّ للقُوى السياسية، يكشفُ أنَّ هذهِ القُوى لم تعُدْ خيارَها
الحقيقي، ولم تعُدْ تُلبي طموحاتِه، ولم تعُد تثِقُ بقدراتِهِا، أو أنَّ لديها
الحلولُ لمشاكلِها.. مع ذلك تحركتْ القُوى السياسيةُ لتلحقَ بحركةِ الشعوبِ،
والملفتُ أن هذه القُوى لم تتوقفْ لحظةً لتدرسَ سببَ تجاوزِ الشارعِ لها!
ولم تجرِ مراجعاتٌ صحيحةٌ لتستكشِفَ أسبابَ عدمِ إيمانِ الناسِ بها وبدورِها..
بل مضتْ بذاتِ الآلياتِ، وبذاتِ الأنماطِ الفكرية، وحتى بعدَ أن استقرَّتِ الأمور،
ولو نسبيا، في عددٍ مِنَ الأنظمةِ لمْ تحدُثْ المراجعاتُ الضروريةُ التي قد
تُؤسِّسُ لانطلاقةٍ جديدةٍ مختلفةٍ وذاتِ جدوى..
إنَّ في هذا لَقُصورٌ كبير، وخللٌ، يكشِفُ أنَّ قُوانا السياسية، إما "تكلَّست"
وإما تخشى أن تُراجعَ نفسَها، وتكشفَ عيوبَها.. وكي لا أظلِم، فقط، أشيرُ إلى
تجربتي المغربِ وتونُس، فهُما لا تشذَّانِ كثيرا عن النمطِ المعمَّمِ على العالمِ
العربي، لكنَّهُما استفادتا مِن تجربتَيهِما، وتجاربِ الآخرين، وتحاولان الإفلاتَ
منَ المآزقِ والمنزلقاتِ المحتملة.
وبقدرِ ما كشفَ "الربيعُ العربيُّ" ضعفَ القُوى السياسيةِ وعدمِ قدرتِها على
استيعابِ المتغيراتِ ومُجاراتِها، كشفَ -أيضا- أنَّ الدولةَ العميقةَ راسخةٌ
ومتجذرة، ولَها ثقلُها وأنماطُها وآلياتُها للمحافظةِ على كينونَتِها، ومجابهةِ
التغييرِ وقُواه.. فهِي، أي الدولةُ العميقة، وتحتَ ضغطِ الواقعِ قبِلَتْ أن ترى
القُوى السياسيةَ تنشطُ في محيطِ سيطرتِها لا في صُلبِها، وفي اللحظةِ التي بلغتْ
هذهِ القُوى صُلبَ الحكمِ أُطيحَ بها، لأنّ الدولةَ العميقة، في العمومِ، لا تقبلُ
أن يُزاحِمَها أيُّ مكونٍ سياسيٍّ على التحكمِ بصُلبِ الدولةِ وعَصبِها الرئيس.
وهذا بذاتِه، يدلُّ على أنَّه برغمِ محركاتِ "الربيعِ العربي"، وبرغمِ ما أحدثَهُ
مِن هزٍّ لأركانِ الدولِ، وإسقاطِ بعضِها، إلاّ أنَّ هذهِ الدول، بما فيها التي
سقطَ رأسُها، بقيتْ بُناها وآلياتُها فاعلة، وقادرةً على احتواءِ التغييراتِ، ومِن
ثُمَّ الانقضاضِ عليها لتصفيَتِها، مِن غيرِ أن تُفكِّرَ في تغييرِ قواعدِ
اللُّعبة، والتأسيسِ لشراكاتٍ معَ الآخر.
الأخوات والإخوة،،
علينا أنْ نُدركَ، وبوضوح، أنَّ بيئةَ الشراكاتِ في العالمِ العربيِّ غيرُ متوفرة،
ولا أظُنُها وشيكة، وكلُّ ما هو متاح، ليسَ أكثرَ مِن شَراكاتٍ جزئيةٍ، مُتَحَكَّمٍ
بها، ومنسقة، فهذا أقصى ما تستطيعُ الأنظمةُ أن تتعايشَ معَه، وتقبلَ بِه، وعدا
ذلكَ ليسَ متاحا، ولو كانَ متاحا لكان أداءُ الأنظمةِ العربيةِ على درجةٍ مِنَ
الاختلافِ..
وأيُّ اختلافٍ في أداءِ الأنظمة، يُفضي إلى الشَّراكةِ، سيعني، بالضرورةِ، ولوجَ
عصرِ الديمقراطيةِ، ولوجاً حقيقيا، لا تَلاعُبَ فيه، أو محاولة التحكُّمِ في
إفرازاته.. ومثلُ هذهِ الديمقراطية، لها أداتُها المجَرَّبَةُ في التأسيسِ
للشَّراكةِ.. وأهمُّ أدواتِها، صندوقُ الاقتراع.
والمقصودُ هنا، الانتخاباتُ بكلِّ تصنيفاتِها- فهيَ المدخلُ إلى الشَّراكةِ
السياسية، لأنَّ الأنظمةَ التي تقبلُ بعمليةٍ انتخابيةٍ شفافةٍ ونزيهة، وأسَّستْ
لها بيئةً سياسيةً وتشريعيةً مناسبة، هي التي تُريدُ الشَّراكة، وتسعى إليها، وهي
التي تقبلُ بفتحِ السلطةِ للقُوى الفائزة، في سياقِ تداولٍ سلميٍّ للسُّلطةِ.
بغيرِ ذلكَ لن تكونَ لدينا، في الوطنِ العربي، أيُّ قُوى سياسيةٍ صلبةٍ متماسكة،
فتداولُ السلطةَ يُثري تجربةَ هذهِ القُوى، ويختبرُ ما لديها من برامجَ وتوجهاتٍ
واجتهادات..
وحتى لو لم تبلغْ هذهِ القُوى، أو بعضُها، السلطة، فهي، بالانتخابِ وتمثيلِ الناسِ،
تنتقِلُ من الحالةِ الهامشيةِ الطرفيةِ في الدولةِ، إلى فاعلٍ مؤثر، إن لم تملكِ
السلطةَ بالتداولِ، ستملِك بعضَ أدواتِها، وفي أقلِّها التشريعيةَ والرقابية.
وهذهِ المسألةُ تحديدا، اعتقدُ بحتميَّتِها، وإذا لم تكنْ وشيكةً بالنظرِ إلى
الواقعِ الراهن، فحركةُ التاريخِ لا تعودُ إلى الوراءِ ولا تتجمَّدُ عندَ لحظةٍ
معينة، بل هيَ حركةٌ مستمرةٌ دائمة، تُسهِمُ في بناءِ الوعيِ وتُعظِّمُ قدراتِ
التفكير. وأنظمةُ الوطنِ العربي، أكثرُ مَن عليها أن تلتفِتَ إلى حركةِ التاريخِ
واستحالةِ الثباتِ وإدامةِ الراهن..
والقُوى السياسية، أكثرُ من عليها أنْ تُدرِكَ واقعَها وتراجِعَه، وتستكشفَ نقاطَ
ضعفِها، وسببَ عدمِ قُدرتِها على التقدمِ خطواتٍ إلى الأمامِ، فذلك، مُهِمٌّ
ومُفيد، في معالجةِ الجزءِ المتعلقِ بها مِنَ الخللِ، لأنَّ تجاوزَ إشكالياتِها
خطوةُ ضروريةٌ في طريقِ إقناعِ أنظمةِ العالمِ العربيِّ أنْ ليس بمقدورِها التجاوزَ
عنها لزمنٍ طويلٍ.. وليس متاحا لها أن تُقصيها وتُهمِّشَها إلى الأبدِ.
الأخوات والإخوة،،
الشَّراكةُ السياسية، ليست ترفا، بل حاجةٌ وضرورة.. ومن المؤسفِ أنَّ لا أساسا
موضوعيا لها بعدُ في الوطنِ العربي، ولا أدري بأيِّ السبلِ يُمكن أنْ تقتنِعَ
الأنظمةُ العربية، بلزومِ المبادرةِ إلى تعبيدِ طريقِ الشَّراكةِ لجعلِها واقعا
معاشا.. وأن تقتنِعَ بأنَّ ضَعفَ العالمِ العربيِّ والهيمنةَ الغربيةَ عليها تعودُ
في أحدِ أسبابِها إلى انعدامِ الشّراكةِ الحقيقية؛ التي لو توفرتْ لكانتْ عونا
للأنظمةِ في مقاومةِ كلِّ هيمنةٍ خارجية..
وإلى أن تصِلَ الأمورُ إلى اقتناعِ الأنظمةِ والقُوى السياسيةِ بأهميةِ مراجعةِ
واقِعِها، هذا إذا اقتعنتْ بالأساسِ بقيمةِ المراجعة، فإنّي اقترِحُ على هذهِ
النخبةِ الطيبةِ أنْ تُشكِّلَ فريقا خبيرا متمكنا يدرسُ حالةَ الشَّراكةِ السياسيةِ
في الوطنِ العربي، ويُشخِّصُها تشخيصا دقيقا، ويضعُ لنا تصوراتِه، وما يجبُ فعلُهُ
لإعادةِ بناءِ الواقعِ مِن جديدٍ وعلى أساسِ التشاركيةِ الفُضلى.
أشكرُ للداعينَ كريمَ دعوتِهِم، وللحضورِ كريمَ اهتمامِهِم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
كلمة الافتتاح الثانية;
الأستاذ النائب أحمد الصفدي/ النائب الأول لرئيس مجلس النواب
السيدات والسادة الحضور الكرام ،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
تعتمد المجتمعات المدنية والمتحضرة في سبيل تطورها على التشارك والتبادل الفكري
والمعرفي ، فاحتكار الفكرة المطلق وهم مطلق ، ولمّا كان العمل السياسي من أكثر
السلوكيات الإنسانية تعقيدا بما يحتويه من تراكب وترابط وتكوينات محورية قد تختلف
باتجاهاتها ورؤيتها إلى تحقيق الغاية المنشودة والتي تكاد إن تكون موحدة على اختلاف
الاتجاهات وهي رفاه الشعوب وتحقيقها لأقصى درجات الرضا حد الكمال سواء من الناحية
الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
ما يثير التساؤل في الواقع العربي أن الديمقراطية وعمليات التبادل والتناوب السياسي
في العالم من حولنا قد نضجت في وقت تمكّن الفرد العادي من استعراضها والاطلاع عليها
وعلى تفاصيلها وهي أمثلة معاشة ومحسوسة علاوة على أن التجارب العربية لازالت آثارها
واضحة للعيان، فالتفاعلات السياسية والديمقراطية القائمة على مبدأ الشراكة السياسية
في دول العالم المتقدم قد وصلت مرحلة النضوج والنتائج مقروءة وليست بدايات مجهولة
النهايات، كما أن سلوك التجربة والخطأ في الداخل العربي أيضا محسوسة وملموسة فأنظمة
الحكم الفردي والاستئثاري وقرارات السطر الواحد لم تتمكن من بناء كيانات إلا كيانات
هزيلة وضعيفة وعندما هبت رياح التغيير عليها تساقطت وخارت قواها وكشفت عن هشاشة
هيكلها، ومع هذا لم يتمكن العقل الجمعي العربي من استخلاص العبر لا من التجارب
العالمية ولا حتى العربية.
وحتى بعد سقوط رجالات الأنظمة الضعيفة لم يستفد من التجربة من تولى بعدهم وإنما
حكمت الكثير منهم عقلية الثأر في سلوك بدائي تمثل بالإقصاء والتهميش ومحاولة تقزيم
الطرف المقابل، وللأسف فقد سلك الكثير منهم في سبيل تحقيق مراده سلوكيات بدائية مثل
التفرقة الدينية والفئوية والطائفية، وهذا كله نتاج عدم الأخذ بمبدأ التشاركية
السياسية وأساسيات تداول السلطة والابتعاد عن المغالبة والإقصاء.
ومع أن هذه المرحلة يغلب عليها متلازمة الفكر الأحادي إلا أنها بيئة مناسبة جدا
لطرح إطار نظري قائم على مبادئ الشراكة السياسية وتعميم هذا المحتوى القيم والمفيد،
والإيمان بأنه حتى وان اختلفت الطرق آو تعاكست الاتجاهات بالتأكيد سوف يلتقي الجميع
عند نقطة تقاطع مشتركة.
علينا جميعاً أن ندرب أنفسنا على الشراكة مع الآخر وأن نغير من السلوكيات الفردية
وأن نؤمن بالعمل الجماعي دونما استبعاد أو تجاهل فالوطن أي وطن يتسع للجميع، وربما
نحن البرلمانيين أحوج ما نكون الى أن نستمع ونناقش ونطبّق.
أوجه شكري للقائمين على هذه الندوة وإتاحة المجال لي للحديث إليكم والاستماع
لآرائكم المفيدة والنافعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
كلمة الافتتاح الثالثة
الأستاذ جواد الحمد/ مدير مركز دراسات الشرق الأوسط –الأردن
أأصحاب الدولة والمعالي والسعادة والعطوفة، السادة الزملاء والخبراء والباحثين..
فإنني أُرحب بكم في هذا الصباح باسمي وباسم العاملين في مركز دراسات الشرق الأوسط
ومجالسه العلمية والإدارية، كما أُرحب بضيوفنا الأشقاء العرب خاصة من ثماني دول
باسم الأردن كله ضيوفاً أعزاء فحللتم أهلاً ووطئتم سهلاً.
يأتي انعقاد هذه الندوة السياسية الفكرية في ظل بيئة سياسية عربية ملبدة بالأفق
الغامض، تماماً كما يعيش العالم العربي على أصداء أنات القتلى والجرحى والأطفال
والشيوخ المسفوحة دماؤهم وأعراضهم وبيوتهم وحياتهم في عواصم عربية أساسية، حيث
تستمر آلة البطش والقتل الرسمية في حصد الأنفس، وتتنامى في ذات الوقت وعلى أنغام
القتل والموت الصراعات الطائفية والجهوية، وتترعرع جماعات الإرهاب والعنف والتطرف
التي ترتبط بأجندات إقليمية ودولية وعبر أجهزة إستخبارية لها سوابق في تشكيل هذه
الجماعات واختراقها واستغلالها لمصالح وسياسات لا علاقة بها الوطن ولا بالأمة، وعلى
رأسها ما يجري في سوريا والعراق، ويماثله ما يجري في ليبيا واليمن ومصر.
ولئن كانت ليبيا تكاد تخرج من أتون العنف والفوضى إلى نوع من الاستقرار الصعب
والأمن المتوتر بعد الاتفاق الأخير، ولئن كانت اليمن تخضع لمعادلة أكثر تعقيداً
دفعت بجيوش عربية إلى التدخل لوقف التدخل الإيراني ولوقف الفوضى والعنف والقتل، ولا
زال التحول فيها جارياً، لكن ليبيا والعراق ليس واضحاً فيهما اتجاهات المستقبل
أبداً، حيث تلعب عشرات الدول في شئون الوطن والقوى السياسية والجماعات المسلحة
وجماعات العنف والتطرف والإرهاب على حد سواء، ولئن كانت العديد من هذه القوى
المحلية وبعض العربية تحاول دفع الأمور إلى الاستقرار وعبور مرحلة العنف والقتل،
غير أن الأمر لا زال في طور التشكل بلا تبلور لاتجاهات محددة، ولئن كان غياب
الشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة والتسليم لإرادة الشعب يشكل سبباً ومحضناً
ودافعاً لهذه الفوضى في كل شئ فيها- خصوصاً وأن كلا من المغرب وتونس والأردن قد نجا
منها- غير أن التدخل الخارجي من دول إقليمية مجاورة ودولية ذات مصالح يلعب دوراً
مهماً في تسعير نار الفتن والحروب الطاحنة واتساع دائرة القتل والتدمير بلا عقل ولا
رحمة ولا انتماء لا للوطن ولا للشعب ولا للأمة وحضارتها ودينها.
وعلى ذات الصعيد تلتهب اليوم ساحات الأقصى والقدس بنار الغيظ إزاء التطرف
الإسرائيلي الذي يعمل على فرض هويته اليهودية على القدس كما هي على فلسطين كلها،
وفي ظل فشل كل اتفاقات السلام والمفاوضات واللقاءات والتطبيع مع هذا العدو المحتل
في ردعه عن هذا التطرف والعنف والإجرام والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، ولئن كانت
الإرادة الدولية غالباً ما تغيب في هذه اللحظات كما لاحظنا ببيان مجلس الأمن الدولي
الهزيل والمنحاز للجانب الإسرائيلي في المحصلة، وكما لا حظنا العجز العربي عن
التصرف حتى سياسياً للضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات الصارخة بحق الواطنين
وبحق المقدسات في وقت واحد، بل ورأينا جميعاً كيف أن السلطة الفلسطينية مع الأسف
تقمع مظاهرات فلسطينية وطنية جامعة ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية،
ليلتحم مشهد الأمن الفلسطيني في الاعتداء على طفل فلسطيني من المتظاهرين من قبل
عشرة من رجال أمن أمام الكاميرات مع فعل جنود الاحتلال في القدس مع الشباب والأطفال
والنساء الذين يدافعون عن الأقصى بما يمكلون، ليُظهر المشهد عمق الإشكالية التي
تعاني منها الرؤية الرسمية العربية والفلسطينية في كيفية التعامل مع هذه الاعتداءات
الإسرائيلية.
ولذلك وبرغم هذا المشهد المؤلم فإن انعقاد ندوتكم اليوم لبحث الشراكة السياسية في
الوطن العربي إنما يمثل محاولة فكرية سياسية على أرض الأردن للتوصل إلى مخرج متكامل
فكرياً وسياسياً من مجموع هذه الأزمات، لأن الشراكة السياسية في العالم العربي
تُعدّ منطلقاً مهماً لتوحيد الجهود وتقوية الدولة والمجتمع والأمة العربية،
وللتعبير القوي والواثق عن الإرادة الشعبية في حماية البلاد والمواطنين من أي إرهاب
أو بطش أو اعتداء خارجي أو انتهاك إسرائيلي لحقوق أبنائنا في فلسطين ومقدساتنا في
القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، ولاستئناف مسيرة الإصلاح والتوافق
والاتفاق على حماية الأمة وتشكيل الجماعة الوطنية في كل قطر والجماعة القومية في
المنطقة العربية بكل اتجاهاتها الفكرية على أساس مواجهة التحديات الخارجية
والداخلية الكبرى معاً حتى في ظل اختلاف الأيدلوجيا والانتماءات الدينية والحزبية،
وكذلك لوقف الجنون السلطوي من جهة والعنف الإرهابي من جهة أخرى ولتحجيم وتغيير
عقلية الاستفراد والإقصاء من جهة ثالثة. وقد تكون ملامح نجاح التجربة الأردنية
بالإصلاح السياسي النسبي وعبور المرحلة الأولى من الربيع العربي بسلام، ونجاح كل من
التجربة المغربية والتونسية في تحقيق نموذج شراكة سياسية أولي قابل للتطوير، قد
يكون ذلك فرصة لبلورة اتجاهات جديدة في الرؤية السياسية العربية إزاء نظرية الشراكة
السياسية، والتحول الديمقراطي، وتداول السلطة، وبناء الجماعة الوطنية الموحدة
المستندة إلى وحدة وطنية جامعة.
شهدت المنطقة العربية خلال السنوات الماضية 2011-2015 تحولات استراتيجية في النظام
السياسي وفي عوامل الاستقرار وفي التدخل الدولي، وفي إعادة تموضع القوى السياسية
داخل القطر العربي الواحد، والتي شهدت حركة إصلاحية ديمقراطية شعبية واسعة متعددة
المستويات والمجالات شملت الجغرافيا العربية كلها تأثراً وتأثيراً، بتغييرات مباشرة
أو غير مباشرة أو ارتدادية، وشهد التعامل مع هذه التحولات اضطرابات كبيرة لدى
الأنظمة الحاكمة من جهة، والقوى السياسية من جهة أخرى، ولدى الدول الكبرى والقوى
الإقليمية من جهة ثالثة، وارتفعت التوقعات السياسية والاقتصادية للشعوب العربية وهي
تؤسس لأنظمة حكم متعددة وديمقراطية تحمي الحريات وتعيد بناء الأوطان على أنقاض
الاستبداد الذي طبع العقود التي سبقتها.
لكن الصراع الداخلي بين الماضي والجديد، وبين جيل التغيير وقوى الشد العكسي، وبين
شباب الثورة والقوى المضادة للثورة حقق انتصاراً مؤقتاً على التحولات والربيع
العربي، وأدخل البلاد في حالة من الفوضى والإرهاب والعنف ربما غير مسبوقة من حيث
الحجم والوحشية، وتسبب بتدمير البلاد والقضاء على البنى التحتية وتدهور الاقتصاد
وأدخل البلاد في حروب أهلية شاركت فيها الكثير من الأطراف الشعبية والإقليمية
مباشرة وعبر وكلاء، وشكلت الحالة فرصة سانحة لقوى إقليمية متضررة من الربيع العربي
أن تساهم في تعميق اتجاهات العنف والصراع المسلح والإقصاء والتهميش للأخرين، حتى
أصبحت المنطقة محضناً مناسباً للفكر المتطرف والعنف والإرهاب، ونشأت جماعات
وتنظيمات يحمل معظمها الطابع الديني تمارس أعمالا وحشية ضد الشعوب، وتسلقت أجهزة
استخبارات عديدة محلية وإقليمية ودولية هذه الظاهرة، وسعت لتوظيفها لتحقيق أهداف
خاصة بها لا تتقاطع بالضرورة مع الأهداف الوطنية أو القومية لشعوب المنطقة العربية،
وبذلك نجحت هذه التحولات في تسعير نار الصراعات الطائفية والإثنية والجهوية، وأوقفت
حركة الربيع العربي عند مرحلته الأولى بإسقاط الأنظمة السابقة، دون النجاح في بناء
الواقع الجديد، واستنزفت هذه التحولات خزائن الدول المالية وقواتها المسلحة
وأجهزتها الأمنية لتصبح قوى منهكة تُطارد أبناءها مرة بتهم العنف والإرهاب ومرة
بقلب نظام الحكم وأخرى باتهامات لا نهاية لها، وزجت بالآلاف في بالسجون أو القبور
أو المنافي ومناطق اللجوء التي نشهدها مآسيها يومياً على شاشات التلفزيون.
وتأكد الاستنتاج إبان الربيع العربي بأن ثقافة الشراكة السياسية لم يتم التأسيس لها
من قبل أي قوة سياسية أو نظام حكم في المنطقة طيلة العقود الستة الماضية إلا
باستثناءات محدودة وغالباً عابرة ومؤقتة. وبرغم الجهود التي بذلها العديد من
الباحثين والخبراء والسياسيين المنفتحين المعتدلين في محاولة لجمع القوى على شراكة
سياسية لإعادة بناء الدولة أو استثمار تحولات الإصلاح فيها إلا أن التدخل الخارجي
والتعصب للفكر القديم والصراع على السلطة وغياب ثقافة الشراكة السياسية من برامج
القوى السياسية التي حكمت سابقاً أو التي كانت في المعارضة ووصلت إلى الحكم أو
التأثير السياسي بعد الربيع، شكلت عوامل إعاقة وإفشال لهذه الأفكار والجهود، حيث
سادت نظرية الاستفراد بالفكرة والرأي والسلطة والمعارضة وهكذا، وبعيداً عن التغذية
المعلومة لجهات ودول عربية وإقليمية ودولية، غير أن غياب هذه الثقافة وبالتالي
النظرية المتعلقة بالشراكة السياسية قد حد ولا زال يحد من إمكانية تحقيق الاستقرار
والبناء الجماعي، وفق نظرية الجماعة الوطنية في كل قطر، والجماعة القومية على مستوى
الأمة، وتبين أن رصيد التجربة لدى القوى القومية واليسارية والعلمانية والليبرالية
التي حكمت كان يعمق نظريات الإقصاء والتهميش تحت مسميات كثيرة، وحين آل الأمر للقوى
الإسلامية المعتدلة في عدد من الأقطار وهي التي أمضت جل تاريخها مطاردة ومهمشة
سياسياً لم تكن لديها القيافة الكافية كما لم يكن أمامها التجارب الشعبية الناجحة،
ولذلك حتى لو حاول بعضها تحقيق شيء من ذلك بقوائم انتخابية وحكومات تشاركية غير أن
البيئة العامة لم تسمح لهذا الافكار والنظريات بالنمو، ناهيك عن معاجلة القوى
المضادة للربيع وللتيار الإسلامي للانقلاب عليها والعودة إلى حكم العسكر أو الحرب
الأهلية أو الطائفية.
اليوم وفي هذه الندوة فإننا نتطلع إلى مناقشة التجارب الناجحة منها والفاشلة في
الشراكة السياسية العربية، ونتناول الرؤى وتجارب الأخرين في هذا المضمار، ونتطلع
إلى كيفية الخروج من مربع الفوضى والعنف والإرهاب والتطرف والإقصاء واستخدام الأمن
والعنف لكبت الحريات وفرض الاستبداد إلى رؤية عربية ونظرية شراكة سياسية تؤسس
لمرحلة استئناف الربيع العربي سلمياً، وبشراكة واسعة من الجميع، ولمصلحة الاستقرار
والاقتصاد والشباب والتعليم والنهضة والتنافس الحضاري...إلخ، وأن يكون المجموع
الوطني القطري محلياً والقومي في القضايا الكبرى شريكاً حقيقاً في البناء والعطاء
وكذلك في الاستفادة. وأُشير بالخصوص إلى أننا نجتمع في الأردن البلد الذي اجتاز
المرحلة الأولى للربيع العربي بسلام بحكمة الحكم والقوى السياسية والشباب على حد
سواء، ولولا الاضطرابات الدموية والعنيفة والإرهابية من حولنا، لدخل المرحلة
الثانية من الربيع بتوافق وطني وشراكة عملية، والتي آمل أن نعود إليها قريباً،
ولذلك فإن الجو العام المحيط بالندوة بعيد كلياً عن العنف والإرهاب والتطرف، وبعيد
عن استخدام عنف الدولة ضد الشعب، أو لجوء الشعب إلى القوة للتعامل مع الدولة، ما
يعطي الفرصة الأكبر والحرية الأوسع للمشاركين للتفكير المفتوح والحر في إطار مصلحة
الرعب والأمة العربية ومصلحة أقطارنا وشعوبنا جميعاً بعيداً عن التأثر بالبيئات
المعيقة في دول أخرى كما تعلمون.
وقد تم تصميم هذه الندوة بشكل مركز كما تلحظون من برنامجها، ودُعي لها نخبة مختارة
من حضراتكم الخبراء والسياسيين والباحثين للعمل معاً وبموضوعية ودقة وروح توافقية
لرسم ملامح مستقبل أفضل في تطبيق الشراكة السياسية في المرحلة القادمة في الوطن
العربي، وأحب أن أنوّه في هذا المقام إلى الإشكال المنهجي الذي قد نعرض له في
الندوة كما تعرض له كثير قبلنا وهو العلاقة بين المشاركة السياسية والشراكة
السياسية، حيث أن المشاركة تتعلق بالكل العام في الاختيار وقبول المناصب ومواقع
الخدمة العامة، بينما الشراكة تعني اقتسام السلطة والبرلمان وتشكيل الكتل الوطنية
ذات الاتجاهات الفكرية والجهوية والطائفية المختلفة لتعمل ببرنامج سياسي واحد وخاصة
في حال تشكيل الحكومة أو المعارضة الكلية للحكومة، ولأن كان المشهد ممكناً ومشهوداً
أحياناً كثيرة في المعارضة غير أنه يغيب كلياً تقريباً في حالة الحكم والسلطة، ومن
هنا أرجو أن نتمكن معاً من تركيز البحث على إشكالية الشراكة السياسية وكيفية الوصول
إلى رؤية عربية لنظرية شراكة سياسية تجمع الكل الوطني والقومي وتمنع تفاقم الشكوك
والصراع لدرجة الاقتتال والإقصاء والتهميش، وهي بالتأكيد لا بد أن تستند على مشاركة
سياسية واسعة من نفس هذه الأطياف حتى تتمكن من بحث فرص وإمكانات الشراكة السياسية.
أتمنى أن نوفق جميعاً لتحقيق هذا الهدف الكبير ليشكل إضافة نوعية ثقافية وفكرية
وسياسية لصناع القرار في القوى السياسية والدول، لاستعادة زمام المبادرة في وقف
العنف والإرهاب من جهة ووقف عنف الدولة والسلطة والأمن من جهة أخرى، ولمنع تصاعد
وتنامي الانتماءات الطائفية والجهوية والقبلية على حساب الانتماء الوطني والقومي
لشعوبنا وأمتنا، وحتى نوفر لجيل الشباب الذي يبحث عن المستقبل وعن الفرصة الحقيقية
للتعبير عنه بنفسه واستثمار طاقاته في بناء الدول والأمة والتنافس الحضاري.
الشكر موصول لكم جميعاً، ضيوفاً وأهلاً، وللإعلام المهتم بهذا الموضوع الحيوي،
ولطاقم العمل في المركز والعاملين في اللجنة التحضيرية واللجنة العلمية من الزملاء
الكرام، ولرؤساء الجلسات ولمن تفضل بكلمات الافتتاح ولكل الحاضرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|