ملخصات أوراق
العمل
الجلسة
الأولى
الإشكال والمأزق الفلسطيني القائم
الورقة الأولى/
أ
المازق والإشكال الفلسطيني منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية
وحتى الانتخابات
أ. ماجد أبو دياك
يمكن تلخيص هذا الإشكال والمأزق بالآتي:
1-
مأزق وإشكال تبني
حماس
للمقاومة كخيار استراتيجي لانتزاع الحقوق
ومن هنا نشأت المخاوف من أن تشكل السلطة درعا للمقاومة ما يعني
بالتالي تهديدا لأمن الاحتلال،
وعملت الولايات المتحدة وإسرائيل على
منع تسليم الأجهزة الأمنية للحكومة الجديدة وبالمقابل تقوية
الأجهزة الأمنية التابعة لمحمود عباس وتسليحها وتدريبها
لمواجهة محتملة قادمة مع حماس، وشكلت الحكومة القوة التنفيذية،
التي اعتبرها محمود عباس خارجة على القانون.
2-
مأزق وإشكال موقف حماس من التسوية السياسية والاعتراف بإسرائيل
إذ إن إصرار حماس على رفض
الاعتراف بإسرائيل يجعل سلطتها كيانا عدوا، ومن هنا جاءت شروط
الرباعية على الحكومة (الاعتراف بإسرائيل- الاعتراف
بالاتفاقيات- نبذ ما يسمى العنف) وارتبط ذلك بالحصار لدفع حماس
للقبول بهذه الشروط.
3-
مأزق وإشكال انتزاع السلطة من التنظيم الذي حكم القضية منذ 45
عاما
الأمر الذي أحدث ردة فعل عنيفة
من فتح التي وجدت أن أقصى ما يمكن أن تحققه هو أن تكون معارضة
أو شريكا أصغر في أحسن الأحوال، ونتيجة لذلك رفضت فتح المشاركة
في أول حكومة وحدة وطنية كان يمكن أن تقوم بعد فوز حماس، فقامت
حكومة من لون واحد حاولت فتح إفشالها سياسيا وأمنيا.
4-
إشكال الموقف الإسرائيلي والغربي من حماس الذي ينظر إليها
كحركة إرهابية
وتعزز هذا الموقف عندما رفضت
حماس محاولات الترويض التي مورست عليها بهدف إدماجها في معادلة
التسوية والقبول بإسرائيل كدولة، وكان نتيجة ذلك أن المنهج
الغالب الذي اتبع مع الحركة هو الحصار وليس الحوار.
5-
الإشكال الإقليمي والمتمثل بتعزيز فوز حماس لمواقف تنظيمي
الإخوان المسلمين في الأردن ومصر
وما يمثله ذلك من تحد لاستراتيجية الاحتواء المتبعة تجاههما
فضلا عن تعارض مواقف حماس مع مواقف الدولتين الرسمي فيما يتعلق
بالتسوية والاعتراف بإسرئيل، وشهدت تلك الفترة تعزيزا لعلاقات
حماس مع إيران وسوريا.
الخلاصة
في رأينا أن هذه الإشكالات مجتمعة تجعل قيادة فتح غير مؤهلة
للاضطلاع بانتخابات حرة ونزيهة ولا حتى مؤتمنة على مصالحة
فلسطينية مع منافسيها.
الورقة الأولى/
ب
المازق والإشكال الفلسطيني منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية
وحتى الانتخابات
د. أيمن يوسف
خاض الفلسطينيون التجربة التشريعية الثانية في كانون الثاني
2006 في ظل ظروف زمانية ومكانية مختلفة، فعام 2005 شهد انتخاب
محمود عباس رئيسا للسلطة الوطنية بعد رحيل ياسر عرفات، كما أن
تجربة الانتخابات أصبحت مألوفة ومتجذرة في أعقاب إجراء
الانتخابات المحلية للمجالس البلدية والقروية.
من نتائج الانتخابات الثانية كان بروز حماس قوة سياسية رئيسية
بعد أن حصلت على أغلبية، 74 مقعداً من أصل 132 مقعداً المجموع
الكلي لمقاعد المجلس التشريعي الثاني، بينما هبطت فتح إلى
المركز الثاني وأصبحت تشكل القوة المعارضة الرئيسية بعد أن
كانت القوة الفاعلة والمتنفذة داخل السلطة الوطنية لأكثر من
عشر سنوات. كما أن الانتخابات أظهرت بوضوح تراجعاً، بل تفتت
القوى اليسارية التي خاضت الانتخابات بأكثر من قائمة وفشلت في
لملمة برامجها وتوجهات شخصياتها في برنامج واحد، مُتفق عليه
وقادر أن يشكل الخيار الثالث للناخب الفلسطيني.
في خضم الحديث عن الانتخابات التشريعية الثانية، لا بد من
الوقوف على قضيتين يشعر الباحث أنهما في غاية الأهمية: القضية
الأولى تتعلق بضعف البرامج الانتخابية لمعظم الفصائل
والتنظيمات الفلسطينية خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات
أبعاد اجتماعية واقتصادية، بينما بقيت الجوانب السياسية هي
الغالبة على برامج الكتل الحزبية المختلفة. في جانب معين، هذا
طبيعي في ظل استمرار المواجهة مع الاحتلال، وفي استمرار معركة
التحرير على رأس أولويات فصائل العمل المقاوم. القضية الأخرى
التي يجب الوقوف عندها هي عدم قدرة حركة حماس لتشكيل حكومة
وحدة وطنية مع حركة فتح، وبالتالي يمكن القول أن المشهد الحزبي
الفلسطيني لم يصل بعد إلى درجة النضوج، وبقي مغلقاً على ذاته
لدرجة لا تسمح للتنظيمات والفصائل بالتفكير للتواصل مع بعضها
سياسيا ووطنياً لحماية مشروع الدولة والمستقبل الفلسطيني.
لقد أصبحت حكومة الوحدة الوطنية مطلباً ومتطلباً وطنياً
داخلياً في ظل الضغوطات التي تمارس على مؤسسات النظام السياسي
الفلسطيني، والتلويح باستخدام ورقة المساعدات المالية للضغط
على الشعب الفلسطيني، وفي ظل استمرار توجهات الإسرائيليين
للمضي قدماً في إستراتيجية ترسيم حدود إسرائيل على حساب
الديموغرافيا والجغرافيا في الأراضي الفلسطينية.
ومن هنا يمكن الإجمال والقول: إن الإشكالية الفلسطينية التي
وصلت فعلاً إلى درجة المأزق القاتل بعد كانون ثاني 2006, بسبب
عدم قدرة الفلسطيني على بناء مؤسسات سياسية وإدارية على أسس
مهنية عقلانية بعيداً عن التحزب الضيق, وعدم قدرة القادم
الجديد إلى السلطة (حماس) من تطوير آليات خلاقة للتعامل مع
الوضعية الفلسطينية الخاصة, فضلاً عن تفتت قوى الطريق الثالث
أو الخيار الثالث، كل ذلك اقترن بسيناريو إقليمي/ دولي قسّم
الفلسطينيين إلى معتدلين وممانعين ومقاومين, مما كان له
انعكاساته السلبية عمق الانقسام, وجذر عدم الثقة في الساحة
الفلسطينية.
الورقة الثانية
الإشكال والمأزق القائم منذ الفلتان الأمني وحتى انقسام السلطة
الحالي
د. يوسف رزقة
الفلتان الأمني مصطلح يطلق على حالة التمرد الأمني والعسكري
والحزبي أيام حكومة إسماعيل هنية، وهو ظاهرة خطيرة هددت السلم
الاجتماعي وفشلت قيادة السلطة في كبح جماحها، وفشل وزير
الداخلية في معالجتها بالقانون، ومن مظاهرة المؤلمة: (خطف
الأجانب، والاقتتال الداخلي، وغياب الأمن، وإعاقة الحياة
الطبيعية، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة).
وقد حاول الطرفان فتح وحماس الخروج من حالة الفلتان باتفاق مكة
المكرمة وإقامة حكومة وحدة وطنية في19/5/2007م. لكن الحكومة لم
تعمر طويلاً، إذ عاد الفلتان إلى شوارع غزة بوتيرة أشد وضعت
السلم الاجتماعي في المأزق من جديد، وأنذرت بحرب أهلية مسعورة،
لكنها بفضل الله م خلال الحسم العسكري في14/6/2006م.
لم تبيّت حماس خطة الحسم العسكري ولم تبيّت الرغبة في
الاستيلاء على غزة ، وجل ما طمعت به هو وقف تغول الفلتان ومنح
الحكومة فرصة للحكم .ولكن الأمور تدحرجت رغماً عنها باتجاه
الاستيلاء على غزة والتفرد بإدارة القطاع.
خرجت غزة والضفة من مأزق الفلتان الأمني لتدخل في مأزق
الانقسام الداخلي، الذي تسارعت خطواته بسبب مراسيم الرئيس في
إقالة حكومة الوحدة الوطنية، وإعلان الطوارئ وتشكيل حكومة سلام
فياض، ورفض الحوار مع حماس، بالرغم من اعتراف حماس ببقاء سلطة
الرئيس، ودعوته للحوار، واستعادة لحمة الوطن وتضميد الجرح.
وما زال الانقسام قائماً ويمثل المشكلة الأكبر أمام فتح وحماس
ويمثل المأزق الأخطر أمام الأطراف وأمام القضية الفلسطينية
لأنه ينذر بإهمال قضايا الوطن الرئيس والانشغال بقضايا حزبية.
وبعد أن تعرضت غزة لعدوان إسرائيلي لم يسبق له مثيل في
27/12/08م دعت مصر الأطراف للحوار برعاية اللواء عمر سليمان في
القاهرة، وأوشك الطرفان على توقيع ورقة مصالحة تستجيب لرؤية كل
منهما وإن بحدها الأدنى، غير أن هذه الورقة لم توقع حتى الآن
بعد أن تعثرت بسقوط بعض العبارات ذات الأهمية في نظر حماس مما
دعاها لإرسال ملاحظاتها إلى القاهرة.
ومع ذلك لا يوجد أمام الأطراف بديلاً عن المصالحة والتوافق،
وإقامة حكومة وحدة وطنية والعودة إلى الانتخابات النزيهة
واحترام نتائجها، وتوثيق عرى السلم الاجتماعي. والتفرغ
للاحتلال وتداعياته من استيطان وجدار وعدوان يومي مستمر.
إذا كان الفلتان مأزقا ارتفع، فإن الانقسام مأزق باق حتى الآن،
ولكنه ليس المأزق الوحيد في الساحة الفلسطينية فثمة مآزق
داخلية خطيرة ربما أهمها التنسيق الأمني مع الاحتلال، والقمع
والاعتقالات السياسية، وضعف الحياة الديمقراطية وخلل التوازن
فيها، ومفارقة الخطاب السياسي للواقع على نحو يضل معه الرأي
العام، وتغيب معه المصداقية الوطنية.
جهود ونتائج محاولات
الحوار والمصالحة
المحاولات الفلسطينية الداخلية، وما توصلت إليه في الحوار
والمصالحة
د. رائد نعيرات
أما بخصوص الجهود الداخلية فهي جهود تخص الفصائل الفلسطينية،
وجهود تخص مبادرات النخب السياسية والاجتماعية، وجهود تخص
المجتمع الأهلي الفلسطيني، وكلها تنحصر في الأراضي المحتلة عام
67 وقطاع غزة.
والتعرف على طبيعة الإشكاليات التي واجهتها الساحة الفلسطينية
بعد الانتخابات يعد مدخلا للتعامل مع الإخفاقات والنجاحات التي
واكبت هذه الجهود، حيث ترى الورقة أن هناك ثلاث إشكاليات واجهت
النظام السياسي الفلسطيني، تمثلت في:
-
إشكالية عقيدة النظام السياسي الفلسطيني برمته،
وبدأت تساؤلات كثيرة حول عقيدة النظام الفلسطيني، هل هو نظام
يتبنى برنامج العملية السياسية للوصول إلى الدولة؟ أم هل هو
برنامج يتبني الدمج ما بين العملية السياسية وما بين المقاومة؟
-
إشكالية التحول الديمقراطي الفلسطيني،
إلى أين نتجه في هذا النظام، فهل نسير فيه نحو مشاركة سياسية
حقيقة، أو نحن عقلية جمعية فلسطينية ... الخ.
-
وإشكالية إدارة السلطة الفلسطينية،
حيث كان هناك إشكالية ما بين السلطة والمنظمة، وما بين السلطة
والسلطة، وداخل السلطة وما تعانيه من ازدواجية، وما بات يعرف
عنه إشكالية اللون الواحد في المؤسسات الفلسطينية.
هذه الإشكاليات كلها تعاظمت بعد فوز حماس بالانتخابات، وشكلت
هذه المرحلة إشكالية في بداياتها وهي: إعادة التمركز
التنظيمي، فبعد الانتخابات وتشكيل حكومة حماس العاشرة تم
إعادة التمركز التنظيمي وعادت الرؤى تتمحور حول الرؤية
التنظيمية، وهذا التمركز ضرب قاعدة التنظيمات، وقيادات
التنظيمات، مما أثر سلبا على التفكير بالعقلية التشاركية
والجهود التي تسعى إلى حل المشاكل بشكل تشاركي.
تلا ذلك وجود مبادرة نخبوية فلسطينية، وهذه المبادرة هي التي
يمكن أن تكون وضعت بدايات انطلاقة الحوار الوطني الفلسطيني،
إلا أن مجيء الانقسام وما تبعه من انعكاسات جعل هذه المبادرة
لا تؤتي ثمارها، وهو ما تلاها مبادرة أخرى عقب الانقسام وهي ما
عرفت بمبادرة "نداء الوحدة الفلسطيني" وهي إحدى
المبادرات المركزية التي حاولت أن تضع صيغه لإيجاد بؤرة ينطلق
منها المحاورون الفلسطينيون، وأهم ما ميزها أنها جاءت في قالب
بحث الإشكاليات العليا، وركز نداؤها على القوة السياسية أن
ترفض المفاوضات على الطريقة التي كانت تسير عليها، وتعمل على
الاهتمام بالوحدة الفلسطينية الداخلية أساسا ومنطلقا للمستقبل
الفلسطيني، ورغم ذلك واجه هذا النداء عددا من التحديات على
رأسها اعتقال الاحتلال للشخصيات البارزة وراءه ومحاولة
تغييبها، والتدخلات من قبل أطراف السلطة الفلسطينية سواء
بالضفة الغربية أو بقطاع غزة، وهذا جعله لم يكتب له النجاح.
يلاحظ أن هناك إخفاقا مركزيا واجه هذه المبادرات، وهو أنه لم
يكن هناك فصل ما بين إدارة سلطة فلسطينية وما بين ما هو سياسي،
ولذا كان لا بد أن ينصب جهد المبادات الفلسطينية الداخلية على
إيجاد حلول لموضوع إدارة السلطة، وعدم تخطي السلطات القائمة
على الموضوعات السياسية، خاصة أننا نعلم أن تلك الموضوعات ما
زلت حكرا على المؤسسات السياسية الفلسطينية العليا.
أما ما يخص دور قوى المجتمع الأهلي الفلسطيني للمصالحة، فقد
واجه عقبات عدة، وكان الموقف منها متواضعا بعض الشيء، لأننا
أمام إفرازات الانقسام السياسي الفلسطيني، وأهمها قضايا حقوق
الإنسان والتعدي على الحريات العامة، بل كان لموقفها انعكاسات
سلبية حيث كنا نلمس أن مؤسسات المجتمع المدنية لا تتحرك إلا
بعد أن يكون هناك تحرك من قبل السلطة الحاكمة سواء بالضفة
وغزة، وهو ما كان يفقدها الدور الحقيقي الذي يجب أن تقوم به.
رغم كل هذه الإخفاقات لا يمكن القول إن الجهد الفلسطيني
الداخلي لم يكن ذا وزن، إلا أنه يمكن القول أن هذا الوزن يجب
أن يتعاظم دوره لأن إفرازات عدم المصالحة لن يدفع ثمنها إلا
أبناء المجتمع الفلسطيني فهم المتأثرون مباشرة.
ورغم كل الجهود من الداخل الفلسطيني والخارج العربي إلا أننا
بحاجة إلى تقريب وجهات النظر وتوضيح اللبس، ومن يستطيع القيام
بذلك هو الجهد الذاتي الفلسطيني والمبادرات الذاتية
الفلسطينية، بشعور كل طرف أنه يتحمل مسؤولية تجاه شعبه وقضيته.
المبادرات العربية للمصالحة الفلسطينية
تعددت المبادرات وتكاثر المبادرون، من قطر في الخليج، إلى
السودان مرورا بسوريا والسعودية واليمن وغيرها، وإذا كانت
السعودية قد قامت بما قامت به من منطلق "صراع الأدوار
الإقليمي" والانقسام بين إيران وعرب الاعتدال بزعامة السعودية،
فإن المبادرة اليمنية لا يمكن النظر لها بمعزل عن "لعبة البحث
عن أدوار، والبقاء في بؤرة الاهتمام الإعلامي والتغطية على
الفشل الداخلي من خلال السعي لتحقيق نجاح خارجي".
الوساطة السعودية، دوافعها ومحركاتها
·
السعودية تبادر في مطلع شباط 2007 إلى استضافة جولات حوار بين
قادة حركتي فتح وحماس تنتهي بالتوقيع على اتفاق مصالحة حمل اسم
المدينة التي أبرم فيها، مكة المكرمة
·
مضمون الاتفاق أنضج في حوارات دمشق وبوساطة سورية، لكن الفرقاء
ارتضوا "بيع" حفل التوقيع للمملكة السعودية للأسباب المعروفة.
·
اتفاق مكة هو الاتفاق المنشئ لحكومة الوحدة الوطنية
الفلسطينية الحادية عشرة برئاسة إسماعيل هنية، والتي امتدت
ولايتها من نهاية آذار عام 2007 وحتى منتصف حزيران من العام
ذاته، أي أقل من ثلاثة أشهر.
السياقان الإقليمي والمحلي للمحاولة
السياق المحلي:
الدبلوماسية السعودية تعاود بعد حرب تموز 2006 اشتباكها مع
أزمات المنطقة المفتوحة وملفاتها المختلفة، بعد سنوات طوال من
"الركود والانطواء"، ويتغذى الحراك الدبلوماسي بعائدات نفطية
غير مسبوقة، والمال أحد مصادر القوة المادية، إلى جانب
"مكانتها الروحية" المستمدة من "حضانتها" للحرمين الشريفين،
وكل هذا عبر مدرستين في التفكير السياسي السعودي، الأولى سعت
لاحتواء حماس وإبعادها عن "محور طهران- دمشق" من خلال الحوار
والمصالحة، والثانية ذهبت إلى أبعد حد في التنسيق الأمني مع
الولايات المتحدة ورباعية الاعتدال العربي وتيار انقلابي
فلسطيني.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في الأوساط السياسية
والدبلوماسية والأكاديمية، ما زال يتعلق ببواعث هذا النشاط
المحموم والمفاجئ نسبيا للدبلوماسية السعودية.
نجاح الدبلوماسية السعودية في تحقيق مراميها كان مشروطا بتوفر
جملة شروط، أهمها:
أولا:
نجاح المملكة ومن خلفها معسكر الاعتدال العربي، في الحفاظ على
مسافة واضحة من المشروع الأمريكي في المنطقة.
ثانيا:
نجاح المملكة في التمييز بين الاستهداف الأمريكي- الإسرائيلي
لإيران وحلفائها المتأسس على منطق المحافظين الجدد واليمين
المسيحي من جهة، وبين المخاوف العربية المشروعة من الاندفاعة
الإيرانية المجنونة في العراق تحديدا من جهة ثانية.
ثالثا:
أن "الاحتواء والشمول" هما المقاربة المجربة لاحتواء أزمات
المنطقة وشمول مختلف اللاعبين على مسارحها في الجهد الرامي
لإطفاء الحرائق وحل الأزمات.
رابعا:
أن الدبلوماسية السعودية لن تستطيع وحدها معالجة أزمات المنطقة
والإقليم، لكنها ستكون قادرة على ذلك تماما، إن هي عملت
بالشراكة مع حلفائها وأصدقائها الكثر في المنطقة.
خامسا:
أخفقت المملكة في توفير شبكة أمان للاتفاق وأطرافه المتعاقدة،
وسرعان ما بدأت الانسحاب من رعايته تحت الضغط الأمريكي.
المبادرة اليمنية واتفاق صنعاء
بعد ذلك الفشل الفلسطيني الكبير، الذي كان لواشنطن دور في
صنعه، وصل الفلسطينيون إلى صنعاء، في ربيع (آذار) العام 2008،
وتوصلوا لاتفاق حمل اسم العاصمة اليمنية، ورعاه رئيسها.
المبادرة تقوم على سبع نقاط هي: "عودة بالأوضاع في غزة إلى ما
كانت عليه قبل استيلاء حماس على مؤسسات السلطة وإجراء انتخابات
مبكرة واستئناف الحوار على قاعدة اتفاق القاهرة 2005م واتفاق
مكة 2007م على أساس أن الشعب الفلسطيني كل لا يتجزأ وأن السلطة
الفلسطينية تتكون من سلطة الرئاسة المنتخبة والبرلمان المنتخب
والسلطة التنفيذية ممثلة بحكومة وحدة وطنية والالتزام بالشرعية
الفلسطينية بكل مكوناتها". ونصت أيضا على احترام الدستور
والقانون الفلسطيني والالتزام به وإعادة بناء الأجهزة الأمنية
على أسس وطنية بحيث تتبع السلطة العليا وحكومة الوحدة الوطنية
ولا علاقة لاي فصيل بها كما تكون المؤسسات الفلسطينية بكل
تكويناتها دون تمييز فصائلي وتخضع للسلطة العليا وحكومة الوحدة
الوطني"، ولم تتسم بالتوازن، وجاءت بالتنسيق مع الرئاسة
الفلسطينية في رام الله.
لكن "البشارة السوداء" جاءت من رام الله، وعلى لسان نائب
الرئيس الأمريكي آنذاك ديك تشيني، الذي كان في زيارة لها من
ضمن جولة في المنطقة، أعلن خلالها بأن السلطة لن توقع "اتفاق
صنعاء" وأنها تنتظر استسلام حماس وتسليمها القطاع لفتح
والسلطة، وبعد ذلك لكل حادث حديث؛ فينما كان عزام الأحمد يوقع
الاتفاق في صنعاء، كانت الرئاسة في رام الله تتنصل من موافقتها
عليه.
وما ميّز الموقف اليمني العام هو البحث عن أي دور، والبحث عن
نجاح في الخارج، والصراع مع الحوثيين، وتفاقم الأزمة بين
الجنوب والشمال، وتنامي دور تنظيم القاعدة في اليمن، وإرهاصات
انفتاح ومؤشرات توحد مع تنظيم القاعدة في السعودية، والأزمة
الاقتصادية وتفشي مظاهر الفساد.
بعد ما يزيد على خمسة شهور من الحوارات الداخلية الفلسطينية،
برعاية جمهورية مصر العربية، تقدمت مصر بورقة المصالحة،
للفصائل الفلسطينية، لتوقيعها أو رفضها، وافقت فتح دون تحفظ
على الورقة، بينما وجدت حماس بأن الورقة تضمنت نقاطاً جديدة،
تحتاج إلى نقاش وتحديد.
جاءت الورقة المصرية في معظمها لتعالج قضايا إجرائية، أبرزها
ما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وقامت بتأجيل ملفات
عدة، أبرزها ملف المعتقلين.
لا يزال المجال مفتوحاً للتوقيع على الورقة المصرية، ولا تزال
الإمكانية قائمة لمناقشة نقاط، ترى حماس من الضرورة بمكان
مناقشتها.
لا تقدم الورقة المصرية حلولاً جذرية أو نهائية لقضايا الخلاف
القائمة، بل على النقيض من ذلك، فقد ابتعدت هذه الورقة، وعن
سابق إصرار وتصميم عن مناقشة القضايا السياسية للخلاف، علماً
بأن جذر الخلاف الأساسي، هو الخلاف السياسي، وتناقض البرامج
والرؤى السياسية بين فتح وحماس.
ترمي الورقة المصرية لتجميد حالة الخلاف القائمة، والوصول إلى
نقاط قد تساعد على فتح معبر رفح وإعادة إعمار غزة، والإفساح في
المجال أمام إعداد وتهيئة الأجواء في الضفة الغربية وقطاع غزة،
لإجراء الانتخابات التشريعية الرئاسية يوم 24/6/2010، وخلال
تلك الفترة تجري بعض الاستعدادات والخطى، لتوحيد أجهزة الأمن،
وإعادة تجديد وتحديث م.ت.ف.
تحتاج الإجراءات المقترحة في الورقة المصرية، خاصة فيما يتعلق
منها بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلى توافق وطني،
وإلى مناخات مصالحة سياسية، تمهد جدياً وميدانياً لإجراء
انتخابات نزيهة وحقيقية، والتوصل على صيغ عمل مشتركة، أساسها
نقاط سياسية متفق عليها بين الجميع.
بعد الفشل في جولة الحوار (أيلول – تشرين ثاني 2008) توترت
العلاقة بين مصر وحماس، وهددت الخارجية المصرية حماس وحرضت
ضدها وحاولت تحميلها مسؤولية الفشل في الحوار وتم عرض الموضوع
على الجامعة العربية التي رفضت تبني موقف يدين حماس أو غيرها
وطالبت مصر بالاستمرار في جهود المصالحة، وتزامن ذلك مع قرب
انتهاء فترة التهدئة التي أبرمتها مصر بين إسرائيل وحماس ولم
توافق إسرائيل على استمرار التهدئة وأرادت تغيير قواعدها
وحاولت مصر إقناع الحركة بالاستمرار في التهدئة كما تم تطبيقها
نهاية العام 2008 وليس كما تم التوافق عليها! ورفضت الحركة
وبقية الفصائل الفلسطينية ذلك.
ثم كانت الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، وبفضل الصمود
الأسطوري للمقاومة الفلسطينية والتفاف الشعب حولها، فشلت
إسرائيل في تحقيق أهدافها.
وبعد الحرب، وفي شهر شباط 2009، بدأت الاجتماعات الأولى
للفصائل المختلفة برعاية مصرية، وبدأت جولات ثنائية بين فتح
وحماس تطورت الجهود خلال ثمانية شهور حتى وصلت إلى قفزة نوعية
في شهر أيلول/2009 عندما وافقت حماس على مقترحات الحل الوسط
التي قدمتها مصر ومكن ذلك الوسيط المصري من تحديد مواعيد
للتوقيع على اتفاق المصالحة ... وبعدها فوجئ الشعب الفلسطيني
والعالم أجمع من موقف أبو مازن تجاه تقرير جولدستون وسحبه من
النقاش أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان، فطلبت حماس من مصر
تأجيل موعد توقيع اتفاق المصالحة بضعة أيام أو أسابيع إلى أن
تنتهي موجة الغضب العارم تجاه أبي مازن، فرفضت مصر ذلك وأصرت
الحركة على موقفها، ثم قامت مصر بتقديم اقتراح يتمثل في تأجيل
الاجتماع الاحتفالي على أن يتم توقيع الاتفاق من قبل كل فصيل
على حدة.
كان موقف حماس واضحا حيث تم إخبار
المصريين أن الوفد ليس متحمسا للاقتراح ولكن الحركة ستدرس
الاقتراح، كما تم إبلاغ المصريين أنه إذا طرأ تغير في الجو
العام المتعلق بتقرير جولدستون فإن الحركة لن تعارض العودة إلى
الترتيب المصري الأصلي، وقد أبدى المصريون تفضيلهم لمثل ذلك
التوجه.
ثم كانت المفاجأة بقيام المصريين بتقديم ورقة قبل رد الحركة
على مقترح الآلية الجديدة، وكانت المفاجأة الأخرى أن هذه
الورقة نهائية وغير قابلة للنقاش وهي فقط للتوقيع، وعليها جملة
من الملاحظات، أبرزها أنه بقيت أربعة محاور (حكومة الوحدة
الوطنية، والأجهزة الأمنية، والانتخابات، والمعتقلون) متعثرة
حتى نهاية الجولات واضطرت مصر لعرض حلول وسط لها.
أما
تحفظات الحركة على الورقة المصرية، فقد
تركزت على إسقاط عبارات أو تغيير صياغتها لتغاير المتفق عليه،
وإضافة عبارات لم يتم التوافق عليها، وعبارات جاءت مخالفة
لقوانين مقرة دون نقاشها ودون التوافق على التعديل، ومصطلحات
بحاجة لتوضيح لضمان حسن التنفيذ.
تحديات وآفاق الحوار والمصالحة
قبل الحديث عن التحديات والآفاق في حال وقوع "المصالحة"، لا بد
من الإجابة عن أسئلة تطرح نفسها: لماذا لم تنجح كل محاولات
المصالحة على مدار عامين ونصف- منذ عملية الحسم في حزيران
"يونيو" 2007م-؟ ولماذا لم تنجح "الرعاية المصرية" على مدار
ثمانية شهور- من شباط/ فبراير حتى تشرين أول/ أكتوبر 2009م- في
إنجاز "المصالحة الفلسطينية"؟!
الحقيقة أن الإجابة بموضوعية على هذه الأسئلة، تقتضي منا
الإشارة بصراحة وشفافية إلى الأسباب التالية:
1-
جميع المحاولات التي بذلت لم تعالج جذور الأزمة في الساحة
السياسية الفلسطينية.
2-
الحضور الدائم لـ "العامل الخارجي"، وتحديداً الأمريكي، الذي
كان يقف بالمرصاد لأي اتفاقات أو تفاهمات يتم توقيعها.
3-
إصرار القوى الدولية والإقليمية على موافقة حركة حماس على شروط
الرباعية كثمن للموافقة على أي اتفاق سياسي.
4-
إصرار بعض القوى الإقليمية على أن تكون "المصالحة الفلسطينية"
منسجمة مع مصالحها وطموحاتها، حيث عملت هذه القوى على "إفشال"
و "إجهاض" أي اتفاق فلسطيني لا يحقق مصالحها وأهدافها.
5-
وجود قيادات فلسطينية "متضررة" من هذه المصالحة، إذ إن بقاءها
على الخارطة الفلسطينية مرهون ببقاء الانقسام السياسي واستمرار
الحالة القائمة.
6-
حرص الولايات المتحدة الأمريكية و "إسرائيل"، وبعض القوى
الإقليمية، على أن يكون من نتائج أي مصالحة فلسطينية، "إخراج"
حركة حماس من دائرة "التأثير والتغيير" في المشهد السياسي
الفلسطيني.
التحديات والآفاق
الأسباب التي تقّدم ذكرها، تمثّل الأسباب الرئيسة التي حالت
دون التوصل إلى "مصالحة فلسطينية" حقيقية حتى الآن، وهي ستحول
في حال التوصل إلى اتفاق دون ديمومته واستمراره، لذا فإن
الرؤية المأمولة ترتكز ملامحها على النقاط التالية:
1-
الاتفاق على برنامج سياسي يمثّل القاسم المشترك بين جميع القوى
الفلسطينية، وأن وثيقة "الوفاق الوطني"، التي وقّعتها القوى
الفلسطينية عام 2006م- بصرف النظر عن الملاحظات عليها- تمثل
أساساً صالحاً لبرنامج سياسي متفق عليه، مع الإشارة هنا، إلى
أن توقيع بعض القوى على الوثيقة، لا يعني أنهم مقتنعون بها، أو
معنيون بتنفيذها، لأن التوقيع عليها كان "تكتيكاً" فرضته ظروف
تلك المرحلة بالنسبة للقوى المقصودة.
2-
إعادة النظر في ما يمكن تسميته بـ "النظام السياسي الفلسطيني"
والذي اختلطت فيه الأمور، وتداخلت فيه المؤسسات، وكثرت فيه
الأطر، فلا بد من معالجة الثغرات والسلبيات، التي أثبت الواقع
أنها أوصلتنا إلى طريق مسدود، وهذا يقتضي التشخيص السياسي
للمرحلة بدقة، وتحديد مستلزماتها، لذلك يمكن أن يكون "حل
السلطة" أحد الخيارات المطروحة دراسته بموضوعية، ومن الزاوية
السياسية والقانونية.
3-
رفض "التدخل السافر" من قبل القوى الخارجية في الخيارات
السياسية والتنظيمية، التي يتفق عليها الفلسطينيون، وعلى الرغم
من الفهم والإدراك لوجود قوى إقليمية ودولية، تتحرّك في
المساحات، التي يتحرك فيها الفلسطينيون، وأن هذه القوى لها
مصالحها وطموحاتها، ولكن لا ينبغي أن يؤثّر ذلك على الأهداف
الاستراتيجية، حيث نمتلك "أوراق قوة"، يمكننا توظيفها
واستخدامها في مقاومة "الضغوط"، و"التدخلات" الخارجية.
إذاً، ما يمكن استخلاصه، أنه بدون رؤية سياسية وبرنامج سياسي
يترجمها يتم التوافق عليه، وبدون إعادة النظر في آليات صنع
القرار الفلسطيني ومأسسته، فإن أي اتفاق يتم توقيعه لن يكتب له
النجاح، أما الذين يطرحون ضرورة إجراء انتخابات المجلس
التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية في موعدها، أو في أقرب وقت
ممكن، فينبغي أن يدركوا أن إجراء هذه الانتخابات، لن يعالج
الأزمة في الساحة الفلسطينية، بل سيزيدها تعقيداً، بصرف النظر
عن الطرف الفائز فيها، ولا يعني هذا التراجع عن آلية الانتخاب
كوسيلة حضارية وديمقراطية في الاحتكام إلى الشعب الفلسطيني
والعودة إليه ، ولكن لا بد من وجود رؤية متكاملة لمعالجة جميع
جوانب الخلل سياسياً وتنظيمياً، وتكون الانتخابات جزءاً لا
يتجزأ من هذه الرؤية، خصوصاً وأننا في مرحلة لا تزال أرضنا
فيها محتلة، ولا تزال السيادة عليها براً وبحراً وجواً
"إسرائيلية"، والذين يتناولون "موضوعة" النظام السياسي
الفلسطيني، وكأننا نعيش في ظروف مطابقة أو مشابهة لظروف الدول
الديمقراطية المستقلة ، والمستقرة، يعيشون في "أوهام" عليهم أن
يخرجوا منها، حتى لا تغرق القضية الفلسطينية في "أوهامهم" أو
"السراب"، الذي يريدون أن يأخذوا القضية الفلسطينية إليه.
ليس مهما هنا تحديد نسب المسؤولية فيما حصل على هذه الجهة أو
تلك، ولكن المهم الآن هو التقدم لإطفاء النيران التي تكاد تودي
بالمجموع الفلسطيني والمنجزات الفلسطينية التي كرسها النضال
خلال عقود طويلة قاسية ودامية، والمهم كذلك تحدي التحديات التي
تقف عائقا أمام المصالحة ومعالجتها ووضع تصور عملي حقيقي يحفظ
وحدة الشعب وقوة دفع حركاته السياسية ويرسي أسس كيان سياسي
يؤمن بالتداول السلمي للسلطة وبالتعددية السياسية وحرية
التعبير.
التحديات المعيقة للمصالحة
1.
وجود الاحتلال الإسرائيلي:
الاحتلال يفقد أي سلطة فلسطينية قوتها التنفيذية على
الأرض ويجعلها عاجزة عن التزود بوسائل تحفظ هيبتها وقدرتها على
التدخل المناسب في الوقت المناسب للحفاظ على وحدة المؤسسة
والشعب.
إن إسرائيل تدرك تماماً أن سياساتها الملتوية والتفردية في
الساحة الفلسطينية تؤدي بلا شك إلى تعميق التفسخ في الكيان
السياسي الفلسطيني.. وكل ما يصدر عنها من مواقف وسياسات انما
يوضع في حسبانه النتائج المتوقعة على صعيد الموقف الفلسطيني
ذلك لان إسرائيل لا تريد سلاماً ولا استقراراً في المنطقة ولا
تريد شريكاً في العملية السياسية.. وتلتقي الرغبة الإسرائيلية
برغبة أمريكية في المحافظة على التشتت الفلسطيني لانه حسب
زعمهم ضمانة لعدم التشدد الفلسطيني.
2.
الوضع الإقليمي:
أصبح التدخل الإقليمي في الشأن الفلسطيني مرافقا طبيعيا للفعل
الفلسطيني والقرار الفلسطيني وبلا شك فإن الأمن القومي العربي
وأمن المنطقة كلها مرتبط بأمن فلسطين ومتأثر سلبا وإيجابا بما
عليه الحال في فلسطين. ولكن المشكلة عندما يصبح التدخل في
التفصيلات بين القوى والتيارات أكثر من كونه بحثا عن قواسم
مشتركة لموقف إقليمي موحد إزاء الاحتلال الإسرائيلي والعدوان
الإسرائيلي.
-
العمل السياسي الفلسطيني:
إن المعالجات السابقة لم تكن معالجات عميقة ولا جوهرية بل
اتجهت إلى منهج تلفيقي أو توفيقي على السطح في حين كان من
المفترض عل حركتين بينهما من الاختلاف الشيء الكبير وليس
لهما سابق علاقة مشاركة في عمل سياسي أو اجتماعي أن تنكبا
على التوصل إلى قواسم مشتركة وبرنامج وطني ثابت واضح
المعالم يصبح العمل على إنجازه هدفا وطنيا مقدسا.
-
التعامل مع مبادرات المصالحة:
لم يكن التعامل مع المبادرات العربية أو المحلية يحظى
بجدية ونية صادقة وعزيمة قوية لإنجاز المصالحة والتوصل إلى
اتفاق ميداني ينهي حالة التمزق والتشتت الفلسطيني.
-
دور العمالة البشرية والمادية والفكرية،
يسعى العدو دوما إلى اختراق الوضع الفلسطيني من خلال نقاط
الضعف التي تنتابه وهو مكشوف الغطاء، ويصبح محركا لبعض
الأطراف بيديه لبث لبدعاية والتخريب والارتباك في صفوف
أبناء شعبنا لتعميق الأزمة الداخلية، وعلى صعيد العماة
المادية ليس من المنطقي التصدي للاستيطان فيما العمال
الفلسطينيون هم الذين يبنون المستوطنات على أكتافهم
الحـلـول
1-
ضرورة التوصل إلى رؤية فلسطينية مشتركة للموضوع السياسي وعدم
تجاوز ذلك إلى تفاهمات سطحية تلفيقية... كما يجب التوصل إلى
رؤية لبناء المؤسسة الفلسطينية لا تكرس مبدأ المحاصصة بل ترسي
قواعد التدافع والتكامل ومشاركة الجميع في عمل متساند لحماية
المجتمع ومؤسساته السياسية.
2-
إلغاء الميلشيات المسحلة ونزع أنياب العمل الحزبي ودفعه إلى
ميدان التنافس بالكلمة والبرامج وتقوية المؤسسات القضائية
والتشريعية والتنفيذية.. وتتويج ذلك بقوانين حاسمة وحازمة توضع
موضع التنفيذ.
3-
الانتباه من خلال برنامج عمل وطني يسهم فيه الجميع ثقافياً
ومادياً لحماية أبناء الشعب من عمليات الاستلاب في عجلة
الاحتلال ومخططاته.
4-
فسح المجال حقيقياً لنشاطات المرأة وتوجيه مهمتها إلى ما هو
مناط إليها طبيعياً من تماسك المجتمع وتقوية أواصره في برامج
عمل تبدأ من التوعية إلى المبادرات الميدانية، وعلى المرأة بما
تمثله في المجتمع من رابط سري وسحري أن تتحرك نحو فض الاشتباك
بالدفاع عن المشترك- أبناء المجتمع الواحد- والقيام بنشاطات
تكرس روح الوحدة والتماسك والتعاون وسط المجتمع.
ما من شك في أن حركة حماس اليوم في مأزق، فهي محاصرة في قطاع
غزة، ملاحقة في الضفة الغربية، ومقاطعة حول العالم، إلا
قليلاً، إلا أن مأزق خصومها أكبر وأعمق، الأمر الذي يكسبها
موقعاً متفوقاً نسبياً على من يبطنون أو يعلنون الحرب عليها
رغم ما هي فيه من ضائقة، ومصدر أزمة خصوم حماس أنها أضحت رقماً
صعباً لا يمكن تجاوزه في أي عملية سياسية تمس القضية
الفلسطينية، ومصدر هذا التطور في الوضع السياسي، بشكل أساسي،
هو انتخابات عام 2006 التي أضفت على الحركة شرعية لا تملك أي
من الأطراف إنكارها، بالإضافة إلى ما تبع ذلك من فشل ذريع
لكافة محاولات قلب الشارع الفلسطيني عليها في قطاع غزة.
وفي هذا السياق يأتي حرص الأطراف الإقليمية والدولية، ومصر
بالذات، على إنجاز مصالحة بين فتح وحماس تشكل مخرجاً للأطراف
المأزومة فيما عدا حماس، التي يطمع هؤلاء المأزومون كلاً على
طريقته في إخراجها من اللعبة السياسية بأسرها.
ولو كان الخلاف بين حماس وفتح لا يتجاوز تقاسم الغنائم والنفوذ
لأمكن التوصل إلى حل وسط، إلا أن الخلاف في حقيقته يتعلق بما
هو أخطر من ذلك، يتعلق الخلاف بالتصور لطبيعة الصراع بين
الفلسطينين والإسرائيليين، ويتعلق أيضاً بالغاية المرجوة من
النضال الوطني الفلسطيني. ولذلك فإن المصالحة مستحيلة ما لم
يتم أولاً الاتفاق على المبدأ، وهذا يعني أن تنتقل فئة من
الفئتين إلى موقع الأخرى فتقف معها على نفس الأرضية.
ومن الواضح أن أياً من الطرفين لا يملك خيار الانتقال إلى
معسكر الآخر، وأمام هذا الواقع لا يوجد أمام حركة حماس من خيار
سوى الدفاع عن موقفها بكافة الوسائل، والامتناع عن تقديم أي
مبادرات أو طرح حلول تنال من صدقيتها، وعدم الرضوخ بأي حال من
الأحوال للضغوط التي تستهدف حملها على استبدال الأمر الواقع
بما هو أسوأ منه.
من الحكمة أن تظل حماس ملتزمة من حيث المبدأ بالمصالحة والوحدة
الوطنية الفلسطينية، ولكن ليس من الحكمة أن تقبل بهذه المصالحة
بأي ثمن؛ بل ينبغي أن تشترط حماس أن تتضمن المصالحة الإجراءات
التالية على الأقل:
-
فتح معبر رفح أمام الناس والبضائع، وأن تحكم حركة الناس
والبضائع عبر المعبر من خلال الاتفاقيات العربية التي تنظم ذلك
بالإضافة إلى ما تمليه المصلحة الفلسطينية-المصرية المشتركة
بمنأى تام عن أي شروط صهيونية أو مطالب أمريكية.
-
إعمار قطاع غزة، والسماح بإدخال كافة المواد والمستلزمات.
-
وقف كافة أشكال التنسيق الأمني بين سلطة رام الله والكيان
الصهيوني، وإطلاق جميع المعتقلين من منتسبي حماس أو الفصائل
الفلسطينية الأخرى الذي اعتقلوا بموجب التنسيق الأمني المذكور،
وهذا يتطلب طرد الجنرال ديتون وتفكيك الجهاز الذي يعمل معه في
الضفة الغربية.
-
ربط إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمنجزات المصالحة
على الأرض بما يضمن نزاهة الانتخابات وشفافيتها ويؤمن للناس
حرية الاختيار.
قد يتصور البعض بأن الأطراف الإقليمية والدولية غير مضطرة
للقبول بشروط حماس، وبأن الضيق الذي يعيشه الناس في الضفة
والقطاع يشكل عامل ضغط على الحركة ويعمل بذلك لصالح المجتمع
الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن الحقيقة هي
غير ذلك على الإطلاق، فمأزق المجتمع الدولي الداعم للصهاينة
يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، بينما الشعب الفلسطيني بمجمله لا
يلوم حماس على ما هو فيه من ضائقة بقدر ما يلوم الأطراف
الدولية والإقليمية الممالئة لإسرائيل.
إن حماس هي الأقدر على الثبات في لعبة عض الأصابع هذه، وما من
شك في أن البديل عن ثباتها وصبرها لن يكون الانفراج والتيسير
وإنما التجاوز والتهميش إن لم يكن المزيد من الابتزاز
والتضييق.
أ. هاني المصري
ما لم تنضج الأطراف الفلسطينية المختلفة (خصوصا فتح وحماس)
وتستعد للدخول في شراكة (تعطي لكل ذي حق حقه) على أساس الاتفاق
على مرجعية واحدة تحدد الأهداف الأساسية وأشكال النضال وقواعد
العمل السياسي والديمقراطي، بعيدا عن الهيمنة والإقصاء والتفرد
وسيطرة طرف واحد، لن ترى المصالحة الحقيقية النور.
والسيناريوهات المحتملة للواقع الفلسطيني هي:
السيناريو الأول:
أن تبقى الأمور على ما هي عليه، أقل أو أكثر قليلا من الواقع
الحالي بدون مصالحة ولا اتفاق حول التسوية ولا اختراقات او
تطورات جوهرية حاسمة، وبعبارة أخرى، تبقى السلطة في حالة
انقسام بين سلطة الضفة الغربية وسلطة قطاع غزة. وتستمر
المفاوضات معلقة أيضا رغم الإعلان أنها وصلت إلى طريق مسدود.
والمصالحة على أساس الورقة المصرية (حتى إذا وقّعت حماس
عليها)، لا يعني مصالحة حقيقية وإنما نوع من التعايش مع
الانقسام، وقد تتم صفقة تبادل الأسرى أو لا تتم، ولكنها إذا
تمت لن تقود الى إزالة الحصار كليا عن قطاع غزة، وإلى فتح
المعابر وخصوصا معبر رفح، وإلى إعادة إعمار القطاع، وتثبيت
التهدئة. كما يمكن إجراء مرحلة أولى أو عدة مراحل من
الانتخابات المحلية حتى تكون بروفة للانتخابات التشريعية
والرئاسية.
السيناريو الثاني:
العودة للمفاوضات الثنائية، ولا يمكن استبعاد هذا السيناريو
لأن إدارة أوباما وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة، والدول
العربية المعتدلة، تبذل جهودا من أجل استئناف المفاوضات حتى لا
يؤدي وقفها إلى تقوية وطرح خيارات وبدائل أخرى تؤدي إلى
تداعيات لا يمكن السيطرة عليها؛ وهناك محاولات لعقد مؤتمر دولي
في باريس يكون محطة لإطلاق المفاوضات مجددا، واستبعاد المقاومة
والمجابهة بكل أشكالها.
السيناريو الثالث:
بلورة استراتيجية جديدة وبديلة؛ فخيار المفاوضات كخيار وحيد
فشل فشلا ذريعا، وباعتراف قادته ومنظريه، ووصل إلى محطته
الأخيرة، فإما أن توقع أو تمرر القيادة الفلسطينية حلا تصفويا
أو منقوصا، بحجة ليس "بالامكان أبدع مما كان". وهذا السيناريو
يعتمد على فشل عملية السلام وخيار المفاوضات، وعلى أن أقصى ما
يمكن أن تقدمه إسرائيل بصورة عامة، وفي ظل حكومة نتنياهو
الحالية بصورة خاصة، أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يمكن أن
يقبله أكثر الفلسطينيين اعتدالا، ويبقى بعد ذلك يحتفظ
بمكانة ذات شان داخل الشعب الفلسطيني.
إن الاستراتيجية الجديدة يجب أن تستند إلى عدة مسائل أساسية:
أولا: مراجعة المسيرة والتجربة السابقة
واستخلاص الدروس والعبر.
ثانيا: إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام
واستعادة الوحدة على أساس إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني.
ثالثا: عدم استئناف المفاوضات الثنائية
والتمسك بإقرار إسرائيل بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة
كمرجعية ملزمة للمفاوضات.
رابعا: التمسك بأن تكون المفاوضات في إطار
مؤتمر دولي فاعل كامل الصلاحيات.
خامسا:إعادة النظر بشكل ووظيفة السلطة بحيث
تكون أداة في خدمة المصلحة الوطنية والبرنامج الوطني.
سادسا: الاحتفاظ بحق الشعب الفلسطيني
بممارسة كافة أشكال المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة،
والتركيز على المقاومة الشعبية الشاملة، وليس الرمزية فقط.
سابعا: تعزيز عوامل ومقومات الصمود الوطني
خصوصا في القدس.
ثامنا: استعادة البعد العربي للقضية
الفلسطينية.
تاسعا: استنهاض حركة تضامن دولي فاعلة تسعى
لملاحقة إسرائيل على احتلالها وجرائمها والعمل من أجل عزلها
ومقاطعتها وفرض العقوبات عليها.
عودة للصفحة
أعلى الصفحة