الكلمة
الختامية
والتوصيات
معركة غزة ... ماذا بعد؟!
أ. جواد الحمد
في ختام هذه الندوة يسرني أن أتقدم بالشكر الجزيل من أعماق القلب
لكل الزملاء الباحثين ورؤساء الجلسات والسادة المشاركين الذين
أثروا موضوع ندوتنا هذه، وتناولوا أكثر مما توقعنا فيها. ومن خلال
الأوراق التي قدمها الزملاء ومناقشات المشاركين، فقد أظهرت الندوة
أن التخطيط للحرب الإسرائيلية على غزة كان قبل ثمانية شهور على أقل
تقدير، وأن نية العدوان كانت منذ أكثر من عام ونصف، وواصلت قوات
الاحتلال المعركة وهي تعتقد أنها تعلمت من دروس حرب لبنان 2006م،
وأنها تملك خبرة كافية للنصر في معركة في غزة، ولكنها حسب ما تسرب
وصدر عن الجانب الإسرائيلي كانت على غير ما توقعت، فقد فوجئ الجيش
الصهيوني باستعداد كبير للمقاومة وبتكتيكات غير متوقعة، كما فوجئ
بحجم السيطرة والقدرة على إدارة القطاع مدنياً وعسكرياً
واستخبارياً، بما في ذلك الإدارات الحكومية، كما أكد خبراء أن
قيادة الجيش قد صُدِمت من خطة الدفاع التي أعدتها حماس ضد هذه
الحرب في مختلف محاور الهجوم بما في ذلك خطة الاكتفاء الذاتي في كل
مدينة أو قرية أو مخيم، ناهيك عن الخنادق والأنفاق التي كانت
معسكرات للمقاتلين، وناهيك عن ضعف القدرة الاستخبارية الإسرائيلية
بسبب المعلومات غير الدقيقة التي تم الاعتماد عليها إزاء تسلح
المقاومة وقدراتها وخبراتها، فيما استمرت المقاومة بإطلاق الصواريخ
بانضباط نفسي وإداري عال من حيث الكم والمدى والمجال الجغرافي، بما
في ذلك قصف تجمعات الجيش الإسرائيلي وقواعده البرية والجوية في
حدود القطاع وفي النقب.
وبذلك كشفت الندوة عن حجم الإرادة والإيمان والتخطيط الفلسطيني في
مواجهة تخطيط صهيوني واسع النطاق وقوات عسكرية كبيرة ومدجّجة، ومع
ذلك فقد انتهت المعركة بانسحاب القوات الصهيونية وفشلها في تحقيق
أي من أهدافها المعلنة أو التي تسربت عن اجتماعات قيادية.
لقد ركزت الندوة على نتائج المعركة وانعكاساتها بعد شرح طبيعة
المواجهة الميدانية والمعركة الإعلامية والمعركة السياسية، وأكدت
على أهمية أخذ العبر، خاصة فيما يتعلق باستثمار الانتصار
والاستعداد لأي جولة قادمة، مع التركيز على أهمية إدارة المعركة
السياسية بحكمة وقوة تمنع إجهاض الانتصار الفلسطيني، كما تمنع
محاصرة المقاومة وتمنع الحد من قدرتها على التسلح، وكذلك لمنع
العدو من تحقيق انتصارات سياسية لأهداف لم يتمكن من تحقيقها
بالحصار أو بالعدوان.. وقد قدمت الندوة العديد من التوصيات
والمقترحات للتعامل مع نتائج المعركة وتداعياتها، وكان من أهمها:
1-
الدعوة إلى مواجهة الهجمة الإعلامية الانهزامية التي تحاول أن
تقزّم انتصار المقاومة والشعب في غزة ببث معلومات مغلوطة وإثارة
قضايا جدلية لا تخدم المشروع العربي في التحرير.
2-
الدعوة إلى إعادة النظر بل التخلي عن مسارات التسوية التي لم يكن
لها من عمل إلا إطالة أمد الاحتلال وتقوية الدولة الصهيونية، وذلك
لصالح دعم المقاومة والجهاد والانتفاضة كسبيل استراتيجي لإنهاء
الاحتلال وربما إزالة مصدر الخطر الصهيوني على المدى البعيد.
3-
الدعوة إلى دعم تمسك حركة حماس بموقفها القاضي برفع الحصار العربي
والدولي، وفتح كافة المعابر، والحق في التسلح كحركة مقاومة ضد
الاحتلال، وحق الشعب في غزة بالتنمية وإعادة الأعمار والتعويض في
مواجهة الضغوط المختلفة التي تهدف إلى كسر إرادتها لتقديم تنازلات
في هذه المسائل على المدى القصير.
4-
أكدت الندوة على أهمية إعادة بناء البيت الفلسطيني بما يحقق الوحدة
الوطنية، ويصلب الموقف السياسي للشعب الفلسطيني، ويستند إلى
إستراتيجية المقاومة والجهاد. وإعادة بناء النظام الفلسطيني وفق ما
يلي:
أ- إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية سياسياً وتنظيمياً وفق
اتفاق القاهرة واستناداً إلى الميثاق الوطني الأصيل وعبر
الانتخابات.
ب- إعادة بناء وتوحيد السلطة الوطنية استناداً إلى النظام الأساسي
"الدستور" والالتزام به.
ج- بناء استراتيجية مقاومة مشتركة لإنهاء الاحتلال وإزالة الخطر
الصهيوني.
د- تحديد أسس صحيحة وفاعلة لعلاقات فلسطينية عربية تستند إلى
إستراتيجية تحرير فلسطين ودون الدخول في سياسة المحاور.
و- تحديد قواعد وأسس التفاعل مع المجتمع الدولي وبناء العلاقات
الدولية الشعبية والرسمية للشعب والقضية الفلسطينية.
5-
الدعوة إلى تنظيم العمل السياسي والشعبي والعربي المساند للمقاومة
في فلسطين، على أسس وقواسم مشتركة تجمع بين النخب من مختلف
الاتجاهات ليكون التيار الشعبي منظماً في دعم المقاومة والشعب
الفلسطيني خلال السنوات القادمة.
6-
توقفت الندوة بإكبار عند صمود المقاومة والتفاف الشعب الفلسطيني
حولها في غزة، كما توقفت عند الحراك الجماهيري العارم في الوطن
العربي والإسلامي والعالم المؤيد لمقاومة غزة وضد العدوان
الإسرائيلي، ودعت إلى استثمار هذا الحراك والمحافظة عليه سنداً
لمشروع التغيير العربي والإسلامي الذي يسعى إلى مواجهة الصهيونية
وخطط الهيمنة الأمريكية وتحقيق الحرية والاستقلال للأمة.
7-
دعوة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التعلم من درس غزة أن
إسرائيل دولة ترتكب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الإنسانية،
وأنها دولة عاصية بمفهوم القانون الدولي، ولذلك فإن عليها إن تعيد
النظر بانحيازها إلى إسرائيل، وألا تتورط في هذه السياسات
العدوانية وعمليات التطهير العرقي، وأن تحافظ على علاقات مصالح
حقيقية مع الوطن العربي.
8-
الدعوة إلى استناد المقاومة والقضية الفلسطينية والمشروع العربي
الداعم لها إلى إستراتيجية قانونية تحقق اختراقاً مهما على الصعيد
الدولي لصالح القضية مستفيدة من بعض الوعي والإدراك الذي ساد
الإعلام الدولي والشارع الغربي، والسعي لمحاكمة مجرمي الحرب
الصهاينة على الصعيدين الدولي والوطني.
وأخيرا، أعبر باسم مركز دراسات شرق الأوسط ونقابة المهندسين
الأردنيين عن الشكر الجزيل لكم جميعاَ، ونخص بالذكر قناة
الجزيرة التي كانت الناقل الحصري للندوة، وكذلك الإعلام
الأردني والعربي الذي تفاعل معها، كما أشكر المؤسسات الراعية
للندوة كل من: منتدى الأعمال الفلسطيني وشركة انسجام للمفروشات.
كما أتوجه بالشكر العميق والجزيل لضيوفنا العرب ولزملائنا
الأردنيين الذين أسهموا في إنجاح هذه الندوة وتحقيق معظم أهدافها.
ونهاية نتوجه باسمكم إلى شعبنا في غزة بالتحية والإكبار على
البطولة والصمود والانتصار، وعلى تحمل التضحية والفداء لتحقيق ذلك،
وهو الذي حطم نظرية الأسطورة التي حاولت إسرائيل استعادتها، ومنعها
من استعادة قدرتها الردعية، ونتمنى عليه المحافظة على الوحدة
والالتفاف حول المقاومة وتبنيه لخط المقاومة حتى التحرير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عودة للصفحة
أعلى الصفحة
ملخصات
أوراق العمل
ملخص الورقة الأولى
البيئة السياسية والاستراتيجية قبل الحرب
وانعكاساتها على الحرب ونتائجها
د.رائد نعيرات
أستاذ العلوم السياسية –جامعة النجاح الوطنية
رئيس المركز الفلسطيني للديمقراطية والدراسات
جاءت عناصر البيئة السياسية الفلسطينية قبيل الحرب ضمن مجموعة من
المتغيرات، ومن أبرزها أن جزءا من النظام السياسي الفلسطيني يتبنى
المقاومة، مع وجود الانفصال السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة،
إضافة للجدل الدائر حول مخرجات العملية السلمية والمفاوضات، و
القدرة على إيجاد حل دائم.
أما فيما يتعلق بالبيئة السياسية والاستراتيجية قبيل الحرب
إسرائيليا، فقد شهدت الحياة السياسية الإسرائيلية مجموعة من
المتغيرات قبيل الحرب، كان من أبرزها إخفاقات الجيش الإسرائيلي في
حرب تموز 2006م، وتحقيق النتائج، إضافة للضعف السياسي الرسمي نتيجة
لعدم وجود الحكومة الفعلية الناظمة للعمل السياسي؛ فحكومة أولمرت
هي حكومة تسيير أعمال، الصراع والحراك الحزبي الإسرائيلي الداخلي.
وتمثلت البيئة السياسية والاستراتيجية قبيل الحرب عربيا بانقسام
عربي، وعدم قدرة النظام العربي الرسمي على تخطي العقبات وتقديم
بديل سياسي، يرفع من سقف الفعل السياسي العربي.
وقد تشكل المشهد السياسي الإقليمي من بروز مجموعة من القوى التي
تلعب دورا خفيا في محاولة تشكيل قوة إقليمية تمكنها من لعب دور ومن
أبرز هذه القوى إيران كقوة إقليمية شيعية في المنطقة، وتركيا وهي
تمثل الموقف السني وداعم للقوى المقاومة السنية، وإسرائيل وما
تمثله من ثقل في علاقاتها وقدرتها على التحرك ضمن ما يطلق عليه
محور الاعتدال والارتكاز على العلاقات المميزة لها في المنطقة.
وبعد الاطلاع على أهم سمات هذه الحرب، وما رافقها من عوامل شكلت في
مجملها بيئة الحرب، يمكن القول: إن تلك السمات والعوامل، ساهمت في
صياغة مخرجات الحرب، وهذا يتضح في الآتي:
المستوى الفلسطيني
جاء مخرجات الحرب فيما يخص الجانب الفلسطيني ووفقا للبيئة الموضحة
أعلاه مقللة من أهمية الانجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية في
قطاع غزة.فحالة التنافر الماثلة في الساحة السياسية الفلسطينية
حرمت الكل الفلسطيني من استثمار مخرجات الحرب الميدانية لصالح
القضية الفلسطينية سياسيا.
المستوى الإسرائيلي
البيئة السياسية والاستراتيجية التي كانت قائمة قبيل وأثناء الحرب
على قطاع غزة، أثرت على الطرف الإسرائيلي ضمن عدة محاور، وهي
كالآتي:
المحور الأول: محدودية الزمن
فقد شكل تنصيب أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية واستلامه
لمنصبه، سقفا زمنيا ضمنيا للعمليات العسكرية الإسرائيلية، إضافة
لذلك فإن سقفا زمنيا آخر كان قائما داخل إسرائيل ذاتها وهو
الانتخابات الإسرائيلية وحملتها الانتخابية.
المحور الثاني
بعد عام 2006 وخسارة إسرائيل لهيبة الردع نتاج حرب حزيران مع حزب
الله، دفع إسرائيل أن تكون أكثر حذرا في عملياتها العسكرية، بأن
تقلل خسائرها وخاصة في صفوف الجيش.
المحور الثالث: إعادة تشكيل القوى الحزبية الإسرائيلية
قبيل الحرب هيأت الحكومة الإسرائيلية مواطنيها إلى أن التعامل مع
قطاع غزة لا بد أن يكون عسكريا وقويا، فلم تجد سياسة الحصار نفعاً
في إجبار حماس على الاستسلام والتراجع عن سياساتها. وهنا كان خيار
الحكومة آنذاك بقيادة أولمرت شن الحرب على قطاع غزة، هذا الأمر
ساهم في رسم خارطة حزبية جديدة محددها الأبرز القدرة على التعامل
مع غزة وفق خيار إسرائيل الأخير.
ملخص الورقة الثانية
موقــع "معركـة غـزة"
في الصـراع العربي- الإسرائيلي
أنطـوان شلحـت
[المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار]
عقب انتهاء "معركة غزة" التي استمرت خلال الفترة بين 27/12/2008-
17/1/2009 كانت إسرائيل مشغولة في مسألة كيفية استعادة قوة الردع
التي تتوهم امتلاكهـا، وذلك بعد أن اعترتها، بحسب قراءتها، ثقوب
كثيرة إثر حرب تموز 2006م في لبنان، حيث ساد انطبـاع وشعور عام، لا
يزال طاغيًا على أوساط واسعة في المؤسسة السياسية والمؤسسة
العسكرية في إسرائيل، وكذلك على معظم أوساط الجمهور الإسرائيلي
العريض، هو أن إسرائيل "فوتت فرصة انتصار أخرى" في هذه المعركة،
وهو شعور يتضاد مع ما حاولت قيادة المؤسستين السياسية والعسكرية أن
تروّج له، وفحواه أن "إسرائيل حققت أهداف المعركة كاملة"، وثمة
أسباب كثيرة لنشوء هذه الفجوة الكبيرة بين ما تروّج المؤسستان
السياسية والعسكرية له، وبين الشعور العام المهيمن على الجمهور
العريض بشأن "معركة غزة".
وتندرج "معركة غزة" في سياق المفهوم الأمني الإسرائيلي في إطار
"عقيدة أمنية جديدة" في إسرائيل. ووفقًا لذلك فقد تبلورت هذه
العقيدة في الآونة الأخيرة، إنما من دون أن تكون نتاج تفكير مدروس.
وإذا ما شئنا تأصيل الأشياء، أي إعادتها إلى أصولها، فإن أول ما
يتبادر إلى الذهن بشأن "العقيدة العسكرية الإسرائيلية الجديدة" هو
كونها منشدّة إلى مبدأ أصلي من مبادئ إسرائيل منذ إقامتها، بل وحتى
قبل ذلك أيضًا، وهو مبدأ "الجدار الحديدي".
حتى أواخر الستينيات من القرن العشرين لم يكن هناك اهتمام كبير
بالجبهة الإسرائيلية الداخلية، باعتبار أن الحروب تدور في جبهات
القتال. وقد بدأ الاهتمام بهذه الجبهة منذ حرب الخليج الأولى في
سنة 1991م، على صلة بهذا الموضوع لا بُدّ من رؤية أن سياسة الأمن
الإسرائيلية تقوم على قاعدة أن في الوسع تحقيق "أمن إسرائيل" من
خلال تفوقها العسكري فقط. ومن شأن هذا التفوق أن يفضي إلى نتيجتين
متصلتين: الأولى- ردع العرب من القيام بأعمال عسكرية.
والثانية- في حال عدم ارتداعهم يكون في إمكان إسرائيل، من خلال
الاعتماد على تفوقها العسكري، أن تحرز نصرًا كاسحًا يشحن في الوقت
نفسه بطاريات الردع.
بحسب هذه السياسة الأمنية فإن "أمن إسرائيل" يرتكز إلى مدماك القوة
فقط، وعليه لا يجوز قراءة معركة غزة بعيدًا عن سياق تأثيرها على
مفهوم القوة في سياسة إسرائيل الأمنية، وهو برأيي تأثير مهـم
للغاية، ومن شأنه أن يراكم المزيد من الشواهد على فشل هذا المفهوم
أولاً ودائما.
ملخص الورقة الثالثة
أطراف المعركة السياسية واتجاهاتها الرئيسة
أ.د.
أحمد سعيد نوفل
أستاذ العلوم السياسيةـ جامعة اليرموك
انتهى
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكن لم تنته تداعياته، فقد
اعتبر
بأنه يشكل نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي، ليس بسبب
فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها فقط، بل للتداخل الكبير بين الأطراف
المختلفة التي لعبت أدوارا مهما في الأحداث قبل وبعد العدوان،
والتي سيكون لها نتائج مهمة في المستقبل على مجمل القضية
الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي،
حيث أفرزت بعد انتهائها خرائط جديدة سياسية وجغرافية. وتعددت
الأطراف السياسية، من فلسطينية: حماس والسلطة الفلسطينية، وعربية:
دول الاعتدال والممانعة من جهة والجماهير العربية، وأطراف
إسرائيلية ودولية.
إن الصمود الفلسطيني في قطاع غزة سار عكس ما اشتهته الرياح
الإسرائيلية. فأهداف إسرائيل تتحقق، وخرجت حماس منتصرة وقوية أكثر
مما كانت عليه قبل العدوان، ونالت بذلك تأييد الجماهير العربية،
وشاركت في مؤتمر الدوحة لدعم غزة، وأعادت بعض الدول العربية
الاتصال معها. وحققت إنجازات لا يستطيع أحد إنكارها.
أما السلطة الفلسطينية فقد اتهمت حركة حماس في قطاع غزة بأنها
المسؤولة عن العدوان، بدلا من اتهام إسرائيل بذلك. ووجهت أصابع
الاتهام لحركة حماس، بحجة استمرارها إطلاق الصواريخ ووقف العمل
بالتهدئة مع إسرائيل. ومنعت التحرك الجماهيري الفلسطيني في الضفة
الغربية تأييدا للصمود في القطاع، الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى
اندلاع انتفاضة شعبية في مدن وقرى الضفة الغربية تأييدا للمقاومة
في القطاع. كما أنها وقفت إلى جانب دول الاعتدال، ورفضت المشاركة
في مؤتمر الدوحة لدعم صمود غزة.
وبالنسبة للنظام العربي فلم يحدث أن وصل إلى ما وصل إليه خلال
العدوان، من الانقسام والتشرذم والخلافات. وهذا الحال
تجلى
واضحا في زحمة القمم العربية والتقسيمات العربية ما بين الاعتدال
والممانعة. وجعل الدول العربية تتجه نحو مجلس الأمن الدولي، في
محاولة للخروج من المأزق العربي.
وفي
المقابل أثبت التأييد الشعبي العربي الكبير من المحيط إلى الخليج
للمقاومة الفلسطينية، بأن القضية الفلسطينية ما زالت القضية
المركزية في الوطن العربي. وأن الشعوب العربية صادقة في وقوفها إلى
جانب القضايا الوطنية والقومية العادلة، وأنها ترفض الوصاية
الأجنبية عليها ممثلة بالولايات المتحدة.
أثبت العدوان
أن وضعا
عربيا جديدا قد ينشأ بسبب الموقف العربي الرسمي الذي جاهرت به بعض
الدول العربية لجهة تحميل حماس مسؤولية ما جرى ورفض عقد قمة عربية
وعدم السماح بفتح معبر رفح. وأثبت فشل جامعة الدول العربية كمؤسسة
رسمية. وعبأ
العدوان الإسرائيلي الملايين من الجماهير العربية وبالذات من
الأجيال الصاعدة، بالوعي العميق ضد الكيان الصهيوني، وضرورة دعم
النضال الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بدلا من اللامبالاة التي
اتهمت بها الجماهير العربية في السنوات الأخيرة، والتأكيد على
عدوانية إسرائيل ليس ضد الفلسطينيين فقط بل ضد جميع العرب.
أما الطرف الإسرائيلي فقد هيأت إسرائيل المسرح الدولي لاستقبال
عدوانها على غزة, واختارت أن تبدأ الحرب وتنهيها في الأسابيع
القليلة السابقة على استلام باراك أوباما مهام منصبه.
إلا أنها كانت الخاسر الأكبر لأنها لم تحقق أهدافها المعلنة منه، وهو القضاء على
حركة حماس ووقف تساقط الصواريخ الفلسطينية، وتحرير الأسير
الإسرائيلي شاليط.
وكشف العدوان الوجه الحقيقي لإسرائيل والفكر الصهيوني، فقد دمرت
إسرائيل سمعتها وعزلت نفسها عن الرأي العام وعرّضت الجاليات
اليهودية إلى ضغوط من الرأي العام من حوله، مما يدفعها إلى تشديد
الضغوط على القيادات الصهيونية. وأكد العدوان طبيعة الحركة
الصهيونية وإسرائيل ضد العرب والفلسطينيين، وكان من الطبيعي أن
يمارس الجيش الإسرائيلي القتل والتدمير في غزة لأن ذلك مرتبط
بعقيدة هذا الجيش العدواني.
وتعامل
المجتمع الدولي مع العدوان بمقياسين، فقد ساوى بين الضحية
الفلسطيني والجلاد الإسرائيلي، وأن إسرائيل كانت في حالة الدفاع عن
النفس عندما شنت عدوانها على القطاع. بينما خرجت مظاهرات في معظم
العواصم الأوروبية مستنكرة العدوان ومطالبة بمحاكمة جنرالات الجيش
الإسرائيلي.
ولا شك
أن المنظمات الدولية كمجلس الأمن، قد سقطت أخلاقيا وإيديولوجيا ولم
تعد تلك المؤسسات تمثل الإرادة الدولية
والقيم
الإنسانية الخلاقة بسبب الهيمنة والضغوط السياسية الأوروبية
والأمريكية
عليها.
وأصبحت وسيلة ضغط في يد هؤلاء للضغط على الدول الضعيفة للابتزاز
السياسي
والاقتصادي. هذا فضلا عن سعي الولايات المتحدة ودول من الاتحاد
الأوروبي لحماية إسرائيل سياسيا وأمنيا.
وإلى
جانب هذه الأطراف، فقد دخلت تركيا بشكل قوي في الأحداث خلال
العدوان، وساهمت في كشف همجية إسرائيل.
ودعت
منذ اللحظات الأولى للتحرك لوقف العدوان.
ملخص الورقة الرابعة
"عملية الرصاص المصبوب"
الأبعاد العسكرية والاستراتيجية
العميد الركن/ صفوت الزيات
الحرب الإسرائيلية- الفلسطينية الأولى, والحرب الإسرائيلية العربية
السابعة أو ما بات يعرف بـ "عملية الرصاص المنصهر" خطط لها منذ
عامين وتحديدًا عقب انتهاء الحرب اللبنانية الثانية صيف العام
2006م, وروجعت خطوطها العامة في زيارة الرئيس الأمريكي الخاطفة
للمنطقة في يناير العام 2008م, حيث آنذاك تسرب قدر من التفاصيل
التي نفذ الكثير منها في العملية العسكرية الأخيرة.
الخطوط التفصيلية للعملية تم تدقيقها في منتصف يونيو الماضي على
التوازي مع إعلان اتفاق التهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في
القطاع, ثم عرضت الخطة على وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك
للموافقة في 19 نوفمبر الماضي وصادق عليها هو ورئيس وزرائه إيهود
أولمرت في 13 ديسمبر الماضي, واعتمدت من قبل مجلس الوزراء
الإسرائيلي بكامل هيئته مساء 24 ديسمبر الماضي في اجتماع أعلن عنه
تحت عنوان خادع لـ"بحث مخاطر الجهاد الدولي".
·
طبيعة الحرب "الحرب غير المتماثلة"
يطلق على هذا النوع من الحروب مسمى الحروب غير المتماثلة "assymetric
warfare
" باعتبار التباين الشديد بين أطرافها في القدرات القتالية وأساليب
القتال واستراتيجيات الحرب المتبعة.
الطرف غير الدولة يدرك صعوبة النصر العسكري الحاسم بقدر ما يمكن
إمكانية الانتصار السياسي عبر الاستهداف الدؤوب لعقلية صناع القرار
السياسي للخصم الدولة بهدف إقناعهم أن أهدافهم السياسية من الحرب
لن تحقق أو أن تكلفة تحقيقها تزيد بكثير عن المنفعة المدركة منها.
الطرف الأضعف سيتجنب إذاً نطاق التفوق التقليدي للخصم (أنظمة
استخبارات ومراقبة واستطلاع - أسلحة متطورة - أساليب قتال تقليدي)
وسيسعى للعمل أسفل وأعلى هذه النطاق.
وفي
الأعلى
سيركز
الطرف الأضعف على معركة سياسية تستهدف إرادة القتال لدى صناع
القرار السياسي للخصم والعمل على تآكل قاعدة دعمه الداخلية عبر كل
من إطالة مدة الصراع وإيقاع منتظم للخسائر فيه وتوظيف جيد للإعلام
بأدواته المختلفة.
·
عناصر التهيؤ العسكري لإسرائيل
-
التنظيمي:
أعادت قوات الدفاع الإسرائيلية هيكلة نظام القيادة والتدريب
والجاهزية العملياتية فور انتهاء حرب لبنان الثانية العام 2006م.
-
الاستخباراتي:
طور قائمة بأهداف الخصم على مدى سنوات عبر خرائط تصوير جوية
متداخلة بتفاصيل عالية الدقة مدعومة باستخبارات بشرية فعالة مع
إدامة تحديثها على أساس شبه آني، كما تعاونت قوات الدفاع
الإسرائيلية مع جهاز الأمن الداخلي Shin
Bet
لأول مرة لتعزيز تفاصيل قائمة أهداف الخصم اعتمادا على عناصر
استخبارات بشرية (فلسطينية) واستخبارات فنية أخرى.
-
الخداعي:
حققت مستوى عاليا من سرية التخطيط النسقي المستقل للعملية, وحظرت
التغطية الإعلامية في منطقة العمليات ومنعت وسائل الاتصال
اللاسلكية الفردية وأدارت عمليات خداع وتمويه سبق الإشارة إليها
آنفا, وحددت توقيت بدء العملية في يوم السبت الموافق لأحد أعيادها
الدينية وفي منتصف نهاره واتخذت تشكيلات الطائرات المهاجمة مسار
الطيران التجاري القادم من اتجاه البحر المتوسط.
·
عناصر التهيؤ العسكري لحماس:
لا تتوافر معلومات موثوقة عن الطرف الفلسطيني المقاوم باعتبار
طبيعة حركات التحرر الشعبية، إلا أنه عمل على حيازة أنظمة صاروخية
ذات مديات أطول، وخفيفة مضادة للطائرات،
وتجهيز
منطقة العمليات المتوقعة داخل وحول مدينة غزة وامتداداتها بتطوير
شبكة أنفاق لأعمال المناورة بالقوات وإطلاق الصواريخ, وأعمال
التلغيم وتنظيم الشراك الخداعية ومناطق العبوات المتفجرة المصنعة
على محاور التقدم المتوقعة لآليات العدو.
والتوسع
في التصنيع المحلى وتطويره لسلسلة صواريخ القسام بمدياتها
المختلفة.
·
الأهداف السياسية للحرب عند إسرائيل:
–
إضعاف القدرة السياسية والعسكرية لحركة حماس.
–
استعادة مستوى الردع الإسرائيلي.
–
تغيير البيئة الأمنية في جنوب إسرائيل.
·
الأهداف السياسية للحرب عند الطرف الفلسطيني:
–
وقف الحصار الدائم على القطاع منذ أكثر من عام ونصف العام.
–
فتح المعابر الحدودية مع كل من مصر وإسرائيل.
·
التخطيط العسكرى للعملية "الرصاص المصبوب":
عملت القيادة العسكرية الإسرائيلية في التخطيط للعملية على ضوء
محددات ثلاث فرضتها القيادة السياسية شملت: 1- تجنب احتلال مطول
للأراضي الفلسطينية, 2- الحد الأدنى للخسائر البشرية
الإسرائيلية. 3- عدم خلق مستوى صراع يكون غير محتمل
داخل إسرائيل أو يؤدى إلى أزمة دولية ممتدة خاصة مع الإدارة
الأمريكية الجديدة.
وشملت العملية مرحلتين أساسيتين: الحملة الجوية،
والحملة
البر جوية.
وقد قدرت رئاسة الأركان الإسرائيلية ومعها القيادة العسكرية
الجنوبية المسؤولة عن إدارة العملية مدة المرحلة بحوالى 10 - 7
يوم, حيث رأت أن الحرب عندئذ ربما تكون قد وصلت إلى نقطة الذروة
التي بعدها ستبدأ في تقليص المكاسب المحققة وتراكم الآثار السلبية
باعتبار ما تفرضه التطورات على الأرض من وضع إستاتيكي للقوات
البرية الإسرائيلية وتنامي قدرة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية
الأخرى على التكيف مع بيئة العمليات التي يكون قد انقضى منها حوالي
أسبوعين كاملين.
ومن الملاحظ على هذه المرحلة أنها ارتبطت بالمحددات السياسية
الثلاث السابقة, رغم أن الحديث كان قد كثر عن وجود
مرحلتين أخريين,
إحداهما الاحتلال الكامل للقطاع وتدمير قوات حركة حماس, والأخرى هي
تهيئة الأوضاع لإعادة إدخال السلطة الفلسطينية وقوات حركة فتح
للقطاع مرة أخرى, إلا أن أسبابا عدة حالت دون ذلك رغم ما تردد من
أن الأمر ظل مطروحا بقوة خلال الإعداد للعملية.
·
تنفيذ العملية العسكرية "الرصاص المصبوب":
-
المرحلة الأولى:
الحملة الجوية- رغم أن سلاح الجو الإسرائيلي لم يصدر تفاصيل بعد
كاملة عن الجهد الجوى المنفذ خلال تلك المرحلة, فإن المتاح من
بيانات ومعلومات تشير إلى أن سلاح الجو قصف (150) هدفا في اليوم
الأول من الحملة, ثم (90) هدفا في اليوم التالي من الحملة, واستمر
معدل التهديف في حـدود (40-70) هدفا حتى نهاية هذه المرحلة التي
استغرقت (7) أيام كاملة.
-
المرحلة الثانية: الحملة البر جوية- نفذت القوات البرية
الإسرائيلية عملياتها على مستوى مجموعات الألوية وليس على مستوى
الفرق كما كان في السابق, وقد قامت بتطويق مدينة غزة من الشمال
والوسط والجنوب, بينما اندفعت تجاه الساحل جنوب المدينة لعزلها
والنطاق الشمالي عن باقي قطاع غزة. بينما أحجمت حماس عن العمل في
المناطق الهامشية المفتوحة وتجنبت الاشتباكات المباشرة تحسباً
للمواجهات المرتقبة داخل المناطق الكثيفة السكان وهو الأمر الذي
أحجمت عنه القوات الإسرائيلية في المقابل.
ويبدو نجاح الطرف الإسرائيلي في الحفاظ على
معدل خسائره البشرية في حده الأدنى,
وعلى جانب حماس فالتقديرات الإسرائيلية تعترف بأنها خرجت من هذه
المرحلة ومن الحرب عمومًا بقدرات عسكرية سليمة لحد كبير.
·
إنهاء العملية العسكرية "الرصاص المصبوب" ومؤشرات عن المحصلة:
أعلنت إسرائيل في 17 يناير 2009 وقفًا أحاديا من جانبها لإطلاق
النار. وفي الوقت الذي أعلن فيه أولمرت أن "أهداف العملية تحققت
بالكامل", فإن ثمة ما يشير إلى أن الأمر لم يكن كذلك, ليس فقط لأن
الأهداف السياسية لهذه الحرب قد وضعت بصورة غامضة ملتبسة, ولكن لأن
الأوضاع أيضا على الأرض لم تكن تدعم بأي حال أي نتيجة محققة سوى أن
الإنهاء الإسرائيلي جاء متزامنا مع نتائج غير حاسمة تؤشر لفشل
إسرائيل
في إنجاز قدر ملموس في أي من أهدافها السياسية التي قدرتها لشن هذه
الحرب.
ملخص الورقة الخامسة
أنماط إدارة المعركة والتحول في الأهداف
العميد الركن الدكتور أمين حطيط
باحث
عسكري واستراتيجي
هل حقق
العدوان أهدافه؟ ولماذا كان هذا العدوان أصلا؟ وما هي الأهداف
الحقيقية التي سعت إسرائيل إليها؟ وكيف أدارت معركتها فيه؟ وكيف
واجهتها المقاومة؟
اعتمدت
إسرائيل لحربها خطة مركبة تهدف إلى صنع نصر في الميدان بقوة النار
والحديد وتقوم على مرحلتين عسكريتين: الأولى جوية وقد نفذت،
والثانية برية لم يستكمل تنفيذها، أما الثالثة فقد كانت مرحلة
أمنية- سياسية رهن تنفيذها بنجاح العملية العسكرية بمرحلتيها لهذا
صرف النظر عنها عندما أخفقت العملية العسكرية وعجزت عن بلوغ
أهدافها.
المرحلة العسكرية الأولى: المرحلة الجوية:
وهي "مرحلة السحق والتدمير" وتقضي بأن يدمر الطيران الإسرائيلي
وبشكل مفاجئ جميع الأهداف المحضرة ضمن ما يسمى" بنك الأهداف". بحيث
ينتج تدميرها قطع رأس المقاومة، والإجهاز على منظومة القيادة
والسيطرة لديها، وتقطيع أوصال المقاومة وتشتيت أشلائها، وعزل مواقع
المقاومة وخلاياها ومنع أي إمكانية للتواصل بينها، والإجهاز على
البنية التحتية واللوجستية للمقاومة بما في ذلك مخازن الأسلحة
والذخائر والصواريخ، وتدمير مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ، ومصانع
الذخيرة والمتفجرات، وقتل ما أمكن من قيادات المقاومة ومن
المقاومين، وضرب البنية الإدارية لسلطة حماس بما يؤدي إلى منعها من
الاستمرار في السيطرة على القطاع فيفتح الطريق أمام تغيير الوضع
فيه.
المرحلة العسكرية الثانية: المرحلة البرية:
وهي مرحلة "الاحتلال والتطهير"، إذ حشدت إسرائيل لهذا الأمر
خمسة ألوية من الوحدات الخاصة، لتتمكن من احتلال الأماكن غير
المبنية من القطاع في قفزة أولى، ثم محاصرة الأماكن السكنية
والتضييق عليها بشكل متدرج، ثم التقدم إليها عبر عمليات قضم تحدد
ظروف المعركة طول الوثبة فيها. وصولاً إلى إسقاط القطاع مع تجنب
القتال الضاري في الأماكن المبنية.
لم
تحقق الخطة العسكرية الإسرائيلية أهدافها الرئيسية التي انطلقت من
أجلها، وكان إخفاقها كما بدا من الأداء وسجل في الميدان عائداً في
جانب منه إلى طبيعة عمل المقاومة وتفاعلها مع شعبها، وفي جانب آخر
عائداً إلى الأداء الإسرائيلي قبل وبعد العملية: - فشل استخباري
في تحديد الأهداف المؤثرة على عمل المقاومة وعلى قدراتها
التقريرية. - فشل استخباري في معرفة مدى الترابط بين الشعب
والمقاومة. - إخفاق إسرائيلي في معالجة معضلة التنسيق بين الأسلحة.
- قصور في مستوى التدريب والشحن المعنوي للجنود. - عدم تقدير واقعي
للوقت اللازم لانجاز العملية وفقاً لما هو مطلوب.
ومن
هنا تدحرجت كتلة الأهداف إلى الخلف. وكان واضحاً للمراقب أن
القيادة الإسرائيلية في مستوييها السياسي والعسكري عملت تحت تأثير
تقرير لجنة فينوغراد التي أجرت تحقيقاً حول إخفاقات "حرب لبنان
الثانية" وخاصة في مجال التخطيط وتطوير الخطط. فسقط حلم تغيير
الواقع في القطاع وتراجعت هذه الأهداف تنازلياً لتتركز بشكل أكبر
على المسألة الأمنية والعسكرية في 1) إضعاف حركة حماس عسكريا
وسياسياً. وإجبارها على تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير لديها
جلعاد شاليط. 2) ثم تراجع إلى القول بتدمير الصواريخ ومنصاتها
كلياً وحرمان المقاومة من أي قدرة على القصف. 3) ثم تراجع إلى
القول بمنع إطلاق الصواريخ، دون القول بتدميرها. 4) ثم تراجع إلى
القول بالحد من إطلاق الصواريخ. 5) ثم كان التركيز الإسرائيلي على
التدمير والقتل العشوائي.
من
قراءة هذه الأهداف، بدا واضحاً أن إسرائيل أسقطت بشكل ضمني وأكيد
الخطة الأولى والقاضية باحتلال كامل القطاع والسيطرة عليه كلياً
لتعتمد خطة بديلة تتناسب وسقف أهدافها الجديدة.
عملت
إسرائيل بالخطة البديلة لمدة 11 يوماً تمت خلالها حركة دبلوماسية
ناشطة. وهكذا انطلقت القوات الإسرائيلية وفي سباق مع الوقت في
تنفيذ الخطة الجديدة والتي تختصر بثلاثة أنواع من العمليات: مجازر
وقتل جماعي، تدمير وهدم المنشآت في داخل القطاع والأنفاق على
الحدود مع مصر، وعمليات عسكرية برية محدودة في محيط القرى والمدن
من غير احتلال أو مكوث في المناطق الآهلة التي تصلها القوى.
أما
النتائج الفعلية الحقيقية التي تستطيع إسرائيل أن تفاخر بها فهي من
غير شك محصورة في المجازر والقتل الجماعي، والتدمير والحرق
والإتلاف للممتلكات، واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً، وأخيرا
نجاحها في تدمير نسبة عالية من الأنفاق.
أما في
الجانب المقابل وهو المقاومة فقد قامت بتحضير وأداء وإدارة للمعركة
الدفاعية التي خاضتها من المفاعيل والآثار التي منعت إسرائيل من
تحقيق أهدافها في العملية،
لقد
اعتمدت المقاومة استراتيجية تقوم في جوهرها على نظام قتال يعتمد
نار اللسع والإزعاج والتخويف، ومواجهة القتل والإرباك ومنع
الاستقرار، مع الاستناد بشكل أساسي على المناطق المبنية،
وكان المرتكز الأساس في هذه الاستراتيجية الصمود والثبات ورفض
النزوح والهجرة وبذلك تمكنت المقاومة من إفشال مراحل العملية
العسكرية تباعاً.
بعبارة
أخرى تكون المقاومة منتصرة إذا توقف إطلاق النار عليها وتكون قد
منعت العدو من تحقيق أهدافه من الهجوم وتكون هي في وضع يستجمع
العناصر التالية: 1) استمرار المقاومة بذاتها واستمرار عمليات
المقاومة، لإجهاض القرار بتصفيتها. 2) الاحتفاظ بالقدرة
وبأي حجم كان على إطلاق صواريخ إلى عمق فلسطين المحتلة. 3)
المحافظة على علاقة متينة مع الشعب. 4) الاحتفاظ بقدرة
الاتصال بالعالم الخارجي. 5) ويضاف في واقع حركة حماس عناصر
تتعلق بالسلطة والجندي الأسير.
ملخص الورقة السادسة
طبيعة المعركة السياسية وآثارها على مسار الحرب واتجاهاته
(ملامحها، أسسها، مكوناتها، أدواتها، ومجالاتها)
د. صبري سُميرة
أستاذ العلوم السياسية
اختارت
الحكومة الإسرائيلية بقيادة حزبي كاديما والعمل (أولمرت، ليفني،
باراك) أن تشن عدوانها العسكري على قطاع غزة في أواخر شهر
ديسمبر/كانون الأول عام 2008م لأسباب مرتبطة بالانتخابات
الإسرائيلية ومطامح حزبية وشخصية لقيادات الإسرائيلية متعلقة بذلك،
ومرتبطة بالفترة الانتقالية للحكم في أمريكا، وبالانقسامات
الفلسطينية والعربية، وبتداعيات الأزمة المالية العالمية.
ومهدت
إسرائيل لعدوانها على قطاع غزة بكثير من الجهود السياسية التحالفية
والتنسيقية والتثقيفية والإعلامية الداخلية والخارجية. وتركت
الواقع الميداني يفرض نفسه لتقوم بصياغة أهدافها بمرونة وفق ما
يمليه ذلك الواقع لتظهر بأنها انتصرت.
وبالنظر إلى مجريات العدوان العسكري على قطاع غزة وما رافقه من
معارك سياسية وإعلامية ودبلوماسية وشعبية وغيرها، فإن إسرائيل فشلت
في تحقيق الكثير من أهدافها وتكبدت خسائر إضافية كذلك.
كما أن
وحشية العدوان وحجم الدمار وعدد القتلى الناتجة عن الحرب والتفاف
الشعب الإسرائيلي وكافة قواه في دعم العدوان، عززت الاتجاه الشعبي
الصراعي في الجانب العربي والإسلامي والعالمي ضد إسرائيل. كما أن
فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها عسكريا ودخول أوروبا وأمريكا
لمساعدتها، يزيد من قدرة هذه الأطراف بالضغط على إسرائيل ومواقفها
المتطرفة، ولا يجعلها مستقبلا طليقة اليدين في شن العدوان على من
تشاء وقتما تشاء. كذلك، لم تستطع إسرائيل عزل حركة حماس على
المستوى الرسمي العربي والإسلامي والدولي، على العكس ازداد مستوى
ذلك متمثلا في عدد الدول العربية التي حضرت مؤتمر الدوحة،
ومقاطعتها لإسرائيل والمطالبة بسحب المبادرة العربية، ودعمها
لإعمار غزة، وزاد الحضور الإيراني في المشهد الإقليمي، ودخلت
تركيا- حليف الغرب- لدعم الفلسطينيين وحركة حماس.
وفي المقابل
تسعى
استراتيجية حماس العامة إلى زيادة قوتها ونفوذها الشامل داخل
فلسطين وخارجها، وأهمها زيادة قوتها العسكرية الميدانية داخل
فلسطين وقدرتها على الصمود والمقاومة، ووفق هذه الإستراتيجية
السابقة، طورت حماس من عملها وتقدمت في المراحل إلى أن وصلت إلى
السيطرة الكاملة على قطاع غزة. وبعد أن تصدت لكل محاولات إسقاطها،
وبعد أن جربت تهدئة لم تلتزم بها إسرائيل، اتخذت حماس قرارا بعدم
التوقيع على أية تهدئة لا تحقق لها أهدافها الأربعة التي تريدها
قبل المعركة، وأعلنتها خلال معركة غزة، وهما: وقف إطلاق النار،
والانسحاب من قطاع غزه، ولم تحقق حتى الآن– وإن كانت قد قاربت-
الهدفين الآخرين المعلنين وهما: فتح المعابر بصورة طبيعية. وفك
الحصار بصورة كاملة.
وعلى
الرغم من فظاعة المفاجأة ووحشيتها، والعدوان الشرس المستمر لكافة
وحدات الجيش الإسرائيلي، فقد نجحت حماس في الصمود العسكري والتصدي
للقوات الإسرائيلية.
كذلك
فإن حركة حماس واجهت واقعا قاسيا على المستوى السياسي الدولي
والأممي، فلم تستطع كسر المقاطعة الدولية المفروضة عليها في تلك
المستويات بصورة تتناغم وحجم التعاطف ضد عدوانية الحرب على غزه،
وحجم الصمود البطولي في وجه ذلك العدوان. حيث حافظت إسرائيل – مع
تسهيل مهمتها من قبل تخاذل عربي يقوده محور الممانعة- حافظت على
موقف دولي خاصة أمريكياً أوروبيا أمميا مُضادا لحركة حماس.
ولكن
أمام كافة المعطيات السابق الإيجابية والسلبية والضاغطة استطاعت
حركة حماس أن تتعامل معها وتوظفها أفضل توظيف ممكن، وهي المهمة
الأهم والأخطر في تعزيز والبناء على النجاح العسكري الميداني، وقد
نجحت حماس في هذا البعد السياسي داخلياً وخارجياً وعربياً
وإسلامياً وشعبياً.
وعلى
مستوى إدارة الصراع السياسي والعلاقات السياسية والمفاوضات فقد
نجحت حماس في استيعاب جوانب المعركة، وكانت ناضجة في تعاملها معها،
ومع الفصائل الفلسطينية، والأطراف العربية والإسلامية والدولية.
فلم ترضخ حماس لضغوطات إسرائيل سلطة أبو مازن ومصر والسعودية التي
حملتها في البداية مسؤولية العدوان الإسرائيلي، وتركتها لتواجه
مصير ما اقترفته يداها. واستفادت من الدعم السياسي لمجموعة أخرى من
الدول- سوريا، إيران، تركيا، قطر- ونجحت في أن تُشكل منهم مجموعة
مُتقاربة داعمة لها، وتمثلت أحسن حالاتها في مؤتمر الدوحة، الذي
حضرته بعض فصائل المقاومة بقيادة حماس.
ورغم
دور مصر، إلا أن حماس استمرت في التعامل مع المبادرة المصرية،
ولكنها لم تتنازل عن شروطها المشروعة تحت كل الضغوط عليها. مما
أجبر إسرائيل على الهروب من شروط حماس وإعلان وقف إطلاق النار من
طرف واحد، وتوقيع اتفاقية مع أمريكا لمراقبة تهريب سلاح حماس.
وفي
المُجمل فإن نتائج معركة غزه السياسية تمثلت بدفع حركة حماس قدما
في استراتيجيتها المتبناة، وزادت في تثبيت شرعية حركة حماس على
الأرض في غزه، وفي قيادة المقاومة وفصائلها، وفي إنجاح أسلوب
المقاومة في التصدي للاحتلال والهيئة الإسرائيلية، وفي زيادة شعبية
حماس، وفي إضعاف سلطة أبو مازن ورفض نهجه في التسوية المهينة
والتنازلات المجانية، ورسخت وجود حركة حماس كقوة لا يُمكن القضاء
عليها ولا يُمكن معالجة القضية الفلسطينية بدونها، وجعلت منها
لاعباً إقليمياً عربياً وإسلامياً، وجعلتها رمزاً للصمود والمقاومة
في العالم أجمع، ورفعت من سقف المطالب الفلسطينية، وأرسلت هزة
كبيرة في النظام السياسي العربي لمراجعة حساباته تجاه عملية
التسوية، وتجاه نُصرة القضية، وتجاه ضغط على إسرائيل لوقف عدوانها.
وأما
على المستوى السياسي في جانب السلطة الفلسطينية- وهو الأخطر- فقد
تناغمت سلطة أبو مازن تماماً مع المطالب الإسرائيلية والأمريكية
والمصرية. ولم تأخذ مواقف سياسية قوية ضاغطة. وانشغلت بما بعد غزة،
بقضايا غنائم المساعدات الإغاثية، والسيادة على المعابر، ومن يوقع
اتفاقات لإنهاء العدوان.
إن
الأداء الهزيل لسلطة أبو مازن ميدانياً وإعلاميا وقيادياً وسياسياً
وإقليمياً ودولياً، جعلها تخسر الكثير الكثير من شرعية وجودها
وقيادتها، لصالح مشروعية المقاومة والصمود والممانعة، مما سيضعف
على المدى البعيد دور سلطة أبو مازن في أية تسويات للقضية
مستقبلياً، ويزيد من أهمية ودور حماس وقوى المقاومة.
أما
الحالة السياسية العربية أمام العدوان العسكري على قطاع غزة
فقد
أظهر العدوان العسكري على قطاع غزة المستوى الكبير من الهشاشة
والتخبط واضطراب الأولويات لدى الجسم العربي الجمعي والدول العربية
منفردة. وقد أدت حالة التمحور والانكفاء نحو الداخل الوطني والتخفف
من العبء القومي العربي، إلى تسهيل التدخل والتحكم والفاعلية
الخارجية في تقرير كيفية التعامل مع العدوان العسكري الإسرائيلي
على قطاع غزة.
وفي
الجانب الشعبي أثبت التفاعل ضد العدوان على قطاع غزة حضور وفاعلية
الحركة الإسلامية في مختلف الدول العربية وعالميا وتعاظم تأثيرها
لصالح القضية الفلسطينية، ومن المتوقع أن يتزايد هذا الاتجاه.
أثناء
العدوان العسكري على قطاع غزة، وبعضها قبله وبعده، كان ولا زال
الصراع السياسي على أشده تجاه قضايا خلافية لأطراف الصراع، وهي
قضية المعابر، وقضية إعادة الإعمار، والحوار والمصالحة الوطنية
الفلسطينية.
ملخص الورقة السابعة
دور المعركة السياسية في التوصل إلى وضع سياسي جديد
أ.د. نظام بركات
أستاذ العلوم السياسية/ جامعة اليرموك
إن
التحولات المتوقعة على الوضع السياسي بشكل عام سواء على الصعيد
المباشر لأطراف الصراع العربي الإسرائيلي، أو على صعيد العلاقة مع
المجتمع الدولي إنما تنبع في الأساس من نتائج المعركة العسكرية
والسياسية ومدى قدرة الأطراف المعنية على توظيف هذه النتائج
لمصلحتها والاستفادة منها في تقوية وتعزيز موقفها على ساحة الصراع.
إن
دراسة مستقبل الصراع السياسي في المنطقة ستعتمد على مجموعة من
المدخلات الرئيسية التي ستقرر مصير الحل السياسي والمنطقة بشكل عام
وأهمها:
1-
المصالحة الفلسطينية وتوحيد الحكومة والسلطة.
2-
تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
3-
قدرة العرب على التوحد وحشد الدعم العربي الإسلامي للموقف العربي.
أهم
الملاحظات العامة على دور المعركة سياسياً:
1- أن
هذه الحرب كسابقاتها لم تستطع حسم الصراع بين الأطراف الداخلة فيها
وإدعاء كل طرف بأنه المنتصر.
2-
عمقت المعركة الانقسام الفلسطيني على صعيد القيادات أو المؤسسات،
ولكن كان هناك توحد شعبي
3-
عكست المعركة الانقسام العربي الواضح وتراجع دوره.
4-
أظهرت المعركة الدور الشعبي المساند للقضية الفلسطينية.
5-
برز الإعلام كعامل فاعل في إدارة المعركة والتأثير على الرأي
العام.
6-
تزايد الدعوات لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم
الدولية.
7-
الاتجاه نحو تزايد دور القوى الإقليمية في المنطقة خاصة إيران
وتركيا.
8-
كشفت المعركة هشاشة المجتمع الدولي وعجزه عن تنفيذ قراراته لوقف
الحرب في غزة.
إن
مستقبل العرب القادمة سياسياً يتوزع بين 3 اتجاهات رئيسية:
أ-
الاتجاه الأول: يركز على الحقوق السياسية وضرورة التوصل إلى تسوية
سياسية في المنطقة.
ب-
الاتجاه الثاني: يركز على العوامل الإنسانية وتركيز الجهود على
الدعم المادي والطبي.
ج-
الاتجاه الثالث: يرى أن المعركة تمثل حالة أمنية تبحث عن طرق لحلها
وتلاقي الخسائر وضغط الحدود، وإمكانية العودة للحلول العسكرية.
ملخص الورقة الثامنة
التفاعلات الإقليمية والدولية وتغيير موازين القوى الداخلية في
إسرائيل
د. مسعود أحمد اغبارية
باحث وخبير في شؤون السياسة الإسرائيلية
"فيما يتعلق بالسياسات المتبعة تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة الفرق
بين سياسات الحكومة الحالية وقوى اليمين هو أن اليمين يقترح
استعمال عصا أكثر غلظة. لمفاجأتهم, ليس فقط أن حماس لم تنهار, بل
أن الحرب على غزة زادتها دعما في الشارع العربي وفي جميع المناطق
المحتلة خاصة, وهذه هي البداية"*
عكست
وأثبتت حرب غزة 2008/2009م أن إسرائيل في مأزق استراتيجي متزايد مع
الوقت، وقادتها مع حلفائهم "على الجانب الخاطئ والمعاكس لمسيرة
التاريخ.
تدعي
هذه الدراسة أن صمود المقاومة الفلسطينية بل انتصارها حيث لم تهزم
بل قامت إسرائيل بالانسحاب قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بالالتحام
بمعارك معها, ولم يحقق قادة إسرائيل أي هدف من أهدافهم معلنة كانت
أم مخفية, سوى الدمار وقتل الناس, ولم يستطيعوا فرض أي شرط من
شروطهم, في حرب غزة التي شنتها بانقضاض مفاجئ وبكميات خيالية
ومكثفة من المتفجرات بعد حملة تمويه، بعد تحضير دام أكثر من سنتين,
واستخلاص دروس فشلها في حرب تموز 2006م وفق توصيات فينوغراد
للتحقيق في فشل تلك الحرب, وبعد احتلال سواء كان مباشرا أو غير
مباشر لأكثر من 40 سنة, حصار لأكثر من ثلاثة سنوات, وباستعمال أكثر
الأسلحة تقدما في العالم ومنها ما هو محرم دولي, هو تطور هام في
تاريخ المنطقة والعالم, هز توازنات وفرضيات كثيرة من الأساس ومن
المتوقع ان يكون له تداعيات استراتيجية مهمة.
إطلاق
المقاومة الفلسطينية صواريخ وقذائف الهاون منذ وقف أطلاق النار في
حرب غزة, في 17 كانون الثاني 2009م وكان آخر من نشير إليه, في
اللحظة التي جلس الإسرائيليون للاستماع للنتائج الأولية
للانتخابات, الساعة 22:00 من 10 شباط, 2009م حيث أطلق صاروخ على
منطقة مستوطنة سديروت, وأطلق مقاومون فلسطينيون, في نفس الوقت,
النار على سيارة تابعة لمستوطنين قرب مدينة رام الله, في الضفة
الغربية, يعنى أن المقاومة ما زالت على استعداد أن تتحدى، وأن عامل
الردع الذي يدعي إيهود براك وزير الحرب الإسرائيلي استعادته في هذه
الحرب ليس موجودا. يقول أستاذ جامعي إسرائيلي: "الهدم وآلاف القتلى
الجرحى في غزة لم يخلقوا ردعا تأمله الإسرائيليون. بعد عدة أيام
تجدد القصف."
الحرب,
الذي وصفت بأنها أجبن وأنذل حرب في التاريخ, زادت المأزق
الاستراتيجي الإسرائيلي بعد أن حاولت الحكومة الإسرائيلية, مجندة
كامل قوتها العسكرية الخروج من المأزق التي دخلته منذ بداية الصحوة
العربية ضده.
حققت
هذه الحرب على المستوى الاستراتيجي هزيمة كبيرة لإسرائيل بمعنى أن
إسرائيل قد فشلت في تحقيق أي هدف حددته من الحرب, ونصرا منقطع
النظير للفلسطينيين تجسد في الأساس بصمودهم وثباتهم على مطالبهم
المقبولة, من المتوقع أن تترجم نتائجها مع ظهور تداعياتها المختلفة
على الساحة السياسية والاجتماعية في إسرائيل, كذلك شكلت ضربة
لمعسكر التسوية في المنطقة وفي العالم على المستوى الرسمي وهزيمة
على المستوى الشعبي. زاد ترسخا الاعتقاد القائل أن هزيمة إسرائيل,
أمر ممكن, مهما كان نوع السلاح التي تمتلكه, ومهما كانت التنسيقات
التي تجريها مع من يرغبون في إنهاء الصراع معها ولو كان بثمن بخس,
ونجحت في وضع إسرائيل مجددا وخاصة على ساحة الشارع العربي
والإسلامي وحتى على ساحة قسم من الشارع الأممي, في خانة "العدو",
بعد أن عملت أنظمة كثيرة, وخلال فترات بدأت بشكل علني إثر حرب
أكتوبر 1973م, على استبدال إيران بها، وفي السنوات الأخيرة بحزب
الله في لبنان.
نجحت
المقاومة الفلسطينية في غزة, في تحقيق ما حددته في المرحلة الأولى
وتعمل جاهدة لتحقيق باقي الأهداف التي تم تحديدها. على الساحة
الإسرائيلية, أبرزت الحرب التي بدأت تنكشف للمزيد من الإسرائيليين
بأنها خائبة, النزعات الفاشية إلى جانب العنصرية المتجذرة أصلا
التي تقدس الدولة, وتضع الولاء للدولة كشرط أساسي للمواطنة وتطالب
بتغيير النظام في إسرائيل ليصبح نظاما رئاسيا (الدوتشه), وهذا ما
يذكر بصعود الفاشية في إيطاليا حيث ارتكزت على الخيبة لإيطاليا من
نتائج الحرب العالمية الأولى. وأضعفت الحرب أيضا, بضربة قاسية,
الأحزاب الصهيونية التي تدعي أنها أحزاب يسارية مثل حزب العمل وحزب
ميرتس وغيرها التي كانت في سياساتها وتصرف قادتها عبر سنوات طويلة,
تخفي الوجه القبح لسياسات إسرائيل, لمكان على الخارطة السياسية
الإسرائيلية لم يسبق أن احتلته منذ إقامة إسرائيل, وكشفت المجتمع
الإسرائيلي على حقيقته, مجتمعا جاهلا, متفككا, ينقاد وراء قادة قل
ما وُجد حكماء بينهم, لا يعرفون مصلحتهم الجماعية في سياق الحسابات
الاستراتيجية محليا ودوليا, يميني ينطلق من تقديس العنصرية ويفتخر
بدعم النزعات الفاشية, يهدف قادته القدامى والجدد, معتقدين أن
بإمكانهم عمل هذا, إلى طرد العرب المسلمين والمسيحيين على قدم
وساق, من أرضهم فلسطين, وفرض سيطرتهم على المنطقة بالقوة معتقدين
أن العنصر الأساس للقوة هو المدافع والطائرات, حتى بعد أن فشلت
المؤسسة العسكرية في إسرائيل, وهي أقوى المنظومات في دولة إسرائيل,
فشلا ذريعا بحربين: حرب لبنان في تموز 2006م وحرب غزة 2008/2009م.
هناك
من يعتقد, وقد عجز عن تفسير
ما يحدث في بعض الأحيان, ربما هدف إيهود أولمرت الذي قاد الحربين
كرئيس وزراء في إسرائيل, أن لا يبقى وحده في قفص الاتهام
والتحقيقات الجنائية التي تجرى ضده ويريد أن يأخذ معه لغرف
التحقيق, وقد تكون من نوع آخر, المزيد من قادة إسرائيل, كانوا من
المدنيين أو من العسكريين.
عودة للصفحة
أعلى الصفحة
كلمة الافتتاح
غزة حققت الانتصار وعلى الأمة أن تقطف الثمار
جـواد الحمـد
مدير مركز دراسات الشرق الاوسط-الاردن
اصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة ،،
الاخوة الاعزاء الخبراء والباحثين ،
الحضور الكرام ،
نرحب بكم اليوم في هذه الندوة التي نعقدها خصيصا للبحث في
اتجاهات البوصلة الفلسطينية والعربية في التعامل مع مستقبل
الصراع العربي-الاسرائيلي، وللبحث في تجربة الصراع وآفاقه
المستقبلية خلال السنوات القادمة، ويسرني في بدايتها ان
ارحب بكم من كل الوطن العربي على ارض الاردن الصامد
المرابط، ويسرني ان ينظم مركنا مركز دراسات الشرق الاوسط
هذه الندوة بالتعاون مع نقابة المهندسين الاردنيين ممثلة
بمجلسها ونقيبها المهندس وائل السقا ، ولنعقدها في صرح من
صروح الاردن الوطنية مجمع النقابات المهنية ، فاهلا وسهلا
بضيوف الاردن وبالحضور الكريم من اردن العرب.
الاخوة الحضور ،،،
نلتقي اليوم مع هذه الثلة المتميزة من الخبراء والسياسيين
والناشطين في دعم قضية فلسطين لنتلمس معا ملامح المستقبل
الذي اختطته دماء الشهداء وبطولات الفدائيين في غزة ،
نلتقي اليوم لنتعلم من درس معركة غزة ما يفتح لهذه الامة
آفاق العزة والكرامة ، نلتقي اليوم لنحتفي بانعطافة وتحول
كبيرين سطرتهما معركة الشرف التي خاضها ابناء غزة هاشم ،
نلتقي اليوم لنصد الهجمة السياسية والاعلامية التي ما فتئت
تفت في عضد الامة لتقزم كل انتصار وتضخم كل هزيمة ، نلتقي
اليوم لنحدد ملامح مرحلة التغيير التي دخلها تاريخ المنطقة
بانتصار المقاومة والجهاد في غزة على الاحتلال والظلم
والتخاذل والارجاف، نلتقي اليوم لنحمي انجاز البطولة
والكرامة والشجاعة والارادة والايمان في قطاع غزة ، نلتقي
اليوم لنقطف او نحدد للامة كيف تقطف ثمار انتصارها ، نلتقي
اليوم لندرس انعكاسات وتداعيات هذا الانتصار العظيم على
مستقبل الصراع مع المشروع الصهيوني ، ولنحدد ملامح انتهاء
دولة اسرائيل، ولنحدد الدور المطلوب من الامة بكل اطيافها
ومستوياتها ، نلتقي اليوم لنجسر بين الماضي والحاضر،
ولنطلق معالم المستقبل المشرق لهذه الامة والذي يبشر
بتحرير فلسطين ، نلتقي اليوم لنقول للعالم ان عليه ان يعيد
قراءة درس غزة مرات ومرات ، فقد افل الزمن الذي كانت فيه
يد الاستعمار والصهيونية الطولى، فقد اصبح للامة يد طولى
ايضا ، نلتقي اليوم لنقول للعالم ان نهاية الظلم والظالمين
والارهاب في المنطقة قد اذنت بالرحيل، وان عليه ان يستعد
للتعايش مع امة تحكم نفسها وشرق اوسط ليس فيه اسرائيل، وان
عليه التسليم بالحقيقة التاريخية التي تفرض عليه التعامل
بالاحترام والمصالح المشتركة والاعتراف بالآخر مع امتنا،
ولنقول له لقد ولت او تكاد تلك الايام التي نجح فيها بسلب
ارادة الامة منها . نلتقي اليوم لنعبر وندرس ونستشرف
ونتطلع ونتفهم الاتجاه الاستراتيجي الذي ادخلتنا فيه معركة
غزة وانتصار ابطالها .
الاخوة والاخوات ،،،
لقد مثلت معركة غزة ونتائجها باستسلام قادة اسرائيل للواقع الذي فرضته المقاومة في الميدان واستعصائها
على الانكسار - برغم الارهاب والتدمير غير المسبوق الذي
مارسه المحتل وبرغم الضغوط السياسية والحصار الذي يمارس ضد
المقاومة ، وبرغم التخذيل والارجاف الذي يسود اجواء محيطة
بالمعركة عربيا وفلسطينيا- برغم ذلك فقد مثلت هذه المعركة
نقطة تحول وانعطاف كبيرة في تاريخ الصراع ، واعتقد ان
الخارطة السياسية العربية والفلسطينية والشرق اوسطية لن
تكون كما كانت قبلها، وقد سطرت هذه الصفحة المشرفة من
تاريخ الامة اليوم بدماء الشهداء في فلسطين كما تفعل
الشعوب الحرة على مدى التاريخ.
وتعد الحرب عى غزة ونتائجها تعبير عن فشل كل محاولات
التوصل الى سلام في المنطقة برغم توقيع اتفاقات سلام مع
ثلاثة اطراف عربية ، وهي تعبير كذلك عن القدرة الكامنة في
الامة العربية وفي الشعب الفلسطيني في الانتفاض على غبار
الفشل والاستسلام بين مرحلة واخرى ، وهي تعبير عن تنامي
الصراع مع تنامي الاجيال ووعيها ، وتعبير عن القدرة
والاستعداد للتضحية والتحمل في مواجهة آلة الحرب الصهيوينة
برغم قوتها وتفوقها.
لقد كشفت هذه الحرب عن حجم العجز الفكري والسياسي ناهيك عن
الدبلوماسي والعسكري الذي يلف قرار النخب السياسية الحاكمة
في الوطن العربي، وكشفت عن عدم مصداقية التعبئة الانهزامية
التي يروج لها الكثير من الدبلوماسيين والسياسيين وبعض
النخب المثقفة العربية ازاء التفوق الاسرائيلي وعجز
القدرات والتراجع والتخلف الذي يعيق مجتمعاتنا في
مواجهتها، فغزة تعد من اكثر المناطق العربية افتقارا
لعملية التنمية، وهي الاقل امكانيات، والاكثر كثافة سكانية
، والمحاصرة اصلا بدون فرض الحصار ـ وفرض عليها حصار
تاريخي غير مسبوق لعام ونصف العام قبل الحرب ، وحشدت
اسرائيل للمواجهة مع المقاومة فيها سنة ونصف من التخطيط
الحربي المتكامل بتعاون دولي وعربي وفلسطيني كما تثبت
الوثائق والمعلومات المتواترة ، ومع ذلك لم يكن للخوف
والاستسلام سبيل الى المواطن العادي ناهيك عن المقاومين
والقيادات السياسية التي تقود المعركة في قطاع غزة، ولذلك
فنحن اليوم نقف امام انعطافة تاريخية فكرية واستراتيجية
واجتماعية سيكون لها ما بعدها، وهو ان شاء الله مستقبل
مشرق ومشرف وعهد تحرر واستقلال واحياء جديد للامة ومشروعها
ورسالتها الحضارية.
لقد شكلت الحرب على غزة واحدة من الحروب الرئيسية
والاستراتيجية التي خاضها العرب ضد العدوان والمشروع
الصهيوني، فهي الحرب السابعة بالمفهوم الحربي ، وهي
الثالثة الرئيسية بين المقاومة والكيان الصهيوني، والثالثة
كذلك التي تهزم فيها اسرائيل هزيمة عسكرية محققة تستنجد
بالعالم لوقف اطلاق النار فيها، وتعتبر الثانية على الشعب
الفلسطيني في الداخل بعد الاولى في عام 2002 التي اجتاحت
واخضعت الضفة الغربية ودمرت السلطة الفلسطينية فيها.
لقد كانت الحرب شاملة، وخطط لها على مدى عام ونصف، وتواطأ
فيها اطراف كثيرة قريبة وبعيدة، وكانت لها ابعاد اعلامية
وعسكرية واستخبارية وسياسية وشعبية واقتصادية ، كانت فيها
المقاومة في حالة الدفاع عن النفس وكان الاحتلال قوة
الاعتداء والعدوان والاجرام، ارتكبت فيها ابشع جرائم الحرب
والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية ، استخدمت
فيها اسرائيل اكثر من ثلثي قواتها النظامية ، ومعظم قواتها
البرية والبحرية والجوية ، واستخدمت فيها اسلحة حديثة
معظمها محرمة دوليا، فشلت قوات الاحتلال فيها بالمرحلة
الاولى من الحرب الجوية، وفشلت فيها بالمرحلة الثانية من
الحرب البرية، وتردد قادة الاحتلال بالاستمرار بالحرب
للمرحلة الثالثة التي بدت معالم الفشل فيها على سفوح
وشوارع معركة تل الهوى ، المعركة التي حسمت المواجهة ،
ودفعت العدو ليتخذ قرار وقف اطلاق النار من جانب واحد
تعبيرا عن الهزيمة والفشل، وتعبيرا عن عدم القدرة على
الاستمرار في حرب بدأت تراوح مكانها ، وابدت فيها المقاومة
والشعب الفلسطيني في غزة صمود وثباتا منقطع النظير .
هزمت اسرائيل في الميدان ولم تحقق ايا من اهدافها ، وهزمت
في الحرب الاستخبارية التي اعلن الكثيرون من قادتها انها
كانت مضللة، وان المقاومة تمكنت من تفكيك عشرات خلايا
العملاء في اليوم الثالث للمعركة ، لقد فشلت اسرائيل في
السيطرة على الميدان، كما في فشلت في ادارة قواتها داخل
القطاع وهم يتعرضون للكمائن والعبوات الناسفة والبيوت
الخالية المفخخة، وفشلت في الحرب الاعلامية حيث خرج عشرات
الملايين في العامل منددين بجرائمها لتعود صورتها الى
حقيقتها كدولة ارهابية وراعية للارهاب ترتكب جرائم ضد
الاطفال والنساء على شاشات التلفزة، وكما قال احد كتابهم
بان هذه الحرب كلفت اسرائيل مئات المليارات من الدورات
التي صرفت طوال ستين عاما لبناء صورتها في الغرب.
وفتحت نهاية المعركة الميدانية بواكير المعركة السياسية
التي تمارس فيها الضغوط على قيادة المقاومة، ويستمر فيها
الحصار العربي لغزة قبل الحصار الاسرائيلي لابتزازها
بمواقف وتنازلات لم تفلح كل هذه الحرب في انتزاعها منها،
وتخلط الاوراق بين التهدئة وفك الحصار والمصالحة الوطنية
واطلاق الجندي الصهيوني والاعمار ، لتمنع هذه القوى
المقاومة من قطف ثمار النصر ، ولتمنع الامة ان تتمتع بهذا
النصر وتعتبر منه لرسم مستقبلها ، أي تحاول ان تجهض
الانتصار وتنتقص منه وتضعف نتائجه، وهو ما يملي على مثلكم
مسئولية كبيرة في حماية المقاومة وحماية الانتصار الذي
حققته، وحماية ملامح المستقبل الواعد التي رسمتها دماء
اطفال غزة في وجه الارهاب والعنف والاجرام الصهيوني
المدعوم دوليا .
السادة الكرام ،،،
ان درس غزة الكبير والعميق هو اننا نستطيع ان نهزم
اسرائيل حتى ونحن تحت الحصار الدولي ! ونستطيع ان نزيل
اسرائيل لو كان معنا اخواننا في المعركة! ونستطيع ان
نسترجع العزة والكرامة امام العالم لو توحدنا على المواجهة
بعيدا عن الارجاف والتخذيل الذي استمرأه البعض، لقد
سقطت الاسطورة للمرة الثانية في اقل من ثلاثة اعوام
اسطورة سارائيل التي لا تقهر والجيش الصهيوني الذي لا يهزم
والاستخبارات التي لا تخيب ، وان صناعة التاريخ ممكنة بارادة
الشعوب التي تصمم على التحرر والاستقلال وتقديم ثمن الحرية
من دماء ابنائها، لقد كان للايمان والارادة والتخطيط
الفضل الاساس للنجاح في المعركة في غزة، فقد هزم العدو
وحاول الاستنجاد بالبعض ليشجع المقاومة على اعلان وقف
اطلاق النار الى ما قبل ساعة من اعلان رئيس وزراء الكيان
الصهيوني بيان الهزيمة والفشل في اعلان وقف اطلاق النار من
جانب واحد والذي لم يقدم له تبريرا واحدا حتى اليوم .
لقد علمتنا غزة ان المشكلة في النخب الحاكمة وليست في
الشعوب، وفي الارادة السياسية ، وفي تقديم المصلحة الخاصة
على المصلحة العامة، وفي خطأ القراءة السياسية والتاريخية
والاستراتيجية للمتغيرات، لقد احدثت معركة غزة تحولا مهما
في المنظومة الفكرية العربية السائدة بين النخب المثقفة
حول وزن المعادلات بين العرب واسرائيل في الصراع ، وانتجت
مجموعة ومنظومة جديدة من المسلمات والمعطيات لا تزال بحاجة
الى اعادة نظر واسعة ودراسة متأنية من النخب المثقفة.
لقد توقع مؤتمرنا الذي عقدناه في عام 2005 - والذي شارك
فيه عدد منكم- تحولات كبيرة في الصراع لصالح المشروع
العربي وعلى حساب المشروع الصهيوني، وتوقع ان يستغرق الامر
عشر سنوات لتشكيل الخارطة الجديدة التي ربما يتلاشى فيها
الخطر الصهيوني على حد تعبير صياغات الاستراتيجية الختامية
للمؤتمر ، وجاءت انتخابات السلطة في عام 2006 ومن ثم حرب
تموز 2006 لتؤكد هذه التوقعات، ثم جاءت معركة غزة على
مشارف عام 2009 لتؤكد صحة البوصلة في تراجع المشروع
الصهيوني وانكفائه وانسداد الافق امامه، وانه وصل الى
الحائط، وبدا يدافع عن مجرد الوجود بعد التبجح عقودا
بالتوسع والعدوان على كل العرب بل والتهديد المتواصل لدول
عربية بعيدة عن الحدود ودول اسلامية اخرى كباكستان
والجزائر وليبيا وايران، ويعد هذا التحول تصديقا وتاكيدا
لما توقعه العلامة المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري
عندما قال ووافقناه في ندوة في عمان "بان الانتفاضة
الفلسطينية الثانية ، انتفاضة الاقصى ادخلت الصراع في
مرحلة جديدة تختلف مقاييسه عما كان قبلها ، وذلك في
ديسمبر 2000 .
واليوم نؤكد بان المعركة الجديدة التي تخوضها اسرائيل لاول
مرة داخل الارض المحتلة وتحقق فيها هزيمة قواتها المدججة
النظامية والاحتياط بقوام لا يقل عن خمسين الف جندي من
مختلف التشكيلات البرية والبحرية والجوية، والتي دفعت
وزيرة خارجية العدو للتجول في العالم وهي هلعة تطالب
بالعمل على حماية اسرائيل من صورايخ حماس ومقاومتها !!
ولتستنجد بالولايات المتحدة وقوات النيتو لمنع وصول السلاح
الى المقاومة في غزة المحاصرة، ان هذه الحال تشكل مسارا
جديدا لمستقبل الدولة الصهيونية ، وتكشف الضعف الذي تبديه
القيادات العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية ، كما اكدت ان
درس حرب تموز 2006 لم يتم استيعابه في الجيش الصهيوني، وان
الترميم الذي جرى عنه حديث مطول لم يتحقق لقوته الردعية ،
بل على العكس فقد تنامت قوة المقاومة واصلب عودها، وخرجت
منتصرة برغم الجراح، ويبدو انها خرجت اقوى مما كانت خصوصا
في مجال التكتيك العسكري والعمل الاستخباري والاعلامي.
لقد بدأ عهد جديد من مراكمات هزائم القوات الصهيونية
وفشلها الاستخباري ، في مقابل تراكم انتصارات ونجاحات
عسكرية واستخبارية لمقاومة والمجاهدين، ليهيل التراب على
تراث غير مشرف من مسار التسوية السياسية قادها في امتنا
ثلة ممن لا يقرأون التاريخ بشكل علمي دقيق، ولا يفهمون
حقيقة قوة امتهم وقدراتها، ويستندون الى الخارج في التقوي
على الداخل، لكنهم لا يصمدون في محاربة عصابات الاجرام
الصهيونية قبل الدولة ولا بعدها ، وهو ما يؤكد التقدم
الكبير في مشروع المقاومة والتفاف الامة حوله ، وتراجع
مشروع التسوية وخياره، الامر الذي يدعو القادة العرب
والنخب التي تقف حولهم ان يعيدوا النظر بفلسفة الخيار
الوحيد العدمية لمشروع التسوية ، وان يبدأ التفكير الجاد
بتبني خيار المقاومة ودعمه بدلا من محاصرته وتجفيف منابعه
حسبما تطالب به الولايات المتحدة واسرائيل، وان الذي يؤمن
بالمقاومة وبحقوق الشعب الفلسطيني يدعم المقاومة ولا يمنع
عنها السلاح ناهيك عن المساعدات الانسانية والطبية ولوازم
التجارة والاقتصاد، بل يمدها بالمال والسلاح والرجال
والخبرة ان لزم وما اكثرها في العالم العربي ، وهي كافية
لتطوير المقاومة وتهديد مستقبل اسرائيل.
وثمة تساؤل يطرح عن هدف التسوية وهدف المقاومة ، حيث ان
التسوية تعني المحافظة على الكيان الصهيوني ونمائه، فيما
تتعني المقاومة اجتثاثه من المنطقة وتحقيق الوحدة العربية
والاسلامية والاستقلال للامة والحرية ، فهل يعتقد البعض ان
بقاء اسرائيل جزء من الامن القومي العربي ؟ ام انها جزء من
الامن الخاص القطري او امن النخب الحاكمة ؟
ما جرى في عدد من الدول العربية والاسلامية من تخلي
الولايات المتحدة عن اقرب اصدقائها لصالح الد اعدائها يؤكد
ان ما يحلم به بعض الساسة لا اساس له من السند التاريخي
والمنطقي ، ولذلك فان خيار المقاومة والجهاد هو التعبير
الطبيعي عن الانتماء للامة والانحياز لمصالحها ولمواجهة
الاجرام الصهيوني ، وهو الخيار الذي اثبت صدقيته وفاعليته.
وبهذه المناسبة لا بد ان اؤكد في كلمتي هذه على ان التيار
الحامل للمقاومة المعاصرة ولجمهورها هو التيار الاسلامي
وحلفاؤه من التيارت التحرية والقومية الاصيلة، فقد اثبت
التيار الاسلامي قدرته الفائقة على استنهاض التضحية وعلى
تشكيل عناصر التحمل والصمود ، كما اثبت مصداقيته وشفافيته
في تبني قضايا الامة، وتقديمه للمصلحة العامة على المصلحة
الخاصة، وانه قادر على مواجهة المشروع الصهيوني الامبريالي
باقتدار، ويقدم قياداته وابنائهم في صفوف الشهداء الاولى،
ولذلك فانني اقترح بين يدي حضراتكم ومن منطلق الحرص على
المصلحة العامة تدارس فكرة تسليم القيادة للتيار الاسلامي
ليقود الامة نحو النصر والتحرير والنهضة، وذلك على اسس
وقواسم مشتركة تضمن حقوق الجميع واشراك الجميع وعلى قاعدة
تعدد القوى والاتجاهات في الامة وعدم الاستفراد، لان بعض
ما يجري من استنزاف في معارك بين التيار الاسلامي وغيره
اعلاميا انما يخدم المشروع الصهيوني وحلفائه في المنطقة،
كما ادعو العقلاء في النخب الحاكمة في الوطن العربي الى
التعجيل بمصالحات واسعة النطاق ايضا مع التيار الاسلامي
السياسي المستنير لحماية الامة ووقف الاستنزاف الداخلي
فيها ، وتجربة غزة اكبر مثال على ذلك حيث اضاعت تيارات
اخرى الزمن في صراعات فراغية مع حركة حماس بعد وصولها الى
الحكم لنرى ان قيادة المقاومة بزعامة حماس كانت هي الاقدر
في كل الحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية من قبل ،
والتاريخ شاهد حي على ذلك، فماذا كان يضير هؤلاء ان كانوا
صادقين في معاداة المشروع الصهيوني ان يقفوا خلف مثل هذه
القيادة التي تهزم اسرائيل وترفع السقف السياسي للامة
وللسلطة الفلسطينية ؟ .
السادة الكرام،،
وقبل ان اختم كلمتي احب ان اشير الى ما اطلعت عليه من
معلومات تتعلق بالبعد الاقتصادي للمعركة الاخيرة ، والتي
تفسر حماسة البعض لمحاصرة المقاومة ولمنع فتح المعابر ،
ولمنع حرية غزة ، وهو ان مياه غزة الاقليمية تتمتع بمخزون
كبير من الغاز المتميز النقي، والتي بلغت في حوضين فقط
حفرا في عام 2000 حوالي 1200 مليار متر مكعب، وكانت تبلغ
قيمتها السوقية حسب شركة الغاز البريطانية حوالي 2 مليار
دولار عام 2000، وهو ما يفسر الاندفاع الاوروبي لحماية
سواحل غزة بحجة منع تهريب السلاح.
ختاما ،
اعيد الترحيب بكم ، وادعوكم الى مناقشات معمقة في بعض
الافكار التي اثرنا في هذه الكلمة بعيدا عن الحساسيات
الحزبية او الايديولوجية الضيقة، لنعرف كيف هزمت المقاومة
في غزة الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح ؟ وكيف وانتصرت غزة
وشعبها ومقاومتها ! وانتصرت الامة في المعركة !
اشكر وسائل الاعلام وعلى راسها قناة الجزيرة على تغطيتها
المتميزة لهذه الندوة ، واشكر الطاقم العامل في الاعداد
لهذه الندوة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة نقيب
المهندسين الأردنيين
المهندس وائل أكرم السقا
سعادة الدكتور موسى أبو مرزوق المحترم -
نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس
سعادة الدكتور حسن خريشة المحترم - النائب
الثاني لرئيس المجلس التشريعي
سعادة الأستاذ منير شفيق المحترم - المنسق
العام للمؤتمر القومي الإسلامي
سعادة الأستاذ جواد الحمد المحترم - مدير
مركز دراسات الشرق الأوسط
الزميلات و الزملاء
الحضور الكرام جميعًا مع حفظ الألقاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إنه لمن دواعي غبطتي و سروري أن أرحب بكم باسم نقابة
المهندسين الأردنيين التي أتشرف بحمل الأمانة في تمثيلهما
والمساهمة في تحقيق أهدافهما و خدمة مهندسيها، كما أرحب
بجميع الحضور ضيوفـًا ومحاضرين ومشاركين في هذه الندوة من
خارج الاردن وداخله.
نحن اليوم من أكناف بيت المقدس نزجيها تحية للشعب
الفلسطيني الصامد المرابط في المسجد الأقصى بمجاهديه
وأبطاله عامة, ولشعبنا في غزة الصامدة خاصة, هذا الشعب
الذي لا زال يخوض هذا الصراع الطويل والمرير والمليء
بالتضحيات الجسام فوق - أرض الرباط المباركة - دفاعاً عنها
وعن مقدساتها وفي الخندق الأول دفاعاً عن أمتنا العربية
حتى لا تضيع فلسطين أرضنا، وأرض الآباء والأجداد،
والمباركة للعالمين, يدافع ويناضل من أجل حريته وأرضه
ومقدساته وهو في رباط إلى أن تقوم الساعة.
كما أتوجه بالتحية إلى أرواح الشهداء الأبطال الذين أطلقوا
بدمائهم الزكية بصمودهم في فلسطين عبر السنين وصمودهم
مؤخرا أمام العدوان الصهيوني الهمجي الشرس على أهلنا في
غزة، والتحية موصولة لشهداء شعبنا جميعًا وأسراه وجرحاه،
ولكل قوى المقاومة الحية التي تواصل طريقها شامخة أبية نحو
القدس والعودة والتحرير.
الحضور الكرام,,,
من ظلام الليل يولد الفجر، ومن صخور الظلم تتفجر ينابيع
العدل، ومن بين الأشلاء وبحور الدم يخرج النصر، ومن تلال الخزى والذل والهوان تخرج قمم الصمود والعزة، ومن بين
نيران الحقد ودانات القهر والغل الدفين تخرج سيول
المقاومين.
إنه صمود غزة والمقاومة الشريفة هذا الصمود الذي أثبت
للعدو الصهيونى، أن ترسانة أسلحته لم ولن تثنى أبناء
فلسطين عن مشروعهم التحريري المقاوم، المقاومة التي أظهرت
حقيقة الجيش الذي قيل عنه أنه لا يقهر، ويكفى أنه مع
الساعات الأولى للاجتياح البرى قام رجال المقاومة بالنيل
من العدو الصهيوني، وانهالت صواريخ القسام على المغتصبات
الصهيونية، إنها ملحمة المقاومة التي جعلت من غزة مقبرة
للصهاينة.
إنه الصمود الذي يستوجب على الشارع العربي والإسلامي
استمرار هبتهم وضغوطهم على الحكومات، من أجل دعم غزة
ونصرتها.
إنه الصمود الذي جعل كل الشرفاء يكفرون بماراثونات السلام
المزعومة، بداية من كامب ديفيد ومرورا بأوسلو وخارطة
الطريق واجتماعات شرم الشيخ المتوالية، فوهم السلام مع
عشاق الدم خطيئة لابد أن يعترف بها كل من شارك في هذه
الاتفاقيات التي ما زادتنا إلا غرقا فى دمائنا، وفقدانـًا
لعزتنا وكرامتنا.
إنه الصمود الذي يفرض علينا كعرب ومسلمين حكاما ومحكومين
أن نرسَخ لدينا مفاهيم جديدة حتى نجد لنا مكانا على خريطة
العالم الذي لا يعترف إلا بالقوة، ومنها أن التفريط في
المقاومة جريمة، وأن العزة لن تأتى من البيت الأبيض، وأن
ترسانات أسلحتنا التي علاها التراب قد جاء دورها لكي تصحح
الأوضاع.
وعلينا أيضا أن نتعلم (دروس التضحية والثبات على المبدأ)
من الأم الفلسطينية التي تودع شهيدها وهى في نفس الوقت
تجهز ابنها الثاني للشهادة، وعلى حكوماتنا أن تعلم أن بني
صهيون أضعف بكثير من الصورة التي رسخها الأمريكان لهم في
ذاكرتهم،وخير دليل على ضعف هؤلاء المجرمين الملاحم
المستمرة مع المقاومة التي لقنوا من خلالها الجيش الذي لا
يقهر دروسا قاسية لن تنسى.
الحضور الكرام,,,
ما جرى في غزة هو القديم الجديد..القديم هو عدوانية الكيان
الصهيوني من قتل وتهجير وتشريد وهدم للبيوت واقتلاع
للأشجار وحصار ومنع للماء
والكهرباء والدواء
وحتى رغيف الخبز
وهذه القضايا والفظائع عرفها تاريخ هذا الكيان منذ زراعته
في المنطقة وإعلانه عام 1948م
من مجازر قبية، ودير ياسين، وحيفا، وعكا، وجنين، وقانا إلى
العديد العديد وكل يوم.
والجديد في
العدوان على غزة هو /النوع الإجرامي/ الجديد فطائرات إف
16-18 وهي الأحدث ودبابات
الميركافا والمدفعية الثقيلة تدك بيوت الآمنين أطفالاً
ونساءً وشيوخاً وتطوق المدن
والقرى والمعابر ولا تستثني من بطشها حتى سيارات الإسعاف
والمدارس.
شعب صامد ومقاومون أشداء امتلكوا الإرادة
والعزيمة والإيمانية والجهادية العالية وفي المقابل جبروت
آلة الحرب الصهيونية من
طيران ودبابات ومدفعية وحصار وقتل وتدمير.
الحضور الكرام,,,
تتفاوت النظرة بين الناس لما شاهدوه و ما جرى في غزة
الصمود، غزة الثبات، غزة العزة , نظرات متفاوتة .. تتأرجح
:
بين الأمل … والألم
بين التفاؤل .. والتشاؤم
بين العزة .. والذلة
بين النصر والتمكين .. والهزيمة والخذلان
لكننا نجزم أن نظرة الأمل والتفاؤل والعزة والنصر والتمكين
هي النظرة الصائبة، كما يحكي لنا التاريخ، وتثبث ذلك سنن
الله في الأرض، على مر العصور والأزمان.
هاهو صمود غزة الصابرة والتي صبرت بصمود أهلها والتي
تعلمنا منها دروساً ومعاني عظيمة:
•علّمنا
صمود غزة
.. أن الابتلاء يلزمه التقدم نحو الأمام، لا الاستسلام
والخنوع والخضوع والتقهقر للوراء.
•علّمنا صمود غزة .. أن الثبات هو ثمن العزة
والكرامة والحرية .
•علّمنا صمود غزة .. أن الثبات هو ثمن السيادة
والريادة في فردوس عزّ الدنيا، ليقودنا إلى فردوس الآخرة
•علّمنا صمود غزة .. أن البكاء يجب أن يكون على
الكرامة، لاعلى الحجارة والبيوت التي هدمت.
•علّمنا صمود غزة .. ان نبكي على أنفسنا المقصرة،
لا على الشهداء الذين أخبرنا الله عنهم أنهم (( .. أحياءٌ
عند ربهم يرزقون ))
•علّمنا صمود غزة .. أن الأمة التي تحسن صناعة
الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة, يهب لها الله
الحياةَ العزيزةَ في الدنيا والنعيمَ الخالدَ في الآخرة
بإذن الله .
•علّمنا صمود غزة .. أن التمحيص يسبق التمكين
والنصر والانتقام من العدو، قال تعالى : (( وليمحص الله
الذين آمنوا ويمحق الكافرين )) آل عمران 141
•علّمنا صمود غزة .. أن النصر ليس سهلاً بدون
تضحيات، ودون ألم وأذى في سبيل الله .
•علّمنا صمود غزة .. أن النصر مع الصبر، وأن بعد
العسر يسرا، وان النصر آتٍ مهما طال الزمن واعتلى الظلم،
وتخاذل المتخاذلون، وداهن المنافقون، وهو لا يأتي بمجرد
الكلام والحديث عنه، بل باتخاذ الأسباب .
•صمود غزة .. علمنا الكثير والكثير.
وختامًا لا يسعني إلا أن أشكر أصحاب
الشرف مقدمي أوراق العمل لهذه الندوة بمختلف عناوينها كما
أشكر مركز دراسات الشرق الأوسط لتنظيمه لهذه النوة وللحضور
الكرام, متمنياً أن تتحق الفائدة المرجوة للحضور.
وأهلا وسهلاً بالضيوف الكرام متمنياً
لهم طيب الإقامة في بلدنا الأردن..
فلا نامت أعين الجبناء ..
والخزي والعار للمتخاذلين ..
والرحمة للشهداء الأبرار ..
والنصر للمجاهدين الصامدين ..
وإنه لجهاد نصر أو استشهاد..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د.
حسن خريشة
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني
باسمي واسم زملائي أعضاء المجلس التشريعي وتحديدا
المختطفين منهم وعلى رأسهم د. عزيز دويك نتوجه بالتحية إلى
الذين صنعوا الصمود الأسطوري، والذين أفشلوا كل الأهداف
الصهيونية لعدوانهم على قطاع غزه... من مقاومه ومقاومين
ومواطنين.
فالرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعزة والكرامة لغزه
وأهلها والشكر الجزيل إلى كل من وقف وتظاهر وانتفض تأييدا
لفلسطين واستنكارا وغضبا للمجازر ضد شعبنا... تحيه إلى
هؤلاء جماهير وقوى وأوطان.
لن نتحدث لنستعيد ما خزن في الذاكرة من صوره غزه وهي تحترق
ولا عن مئات المنازل والمساجد والجامعات ومقر المجلس
التشريعي وهي تقصف وتهدم ولا عن الشوارع الفارغة إلا من
سيارات الإسعاف تنقل الجرحى والشهداء.
بل سنتحدث عن شهداء شعبنا وجرحانا ...عن البطولة في زمن
التخاذل الرسمي، عن التضحية والفداء والقدرة العالية على
إدارة حرب أرادوها دامية ومدمره... وعن ماذا بعد غزه.
أيها الإخوة والأخوات ...
غزه قالت إن العدو وآلته العسكرية قابله للهزيمة عند
امتلاك إرادة الصمود والتحدي والقتال ...غزه قالت إن اقصر
الطرق لنيل الحقوق هو المقاومة والثبات... غزه قالت إن
صواريخها ليس عبثيه وان مفاوضات من يفاوض عبثيه
واستسلام... غزه استنهضت الأمة وأيقظت الضمير العالمي...
وأحرجت كل أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان... غزه كشفت
عن عوره كثير من الرسميات العربية وأعادت القضية إلى
الجذور والبدايات... أعادت الأصدقاء والحلفاء ...وأعادت
حتى العالمية لقضية شعب مرت على نكبته اكثر من ستين عاما
غزه ستخلد ذكرى الهولوكوست الفلسطيني عاما بعد آخر في
مواجهه ما يسمى الهولوكوست اليهودي.
غزه فرزت النظام الرسمي العربي وعززت تيارا ونهجا يؤمن
بقدره الشعوب وحقها في المقاومة ويراهن على إرادة الناس
وما بين تيارا ونهجا يؤكد فقط على خياره الواحد والأوحد
بالتفاوض.
ولكي نضع النقاط على الحروف نؤكد على النقاط التالية:
1.
إن مجلس الأمن قد أسس من قبل الدول الدائمة العضوية ليخدم
مصالحها وتحالفاتها وليس لتعزيز الأمن والسلم للشعوب
الفقيرة وهذا ما يؤكده عجزه عن تنفيذ قراراته وتحديدا
عندما يتعلق الأمر بالابن الشرعي للاستعمار القديم
والامبريالية الجديدة.
2.
إن استمرار الرهان على الاداره الامريكيه باعتبارها وسيطا
في ما يسمى بالصراع العربي الصهيوني هي مجرد أوهام وهنا لا
بد من استذكار رؤية بوش في حل الدولتين قبل نهاية العام
2008 ...لينتهي العام في مجزره ضد الشعب الفلسطيني فكل
الرؤى للإدارات الامريكيه هي رؤى تخدم الاحتلال ومسخره
لتقويه العدو لضرب كل قوى التحرر والتطور بالعالم وتحديدا
بالمنطقة العربية.
3.
إن تحركات وكلاء الاداره الامريكيه من اوروبيين وعرب في
الأيام الأولى للحرب على غزه كانت لإعطاء مزيد من الوقت في
انتظار تحقيق الأهداف الصهيونية وليست خدمه لشعبنا ولا
لامتنا وهذا ما أكدته المبادرة الفرنسية واجتماع شرم الشيخ
الذي كان غطاءا لجرائم الاحتلال ومحاوله لإنقاذ ماء وجه
الاحتلال الذي فشل على المستوى الأخلاقي خاصة وان العالم
كله قد رأى مجازره ونازيته في حق أطفال غزة.
4.
إن ما يسمى بالنظام الرسمي العربي... ونظام القمم العربية
هي مجرد تسميات لا تلامس الواقع وإنما تعمل على تخدير
الشعوب العربية بهدف امتصاص نقمتها وإجهاض انتفاضتها وليست
استجابة لاراده هذه الشعوب، لان انتفاضه العرب والمسلمين
قالت وبصوت عال أن هذه القيادات ليست منها ولم تأتي من
صندوق الاقتراع وإنما جاءت وبقيت لأنها تخدم كل التوجهات
ما عدا توجهات شعوبها وقضاياه.
5.
أن لا خوف على القضية الفلسطينية رغم مرور أكثر من ستين
عاما على نكبه الشعب الفلسطيني لأنها عادت لتحتل مكان
المركز للشعوب العربية والاسلاميه ولأحرار هذا العالم حتى
أنها أعادت ادوار من تخلوا لعشرات السنوات عن تاريخهم...
فأردوغان تحدث عن أنه وريث للعثمانيين وتصرف كعربي ومسلم
وكأنه رئيسا للجامعة العربية وناطقا باسم العرب حين صمت
أمين عام جامعه الدول العربية ولم يغادر المكان حيث يجب أن
لا يكون أصلا.
6.
أعادتنا لسنوات الستينيات والسبعينيات حين كان طرد السفراء
من هذه العاصمة أو تلك تعبيرا عن موقف، وقد فعلها تشافيز
وهو الأمريكي الجنوبي ولم يفعلها عرب الطوق لا في مصر ولا
في الأردن .
7.
لقد خاضت وسائل الإعلام العربية وتحديدا المرئي منها حرب
غزه بجانب المقاومة والمقاومين كشفت وفضحت بالصوت والصورة
المجازر والجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا وبالتالي ضد
الإنسانية، فشكرا لكل هؤلاء ولنقف معهم ضد محاولات وزراء
الإعلام العرب عبر اجتماعاتهم بالجامعة العربية لتدجينهم...
فقد كشفت غزه أن بقدره الفضائيات العربية سد الطريق على
وسائل إعلام العدو الذي فشل في تغطيه جرائمه وتحسين صورته
القبيحة.
8.
تحرير أسرانا يتم فقط من خلال صفقات تبادل الأسرى وليس من
خلال المفاوضات مستندين على قدره المقاومة على اسر الجنود
الصهاينة.
9.
تمت عمليه فرز حقيقي بين من يقف مع نفسه مع شعبه مع قضيته
ومن يقف صامتا ومن وقف متواطئا ومن وقف مشاركا، فالتحالفات
بدأت واضحة فجبهة الأصدقاء واضحة وجبهة الأعداء واضحة وعلى
رأسها دوله الاحتلال والاداره الامريكيه وكل من تواطىء
معهم، وأصبح السؤال الآن مشروعا أيهما سبب وأيهما نتيجة
الانقسام الفلسطيني أم الانقسام الرسمي العربي.
بعد كل هذا لم يعد مقبولا من أحد تحديدا في الساحة
الفلسطينية:
1.
الحديث عن استمرار المفاوضات وهنا لن نتحدث عن سنوات طويلة
منها وإنما عن ما بعد أنابوليس والذي جمعت أكثر من خمسين
دوله تحت باب وقف الاستيطان وتحقيق حل الدولتين، فأكثر من
18 زيارة لرايس وزيارتين لبوش وأكثر من 268 لقاءا لم
تستطيع أن تحرر أسيرا فلسطينيا واحدا أو أن تزيل حاجزا
عسكريا،وهنا أؤكد أننا استخدمنا من خلال المفاوضات
واللقاءات لزيادة الاستيطان وأعداد المستوطنين ولاستكمال
بناء جدار الفصل العنصري وللمضي قدما في تهويد القدس
والاستمرار في حصار شعبنا.
2.
إن أي حوار يفضي إلى المصالحة يجب أن يبنى على ما بعد غزه
وعلى قاعدة مقاومه الاحتلال والندية في التعامل معه بعيدا
عن سياسة القبل والاملاءات والتنازلات فغزه ركبت مفاصل
معدنية لمن فقد قدرته على الوقوف في وجه أعداء شعبنا .
وهنا لا بد أن أتقدم بالشكر للسيد خالد مشعل على القنبلة
التي فجرها والتي حركت واستفزت كثيرا من القوى والشخصيات
للالتفاف والالتفات مره أخرى نحو "م.ت.ف" باعتبارها الممثل
الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني... هذا البيت والممثل
الوحيد الذي تعرض لمحاولات استخدام و تغييب، والذي استخدم
اسمه في تغييب حق العودة التي هي أساس إنشاء "م.ت.ف"والتي
تركت لهيمنه السلطة عليها من خلال شواهد كثيرة أهمها أنها
غدت رقما صغيرا في موازنة السلطة، وهي التي يفاوض باسمها
من هم خارج هيئاتها .
مع كل الموبقات التي ارتكبت بحق الممثل الشرعي والوحيد
فإنني اجزم أن بقاء هذا البيت الجامع الممثل الوحيد لكل
أبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا من يوافق على برنامجها
ومن يعارضه ومن يتفق معه، لأنها التاريخ الحديث والكيانيه
المعنوية الفلسطينية، والهوية المعرفة للفلسطينيين أينما
وجدوا، فالحفاظ عليها حاجه وضرورة فلسطينيه تاريخيه
ومعاصره وحتى تبقى كذلك علينا التأكيد على أن أي حوار
ومصالحه قادمة التأكيد على التالي:
1.
إعادة الاعتبار للمرجعية السياسية للمنظمة عبر اعاده
الاعتبار لميثاقها
2.
أن يدرك الجميع أن عام 1964 يختلف عن عام 2009 فهناك قوى
صاعده يجب أن تمثل بحجومها وهناك قوى مندثرة ما زال
أصحابها يصرون على تمثيلهم للشعب الفلسطيني.
3.
يجب معاقبه كل من استخدم المنظمة لتقزيم حق العودة أو
الالتفاف عليه مستندين إلى وجودهم في هيئاتها القيادية،
وهنا لا بد من محاسبه ياسر عبد ربه المسمى أمين سر لجنتها
التنفيذية.
4.
البدء الفوري والعاجل في تنفيذ اتفاق القاهرة عام 2005م.
بذلك نستعيد وحده شعبنا وننهي حاله الانقسام ونتفق على
مرجعيه سياسيه للمنظمة قد تكون وثيقة الوفاق الوطني ووثيقة
الاستقلال واتفاق القاهرة أساسا لذلك.
للمرة الأولى في تاريخ نضال شعبنا لم يستطيع الدم
الفلسطيني والعدوان أن يوحد قيادات الفصائل وهذا شكل صدمه
للجميع وتحديدا من يؤمن بالمقاومة طريقا.
لذلك ندعو هؤلاء جميعا للبدء الفوري في حوار جاد ينهي حاله
الانقسام وهذا لن يتم إلا من خلال قرار واراده سياسيه
لإنهاء الانقسام وهذا يحتاج إلى مقدمات أهمها
1.
وقف الحملات الاعلاميه والتراشق الإعلامي والاعتماد على
إعلام تصالحي
2.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتوقف عن استخدام
الفلسطيني رهينة وحاله ابتزاز
3.
عقد جلسه للمجلس التشريعي باعتباره بيتا للشعب الفلسطيني
في الداخل من اجل أن يبدأ الحوار كما كان في خيمة فلسطينيه
وبعدها لينقل إلى أي من العواصم، ولتفتح كل الملفات
الخلافية من (م.ت.ف) إلى النظام السياسي إلى قوى الأمن
مستندين على قاعدة المقاومة ونموذج غزه الكفاحي.
ختاما صمدت المقاومة وصمد المقاومون... وفشل الاحتلال ومره
أخرى يعاد تأكيد انتصار المشروع العربي الإسلامي على
المشروع الصهيوني والذي بشر به انتصار تموز 2006، فتحيه
إلى كل المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق... والرحمة
للشهداء كل الشهداء.
عشتم وعاش شعبنا والنصر لنا والهزيمة والزوال للاحتلال.
وشكرا
كلمة الأستاذ منير شفيق
المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فكل ما قيل عن عالم ما بعد الحرب الباردة في التسعينيات من القرن
الماضي أصبح اليوم لاغياً، فأمريكا لم تستطع أن تنفرد في حكم
العالم، وتقيم نظاماً عسكرياً – سياسياً- اقتصادياً- ثقافياً أحادي
القطبية، وذلك بالرغم من محاولتها فعل ذلك، وبالرغم من الحرب
النفسية التي استسلم لها الكثيرون فأصبحوا من مروجي ما أسموه
بالعصر الأمريكي واستسلموا للسياسات الأمريكية وجعلوا من العولمة
قدراً لا يرد.
لقد أثبتت التجربة والوقائع أن أمريكا أصبحت بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي وتفكك حلف وارسو أضعف وليس أقوى. وذلك لسبب أساسي وهو
عدم قدرتها على الانفراد بحكم العالم كله، وهذه مسألة موضوعية. لأن
ذلك فوق قدرتها واستطاعتها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً,
فكان حالها حال من حاول رفع ثقل أكبر من استطاعته فسقط على قدميه
أو هوى تحته وانقض ظهره.
فلا الدول الكبرى الأخرى قبلت بأحادية القطبية وما هي بقادة أن
تقبل وذلك بالرغم من الارتباك الذي اجتاحها أول الأمر وبالرغم من
تفوق أمركيا على كل منها منفردة ولكن ليس عليها جميعاً. ولأنها إن
لم تدافع عن مصالحها دمّرت نفسها. أما شعوب العالم فلم تقبل التخلي
عن استقلالها ومصالحها وثرواتها فكان لا بد من أن تقاوم وتمانع
وتشق طريقها إلى الأمام.
من ينظر إلى المشهد الدولي الآن يلحظ أن روسيا استعادت كثيراً من
قوتها كدولة كبرى، وأثبتت ذلك في جورجيا ومواجهة الدرع الصاروخية
مثلاً، والصين غزت كل أسواق العالم ودخلت عالم التكنولوجيا
العالمية عسكرياً وعلمياً، وخرجت الهند دولة نووية اقتصادية دخلت
نادي الكبار علمياً وكان هنالك في الطريق دول تخطت حاجز التخلف
الاقتصادي مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وماليزيا وتركيا وإيران
وأندونيسيا. وذلك إلى جانب اندلاع موجات شعبية ثورية ضد الهيمنة
الأمريكية ومناهضة للعولمة والرأسمالية مثلتها فنزويلا وبوليفيا
وكوبا.
أما إذا جئنا إلى الوطن العربي وإيران وتركيا وما أسموها زوراً
بمنطقة الشرق الأوسط الكبير، وقد أرادته إدارة بوش محط تركيزها
وأولويتها الاستراتيجية فشنت العدوان بعد أفغانستان على الضفة
والقطاع منذ ربيع 2002 ثم كانت حرب العدوان على العراق وإحتلاله
2003، ثم العدوان على لبنان تموز 2006، وأخيراً وليس أخيراً،
العدوان على قطاع غزة. وكان الهدف الأمريكي إسرائيلياً بامتياز.
فإدارة بوش تخلت عن مواجهة منافسيها الكبار لإعادة بناء "الشرق
الأوسط"، بتحويله إلى دويلات فسيفسائية ذات هوية جغرافية من أجل
محو هويته العربية الإسلامية، وبهذا يستطيع الكيان الصهيوني
الهيمنة عليه وضمان اخضاعه وإذلاله.
ولكن هذا الهدف قوبل بانتفاضة ومقاومة وانتخابات تشريعية فلسطينية
خرجت على حسابات إدارة بوش، ثم ووجه احتلال العراق بمقاومة قلبت كل
الحسابات وأدخلت مشروع الشرق الأوسط في المأزق ومهدت لزعزعة إدارة
بوش عالمياً، ثم جاءت المقاومة في لبنان 2006، لتنتصر على العدوان
الإسرائيلي العسكري ثم ليلحقها قطاع غزة في إفشال أهداف العدوان من
القصف الوحشي إلى الهجوم البري، إلى كسر الحصار. وهنا اجتمع الصمود
الشعبي العظيم والمقاومة الذكية الباسلة التي أفشلت الهجوم البري،
ولم تسكت صواريخها ثم الانتفاضات الشعبية شبه الشاملة عربياً
وإسلامياً وعالمياً ليكتمل عقد الثلاثي المقاوم والممانع الكبير
الشعب والمقاومة والرأي العام العالمي.
وبالمناسبة لم يكن هنالك مع هذا الثلاثي من ضعف إلا ما تعرضت له
الضفة الغربية من قمع وما حدث من تخاذل بعض القيادات في فتح معركة
ضد قوات الاحتلال في الآن نفسه مع قطاع غزة. الأمر الذي حال دون
إدخال الاحتلال والمستوطنات في مآزق حقيقي. وكان ذلك نابعاً من
موقف وزيري خارجية مصر والسعودية اللذين منعا عقد قمة عربية طارئة
كان يمكن أن تؤثر في الموقف الأوروبي وتعجل بوقف العدوان, لقد كان
إحباط عقد قمة طارئة سريعة خطيئة لا تغتفر.
أما المحصلة العامة أيها الأخوة والأخوات فكانت: عالمياً: انتهاء
أسطورة نظام القطب الواحد عملياً ونظرياً ونشوء أقطاب متعددة من
دول الانتقال إلى نظام متعدد القطبية راسخ المعالم. وإنما نظام
فوضى قطبية، ونهوض ثوري شعبي ولا استقرار ولا يقين وقد جاءت الأزمة
المالية لتسير بتوازٍ مع هذا الاتجاه وتنضم إليه ليحدث اضطراب عظيم
في الاقتصاد الدولي. فالنظام الرأسمالي العولمي الامبريالي سقط
أرضاً بأبشع مما حدث للنظام الاشتراكي من النمط السوفياتي، ولا
منقذ له إلا الدولة واستخدام القوة العسكرية والأجهزة الأمنية
وأموال دافعي الضرائب والثروات الخليجية. فالرأسمالية العولمية
الآن تستنجد بالدولة وهي التي ادعت بالأمس بأن سوقها قادرة على حل
أزماتها بنفسها.
المهم... إن العالم اليوم يمر باضطراب عظيم وفوضى شاملة في
الاقتصاد، وفي أزمة لم تصل قاعها بعد، ويشهد اختلالاً كبيراً في
موازين القوى محلياً وإقليمياً وعالمياً وكذلك الأمر وبوضوح أشد في
منطقتنا العربية – الإسلامية. فنحن الآن في مواجهة تغيير ملحوظ حدث
في موازين القوى عندنا في غير مصلحة الكيان الصهيوني وأميركا.
فالضربات التي نزلت بالكيان الصهيوني أكبر من أن ينكرها من يصرون
على أن يروا العدو منتصراً دائماً.
فالانتصار الذي حدث في لبنان عام 2000 بدحر الاحتلال عن جنوبه بلا
قيد أو شرط لا يمكن إنكاره، والإنتفاضة التي دامت ست سنوات في
فلسطين وانتهت بانسحاب قوات الاحتلال وتفكيك المستوطنات من قطاع
غزة، وبلا قيد أو شرط، لا تحتمل مكابرة وجدالاً، ثم المأثرة التي
حققتها المقاومة في العراق، وتحققها المقاومة في أفغانستان أكبر من
أن يشكك فيهما ثم من يستطيع المجادلة في انتصار المقاومة بقيادة
حزب الله في تموز 2006 في لبنان وقد هوت بهيمنة الجيش الصهيوني
الذي أفقدته لقب الجيش الذي لا يقهر.
وجاء انتصار غزة بالصمود والمقاومة والانتفاضات الشعبية عربيا
وإسلامياً وعالمياً ليكرس عجز الجيش الإسرائيلي عن احتلال حي في
مدينة فضلا عن إنجاز تاريخي استراتيجي نتيجة ما لحق بسمعة الكيان
الصهيوني من دمار سمعه ولصوق سمة مرتكب جرائم الحرب والإبادة عليه،
وهذا بعد خطير لأنه ضرب الكيان في أهم نقاط قوته، وهو الرأي العام
الغربي إذ تسوء الوجوه. أو قل لهم "ليسوءوا وجوهكم" فاعتزاز أو
إكباراً يا أهل غزة ويا مقاومة غزة وتحية لكل جهد صادق بذل ضد
العدوان ووقف إلى جانب الصمود والمقاومة.
أيها الأخوة والأخوات
بيد أن هذه المتغيرات الإيجابية تظل جزئية وسلبية في ظل ميزان قوى
عالمي وإقليمي واجه اختلالاً ويواجه اضطراباً وكلفة لم يصل إلى حد
أن يُترجم ما حدث إلى واقع يحقق ثباتاً واستقراراً. فالقوى التي
يمكن أن نسميها القوى المهزومة في المرحلة السابقة أخذت تستعد لشن
الهجوم المضاد العام على المستويين السياسي والعسكري, بل يمكن
اعتبار العدوان الوحشي على غزة وما صحبه من أدوار ومواقف يمثلان
بداية مرحلة بقدر ما مثلا نهاية مرحلة. وما الحصار المستمر على
قطاع غزة ومحاولات الابتزاز إلا الدليل على المرحلة الراهنة
القادمة. فحرب غزة تمت باطلاع باراك أوباما وموافقته، وقد دلت
مواقفه أولا مواقفه على ذلك في أثنائها. أما الدليل الأقوى فمشاركة
فريعة في الاتفاق الأمني الذي وقعته ليفني وكونداليزا رايس، وتعهد
قبل أسبوع بتنفيذه.
فإدارة أوباما تتابع الأهداف السياسية التي فشل العدوان على
تحقيقها عسكرياً وهو ما تدل عليه زيارة ميتشيل وما يجري من مساومات
مع روسيا والصين.
فأمريكا "الجديدة" القديمة التي غيرت لون بشرة رئيسها الأكثر، بدأت
بشن الهجوم عبر المفاوضات والمساومات والصفقات من أجل إعادة ترتيب
الأوراق السياسية المتجهة إلى إعطاء الأولوية الاستراتيجية لنزع
البرنامج النووي الإيراني وتغيير السياسات الإيرانية إزاء
المقاومتين في فلسطين ولبنان.
فالمفاوضات التي ستفتح مع إيران ستنتقل إلى العقوبات والمواجهة
السياسية مع إبقاء الخيار العسكري على الطاولة أو تحتها.
ومن هنا سيعمل ميتشيل بأعلى درجات الجدية لانجاز تسوية تصفوية
للقضية الفلسطينية تبدأ من حيث انتهت المفاوضات الثنائية السرية.
وذلك بهدف تحويل العداء باتجاه إيران بدلاً من الكيان الصهيوني.
فالمتغير في إدارة أوباما هو في الأساليب وإشكال إدارة الصراع ونوع
الخطاب ولكن ليس بالأهداف والاتجاه العام، وإذا كان الحديث عن
المفاوضات والدبلوماسية أخذا يطفوان على السطح فتحت السطح يجب أن
يرى التوجه العسكري الأمني نحو أفغانستان إلى جانب تنفيذ الاتفاق
الإسرائيلي- الأمريكي الأمني الذي هو نشر أساطيل عسكرية من باب
المندب إلى البحر المتوسط. وهذا لا علاقة له بالإدعاء أن الهدف
محاصرة شواطيء غزة ومنع تهريب السلاح لأنه يدخل ضمن مخطط إستراتيجي
عسكري أطلسي.
ولنتذكر أن لا امبريالية بلا حروب وقهر أمني وعسكري مهما لبس
الرئيس من قفازات حريرية فالرئيس الأمريكي يجب أن يكون جنرالاً.
ومن هنا سيكون عام 2009 عام مواجهات سياسية وعسكرية وانقسامات
داخلية، وعربية – عربية، وإسلامية – إسلامية، وستكون المعركة حول
ما يسمى "حل الدولتين" في مقدمة المواجهات السياسية ولا سيما حول
القدس والمسجد الأقصى وحق العودة وضد التوطين والوطن البديل
ومؤامرة "يهودية دولة إسرائيل" لما تعنيه من تهجير عرب فلسطين
المحتلة 1948/1949 وفي هذه المعركة ستكتشف حقيقة المواقف مواقف
المتواطئين والمتخاذلين كما موقف المقاومين والممانعين بل مواقف
الذين بين بين يضعون قدماً هنا وقدما هناك. ولكن كما في المرحلة
السابقة فإن الفشل سيكون من نصيب أمريكا والكيان الصهيوني ومن يقف
إلى جانبهما، أما أمتنا فسوف تنتصر بإذن الله، ستنتصر قوى المقاومة
والممانعة وستنتصر الجماهير وسينجو بنظامه كل من لا يقف إلى جانب
أمريكا وعدو الأمة الأولي الكيان الصهيوني.
وأخيراً لكن صريحاً وأقول إذا أردنا أن نختصر المسافة ونخفف من
التضحيات فعلى مصر والسعودية والرئيس محمود عباس أن يغيروا
سياساتهم التي طبقوها قبل العدوان وفي أثنائه وبعده حتى الآن. وممن
ثم يعودون إلى تضامن عربي يقف ضد العدوان ويراعي إرادة شعوبنا
العربية. فهل من مراجع للتجربة والنتائج أم على قلوب أقفالها.
عودة للصفحة
أعلى الصفحة
|