عقد
مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان ندوة متخصصة بعنوان
"التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية رئيس السلطة
الفلسطينية" وذلك يوم الاثنين الموافق 22/9/2008م، وقد شارك في
الندوة نخبة من الخبراء القانونيين والسياسيين من الأردن وفلسطين.
كما
استضافت الندوة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي ورئيس اللجنة
القانونية فيه من الضفة الغربية وقطاع غزة على التوالي الأستاذ حسن
خريشة. وقد تناولت الندوة أربعة محاور أساسية.
افتتح
الندوة الأستاذ جواد الحمد مدير المركز، وقال: إن السلطة
الوطنية الفلسطينية تتعرض في هذه المرحلة لمأزق مهم وحسّاس، في ظل
الخلاف حول ولاية الرئيس ووجود حكومتين، واستمرار القطيعة بين كل
من حركتي فتح وحماس، وما لها من تداعيات قانونية وسياسية على الشعب
الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
وحذر
الحمد من المخاطر الناجمة عن الخروج على النظام الأساسي الفلسطيني،
والقانون النافذ في معالجة قضايا السلطة، كما دعا إلى التكامل بين
دور الرئيس والمجلس التشريعي، للخروج بحلول عملية لأي خلاف وطني.
وأضاف
الحمد إن اندلاع الخلاف الإعلامي بين رئيس السلطة ورئيس حركة حماس
بسبب إعلان الأول عن نية تأجيل انتخابات الرئاسية عاماً واحداً،
وإعلان الثاني عن عدم الاعتراف بشرعية الرئيس بعد انتهاء ولايته قد
تسبب بإرباك الساحة السياسية الفلسطينية والعربية، وألقى بظلاله
على الحوار الوطني الجاري في القاهرة.
كما
حذر الحمد من خطورة ما تسرب حول تنسيق أمني واسع بين الأمن
الفلسطيني في الضفة وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، لخوض حرب أمنية
عسكرية ضد حركة حماس في حال انتهاء ولاية الرئيس، وقيام حماس
بإجراءات لملء الفراغ.
وأشار
الحمد إلى ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 19/9/2008 عن هذا
اللقاء، وعلى الأخص فيما يتعلق بالتوجه الأمني الفلسطيني لشن حرب
على حماس، قد تؤدي إلى حرب أهلية، ربما تكون أسوأ بكثير مما شهده
قطاع غزة العام الماضي.
وقال
الحمد إن الدور العربي يجب أن يصب في خانة الوفاق الوطني، وليس عبر
التهديد والوعيد الذي أطلقه البعض مؤخراً. محذراً من الاصطفاف
العربي إلى جانب طرف ضد طرف في الساحة الفلسطينية.
وتساءل
الحمد عن الوضع القانوني للسلطة في حال لم تجر الانتخابات الرئاسية
في موعدها، ونبّه إلى خطورة تفاقم الانقسام السياسي والشرعي
والقانوني والجغرافي بين غزة والضفة، وحذّر من نتائجه السلبية على
القضية الفلسطينية. وأشاد بالدراسة التي أجراها الدكتور أحمد
الخالدي رئيس لجنة صياغة الدستور الفلسطيني، والدراسة التي أجراها
قسم الدراسات القانونية في مركز دراسات الشرق الأوسط بمشاركة نخبة
من الخبراء القانونيين، واللتين قضتا بأن الخيار الوحيد هو التزام
النظام الأساسي، بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في
8/1/2009، لتفويت الفرصة على أي اختناق جديد للمأزق الفلسطيني
المتفاقم أصلاً.
وأبدى
أمله من خلال هذه الندوة بالتوصل إلى رؤية أكثر نضجاً لكيفية
التعامل مع المشكلة موضوع البحث والنقاش.
كان
المحور الأول حول استحقاقات الواقع القانوني الفلسطيني فيما
يتعلق بانتخابات الرئاسة حيث قدم الدكتور محمد الموسى أستاذ
القانون في جامعة آل البيت ورقة عمل حول الموضوع، أكد فيها أن
الحالة الفلسطينية القائمة لا تستدعي أي نظر في الحالات
الاستثنائية، حيث تنتهي فترة الرئاسة الطبيعية في 8/1/2009م ليحل
رئيس منتخب جديد مكان الرئيس السابق عبر انتخابات عامة حرة، وإن
منظمة التحرير لا تستطيع التدخل في شؤون السلطة الداخلية المتعقلة
بالانتخابات وما شابهها من مسائل، حيث لم يخوّلها القانون الأساسي
أي صلاحية في هذا المجال.
وقال
الموسى: إن القيام بتمديد ولاية الرئيس لعام إضافي- حسب بعض
التوجهات- يعد مخالفاً للقانون الأساسي، ويضر ضرراً بالغاً
بالديمقراطية الفلسطينية، وإن المركز القانوني لرئاسة السلطة سوف
يتحول إلى حالة غير دستورية، وإن الرئيس سيفقد صفته الدستورية
وسيصبح فاقداً للشرعية من الناحية القانونية، وسيغدو فاقداً لأي
صفة تمثيلية سواء للسلطة أو للشعب الفلسطيني. ولذلك فقد رأى الموسى
أن على رئيس السلطة ألا يقرر البقاء في منصبه، بل عليه أن يبادر
إلى تنظيم انتخابات رئاسية عامة في موعدها الدستوري.
وفي
المحور الثاني المتعلق بالتداعيات السياسية للتمديد للرئيس دون
انتخابات، وانعكاساتها على الوحدة الوطنية، قدم الدكتور صبري
سُمِيْرِة أستاذ العلوم السياسية ورقة عمل، أكد فيها أن الصراع
حول انتخابات الرئاسة إنما هو عَرَض لطبيعة المأزق الفلسطيني، وأن
الطرفين يسعيان إلى زيادة تأثيرهما في القيادة الميدانية الفعلية
للشعب الفلسطيني.
لكنه
أشار إلى وجود لاعبين آخرين خارج الساحة الفلسطينية يعملون على
استغلال ظروف الأزمة لتحقيق أهداف أخرى. وقال: ما لم تتفق حماس
وفتح على حل الخلاف من خلال الحوار والتوافق، فإن هذا الصراع سوف
يتمدد ليشهد فصولاً ربما تكون أكثر خطورة على الشعب والقضية
الفلسطينية، بما في ذلك الصراع على الشرعية، مما يضعف الجانب
الفلسطيني على كل المستويات والخيارات السياسية، خاصة في حال أعلنت
حماس انتقال الرئاسة لنائب رئيس المجلس التشريعي السيد أحمد بحر،
الأمر الذي قد تتبعه إجراءات أمنية في الضفة الغربية، وقرارات
رئاسية بحل المجلس التشريعي، وبالتالي انتقال الصراع إلى الشرعية
الدستورية والتمثيلية لقيادة الشعب الفلسطيني، وسيخضع الطرفان
للابتزاز من قبل إسرائيل وأمريكا ودول أخرى بسبب حاجة كل منهما
الماسة لمن يتفهم أو يؤيد ما قام به من إجراءات.
ورأى
سُمَيْرة أن المخرج إنما يتم بالحوار الوطني الشامل والجاد، وإعادة
الالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقاً من مواثيق، خصوصاً إذا ما
دُعم بتدخل عربي ايجابي جاد، بعيداً عن التهديد والتحريض، حيث لن
يكون ليوم انتهاء ولاية الرئيس مثل هذه التداعيات السياسية.
وتناول
المحور الثالث السيناريوهات المحتملة وتداعياتها في حال تم التمديد
للرئيس بعيداً عن النظام الأساسي والتوافق، حيث قدم الأستاذ فرج
الغول رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني
-ورئيس كتلة حماس فيه- ورقة عمل أكد فيها على عدم شرعية أي تمديد
يتم خارج المجلس التشريعي، وأشار إلى إمكانية تعديل النظام الأساسي
عبر المجلس التشريعي، في حال تحقق التوافق الوطني وفق الدستور.
وذكر
الغول أنه يرى أن هناك سيناريو واحد يستند إلى النظام الأساسي، وهو
إعلان الرئيس لإجراء الانتخابات ليغادر موقعه في 9/1/2009م، ليسلمه
لرئيس جديد إذا لم يتم انتخابه ثانية، وفي حال عدم قيامه بذلك، فإن
الرئاسة ستؤول حكماً لنائب رئيس المجلس التشريعي ليشرف على إجراء
انتخابات الرئاسة، حيث أن رئيس المجلس معتقل لدى سلطات الاحتلال،
وفي حال عدم قدرته على إجراء الانتخابات خلال المدة القانونية
المقررة وهي ستون يوماً فسيبقى رئيساً مؤقتاً للسلطة إلى حين إجراء
هذه الانتخابات، حسب النظام الداخلي للمجلس التشريعي.
وقال
الغول: إن القانون الأساسي لم يخول رئيس السلطة صلاحية حل المجلس
التشريعي مطلقاً، وإن تشكيل المحكمة الدستورية الذي يجري من قبل
وزير العدل في حكومة فياض لا يحظى بأي سند قانوني، ودعا إلى تطبيق
القانون الأساسي الفلسطيني أو التوافق الوطني على إجراء تعديلات
دستورية من خلال المجلس التشريعي لحل الموضوع، وإلا فإن بقاء
الرئيس في منصبه بعد انتهاء ولايته يجعله رئيساً غير شرعي للسلطة
الفلسطينية.
وفي
المحور الرابع تم تناول الخيارات والبدائل التي تمنع تفاقم الحالة
الفلسطينية، حيث قدم الأستاذ عبد الله حراحشة الباحث والخبير
في القانون والنظام الأساسي الفلسطيني ورقة عمل أكد فيها
أن
السلطة الفلسطينية تمر في المرحلة الحالية باختبار عسير عنوانه
تقييم الأداء القانوني في دائرة صنع القرار الوطني، ومدى التقيد
بالشرعية القانونية والالتزام بأحكام الدستور.
وعرض
الحراحشة الخيارات القانونية التي تسهم وتساعد في رفع مستوى
الاستقرار والاستمرارية والوحدة المؤسساتية للسلطات الموالية
للسلطة الوطنية الفلسطينية… حكومة وبرلماناً ورئاسة،
وفيما
يتعلق بالمركز القانوني للرئيس.
وقال:
إن الخيار الأول المتاح دستورياً وقانونياً هو الاستمرار الطبيعي
في ولاية الرئيس الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية حتى نهاية المدة
القانونية والدستورية لها، والتي بدأت في 9 كانون ثاني/يناير2005م
وتنتهي في 8/1/2009م، وإن الخيار الثاني المتاح دستورياً وقانونياً
هو التوجه لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك تطبيقاً للخيار
الوارد في المادة (37) من القانون الأساسي للسلطة الوطنية
الفلسطينية، حيث يقدم الرئيس استقالته إلى المجلس التشريعي، وإذا
قبلت بأغلبية ثلثي أعضائه، يتم إجراء انتخابات تكميلية أو فرعية
وفقاً للقانون. وهذا ما ورد في المادة (37) فقرة (2)، حيث يكمل
الرئيس الجديد المدة المتبقية حتى انتخابات المجلس التشريعي في
8/1/2010م ( وهي أكثر من عام).
وأشار
الحراحشة إلى تفرد الحالة القانونية الفلسطينية في آلية انعقاد
جلسات المجلس التشريعي من خلال موقعين جغرافيين أحدهما في الضفة
وآخر في غزة من خلال استخدام البث الفضائي، وهو ما يعطي الفرصة
لعقد المجلس التشريعي بكامل أعضائه حتى المعتقلين لدى سلطات
الاحتلال بالكتابة أو الصوت أو غيرها من وسائل الاتصال، لبحث
المأزق الفلسطيني وخياراته واتخاذ القرارات المناسبة.
وحذر
الحراحشة من اللجوء إلى خيارات أخرى غير دستورية يطرحها البعض
باجتهادات قانونية غير صحيحة، مثل التمديد للرئيس لعام إضافي واحد
بمرسوم رئاسي، أو حل المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات رئاسية
وتشريعية متزامنة في 8/1/2008م، أو إعلان حالة الطوارئ بعد إعلان
غزة إقليما متمرداً، لإعطاء الرئيس الحق في اتخاذ إجراءات طوارئ
وإجراء انتخابات في الضفة فقط، علماً أن الرئيس ملزم بتطبيق
الدستور في هذه الحالة، حيث ليس من حقه تعليق العمل بالدستور لا
كله ولا بعضه، أو حل السلطة بقرار من منظمة التحرير، أو التمديد
للرئيس بقرار من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وقال:
إن مثل هذه الخيارات إنما تمثل اعتداءً صارخاً على الدستور والنظام
المعمول به في السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا تحظى بأي سند
قانوني.
وأكد
الحراحشة على أهمية الوضوح في هذه المسألة لما لها من دور في
المحافظة على المركز القانوني لفصل السلطات الثلاث بما في ذلك مركز
الرئيس الفلسطيني.
وأوصى
الحراحشة باستبعاد كل الخيارات غير الدستورية لما لها من تداعيات
سلبية كبيرة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وفي
مداخلة شاملة تعقيباً على ما تقدم به الزملاء وتشخيصاً لطبيعة
المأزق قدم الأستاذ حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس
التشريعي الفلسطيني ورقة عمل أكد فيها على أن الشعب الفلسطيني
يعاني من أزمة مركّبة… قيادية وتنظيمية ورئاسية وقانونية، وأن
القرار الفلسطيني المستقل غائب، حيث يحكمه نائب القنصل الأمريكي في
القدس.
وقال:
في ظل حكومتين لا تتمتعان بالشرعية الكاملة، وفي ظل تغييب المجلس
التشريعي، حيث استخدم الرئيس حالة الضرورة غير القائمة لإصدار
قوانين مؤقتة كثيرة مست الوضع التشريعي الفلسطيني، كم أن الوصول
إلى مشكلة المركز القانوني للرئاسة سوف يعمق الأزمة الفلسطينية،
ويكرس حالة الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة.
وأضاف
خريشة: إن الخروج من المأزق يمكن أن يتم عبر الحوار ووقف حملات
التحريض الإعلامي ووقف الاعتقالات والإفراج عن المعتقلين
السياسيين، وتشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة، وإجراء انتخابات عامة
قبيل انتهاء ولاية التشريعي العام القادم.
وتوقع
خريشة أن يعلن رئيس السلطة الحالي عن انتخابات رئاسية، وأن لا
يستجيب للضغوط المحيطة به بإعلان غزة إقليماً متمرداً ليتاح تجاوز
غزة ومواطنيها في انتخابات تجري في الضفة الغربية وحدها، وناشد
الرئيس محمود عباس الالتزام بقسمه في حماية مصالح الشعب الفلسطيني،
وحماية القانون، ومنع المزيد من التفتت في الموقف الفلسطيني.
وفي
المناقشة العامة للنخبة القانونية والسياسية المشاركة، أبدى
المداخلون غضبهم الشديد على تفاقم الخلاف الفلسطيني حول مسائل
إجرائية في بناء النظام السياسي، في الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال
بكل الإجراءات للقضاء على الشعب والأرض الفلسطينية.
ودعا
بعض المداخلين إلى تدخل الدول العربية إيجابيا، وحذروا من
التداعيات السياسية الخطيرة على القضية في حال تفاقم هذا الصراع
على موقع الرئاسة والحكومة، وطالبوا بمقاربة سياسية واسعة، لتناول
المشكلة وحلها بين الفرقاء وليس اللجوء إلى القانون فقط، مع
التأكيد على ضرورة التزام الرئيس والحكومة ومختلف الفصائل بالقانون
الأساسي النافذ، وتفويت الفرصة على أي لاعبين آخرين لتصفية القضية
بحجة هذا الانقسام، وتحت ظلاله.
ودعوا
إلى إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني المزمع عقده في القاهرة بين
حركتي فتح وحماس من أجل الخروج بحل عملي لهذا المأزق، كما دعوا إلى
التوقف عن التكييفات القانونية من قبل عدد من القانونيين في السلطة
لتمرير خرق وانتهاك القانون والنظام الأساسي، ودعوا إلى السعي بدلا
من ذلك إلى الالتزام بالوفاق والوحدة والقانون سبيلاً وحيداً
للاتفاق الوطني لحل المشكلة.
وقد بدا القلق وعدم الثقة على مداخلات الحاضرين جميعاً بسبب غياب
الحوار والاجتماع بين القوى الأكبر في الساحة الفلسطينية، مما جعل
التوصية الأساسية تنصب على وقف أي إجراءات تفاقم الأزمة، والى سرعة
اللقاء والاتفاق على قواسم مشتركة سياسية وقانونية وإلى توحيد
الصفوف على قضية العشب ومصالحه العليا، والتضحية بالمصالح الحزبية
من أجل ذلك.