فرص حركات الإسلام السياسي وآفاق المستقبل في ضوء واقع الثورات والحراكات الإصلاحية العربية- النموذج التونسي

د. أحمد الأبيض/ تونس

تدعو الورقة في مطلعها إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم والمبادئ الأساسية التي تشكل البنية الفكرية وخطاب حركات الإسلام السياسي الفاعلة على اختلافها على الساحة العربية والإسلامية اليوم، داعيةً إلى قراءة مختلفةٍ للنصوص والموروث الحضاري لتلك الحركات وللإسلام بشكل عام، على أساس اعتبار أن ذلك الموروث يملك الكثير من نقاط التقاطع والتلاقي مع الديمقراطية والمدنية الغربية بشكلها الحديث، وبالرغم من وجود استثناءات إلا أن الورقة تؤكد على انفتاح كبرى الحركات الإسلامية على تلك الدعوات.

وتبحث الورقة في الجزء الثاني في عناصر القوة والضعف لدى الحركات الإسلامية المتصدرة للمشهد السياسي في العالم العربي، مع شيء من التركيز على الحالة التونسية ونموذج حركة النهضة كواحدة من أبرز تلك الحركات، على اعتبار أن مبادئ الحركة وموروثها الحضاري والثقافي والقيمي والتجربة التي خاضتها الحركة إضافةً إلى مكاسب المرحلة الراهنة من أبرز عناصر القوة التي تتمتع بها، أما عناصر الضعف، فيمكن تقسيمها إلى عناصر ذاتية داخلية متعلقة بالممارسة والتناسق والانسجام في هذا المضمار الجديد على الإسلاميين بشكل عام، وإلى عناصر موضوعية عائدة إلى حجم الضغط الخارجي والداخلي الممارس على دول الربيع العربي وتونس من بينها.

ثم ينتقل الكاتب إلى عرض لأبرز المحطات التي مرت على تونس منذ بداية الثورة وحتى اليوم ودور حركة النهضة في كلّ منها، حيث مرت تونس مع الثورة و"النهضة" بمراحل المظاهرات والضغط الشعبي، ثم الحكم التوافقي عقب إزاحة بن علي وتصدرها لنتائج انتخابات المجلس التأسيسي، والمرحلة الانتقالية التي كان قد تم الإعداد لها مسبقاً ضمن إطار من الأهداف المحددة وفق متطلبات المرحلة وتجارب الثورات، وهنا تشير الورقة إلى ما آلت إليه الثورة في مصر عقب الانقلاب عليها في تحديد لأبرز أسباب تعثر المسار الديمقراطي في مصر أو لأي تعثر محتمل لتجربة الإسلاميين في الحكم، والتي كان على رأسها بحسب الورقة القضاء الفاسد والدولة العميقة إضافة إلى الثقة المفرطة في الجيش كما حدث في مصر على وجه الخصوص، ثم تدخل النقابات في العمل السياسي تجاوزاً لنتائج الانتخبات التي تتعثر فيها أحزاب الثورة المضادة، وأخيراً وليس آخراً التجييش الإعلامي ضد حركات الإسلام السياسي والحرية المفرطة التي حازت عليها تلك الجهات الإعلامية. وتزعم الورقة بأن ممارسات الانقلابيين في دول الربيع العربي منحت الإسلاميين شرعية أكبر لالتزامهم المسار المدني وخففت من الضغط عليهم كقادة للمرحلة، بل إن الانقلاب في مصر ساعد الإسلاميين على الخروج من مأزق الاهتراء في السلطة وأتاح لهم العودة إلى الشارع مما سيمكنهم من استعادة الحكم بقدر أكبر من النضج والعمق بحسب الكاتب.

وتلفت الورقة ختاماً إلى الثغرات التي لابد من تغطيتها في سبيل تحقيق أهداف الربيع العربي، من ثغرات فكرية وبشرية وسياسية واستراتيجية ومجتمعية وبنيوية ونسائية إضافةً إلى ثغرة العلاقات الدولية، كما وتحدد أبرز مهام الإسلاميين على الساحة السياسية ضمن الأفق المنظور والتي تتصدرها مهمة تثبيت النهج التشاركي وتوسيع قاعدته وتأمين الوصول إلى انتخابات شفافة وحماية المسار الانتقالي، وإيجاد القيادة التنفيذية السياسية المقتدرة، وإجراء التعديلات على الهيكلية التنظيمية، وتقويتها بما يخدم أهداف المرحلة، والانفتاح على القدرات الوطنية، وتسريع الانتهاء من الدستور والمصادقة عليه، وكبح جماح الإعلام، وترسيخ حكم القانون وبسط الأمن ومحاربة الفساد، ودتعيم الاقتصاد، والتأكيد على الشرعية، وتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية المجاورة والعلاقات الدولية بشكل عام، وتأكيد وطنية المشروع الإسلامي.